كانت أزمة جورجيا نموذجا مصغرا لأزمة أوكرانيا الحالية ، فقد صرح الرئيس الروسى ميدفيديف بعدها ب3 سنوات أى عام 2011 فى مؤتمر صحفى ردا على سؤال : لماذا لم تصل الدبابات الروسية إلى تبليسى بالقول : إن هدف تلك العملية ” الحض على السلام “التى استمرت خمسة أيام قد تم تحقيقه . لم تهدف تلك العملية إلى الاستيلاء على تبليسى أو أى مدينة أخرى . كان المطلوب فقط وقف العدوان الذى شنه ساكاشفيلى . علاوة على ذلك ، أنا لست قاضيا ولا سفاحا ، أؤكد ثانية ان تقييم ساكاشفيلى ومصيره يجب أن يقرره الشعب الجورجى عن طريق التصويت أو بطريقة أخرى .
وبالعودة إلى أحداث الأزمة وفى يوم 12 أغسطس 2008 كانت طائرة الرئيس الفرنسى فى الجو عندما ظهر أمامه على شاشات القنوات التلفزيونية الروسية ديمترى ميدفيديف وقال إن عملية ” الحض على السلام ” قد حققت أهدافها ولهذا تعتبر منتهية . ووصل ساركوزى بالطائرة إلى موسكو وقد شعر بنفسه كأنه أبله ، فقد تم تحقيق الهدف الرئيس من زيارته من دون تدخله . ولكن المقبل كان أسوأ .
فما أن بدأ مباحثاته مع ميدفيديف حتى انضم إليهما بعد 40 دقيقة فلاديمير بوتين الذى صرح فى اللقاء بأنه ينوى ” تعليق ساكاشفيلى من خصيتيه ” . ويروى ساركوزى أن بوتين بعد ذلك اقترب منه وأمسك برابطة عنقه وبدأ يهزه كى يظهر جدية نواياه . ومع كل ذلك واصل ساركوزى مهمته المكوكية بين موسكو وتبليسى ، ولكن فى المرة التالية لحضوره إلى موسكو أشترط – تجنبا للبهدلة – أن يتباحث فقط مع ميدفيديف وألا يحضر بوتين فى مكان محادثاتهما !!
وبعيدا عن ساركوزى المسكين انتهت الأزمة بعد 5 أيام على ما يبدو من خلال اتصالات مباشرة غير معلنة بين موسكو وواشنطن بعد أن حققت موسكو أهدافها الرئيسية . لم تدخل الدبابات الروسية العاصمة تبليسى وتم إقرار وقف إطلاق النار ، وتم فرض اتفاق عدم استخدام القوة من قبل جورجيا ضد الجمهوريتين أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وتم تأكيد استقلالهما فعليا . وفى يوم 26 أغسطس عام 2008 أعلن الرئيس ميدفيديف أن روسيا تعترف بأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية جمهوريتين مستقلتين . ولم يحدث ضم الجمهوريتين إلى روسيا . ولم يكن هذا ضروريا لروسيا فهما جمهوريتان صديقتان . وعادت خلال عام ونصف العام العلاقات إلى طبيعتها الدبلوماسية بين روسيا وجورجيا وتمت إعادة تسيير الرحلات الجوية بينهما ، وبعد عامين ألغت جورجيا من جانب واحد نظام تأشيرة الدخول للمواطنين الروس .
لم يعلق ساكاشفيلى من خصيتيه كما هدد القبضاى بوتين ، ولكن حدث له ماهو أسوأ من ذلك بدون تدخل بوتين أو روسيا . لقد نكل به الشعب الجورجى بنفسه ، بعد أن خرج من الحكم فى 17 نوفمبر عام 2013 . قصة هذا الرجل التافه لا تهمنا ولسنا الآن فى معرض تقديم قصة مسلية . ولكن كما قلت فى البداية لنعرف من هم أعداء روسيا كى نعرف كيف نقيم روسيا بشكل موضوعى . ولكن يوجد ما هو أهم من ذلك ، ولا تذكره الآن وسائل الإعلام فى العالم الحر !! وهو يهمنا لأنه متصل بأوكرانيا . وقد أشرنا من قبل إلى أن جورجيا فى عهد ساكاشفيلى كانت توأم أوكرانيا فى العداء لروسيا والتبعية لأمريكا . والآن ولهذه الأهمية فى فهم أحداث أوكرانيا اليوم لنتابع معا قصة ساكاشفيلى وإلى أين وصل ؟
بعد خروجه من الحكم فى أواخر عام 2013 خرج من البلاد متوجها إلى أوكرانيا . وبمجرد خروجه من الحدود تحركت ضده قضية فساد فى المحاكم الجورجية ، ولكن الخطير والمريب هو الأمر غير المسبوق إذ تولى عدة مناصب رسمية فى أوكرانيا . و كان يحمل جنسية اوكرانية مزدوجة مع جنسيته الجورجية ، وكان قد أدى تعليمه فى أوكرانيا .
حياة ساكاشفيلى نموذج للعميل وهى تستحق التوقف .. لنعرف كيف يصنع العملاء ؟
حاصل على الإجازة في القانون من جامعة كييف في أوكرانيا سنة 1992. كما حصل على منحة دراسية في الولايات المتحدة، حيث حصل على دبلوم في القانون بجامعة كولومبيا وآخر بجامعة جورج واشنطن سنة 1994. كماحصل على دبلوم من المعهد الدولي لحقوق الإنسان في ستراسبورغ بفرنسا سنة 1995. وهو متزوج من ساندرا روولف الهولندية الأصل. وهو يتقن بالإضافة إلى الجورجية لغته الأم، الفرنسية والإنجليزية والروسية والأوكرانية
عاد إلى جورجيا بعد تخرجه ونيله الشهادة في الحقوق سنة 2000 ونشط في المجال السياسي، كما عين وزيراً للعدل في رئاسة إدوارد شيفرنادزه
استقال من الحكومة سنة 2002 وأسس حزب معارضة سمي بالحركة الوطنية الجورجية وأصبح زعيم المعارضة ثم انتخب رئيس مجلس العاصمة تبليسي .
استطاع إسقاط حكومة شيفرنادزه عقب ثورة ملونة اشتهرت باسم ثورة الورود أحدثها وأعوانه لإدعائهم بأن الحكومة تدخلت في الانتخابات البرلمانية سنة 2003.
قبل ذلك مر بمواقع ملفتة للانتباه : عمل بمكتب محاماة في نيويورك سنة 1994. وانتخب نائبا في البرلمان سنة 1995. كما عمل مكلفا بمهمة حقوق الإنسان في الفترة الانتقالية التي تلت استقالة الرئيس الجورجي السابق زفياد غامسخورديا. ورأس اللجنة البرلمانية المكلفة بإعداد نظام انتخابي جديد.
في يناير 2000 عين نائباً لرئيس الجمعية البرلمانية للمجلس الأوروبي. فى ويكبيديا يوصف كالتالى :
يعتبر بشكل كبير أنه موال للناتو وللولايات المتحدة الأمريكية. في عام 2010، كان 67% من الجورجيين يساندونه في سياسته رغم الانتقادات من طرف المعارضة بسبب ميولاته السلطوية وبسبب غش محتمل في الانتخابات.
فى عام 2015 استدعت وزاره الخارجية في جورجيا سفير أوكرانيا في تبليسي لتقديم تفسير حول أسباب تعيين الرئيس الجورجي السابق، المقيم في المنفي ساكاشفيلي مستشارًا للرئيس الاوكراني بيترو بوروشينكو . والحقيقة أن ساكاشفيلى تقلب فى عدة مناصب رسمية سياسية بمجرد وصوله إلى أوكرانيا عام 2013 . وفى نفس عام 2015 تم تعيينه حاكما لإقليم أوديسا الأوكراني المضطرب.
أعلن ذلك الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو، ويشمل الإقليم مدينة أوديسا التي يوجد بها أكبر موانئ البلاد.
وفى 30 مايو 2015 ذكر موقع سكاى نيوز الغربى : ورغم أن أوديسا لم تتأثر بالقتال بين القوات الحكومية والانفصاليين في الشرق، إلا أن التوتر بين القوميين والموالين لروسيا يعد قويا.
وفي مايو الماضي لقي 48 شخصا حتفهم في أعمال عنف بين مؤيدي الجانبين، غالبيتهم من الموالين للروس الذين لجأوا إلى مبنى نشبت فيه النار بعد أن ألقى خصومهم قنابل حارقة عليه. – لاحظ أن هذا ما تقوله روسيا الآن فهى لاتدعى ولا تختلق مبررات . التعليق من م . أ ح –
وتحت حكم ساكاشفيلي خاضت جورجيا حربا قصيرة مع روسيا عام 2008، ويواجه اتهامات باساءة استخدام السلطة في بلاده، ورفضت أوكرانيا الشهر الماضي طلب جورجيا بتسليمه. سكاى نيوز
ساكاشفيلى شخص لا يوثق فيه ، فحتى أوكرانيا التى حاولت الاستفادة منه فى العداء لروسيا غضبت عليه لشىء ما وسحبت جنسيته الأوكرانية وطردته من البلاد !!
فى 28 أكتوبر 2017 صرح ساكاشفيلى بالتالى :
قال الرئيس الجورجي السابق والحاكم الإداري لمحافظة أوديسا الأوكرانية سابقا، ميخائيل ساكاشفيلي، إن السلطات الأوكرانية تعكف على صياغة وثائق من أجل اعتقاله وتسليمه إلى جورجيا.
وكتب ساكاشفيلي على حسابه في فيسبوك: “في هذه الأيام يعد المدعي العام الأوكراني، يوري لوتسينكو وثائق تهدف لاعتقالي، وترحيلي إلى جورجيا بسبب الفترة التي أمضيتها رئيسا للبلاد”.
وكانت وزارة العدل الأوكرانية قد أعلنت في سبتمبر2017، أن كييف تسلمت طلبا من تبليسي باعتقال ساكشفيلي وترحيله مقيدا إلى الأراضي الجورجية، وأن الوزارة ستحيل الطلب إلى النيابة العامة لدراسته والبت فيه.
يذكر – وكل هذه المعلومات من وكالات الأنباء الغربية – أن ساكاشفيلي الذي سحبت السلطات في كييف منه الجنسية الأوكرانية، قد عاد إليها قادما من أوروبا عبر معبر حدودي مع بولندا في 10 سبتمبر 2017، وعندما حاولت قوات الأمن الأوكرانية منعه من العودة باعتبار جواز سفره الأوكراني غير ساري المفعول بقرار قضائي، تدخل حشد من مناصريه كانوا بانتظاره وحطموا الحواجز الأمنية وأدخلوه إلى البلاد عنوة.
من جانبها قامت النيابة العامة الأوكرانية بفتح قضية جنائية بحق ساكاشفيلي تنص على أنه خالف خمس مواد قانونية منها التورط في ارسال أشخاص عبر الحدود بطرق غير شرعية و مقاومة أفراد الأمن أثناء أداء عملهم.
وصرح ساكاشفيلي على إثر ذلك، بأنه لم يخالف القانون عند عبوره الحدود، وأنه ينوي اللجوء إلى القضاء من أجل استعادة جنسيته الأوكرانية، مؤكدا أن عناصر الأمن ” سرقوا جواز سفره الأوكراني” عندما قاموا بتفتيش بيته، الأمر الذي نفته الشرطة الأوكرانية.
من جهته قدم محام ساكاشفيلي لإدارة الهجرة والجوازات الأوكرانية، طلبا حول اعتبار موكله من الأشخاص الذين يحتاجون لحماية إضافية من قبل الدولة، بهدف عدم الموافقة على ترحيل السياسي من أوكرانيا إلى جورجيا.
كيف تحولت حياة ساكاشفيلى إلى نوع من أفلام العصابات والمجرمين والمطاردين دوليا .. وهذا تحذير لكل العملاء .. والقصة لم تنه بعد
الحديث متواصل
magdyahmedhussen@gmail.com