بقلم مجدى أحمد حسين
الساعة السادسة مساء يوم 19 مايو 2021
ميزان القوى بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيونى لايقتصر على الطرفين فحسب وان كانا هما الأساس ولكن ميزان القوى يشمل الوضعين الاقليمى والدولى ونبدأ اليوم بالوضع الاقليمى لأنه هو الأكثر أهمية . قلنا ان ميزان القوى بدأ يميل بشكل واضح لصالح المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطينى وقد قاربت المقاومة لتحقق حالة الردع المتوازن المتبادل . ولكن من الناحية النظرية لاتزال تملك اسرائيل امكانية عسكرية لتسوى قطاع غزة بالأرض حتى وإن مات أكثر من 100 ألف فلسطينى وأصيب أكثر من ذلك طالما أن ضمير المجتمع الدولى قد مات وقد مات فعلا منذ 1948. سنوضح أن هذا خيارغير واقعى بعيدا عن مسألة الضمائر والأخلاق وهى شحيحة فى البورصة الدولية . اذا سوى الصهاينة غزة بالأرض فإنهم لن يقضوا على المقاومة لأنها ستخرج لهم من تحت الركام والردم وتقتل جنودهم وتحصد دباباتهم بصواريخ الكورنيت وبسلاح الكلاشينكوف الذى يوجد منه ربع مليون قطعة فى غزة . وستظل الصواريخ تطلق على اسرائيل وفى قلبها تل أبيب وماحولها لمدة 6 شهور على الأقل وهذا فوق احتمال الاسرائيليين الذين ينتظرون وقف اطلاق النار بفارغ الصبر حتى ان رئيس أركان الجيش الاسرائيلى استدعى عمد مستوطنات غلاف غزة ليطمئنهم أن وقف اطلاق النار سيتم بعد 48 ساعة أى صباح الخميس . هذا الكيان غير مصمم ( بضم الميم ) أن يعيش وهو كيان مصطنع تحت النيران لمدة شهرين أو ثلاثة ولا أقول 6 شهور كما توعدت المقاومة الفلسطينية . ولكن ما يعنينى الآن فى اطار الحديث عن الوضع الاقليمى أن الوضع الاقليمى لن يسمح لاسرائيل أن تستمر الى مرحلة تسوية القطاع بالأرض ، ولاحظ أن عدد البيوت التى هدمت فى غزة حوالى 200 بيت حتى الآن وعدد الشهداء تجاوز ال 220 وهو لايزال عددا قليلا بالنسبة لحجم القصف وحجم الدعاية التى تتورط فيها بعض القنوات الفضائية العربية فتكثر من المناحات وتضعف من المعنويات الفلسطينية والعربية . الوضع الاقليمى لن يحتمل الوصول الى هذه النقطة من تسوية غزة بالأرض أو السماح بقتل 2 مليون غزاوى بالحصار وقطع الكهرباء ومن ثم المياه . وأشير فى البداية الى محور المقاومة الذى برهن على فاعليته مؤخرا قبل هذه المواجهة حول الاقصى ، فقد نجح محور المقاومة فى تسديد ضربات متوالية للسفن الاسرائيلية فى عرض البحر، ونجح فى القيام بهجمات الكترونية تجاه عشرات المصانع فى اسرائيل ، واعترفت اسرائيل رسميا بحدوث حرائق عدة بجوار مطار بن جوريون وميناء حيفا وانفجار ضخم فى مصنع لانتاج الصواريخ وكانت ذروة هذه السلسلة سقوط صاروخ من سوريا على بعد 30 كيلومترا فقط من مفاعل ديمونه . أيضا شهدت الأسابيع الأخيرة ضربات متوالية للقواعد الامريكية فى العراق مع عجز تام من الجيش الأمريكى على توقى هذه الضربات وكانت فى معظمها ضربات تحذيرية مع قليل من الجرحى والقتلى من ممن يسمونه متعاقدين مع الجيش الامريكى أى مرتزقة أمريكان . ومع اندلاع المواجهات الاخيرة دفاعاعن الاقصى فقد كانت تحذيرات محور المقاومة أوضح من أن تخطئها العين الفاحصة وقد صدرت اعلانات واضحة من ايران وحزب الله وسوريا والمقاومة العراقية وأنصار الله الحوثية بأنهم يؤيدون المقاومة وسيكونون معها . ولما لم يجدوا آذانا صهيونية صاغية حدثت أعمال تحذيرية : مظاهرات سلمية على حدود لبنان والاردن وحصار جماهيرى للسفارة الاسرائيلية فى عمان . ولما لم ينتبه الصهاينة بصورة كافية . أطلقت صواريخ من لبنان يوم الاثنين على شمال فلسطين المحتلة ثم