أفراح فى غزة والضفة ومشاحنات بتل أبيب

مصطفى السعيد

فور سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية المسلحة فى غزة، انطلقت مواكب الفرح، ترفع الأعلام الفلسطينية، وتلوح بعلامات النصر وتجوب أنحاء القطاع، وتمتد المواكب إلى مدن الضفة الغربية تهتف للأقصى والقدس وغزة والفصائل المسلحة التى حققت توازن الردع بأسلحة محلية الصنع مع جيش يمتلك أحدث ترسانة عسكرية، وامتدت الأفراح إلى عرب الداخل فى أم الفحم واللد وحيفا ويافا وسكان المخيمات فى الخارج، وعلى الجانب الآخر كسرت المشاجرات السياسية حدة الصمت الذى خيم على تل أبيب بعد 11 يوما من الإقامة فى الملاجئ، ولم يجد نيتانياهو ما يقوله سوى أن إحدى الطائرات المسيرة صناعة إيرانية، ربما كانت قادمة من سوريا أو العراق، وبعد أن كانت أصوات الصواريخ والقنابل تجبر المعارضين للحرب على الصمت، بدأت أصوات المعارضين تعلو، حتى اليمين المتطرف الذى كان يهتف لنيتانياهو لكى يمضى قدما فى الحرب إلى آخر فلسطينى يحمل السلاح أو يتظاهر ضد التهجير والاستيطان أو اقتحام الأقصى، يشعرون بأن نيتانياهو قد خذلهم، ولم يحقق ما وعدهم به، أما اليسار الضعيف خافت الصوت فأصبح أكثر جرأة، ويتهم نيتانياهو بأنه يقود إسرائيل إلى حتفها، وأن دوافعه الشخصية فى البقاء على سدة الحكم وراء تأجيجه نيران الحرب، بالتوسع فى الاستيطان والتهجير والتهويد، وآخرها طرد سكان حى الشيخ جراح فى القدس، ومنع المصلين من دخول الأقصى والاعتداء عليهم فى شهر رمضان، ويشيرون إلى تباهى نيتانياهو بتسريع وتيرة الاستيطان والتهويد، ورفضه حل الدولتين، والقضاء عليه فى الواقع لكى يكسب أصوات اليمين الأكثر تطرفا، فماذا كانت النتيجة؟ لقد انتفض الفلسطينيون وتوحدوا من الضفة إلى غزة وحتى عرب الداخل، فى مشهد غير مسبوق منذ نشأة إسرائيل، وتصور نيتانياهو أنه قادر على دحر فصائل المقاومة فى غزة خلال أيام قليلة بفضل التفوق الشاسع فى امتلاك أحدث الأسلحة، لكنه لم يحقق ما يمكن أن يخرج به على أنصاره من اليمين، ويعتبره نصرا، فقد ظلت الصواريخ تنطلق حتى الدقائق الأخيرة، بل أصدرت الفصائل إنذارا بأنها سترد بقوة على كسر اتفاق الهدنة بصواريخ تصل إلى كل المدن، ولم يحصل نيتانياهو حتى على مطلب أن يكون صاحب الضربة الأخيرة قبل وقف إطلاق النار الذى نسقته مصر، ليخرج ويدعى أنه دمر صواريخ المقاومة ودك شبكة الأنفاق فى غزة. وإذا كانت غزة قد لحق بها دمار واسع فى المبانى والمصانع والورش الصغيرة والخدمات، وسقط نحو 230 شهيدا، فإن الخسائر فى الجانب الإسرائيلى كانت الأسوأ فى حرب لم تتجاوز 11 يوما مع قطاع غزة الصغير والفقير والمحاصر، فقد أطلقت الفصائل أكثر من أربعة آلاف صاروخ، استطاعت أن تطول تل أبيب ومعظم مدن إسرائيل، وأجبرت ملايين السكان على المبيت فى الخنادق، وأوقفت مطار بن جوريون وشبكة السكك الحديدية والموانى ودمرت خزانات الوقود وأنابيب النفط جنوب عسقلان، ووصلت الضربات إلى منصات استخراج الغاز فى بحر غزة، أما الخسارة الأكبر فكانت توحد الفلسطينيين من غزة إلى الضفة إلى عرب الداخل الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، والذين يعانون التمييز وعصابات اليمين المتطرف، فكانت انتفاضتهم ومظاهراتهم وإضرابهم يمثل أكبر ضربة من الجيل الجديد للفلسطينيين. إن النيران التى اندلعت شرارتها من باب العامود وحى الشيخ جراح والمسجد الأقصى وتمددت إلى غزة، لن يكون وقف إطلاق النار نهاية لها، بل بداية تغيير واسع فى داخل إسرائيل وستنعكس على موازين القوى الإقليمية، فقد أهينت الآلة العسكرية الإسرائيلية، التى لم تجد إلا المدنيين فى غزة ليكونوا هدفها الرئيسي، مثلما فقدت القبة الحديدية هيبتها بعد أن اخترقتها الصواريخ إلى كل المدن، وطالت الشكوك أجهزة المخابرات الإسرائيلية التى لم تتوقع هذا الصمود فى غزة, ومع الفشل العسكرى والمخابراتى الإسرائيلى كان الفشل السياسى الذى ظهرت آثاره فى الضغوط العالمية على حكومة نيتانياهو لوقف مغامرتها فى غزة، وأصبح مصير نيتانياهو فى مهب رياح التغيير العاصفة، والتى ظهرت بوادرها فور وقف إطلاق النار. تنتظر إسرائيل معارك سياسية طاحنة، تزيد من تمزقها الداخلي، واليمين المتطرف الذى تغذى على وعود التوسع والاستيطان والتهويد والضم سيأكل نيتانياهو الذى ظل يغذيه لسنوات، لكن هذا اليمين لن يكتفى بالتهام نيتانياهو، وهو ما يهدد بتفجير الداخل الإسرائيلى أو يقودها إلى مغامرات أكثر خطورة، ليس على مستقبل إسرائيل البعيد بل على مستقبلها القريب وربما حاضرها.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: