مجدى أحمد حسين
فجر 22 مايو 2021
كان من المفترض أن أكتب أمس عن الموقف الأمريكى من ثورة فلسطين وحربها المظفرة ( قلت منذ اللحظة الأولى إنها حرب مظفرة والحمدلله ) ولكن المقاومة قطعت علىِ الطريق وأنهت الحرب باستسلام الكيان الصهيونى أمامها وفقا للمبادرة المصرية ، والانتصار الفعلى أهم من المقالات !! ولكن سيظل دور المقالات فى مجال حرب الوعى أو استعادة الوعى وقد علمتنا هذه الحرب أهمية استعادة الوعى باعتباره السلاح الاساسى فى المعركة ، فالمهم من يقف خلف السلاح ومن يستخدمه ومن يؤيده ولأى هدف ؟ كما أن السلاح أيضا لاغنى عنه والا تحولت المقالات والآراء إلى مجرد ثرثرة . أعنى بالتحديد معارك التحرر الوطنى من الاحتلال .
لقد حققت المقاومة الفلسطينية و الشعب الفلسطينى ومن ساندها من العرب والمسلمين نصرا مؤزرا وهو نصر غال كالجوهرة الثمينة التى يجب أن نحرص عليها ونضعها فى حدقات عيوننا . أوضحت فى مقال سابق أن انتصار اسرائيل غير ممكن وغير مطروح أصلا وتحدثت حديثا افتراضيا عن ان اسرائيل لاتملك سوى مواصلة تدمير مبانى غزة على رؤوس قاطنيها وانها إذا سوت غزة بالارض فستهزم أيضا ولن تستطيع احتلال غزة مرة أخرى . ونعود لاستخلاص أهم أبعاد هذا النصرومآلاته والمسئوليات التى يفرضها على الأمة ، وتحديد طبيعة اللحظة الاستراتيجية الجديدة التى أصبحنا فيها .
أولا : انكسرت نهائيا نظرية الردع الاسرائيلية وقلنا انها تآكلت منذ 1973 ثم 2006 ثم خلال 3 حروب سابقة مع غزة وهذه الحرب الرابعة أجهزت على تبقى من مسألة الردع الاسرائيلى ماديا ومعنويا ، فأصبحت تل أبيب وكل مدن ومواقع اسرائيل الاستراتيجية تحت النيران مع ملاحظة كم التعتيم الاسرائيلى على حقيقة الخسائر البشرية والمادية . ومعنويا رأى الناس جميعا حالة الهلع الاسرائيلى من صواريخ المقاومة وكيف هرب المستوطنون من عند حائط البراق لمجرد سماع صفارات الانذار وكيف هربوا من الشواطىء وكيف انبطحوا على الأرض فى كل مكان . ويقوم الاعلام الاسرائيلى رغم كل التعتيم أن مراكز المساعدة النفسية تلقت خلال أيام قليلة 6 آلاف استغاثة من اسرائيليين . وليس هذا هو الرقم الحقيقى . وستتزايد فى الاعلام الاسرائيلى نغمة الدعوة للهجرة المعاكسة من اسرائيل للخارج .
ثانيا : تحققت وحدة فلسطينية غير مسبوقة ولابد من الحفاظ عليها . إن أقل ما يجب أن تفعله السلطة الفلسطينية أن تعلن تشكيل قيادة موحدة فورا من مختلف الفصائل الفلسطينية بنفس طريقة غرفة العمليات المشتركة التى اقيمت فى غزة . والحقيقة لقد كان هذا هو الوضع خلال قيادة الصراع من لبنان قبل 1982 حيث كانت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية تجتمع برئاسة ياسر عرفات كقائد لفتح وللمنظمة وحضور جورج حبش قائد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ونايف حواتمه رئيس الجبهة الديموقراطية وباقى قادة الفصائل لبحث تطورات إدارة الصراع . والقيادة الجديدة لابد أن تدير الصراع ككل مقاومة وتفاوض ، فلايمكن للمقاومة أن تسير وحدها وعباس يتفاوض لوحده وبمفاهيمه الخاصة التى لم تعلن الموافقة على الكفاح المسلح حتى الآن . لست ضد التفاوض من موقع القوة ولاثبات ان الفلسطينيين لايرفضون الحلول السلمية . الآن أصبحت المقاومة فى وضع أقوى حتى ان اوروبا تقول انها مستعدة للتحاور مع حماس بشكل غير مناسب . ولكن لا أتصور أن الكيان الصهيونى أصبح جاهزا لتقديم تنازلات جوهرية . أحسب أنه يحتاج لفترة من استيعاب حجم الهزيمة ، واستيعاب فكرة استحالة شطب الفلسطينيين من الخريطة !! وبالتالى ستظل المقاومة الشعبية ( وهى مستمرة الآن فى الضفة الغربية والقدس والداخل المحتل 48 ) والمقاومة المسلحة لها اليد الطولى فى الصراع ، فنحن لم نصل بعد للحظة استلام فلسطين من الكيان الغاصب أو موافقته على إقامة دولة مجاورة بينما هم لايحتملون فلسطينيا واحدا فى اللد والرملة وحيفا ويافا أو فى الشيخ جراح . ومع ذلك فان القيادة الفلسطينية المشتركة ستقوم بدور سياسى ودبلوماسى لاغنى عنه فى مختلف المراحل . مع التحذير من الدخول فى مفاوضات عبثية لخداع الأمة كما حدث مرارا من قبل ومنذ 67 . تذكرون أن مؤتمر مدريد للسلام عقد منذ 30 عاما !! وأوسلو البائسة كانت منذ 1994 حيث تضاعف الاستيطان فى ظلها !!
وهنا لابد من تقدير دور قيادة المقاومة فى رفضها الانجرار لآى معارك كلامية مع سلطة عباس رغم انه طالب غزة بوقف الصواريخ بعد أن اتصل بها بايدن وطالبه بذلك ، تجاهل مواقف عباس الخاطئة موقف ذكى وصائب إلى أبعد الحدود ، فطوفان المقاومة يجتاح كل فلسطين ، ولم يعد أحد يلتفت لمواقف عباس الخاطئة ، وهى بدورها لا تؤثر على مجرى الصراع وتأجيل الانتخابات لن يؤثر كثيرا وليس له أى أولوية الآن حتى لانبتعد عن جوهر القضية لقد صوت الشعب الفلسطينى بالصواريخ والمظاهرات والزجاجات الحارقة والحجارة والألعاب النارية وخلال عشرة أيام أطمئننا على موارة أوسلو التراب وأيضا صفقة القرن السخيفة بما فى ذلك اعتراف أمريكا بالقدس عاصمة لاسرائيل وإن تراجع بايدن وقال ان القدس لاتزال تدخل فى الاتفاق النهائى ( الذى لايأتى أبدا ) إلا أنه لم يرجع السفارة الامريكية لتل أبيب ولن يفعل غالبا . واذا رفض عباس تشكيل قيادة مشتركة فورا من قادة كل الفصائل الفلسطينية ، فإن القيادة البديلة موجودة فى غزة وهى التى قادت الصراع المسلح مع العدو وهى لها وجود سياسى كاسح فى كل الأراضى الفلسطينية ولم تعد قيادة لغزة كما يزعم المتخرصون ، وهى التى قادت التفاوض غير المباشر مع العدو من خلال مصر وهى التى أبرمت اتفاق وقف اطلاق النار . وأنصح بضرورة الاستمرار على موقف التجاهل لأخطاء عباس . ولكن فى المقابل على الاعلام العربى أن يتوقف عن النغمة النشاز عن الانقسام الفلسطينى ، فالمقاومة لم تسع أبدا للانقسام ولكن سلطة عباس كانت ترفض المقاومة المسلحة فكيف كان من الممكن عقد مصالحة . بل لطالما دعا عباس لنزع سلاح المقاومة أو تسليم السلاح لسلطة رام الله التى اعتزلت الكفاح المسلح . لم يعد هناك أدنى شك فى التفاف كل الشعب الفلسطينى حول المقاومة ، ومن يرفض العزة والقوة والكرامة والانتصار؟! . لقد هتف المعتصمون فى المسجد الأقصى قبيل إطلاق الصواريخ على القدس وسمعتهم بنفسى ( يا حماس يالا يالا .. ياحماس من شان الله ) !!
ثالثا : الخط السياسى والاعلامى الذى يجب أن يتبناه الفلسطينيون والعرب هو اعادة طرح القضية من أصلها ، بهدف مزدوج : إعادة تعبئة وتثقيف الأمة بحقائق الصراع الأصلية ،وتوجيه خطاب حازم للرأى العام العالمى الذى انتقل إلى درجة أعلى من التعاطف مع القضية وأيضا لدول الغرب وكافة دول العالم . إن فلسطين لن تضيع بالتقادم ولن نتخلى عن أكثر من 7 ملايين فلسطينى داخل فلسطين ولا عن ملايين الشتات ، لكى يعيش فيها يهود من مختلف أنحاء العالم حتى انهم استوردوا أخيرا يهود مزعومين من أثيوبيا ( الفلاشا ) وحولوهم إلى مجرد خدم وعبيد . كما استوردوا ملايين من روسيا اتضح أن كثيرا منهم مسيحيون ويطالبون ببناء كنائس !! وفى المقابل يطردون أهالى الشيخ جراح المقيمين فيه منذ 70 عاما . إذا وافق العالم على هذا العبث فنحن لن نوافق . والحقيقة لقد كنا قد توقفنا عن أى نوع من الدعاية الممنهجة لقضية فلسطين ولو عدنا فسنكسب أرضا شاسعة فى مجال الوعى الداخلى وهذا هو الأهم ثم على مستوى العالم . علمت أمس فقط أن فتاة مسلمة أخرجت فيلما وثائقيا تشرح فيه القضية الفلسطينية وانه حقق مشاهدة عالية ( 7 ملايين !!) .هذه الفتاة حققت مالم يحققه الاعلام العربى الرسمى ( اذا استثنينا الاعلام المقاوم ) بكل مايملك من امكانيات ومئات القنوات والصحف والاذاعات .
رابعا : بعد كل هذه الجرائم التى أرتكبتها اسرائيل وهى ليست جديدة بل هى مستمرة على مدار الساعة منذ 1948 ولكننا تلقينا جرعة مكثفة فى عشرة أيام من الدماء والأشلاء وحطام المدن والمعوقين ، بهذه المناسبة وفى ظل هذا الغضب الشعبى العالمى تعاطفا مع غزة وفلسطين . فإن أقل مايمكن أن يقدمه النظام العربى الرسمى هو وقف عمليات التطبيع مع هذا الكيان . وأن يكون هذا من محاور عمل الأمة فى الفترة المقبلة .
خامسا : تطوير المبادرة المصرية باستمرار فتح الحدود مع غزة وإنهاء العمل بالاتفاقية الثلاثية التى وقعتها سلطة رام الله مع أوروبا واسرائيل بوضع غزة تحت المراقبة فى منطقة الحدود مع مصر وألا تدخل بضائع الا من خلال معبر كرم أبو سالم وهو معبر اسرائيلى . غزة تستورد من اسرائيل بضائع ب 2 مليار دولار سنويا وهذا رقم قديم لاشك أنه أكبر من ذلك الآن ، ومصر تستحق أن تحصل على هذا الرقم للصادرات من معبر رفح وليس من خلال الأنفاق التى ربما انتهت تماما. ومصر لن تجوع غزة كما تفعل اسرائيل من خلال التحكم فى دخول البضائع من معبر ايريز . كذلك اقترح ادخال غزة فى مشروع الربط الكهربائى المهم الذى تقوم به مصر الآن مع السودان وليبيا والخليج . معلوماتى القديمة تقوم ان مصرتوفر كهرباء لرفح الفلسطينية بما يمثل 10 أو 15% من احتياجات غزة .
سادسا : ضرورة تصفية الأجواء العربية من كل الخلافات الجانبية ، واستعادة روح القومية العربية ، وإحياء حقيقى لسوق عربية مشتركة . وأيضا تصفية الأجواء فى الاقليم . أرحب بشدة بتحسن العلاقات بين مصر وقطر وبين مصر وتركيا وبين السعودية وسوريا مع ضرورة إعادة سوريا للجامعة العربية وأن يكون للعرب دور فى إعادة أحوال سوريا إلى طبيعتها فى مواجهة العقوبات الامريكية الشرسة . تركيا وايران من أهم دول الجوار الاسلامى وهما قوتان مؤثرتان ولابد من إعادة العلاقات الطبيعية معهما وتصفية الخلافات ، وحتى ان بقت بعض الخلافات فهذا لايمنع العمل فى إطار القواسم المشتركة . ألا توجد خلافات عديدة وعميقة أحيانا بين الدول الغربية ولكنهم يحرصون على الرابطة المشتركة بينهم . الحوار الاستكشافى بين ايران والسعودية خطوة على الطريق ، واستعادة العلاقات بين تركيا والسعودية شىء جيد ( زار وزير خارجية تركيا السعودية مؤخرا ).[mh1]
سابعا : تعزيز العلاقات مع كل من الصين وروسيا خاصة فى اطارالانحياز الغربى المستمر لصالح اسرائيل . أرى أن الموقف الامريكى والاوروبى فى تحسن ولكن ليس لأنهم أصبحوا أكثر حنية أو ان دماء أطفال غزة رققت قلوبهم ، وأتحدث هنا عن الحكومات ، بل لأننا أصبحنا أكثر قوة ليست غزة وصواريخها وحدها رغم أهميتها القصوى ، فمجموع عناصر القوة تتزايد وتتعاظم فى بنيان الأمة ككل ولكن المنسوب يختلف من بلد لآخر . لقد أصبحنا أكثر قوة والا لما بذل الغربيون كل هذا المجهود للتفاوض مع ايران لتوقى أى برنامج نووى عسكرى لها . والمرجح الوصول لاتفاق معقول قريبا وفقا لآخر تصريحات للرئيس الايرانى روحانى ( التصريح منشور على المدونة – ولاحظوا عموما ان أخبار المدونة منتقاة وذات مغزى وليس مجرد متابعة خبرية عادية ). ونحن لا نفتخر بقوتنا المتزايدة ولا نتفاخر بل نسعى لعلاقات صحية وندية مع العالم . قلت مرة إن مواقف أوروبا التى تبدو أفضل من مواقف أمريكا ربما ترجع لضعفها العسكرى والسياسى وليكن نحن لانفتش فى الضمائر . نحن نسالم من يسالمنا ونعادى من يعادينا . وكل من لا يقاتلنا ولايخرجنا من ديارنا له منا البر والقسط ( لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ) الممتحنة 8 – 9
ثامنا : من نافلة القول أن أدعو الجنود المجهولين الذين يطورون أسلحة وصواريخ المقاومة أن يواصلوا عملهم فورا للمزيد من التطوير وتعويض ما نقص فى المخزون . من نافلة القول لأننى على ثقة من أنهم يفعلون ذلك ، ولكننى أريد أن أطمئن الجمهور على أنهم سيرون جديدا مؤثرا فى الجولة العسكرية القادمة باذن الله . أنا أتابع المقاومة عن كثب بعقلى وروحى أتابع كل مايخصها من معلومات منذ كانت لاتملك الا صواريخ كاتيوشا فى جنوب لبنان ومداها 8 كيلومتر حتى امتلاكها الآن لصواريخ تصل إلى كل بقعة فى فلسطين . وهذه مسيرة نصف قرن منذ المقاومة الفلسطينية فى لبنان قبل 1982 ثم المقاومة اللبنانية حتى طرد اسرائيل عام 2000 . وقد حضرت المواجهات فى لبنان أكثرمن مرة وكنت أقوم بدورى كإعلامى فعندما رفضت المقاومة أن أذهب لحارة حريك التى كانت تقصف من الجو خوفا على حياتى . عملت محررا مؤقتا متطوعا فى مكتب تلفزيون ايران بالحمرا الذى كنت فى زيارته بالمصادفة لحظة وقوع العدوان . كذلك حضرت العدوان الجوى على لبنان فى 1996 وكان رد المقاومة ساعتئذ بالكاتيوشا التى كانت تصيب نهاريا وكريات شمونه فى شمال فلسطين المحتلة . وللصواريخ قصة تحتاج أن تروى مرة أخرى بإذن الله وقد كان عادل حسين صاحب نظرية أن الصواريخ ستغير مجرى الصراع مع العدو الصهيونى . قال لى أحد كودر حزب الله الذى كان يقرأ الشعب بانتظام وكانت تباع فى بيروت إن حزب الله ينفذ رؤية عادل حسين ! وقد انتقلت الصواريخ بعدئذ إلى غزة بعد سيطرة حماس عليها فى 2007 . ( انتظروا قريبا قصة الصواريخ ) .
كما تلاحظون لم أتحدث فى تحليل موقف أمريكا من معركة سيف القدس إلا عرضا وهذا يحتاج لمقال آخر ، فاستخلاص العبر من ملحمة القدس كان أولى . وأخيرا ألف مبروك لمصر وفلسطين والعرب والمسلمين والانسانية . لن تكون الحياة بعد سيف القدس كما كانت قبلها ، وماذكرناه ماهو الا غيضا من فيض قادم بإذن الله .