صباح اليوم الاربعاء ( 4 صواريخ ) وقال الاعلام الاسرائيلى ان بعض عذه الصواريخ استهدفت حيفا !! وهى لاتزال صواريخ تحذيرية . ولكن هناك معلومات عن احتشاد قوات حزب الله بصورة غير ظاهرة فى جنوب لبنان . كذلك أعلنت اسرائيل عن اسقاط طائرة مسيرة فوق أغوار الاردن وهى غالبا قادمة من سوريا ومن قبل أطلقت 3 صواريخ تحذيرية من سوريا . رئيس أركان القوات المشتركة الامريكية أعلن صراحة ان استمرار التوتر يهدد بالخروج عن نطاق غزة . هم يعلمون ان استمرار ايذاء غزة ليس مسألة مفتوحة . وفى صحيفة اسرائيل هيوم تحدث يوآف ليمور عن ( تزايد الخشية من تصعيد متعدد الساحات ) . أى الحرب الاقليمية . وبعد مافعلته غزة المحاصرة منذ 15 عاما والتى كانت محتلة منذ 1967 أى منذ 54 عاما ، بعد مافعلته فى اسرائيل وعاصمتها الاقتصادية تل أبيب فماذا يمكن أن يفعل حزب الله أو ايران ؟! واذا كان نتنياهو مصابا بالهوس فإن أجهزة الأمن الاسرائيلية العسكرية تستطيع أن تقدر الموقف بموضوعية أكثر وهى التى منعت الغزو البرى وليس تحايلات بايدن كما يدعى هو .
الأمر لايقتصر على تحركات محور المقاومة فالجماهير العربية انتفضت بشكل تلقائى فى الاردن وفى بيروت وتركيا وقد كانت المظاهرات كبيرة ومهيبة والكويت وفى صنعاء كانت المظاهرات أيضا كبيرة ومهيبة وفى مناطق سلطة الرئيس الهادى فى تعز كانت تحركات جماهيرية مؤيدة لفلسطين التى يبدو انها ستوحد اليمنيين وكل العرب . وتحدثنا فى التحليل السابق عن التحرك العربى والاسلامى فى الشتات .وفى مصر حدث تطور لافت واذا تحركت مصر فإن كثيرا من الأمور والموازين تختلف . نحن بالفعل أمام موقف مصرى رسمى جديد وعلى محور أعلى : نقل الجرحى الفلسطينيين لمصر وفتح معبر رفح من الجانبين وتقديم معونات طبية بحوالى 60 مليون طن كدفعة أولى بالاضافة لمعدات طبية وشاحنات وقود ، ويمكن توقع ماهو أكثر وكذلك تم إدخال معونات مغربية . كما أعلن السيسى عن تقديم 500 مليون دولار لاعمار غزة . كما لوحظ أن الوساطة المصرية لاتستهدف الضغط على الجانب الفلسطينى ولكن الضغط أكثر على الجانب الاسرائيلى لوقف اطلاق النار كما تسرب من كل الأطراف . والموقف الاردنى الرسمى قويا فى جانبه الاعلامى ومتسامحا بوضوح مع المظاهرات ضد اسرائيل وقرر البرلمان الاردنى بالاجماع طرد السفير الاسرائيلى من الاردن وإن كان الأمر يعتبر توصية وهذا أمر جيد على أى حال . الأمر الجوهرى فى البعد الاقليمى والذى يتجاوز دول الطوق إلى كل الوطن العربى ثم ايران وتركيا ، الأمر الجوهرى أنه فى الوطن العربى وتركيا خاصة فإن الفكر السائد لدى النخبة السياسية ضرورة الاعتراف بالأمر الواقع الاسرائيلى والامريكى والانشغال بمشكلاتنا الداخلية وكأن مشكلاتنا الداخلية لا علاقة لها باسرائيل وأمريكا . إن اسرائيل كما وصفها أحمد حسين والامام الخمينى غدة سرطانية تأكل فى الجسد العربى الاسلامى ولابد من إزالتها . وقد كتب أحمد حسين ذلك بعد أن أيد اتفاقات كامب ديفيد لاستعادة الارض المصرية ، ولكنه كتب فى الاهرام والاخبار فى عهد السادات وقبل إتمام الانسحاب الاسرائيلى إن اسرائيل لايوثق بها وهى عدو ماكر لايؤمن جانبه وهى لاتطرح أى مشروع حقيقى للتعايش مع العرب . لقد عانيت شخصيا قبل ثورة 25 يناير وأثنائها ومابعدها من عجزى عن إقناع النخبة المعارضة ( والحاكمة بطبيعة الحال بل كان المجلس العسكرى الذى حكم المرحلة الانتقالية يرفض مقابلتى) مشكلتى الكبرى كانت مع النخبة المثقفة والسياسية المعارضة باعتبارى جزءا منها فقد كانت مسألة اسرائيل والحلف الصهيونى الامريكى مستبعدة تماما من جدول أعمالها . فهم من ناحية يرون أنه ( لاطاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ) البقرة 249
أى لاطاقة لنا اليوم بأمريكا أو اسرائيل ومن ناحية أخرى لدينا مايكفى من المشكلات التى تشغلنا فى الداخل عنهما وكأن سرطانات يوسف والى التى نهشت فى أجساد المصريين ليست برعاية أمريكا واسرائيل وهذا مجرد مثال واحد . توقفنا عن الحديث عن أكذوبة دولة اسرائيل رغم أن بعض اليهود يقولون بذلك مثل نعوم تشومسكى ومثل بعض علماء الآثار اليهود الذين أعلنوا أنه لايوجد أى أثر يدل على وجود الهيكل المزعوم فى مكان المسجد الأقصى أو أى مكان آخر . بل كل علماء الآثار اليهود والمتصهينين من الغرب فشلوا بالاجماع فى العثور على أى أثر من أى نوع يدل على وجود دولة يهودية على أرض فلسطين حتى ذهب البعض الى القول بأن سليمان شخصية أسطورية لاوجود لها ، وليس هذا رأى الاسلام بطبيعة الحال . ولكن فلسطين تعرضت لزلازل واعتداءات فارسية ورومانية متبادلة أزالت معظم معالم الوجود اليهودى وغير اليهودى . ولكن مايعنينا الآن أنه لايوجد أى أثر أو دليل على وجود هيكل سليمان فى مكان الاقصى أو غير الاقصى . فهل من المطلوب من أصحاب الأرض أن يكافحوا ضد هذه الأسطورة الأكذوبة وحدهم . ان القرآن الكريم لم يستخدم كلمة فلسطين ولكنه تحدث عن المسجد الأقصى ( الذى باركنا حوله ) كما وصف فلسطين فى آية أخرى بأنها الأرض المقدسة دون أن يذكرها بالاسم مع وجود أحاديث عن مكانة الشام وأكناف بيت المقدس وما بها من مجاهدين.
– لا تزالُ طائفةٌ من أمَّتي على الدِّين ظاهرين لعدوِّهم قاهرين لا يضرُّهم مَن خالفَهم إلا ما أصابهم من لأواءٍ حتى يأتيَهم أمرُ اللهِ وهم كذلك قالوا وأين هم قال ببيتِ المقدسِ وأكنافِ بيتِ المَقدسِ
مايهمنا الآن أن المسجد الأقصى حين كان قبلة المسلمين الأوائل لم يكن هناك مسلم واحد على أرض فلسطين يعتنق الاسلام كما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، فكيف يأتى اليوم من يتحدث عن الصراع الفلسطينى – الاسرائيلى وكأن المسلمين ليسوا طرفا فى الموضوع . ان المقدسيين ليس لهم فضل الا لأنهم فى الصف الأمامى يفتدون الاقصى بالمهج والأرواح والعيون وهذا لايعفى أى مسلم من واجب حماية المسجد الاقصى كل بطريقته . ما حدث خلال العشرة أيام السابقة أفصح بوضوح ان اسرائيل ليست ذلك البعبع المخيف . ورغم ان المقاومة اللبنانية أوضحت ذلك فى 2006 وكذلك غزة فى 3 حروب سابقة إلا أن هذه المرة كانت أوضح فغزة المحاصرة جعلت تل أبيب ترى النجوم فى عز الظهر . لم تر تل أبيب هذه المشاهد المرعبة من الحديد والنار منذ تأسيسها عام 1948 . المقاومة تضرب القواعد العسكرية الجوية بما فى ذلك القاعدة الرئيسية للطيران المروحى مما أخرج هذا الطيران من هذه الجولة كما تلاحظون ( الطائرات الاباتشى ) وهى مهمة فى العدوان البرى وهى متخصصة سابقا فى ضرب غزة . وقال نتنياهو نفسه أنه ضرب سلاح البحرية للحماس ! والواقع ان حماس استهدفت بارجة اسرئيلية بغواصة آلية غير مأهولة أو مايسميه العسكريون طوربيد موجه بالريموت . الأداء العسكرى للمقاومة الفلسطينية كان ولايزال مبهرا للعدو والصديق . حتى مشروع الامارات للاستثمار فى حقل تمارا بالبحر تعرض للضرب والتوقف . بالاضافة لمشروع خط بترول عسقلان ايلات المنافس المفترض لقناة السويس لتصدير بترول الامارات وغيرها من دول الخليج . ولاتزال نتائج هذه الحرب لم تحص بعد . وبالتالى فإن المطبعين الجدد أصبحوا فى موقف لايحسدون عليه وإن كان من غير المتوقع أن ينسحبوا سريعا مما تورطوا فيه ولكنهم أصبحوا فى الزاوية .
الصورة الأهم فى معركة استعادة الوعى ، ان هذا المحور المطبع كان يدفع الوطن العربى والمنطقة عموما الى تحويل الانظار الى محاربة ايران حتى وان تطلب الأمر التحالف مع اسرائيل ، ولم يعقبوا على تصريحات نتنياهو المتوالية عن تحالف اسرائيلى سنى .كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا . ( الكهف – 5).
ليس من المهم أن يغير هؤلاء موقفهم المهم أنهم لم يعودوا فى بؤرة الحدث فى المنطقة . ومهما تكن الخلافات مع ايران فاعتقد ان العدو الرئيسى بل والوحيد هو اسرائيل . وفى الموضوع الفلسطينى هناك اتفاق جوهرى مع ايران . ومايحدث من انجازات الأسبوع الماضى فى فلسطين ليس بعيدا عن العون الايرانى . وسأنشر قريبا حول ما حدث فى سوريا دراسة موثقة إن شاء الله . ولكن الواقع يقول الآن أن الوجود الايرانى فى سوريا هو من أجل إنشاء قواعد صاروخية ضد اسرائيل . مع وجود عناصر برية لحزب الله على حدود الجولان المحتل . عشرات الغارات الاسرائيلية على سوريا بسبب ذلك . ومن المؤسف أن العدو يدرك الموقف وخطورته على هذه الجبهة أكثر من بعض العرب والاسلاميين . تركيا مرشحة لدور كبير فى هذا المعترك ولكن مع الأسف فإن الرئيس أردوجان يجيد الأحاديث والخطب وقال أخيرا إنه سيرسل السلاح الى غزة ولا أدرى كيف ؟ وإن كنا نتمنى . لسنا فى معرض الهجوم على الأنظمة الآن بل نأخذ منهم ما يستطيعون تقديمه حتى وإن كان الكلام . فحتى الكلام أصبح عزيزا فى الفترات الآخيرة حتى اشتقنا لبيانات الشجب والادانة !! وقد عادت والحمد لله . لا أسخر ولكن الادانة أفضل من التأييد لقد وصل الأمر ببعض العرب أن يتهموا الفلسطينيين بالاساءة للقضية باستخدام الصواريخ وقالوا انها مجرد بمب. وهذه السخافات كانت تؤثر على شرائح من الرأى العام .
الوضع الاقليمى اذا ينذر بالتغيير وبتصويب البوصلة نحو الاتجاه الصحيح ، والحوار الايرانى السعودى أحد مظاهر ذلك وكذلك التقارب السعودى السورى ، وإعادة توحيد ليبيا من المظاهر الايجابية وان كان من الضرورى أن يبتعد عن المظلة الاوروبية الامريكية وتعود ليبيا الى حضنها العربى بالأساس . كذلك نأمل فى تسوية يمنية – يمنية ، وانهاء جيوب الارهاب والانفصال فى شمال سوريا . ولكن لايمكن تفهم وتوقع ما سيحدث فى هذه الملفات بعيدا عن البعد الدولى ( وهذا موضوعنا فى الرسالة القادمة إن شاء الله ) الذى يتحكم كثيرا فى منطقتنا التى سموها الشرق الأوسط وهى فى الأصل خريطة القرآن الكريم ( دراستى عن المستطيل القرآنى ستنشر قريبا فى مدونتى ) . ولكن حتى اللقاء القادم دعونا نصبر ونحتسب ونسأل لأهلنا فى فلسطين النصر بإذن الله فى هذه الموقعة . ولاتقللوا من دوركم الاعلامى فأصداؤه تصل لفلسطين وللعدو ، وهو ضرورى لتعبئة الأمة ، والانتصار فى معركة استعادة الوعى . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .