ملوك الصين والتبت والهند يعلنون الطاعة للخليفة العباسى

بقلم مجدي أحمد حسين

البحر المتوسط بحيرة عربية والمحيط الهندى بحيرة اسلامية

– دولة الاسلام أكبر امبراطورية فى التاريخ قبل الامبراطوريات الحديثة – خلال قرن واحد امتدت من مشارف الصين إلى ضواحى باريس ( الحلقة 68 من دراسة المستطيل القرآنى بقلم مجدى أحمد حسين – كل حلقة يمكن قراءتها كمقال مستقل – وقريبا إن شاء الله ستوضع فى صورة كتاب )

ظلت المسافة الزمنية بين نهاية عهد اسماعيل عليه السلام وبدايات عهد النبوة من حياة محمد صلى الله عليه وسلم ، ظلت هذه المسافة الزمنية شحيحة المعلومات إلا من بعض القصص حول قبيلة جرهم وهى روايات غير موثقة بصورة كافية . ولكن لاشك إن عبادة التوحيد اضمحلت حتى صارت مكة مركزا لإشاعة الشرك وأصبح الموحدون قلة نادرة تعد على أصابع اليد أو اليدين .وانطلق الاسلام بقلة قليلة من أكثر الشخصيات أصالة من المراكز الحضرية ( مكة والمدينة خاصة ) وليس من عموم الأعراب والبدو . كانت نشأة الاسلام وانطلاقته من هذه البؤرة ذروة الاعجاز ، فمنذ آلاف السنين لم تكن هنا حضارة من أى نوع ، ومن الطبيعى ألا تصل إلينا أى نوع من الكتابات من شعب أمى لا يقرأ ولايكتب بينما الشعوب من حوله تكتب على الحجر والورق والجلود وغيرها وتتبحر فى كل مجالات العلم . لانستطيع بل لانرى ضرورة للبرهنة على ذلك أكثر من ما برهننا عليه من قبل ، لادراك حجم ووزن الاعجاز الذى تحقق ، فهو دليل على نفحة سماوية من عنده تعالى ( قرآنا عربيا غير ذى عوج ) ونور الحكمة من سيد الخلق أجمعين محمد صلى الله عليه وسلم ، وخلال عقود قليلة وصل المد الاسلامى شرقا إلى مشارف الصين وغربا إلى مشارف باريس ! ( حوالى قرن واحد من الزمان ).لقد بعث الرسول إلى أمة أمية ليست لها ثقافة والرسول أمى فى أمة لاتعرف المسائل العلمية الشديدة التعقيد والفلسفات والثقافات والحضارات.أمى لم يأخذ علما من بشر أى كما ولدته أمه ( هو الذى بعث فى الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين ) الجمعة – 2وتقول الروايات إن عدد من كان يجيد القراءة والكتابة فى مكة حوالى 27 انسانا ! وهناك معنى آخر للأمية ان الأمى هو الذى لم يتنزل عليه كتاب من قبل ولم يأته نذير ( لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون ) يس – 6. قوما هود وصالح بعدت عليهم الشقة وأبيدوا. وأيضا (أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون ) السجدة – 3 .العرب قبل نزول القرآن كأنهم لم يمارسوا أى عمليات تعليمية أو معرفية ولذلك كان القرآن بالنسبة لهم هو المصدر المنشىء لأفكارهم ولآرائهم ولتصوراتهم ولعلومهم ومصدرهم الأسلسى للخروج من الجاهلية ، وحوله تكونت فيما بعد العلوم الاسلامية والفكر الاسلامى أو العلوم النقلية و العلوم الشرعية .لقد نزل القرآن الكريم عبر واسطة غير تقليدية ، غير مسبوقة ، ولن يوجد لها مثيل من بعد : القرآن نزل على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ( نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين ) الشعراء 193 – 194 . التنزيل على القلب لا يستلزم معرفة القراءة والكتابة كما يعرفها الناس ، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمى مرسل إلى شعوب أمية بقرآن من صفاته وخواصه التنزل على القلوب ، لذلك فإن تدبر القرآن يبدأ من القلب وهو فى قمة نشاطه ومنه يفيض على الجوارح كلها فيصبح بمثابة دم الحياةالذى يأخذ القلب نصيبه ثم يقوم بتوزيعه بعدالة على الأعضاء كلها ويمدها بالحياة .لم يكن مطلوبا ليحدث هذا الانفجار الكونى لنشأة الاسلام فى جوف الصحراء ثم انتشاره فى غمضة عين ( وهى بحسابات التاريخ غمضة عين ) ليحكم نصف العالم القديم ، ثم فى مراحل تالية يعبر القارات والمحيطات ويتواجد فى كل أركان العالم ، ويصبح أهل الغرب فى أوروبا وأمريكا يبيتون لايشغلهم الا المد الاسلامى . لم يكن مطلوبا لحدوث هذا التفجير النووى الا هذا القرآن ( يتنزل على قلب ) سيدنا محمد ومعه حفنة ضئيلة من أشرف الناس وأتقى الناس من نخبة النخبة العربية وليس من البدو والرعاة المتنقلين فى الفيافى ، من أمثال أبى بكر وعثمان بن عفان وعمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف ( راجع تاريخ مجموعة الصحابة الأولى ). كانت الذخيرة التى خرجت من جوف الصحراء وغيرت مجرى التاريخ هى القرآن الكريم الذى لا يزال وكأنه يتابع مسيرته وحده مهما قصر المسلمون أو تخاذلوا ، القرآن يبحر فى أمواج الحياة بقانونه الخاص وتترجم معانيه إلى مختلف اللغات رغم أن قلب العالم الاسلامى لايزال خاضعا لنفوذ الصليبيين الأمريكيين واليهود.لن نجد سوى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يصف لنا هذا القرآن ويتحدث عن كنهه. جاء فى الحارث بن عبد الله الهمدانى صاحب الامام على ليخبره بما سقط الناس فيه من هجر القرآن ، يقول الحارث (مررت بمسجد الكوفة وقد رأيت الناس يخوضون بالأحاديث – أى بدل مدارسة القرآن – فدخلت على على وأخبرته فقال : أو قد فعلوها؟ قلت : نعم قال :أما إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ألاانه ستكون فتن . قلت فما المخرج منها يارسول الله ؟ قال : كتاب الله . فيه نبأما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم ، وهو الفصل وليس الهزل . من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله ، وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذى لاتزيغ به الأهواء ولاتلتبس به الألسنة ولا يشبع منه العلماء ، ولا تنقضى عجائبه ، من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن وعى إليه هدى إلى صراط مستقيم . ( الترمزى ).فى سنوات معدودة وفى حدود عقد واحد من الزمن تم تحرير العراق من أيدى حكام الفرس ، وكان الفرس قد ضموه إليهم منذ أكثر من عشرة قرون حتى ان العاصمة المدائن كانت على أرض العراق. ولكن تكوين العراق كان عربيا من تعدد الهجرات العربية عبر آلاف السنين وكانوا يميلون إلى التنصر ، ولم يكن الفرس يجدون غضاضة فى ذلك طالما أنهم مطيعون سياسيا ومدافعون أشداء عن حدود الدولة الفارسية . وأيضا خلال سنوات معدودة هى سنوات حكم عمر بن الخطاب تم الاستيلاء على مجمل الأراضى الفارسية الأصلية . وفارس كمصطلح جغرافى محير للغاية ويوضح ان هذه البلاد متداخلة مع بعضها بعضا بصورة كبيرة وان نموذج مصر المنعزلة كدولة معروفة ومستقلة غير موجود فى هذه البلاد وربما فى معظم بلاد العالم . فى ذلك الوقت كان مصطلح فارس يدل على ايران وأفغانستان وكثير من مناطق تركمانستان وطاجيكستان وكلها كان اسمها قديما ( ايران زمين ) أى الأراضى الايرانية . وكان الفتح الاسلامى يتوغل فى كل هذه البلدان ولا يهتم بالأسماء والعناوين فهو لايسعى الا لنشر الاسلام ولكن من المؤكد ان الجيوش الاسلامية توغلت فى أفغانستان فى عهد عمر بن الخطاب على أساس أنها أرض فارسية .. ولكن فى عهد عثمان ين عفان توغل صحابة رسول الله أكثر . فى عام 23 هجرية بقيادة الأحنف بن قيس تم التوغل إلى أعماق أفغانستان ( حسب تسمية اليوم )ومروا بتماثيل بوذا الكبرى ولم يتعرضوا لها على عكس طالبان الذين دمروها باعتبارهم أكثر فقها من الصحابة .!! وعندما يقال ان محمد بن القاسم الثقفى فتح الهند عام 90 هجرية فهو فى الحقيقة فتح بلاد السند ( باكستان الحالية ) أى شمال الهند . أما فتح الهند فى عمقها الجنوبى فكان بعد ذلك على يد السلطان محمود الغزنوى ووالده الأمير سبكتكين وابنه مسعود ( د. عفاف زيدان ).ماذا يقول علماء الجغرافية والتاريخ فى الغرب عن هذه الطفرة التى حدثت من بؤرة الصحراء إلى مجمل الكرة الأرضية ؟ يقول ماكيندر أهم عالم جغرافى فى الغرب إن عرب الاسلام خرجوا من قلب الجزيرة ليبنوا دولة لم تسبقها من قبل دولة فى الامتداد والرقعة ولم تلحقها من بعد الا امبراطوريات العصر الحديث وحدها . ويصف ماكيندر هذه الدولة الاسلامية الأولى بأنها الامبراطورية العالمية الأولى فى التاريخ ” تقلد الاسكندر وتستبق نابليون ” . والحقيقة ان امبراطورية الاسكندرتقلصت سريعا خاصة فى نواحى الهند وفارس والعراق ، وكذلك امبراطورية نابليون كانت قصيرة العمر .. ويقول علماء الغرب وهم يروون الحقائق : من أطراف الصين إلى أبواب فرنسا ضمت دولة الاسلام شمال الهند ووسط آسيا وكل هضبة ايران – سجستان وخراسان وفارس إلى جانب العالم العربى بتحديده الحديث ومضاف الى ذلك جميعا شبه الجزيرة الايبرية ( الأندلس ) الا قليلا وكانت تسمى المغرب الأوروبى أو المغرب الثانى . وفيما بعد طغى المدعلى شطر كبير من شرقى هضبة الأناضول ( أرض الروم )وكان يهدد القسطنطينية وروما بل ان قوات اسلامية تقدمت فى فرنسا وعلى أبواب سويسرا !! وقد أدت هذه التطورات الدراماتيكية إلى تحول البحر المتوسط من بحر الروم إلى بحيرة عربية خالصة باحتلال صقلية وأجزاء من جنوب اوروبا وجزر المتوسط بعد السيطرة على مجمل شمال افريقيا .وعلى خط آخر وبعيدا عن أى مواجهات عسكرية بل من خلال التجارة والنفوذ الحضارى والسياسى امتدت الحضارة الاسلامية لتحيط بالمحيط الهندى بسواحله الافريقية والهندية حتى وصلت إلى الملايو ( ماليزيا ) وأندونيسيا فى أقصى الشرق وليصبح المحيط الهندى بحيرة عربية اسلامية . هذا بالاضافة الى التوغل السلمى على الأغلب فى غرب وقلب افريقيا . وهكذا تمركزت الامبراطورية – كما يسمونها فى الغرب – الاسلامية على القارات القديمة الثلاث ، تطل أوتشرف على المحيطات الثلاثة الأطلسى والهندى والهادى أو على الأقل تتماس معها . وهى فى نفس الوقت ترتكز على محور قاطع ممتد من ملقا الملايو فى الشرق حتى ملقا الأندلس فى الغرب وكلا الاسمين عربى يستمد أصله بالفعل من انه ( ملقى ) أو ( ملتقى ). [ د. جمال حمدان ]. هذا المحور يمتد من جبل طارق الأطلسى إلى جبل طارق الهادى ( سنغافوره ). وعلى المستوى الطولى تمتد هذه الامبراطورية من بحر قزوين حتى مدغشقر. هذه الرقعة الاسلامية اذا تضم بحيرتين عربيتين : المتوسط والهندى وتتوسطها بحار خمسة : قزوين – الأسود – الفارسى – الأحمر – المتوسط. ويحاول كثير من كتاب الغرب أن يصم هذه الدولة بالامبراطورية الاستعمارية ولكن الواقع يرد على هذه المزاعم بأن هذه الدولة العربية الاسلامية كانت امبراطورية – ان جاز التعبير – تحررية فهى التى حررت هذه المناطق من نير الاستعمارين الرومانى والفارسى . وبعدها لم تعرف الدولة الجديدة – كما يقول جمال حمدان – عنصرية أو حاجزا لونيا بل كانت وحدة مفتوحة من الاختلاط والتزاوج الحر. وما عرفت شعوبية أو حاجزا حضاريا حيث كانت وسطا حضاريا متجانسا مشاعا للجميع ولم تخلق نواة عالمية سائدة تتميز على سائر المقاطعات والأقاليم فى شىء . بل إن نواة جغرافية ما لم تحتكر السلطة السياسية قط بل على العكس كانت السلطة ” دولة بين الجميع” . فقد هاجر مركز الحكم السياسى بانتظام فلم يلبث بعد قليل أن ترك ” النواة الأولى ” فى جزيرة العرب فانتقل إلى الشام الأموية ثم غادرها إلى العراق العباسى حتى تركه لمصر المملوكية والفاطمية والأيوبية . ومن ناحية أخرى كان المغرب مركزا آخر للقوة ومثله كانت الأندلس .المهم هذه الدولة الاسلامية العملاقة التى تشكلت فى القرن الاسلامى الأول حيرت علماء التاريخ والجغرافية بقواعدهم ومناهجهم المادية ، كيف انبثقت هذه الدولة العملاقة من موقع جغرافى سمى تقليديا ” القلب الميت ” أى قلب الجزيرة العربية التى لاتعلم شيئا عن الحضارات . هذه القوة الصحراوية بقاعدة أرضية شبه خاوية وموارد طبيعية شحيحة وانتاج اقتصادى متواضع وكثافة سكانية هزيلة ، كيف تمكنت من قهر وإخضاع قوى البر والبحر التقليدية العتيدة ، فارس شرقا والروم غربا وفى مدى زمنى يحسب بالسنين أكثر مما يحسب بالعقود .وقد حاول العلماء الماديون أن يجدوا تفسيرا ماديا لهذه المعجزة فقالوا كلاما متهافتا لأنهم استبعدوا نور السموات والأرض ، استبعدوا من حسابهم وتقديراتهم نور الله الذى عم الكون ، عم الكرة الأرضية وخاطب الجن والانس على حد سواء من خلال القرآن الكريم . فمنهم من تحدث عن “الحلقة السعيدة ” التى أشرنا إليها من قبل والمحيطة بالقلب الميت للجزيرة وأنها كانت الركيزة لهذا التقدم الاسلامى ، فكان انتزاع الشام من الرومان ثم العراق من فارس ثم مصر الرومانية وهذا هو الذى منح العرب القوة لمزيد من المواجهة مع تلك الامبراطوريات . وهذا حديث أناس لم يقرأوا صفحة واحدة من التاريخ . فإذا كان اكتساح الشام وفارس تم فى سنوات معدودات فمتى كانت الفرصة لعرب الصحراء أن يستعينوا بمقومات الحضارة الحديثة . لقد كانت معارك سريعة متواصلة لاتعرف الراحة أو الهدوء لأى بحث أو دراسة أو محاولة استيعاب لهذه المجتمعات ومابها . انها اندفاعة بالسيف والخيل بقوة ايمانية تتحدى الصخور والرمال والحصون والمتاريس الحديدية والأفيال الهندية ، ولقد حسمت المعركة قبل أن يتوقف العرب ليتأملوا ويدرسوا ماذا توجد فى هذه البلدان من مقومات الحضارة والتكنولوجية والتقدم الادارى ، فهذه مرحلة تالية حدثت بعد انتهاء المعركة !! وهزيمة حكام الفرس والروم ، وإن ظل الرومان يحاولون خاصة فى شمال افريقيا أن يعودوا من حيث طردوا ولكن محاولاتهم باءت بالفشل فقد كان الانكسار الأكبر قد حدث فى الشام ومصر وجزر المتوسط . كذلك أخطأ علماء الجغرافية والتاريخ الاوربيون حين وضعوا دولة الاسلام واندفاعتها الحضارية فى مصاف الصراع بين البدو والحضر أو بين الطين والرمال ، فهذا سخف وعنصرية ، لأنهم بذلك يضعون الفتح العربى فى نفس مصاف الرعاة والهمج من الهون أو المغول وأمثالهم. فهؤلاء البدو لم يدمروا حضارات بل أعادوا بناءها على أسس سليمة وأوقفوا الممارسات العدوانية والتسلطية التى مارسها الرومان على أهل الشام وحكام الفرس على أهل العراق وفارس . لم يكن العرب حتى كبدو الصحراء العربية الذين يغيرون على بعضهم بعضا أو يقطعون الطريق على قوافل التجارة أو يهاجمون مناطق زراعية على أطراف الجزيرة كما حدث فى الجاهلية ، فجنود الفتح الاسلامى كانوا من طينة أخرى ، من انتاج القرآن الكريم وتربية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن معظمهم من الأعراب كما سنوضح فيما بعد . ولم تحدث منهم تجاوزات ولذلك دخل الناس الاسلام بمعدلات سريعة .وفى مراحل لاحقة سنجد أن شعوبا أخرى تأخذ العصا من الشعب العربى على طريقة سباق التتابع فى العدو لتواصل هى نشر الاسلام ، وهذا أمر لم يحدث فى خبرات الدول والحضارات الأخرى ، فكانت الدولة العظمى هى التى تكمل مشوارها وحدها وترفض مشاركة أحد لها وان كان من نفس الفصيل الاوروبى الرأسمالى !على الجناح الشرقى استقر الاسلام بعمق وبسيادة شبه تامة فى القلب الهندسى للعالم بسيطرته على سهل حوض ساحق الأبعاد سحيق الموقع، سهل طوران ، أو موطن القبائل التركية فى قلب اليابس الآسيوى فى أبعد نقطة عن المحيطات وكلما توجهت شرقا تحول السهل إلى هضاب وجبال التركستان الصينية ( سنكيانج ) أو أقصى غرب الصين حاليا . وتظل الهضبة مستمرة حتى مشارف منغوليا والصين الحقيقية . فى كل هذه المنطقة الشاسعة صنع الاسلام له موطنا قديما وعريقا ، مركز ثقله فى التركستان الغربية وأطرافه فى تركستان الصينية حيث ينتشر الاسلام من نهر الفولجا وجنوب روسيا حتى على مقربة من دولة كازاخستان الحالية . سيادة الاسلام فى هذه المنطقة تقليديا كانت سيادة مطلقة بين القبائل والشعوب التركية والمغولية من تركمان وكازاك وقرجيز وطاجيك وأزبك حتى جاء التوغل الروسى القيصرى ثم الشيوعى يحاصر المنطقة ولكنها الآن تعود لتسترد عافيتها تدريجيا وببطء شديد بسبب توغل النفوذ الأمريكى .وكان الاسلام فى هذه المنطقة الوعرة قد وصل الى الصين الحقيقية عبر ممر زونجاريا الشهير وطريق الحرير ولكن بالعكس . وشكلت القبائل التركية نواة المسلمين وأساسهم فى الصين . وكان دخول الاسلام الى الصين عبر غزوات برية من هؤلاء من قلب الاستبس . ولايشكل العرب الا رافدا قليلا جاء عبر التجارة من البحر وتشكل الكتلة التركية عشرات الملايين من المسلمين فى غرب الصين حاليا من السالار والخوى واليوجور . كما قلنا فانه فى سباق التتابع قامت شعوب غير عربية بجهودها الخاصة لنشر الاسلام إلى نقاط أبعد. وفى وقت من الأوقات ، فى العهد العباسى ، كان ملك الصين وملك التبت يقدمان فروض الطاعة للدولة الاسلامية . و فى عهد المهدى العباسى الذى كانت له مناقب حسنة عدة أعلنت كل هذه الملوك الطاعة له : ملك كابل – ملك طبرستان – ملك السند – ملك طخارستان – ملك فرغانه – ملك أشروسنة – ملك سجستان – ملك الترك – ملك التبت – ملك الصين – ملك الهند !! 160 هجرية [ دراسات فى تاريخ الدولة العباسية – د.حجازى حسن على طراوه – أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة الأزهر ].على الجناح الغربى وصل التوسع إلى الأندلس اعتمادا على جيوش معظمها من البربر خاصة فى المرحلة الأولى فى اطار قانون التتابع .: شعوب تأخذ المبادرة من العرب وتواصل من مكانها نشر الاسلام إلى نقاط أبعد . ولايمكن أن نجد ذلك فى تاريخ أى امبراطورية غربية أو شرقية . كان طارق بن زياد وموسى بن نصير قد اكتسحا معظم الأندلس خلال عامى 92 و 93 هجرية ، وفتحا البرتغال ( لشبونه ) واتجها إلى برشلونه فى أواخر 95 هجرية . ولكن الحاكم الأموى الوليد بن عبد الملك أستدعاهما وهما على وشك اجتياح المزيد من الأراضى الاوروبية وقبل أن يفتحا منطقة الصخرة فى أقصى الشمال الغربى وهى التى تحولت إلى نقطة ارتكازلبداية حرب الاسترداد. هل كان الوليد قد أصابته الغيرة والخوف من استقلال موسى بن نصير وطارق ؟ المسألة تحتاج لبحث المؤرخين . وقد كان الوليد على فراش المرض وعندما تولى أخوه سليمان بن عبد الملك الحكم بعد موته استبقاهما ( موسى وطارق ) فى دمشق . لماذا ؟ حتى مات موسى بن نصير فى المدينة واختفت أخبار طارق بن زياد حتى وفاته فى 102 هجرية فى مكان غير معلوم ! وهو كما ذكرنا من البربر . هذه أقدار الله وغيرة البشر لايمكن استبعادها . ولكن لم تؤثر على المجرى العام للتاريخ حيث حكم المسلمون الأندلس 8 قرون .حكام الأندلس واصلوا محاولة فتح فرنسا فى الفترة مابين 96 – 123 هجرية وتم فتح جنوب غرب فرنسا وحكم المسلمون بالشريعة الاسلامية منطقة الريفييرا على ساحل البحر المتوسط وهى من أشهر بلاجات العرى الآن وهدف للسياحة وبها إمارة موناكو فى مونت كارلو . ووصل المسلمون إلى سانس على بعد 30 كيلومترا من باريس بعد أن أصبحت 70% من فرنسا تحت سيطرة المسلمين ولكن لم يتسن لهم إحداث تحولات فى البنية العقائدية للمجتمع فكان الانتصار العسكرى اللاحق للأوربيين فى بواتييه كافيا لتعود فرنسا مسيحية بمنتهى السهولة ، خاصة وأن الاندلسيين لم يفرضوا الاسلام على أحد بالقوة فى فرنسا وهذا يحسب لهم وللاسلام بطبيعة الحال .ما الذى يمكن أن نقوله أكثر من ذلك ؟ ففى خلال أقل من قرن استقرت الدولة الاسلامية من الأندلس غربا إلى الصين شرقا . وهذا قرابة نصف العالم القديم .بالاضافة للسيطرة على قلب اليابسة والبحار الأساسية كما أوضحنا .وهكذا حكم العرب المسلمون العالم أى أصبحوا القوة العظمى الأولى . ويمكن أن نضيف فى متوازية أخرى أن المستطيل القرآنى ( الشرق الأوسط ) حكم العالم قرابة 9 قرون متصلة وان اختلفت مراكز الحكم ، ولكنها كانت نفس الحضارة ونفس الشريعة ، نفس الثقافة ، نفس السياسة . كما يمكن أن نرى اليوم الاتحاد الاوروبى أو التحالف الأطلسى بين أمريكا وكندا واستراليا وأوروبا ، مراكز عدة لاتخاذ القرار ولكن سياسة واحدة ، استراتيجية واحدة ، مصالح مشتركة واضحة .مايشغلنا الآن ونريد التأكيد عليه مرة أخرى فى نهاية هذه الحلقة ان هذه البقعة الصحراوية القاحلة الجاهلية خرج منها كل ذلك ، وهو أمر لايمكن أن يتحقق بدون معجزة الهية : معجزة القرآن ورسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، بعثة الاسلام فى طبعتها الأخيرة . لست بصدد التأريخ للفتوحات الاسلامية ولكنها نظرة تحليلية لأخطر مرحلة فى حياة المستطيل القرآنى وفى حياة العالم وإلى يوم الدين .وربما تأتى فرصة للحديث عن وضع الاسلام الآن فى أوائل القرن الحادى والعشرين فرغم كل ما يتعرض له أهله من عدوانات فى عقر دارهم وسط صمت معظم حكام المسلمين ولكن الاسلام يظل شامخا ويرفع راياته عاليا فى بلاد ظن المستعمرون أنهم استولوا عليها .. فى فلسطين والقدس وغزة ولبنان والعراق وأفغانستان .

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: