اليمن عمره مليون سنة واليمنيون أقدم شعوب العرب

الشعبان المصري واليمني أكثر الشعوب تحضرا

الدماء اليمنية تجري في عروق سيدنا محمد  من خلال امه

يثرب كانت محطة تجارية لليمن

دراسة المستطيل القرآني  الحلقة 63

  بقلم : مجدى حسين

كما ذكرنا فإن عاد وثمود توأم  في القرآن الكريم يذكران معاً في أغلب الأحيان في آيات متجاورة او حتى في آية واحدة . و الاهتمام القرآني واضح للعيان

(1) فهما في عصر واحد وتم تسليم الخلافة من عاد إلي ثمود ولكن الأخيرين فشلوا في الأمانه كما فشل الأولون.

كان عاد خلفاء قوم نوح (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ  )الاعراف 69

ثم بعد ان فشلوا في الاختبار  اصبح ثمود خلفأء من بعدهم :(وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ  )الاعراف 74

(2)انهما من الحضارات المتطورة – علي خلاف العادة – في جزيرة العرب  لسببين فقد كانا في العصر المطير بالاضافه لوجودهما في الحلقة السعيدة التي أشرنا إليها و تحدث عنها القرآن الكريم بدون هذا المصطلح بالحديث عن هاتين الحضارتين و حضارة سبأ و الطرفين بين سبأ و الشام و أيضا سبأ ذكرت في القران و ما اصابها من انهيار سد مأرب  في إطار العقاب الالهي أيضا .

أي أنهما (أعني عاد و ثمود ) مثلان حيان من خلال مساكنهم المدمرة علي أرض الجزيرة

*****

و ربما تكون ابادة قومي عاد و ثمود ( وهذا لم يحدث لليمن بهذه الصورة )هي سبب استخدام مصطلح العرب  البائدة. ولكن كما ذكرنا فان القرآن حصر حديثه في هذين القومين فحسب . ولكن أشار الي إبادة القري حول مكة بدون أسماء أو معلومات وتقول كتب العرب القليلة ، وهناك من يشكك في مصداقية روايات العرب المكتوبة والتي لا شك كتبت بعد الأحداث بفترة طويلة ، ويشكك مؤرخون  وأثريون بنسابي  العرب لاعتمادهم علي الشعر وقصائد الفخر والهجاء وهي كلها مصادر متحيزة فكل قبيلة تتحدث عن نفسها بأحسن ما يكون وعن غيرها بأسوأ ما يكون ولكن في ما يتعلق بالعرب  البائدة يضيف البعض لعاد وثمود (العمالقة_طسم_جديس –أميم – جرهم )على أنها أبيدت جميعا قبل الاسلام .

 اما العرب الحاليون فينقسمون إلي :

(1) العرب العاربة : عرب الجنوب اليمني أو القحطانية .

2) العرب العدنانية او المستعربة نسبة الي عدنان جد الرسول الأعلي .

قصة ثمود

يقع مكان تواجد قوم ثمود في الحجر المعروف بمدائن صالح في وادي القرة بين الشام و الحجاز علي ساحل البحر الأحمر في طريق التجارة بين اليمن و الشام ومساكنهم يمر عليها الان طريق الحج البري ووضعت السلطات السعودية أسوارأ حديدية عالية لمنع أي محاولة لزيارتهاأو الدخول إليها .

قصة ثمود في القرآن بها تفاصيل أقل من عاد والمؤكد أن حضارة عاد كانت أكثر تطوراً منها أيضأ بنص القرآن الكريم .

يقول القرآن الكريم أن قوم ثمود قطعوا الأحجار وبنوا قصوراً ضخم’ في السهول وانهم نحتوا الجبال فنحتوا منها بيوتاً . ولم ينتقد هذا التقدم الهندسي و التكنولوجي بل اعتبرها من نعم الله عليهم     (وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ  ) الاعراف 74. إن قطع صخور الجبل ونقلها لبناء قصور في مكان آخر (سهول ) أمر شبيه بنقل الأحجار لبناء الاهرام وهي بدوها من الأمور الغامضة. كيف تم ذلك ؟ وهذه الصخور الصلبة كيف تم حفرها بشكل هندسي دقيق . لقد زرت مدينه بتراء القديمة الملاصقة للعقبة في الاردن وهي قريبة من مدائن صالح نسبيا وهي علي ( الطريق التجاري)، رأيت مدينة كاملة محفورة بالجبل بما في ذلك القصور و القاعات الكبيرة . فكيف تم هذا وبأي آلات. (البتراء لقوم آخرين هم الأنباط  ).

اعتبر  القرآن الكريم هذا التقدم من آلاء الله. ولكن التقدم المادي لا يغني عن الحق شيئاً. والمجتمعات الصالحة لاتقوم علي القوة المادية فحسب  بل لابد أن تقترن بإقامة العدل بين الناس  والاخلاص في العبادة لله  حتي يحفظ هذه النعم . ولكنهم تحدوا نبيهم صالح. وذبحوا ناقة الله ( التي كانت آية سيدنا صالح ) فجاءهم ماكانوا  يوعدون من الرياح المدمرة . وتؤكد الآيات الكريمة أن مصادر الرغد كانت متوفرة وعلي رأسها (المياه) والانسان لا فضل له في توفيرها . وان تخيل خطأ أن اختراع الآلات من تدبير عقله وليس اكتشافاً لسنن الله في الكون .المياه كانت متوفرة وهذا يؤكد انهم كانوا في العصر المطير (في جنات وعيون) الشعراء 147 والجنة هي المكان الملئ بالخيرات وكل ما يحتاجه الانسان وهي محاطة بالأشجار ومليئة بالعيون لأن الجنة لا تزدهر  بدون مياه وفيرة ودائمة .  (وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ ) الشعراء 148. وهذا يشير إلى خصوبة الأرض الرطبة الطرية التي تنتج طعاماً وتمراً سهل الهضم مستساغاً في الطعم. ولكنهم أضاعوا كل ذلك بكفرهم وتمردهم علي نبيهم صالح فكانت عاقبتهم الإبادة بحيث لم يبقى سوى  مساكنهم .

( كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8) (الحاقة4_8) ونؤكد مرة أخرى أن العقاب الالهي ليس له علاقة بتبدل المناخ من العصر المطير إلي العصر الجاف . فهذا عقاب إلهي خارج السنن الاعتيادية لتقلبات المناخ . و هذا ما يؤكده القرآن الكريم و يؤكده العلم الجيولوجي أيضا . و كلما تقدمنا في العلم سنري العلاقة اليسيرة الحرة المتداخلة بل و المتطابقة بين سنن القرآن و سنن الواقع لأن كليهما من خلق الله . فالقرآن الكريم  أكد مرارأ في وقائع مماثلة أن العقاب الإلهي مس العديد من الأقوام التي كفرت بالله وبأنعمه داخل الصحراء الكبري و خارجها في العصر المطير حيث تتوفر المياه أو في عصر الجفاف . فعقب الآيات السابقة في سورة الحاقة وردت فوراً قصة فرعون و قصة قوم لوط ( وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10) الحاقة 9-10 و إن كانت مصر شكلياً في الصحراء الكبري إلا أن نهر النيل صنع لها مجتمعاً ثميناً فمصر تعتمد علي نهر النيل الذي تاتي موارده المائية من أقصى الجنوب . حقاً من الأمطار ولكن في المناطق الاستوائية. إذاً العقاب لا علاقة له بالعصر المطير أو الجاف بل نهر النيل نما  في عصر الجفاف كذلك فإن الله جل شأنه شاءت إرداته التوقف عن إرسال المعجزات كما حدث جليا في نبوة محمد صلي الله عليه و سلام و هي النبوة الخاتمة لان المعجزات لم تقنع المعاندين فقالوا انه سحر . كما أن العقاب الجماعي لم يردع التاليين . فعقاب عاد مثلاً لم يردع ثمود عند تكرار نفس المعاصي . و قد جاءت الاشارة لهذا التحول خلال الحديث عن ثمود تحديداً. و كان الحديث موجهاً لسيدنا محمد صلي الله عليه و سلام .(وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا  ) الاسراء -59 كذلك يؤيد العلم الجيولوجي و حقائق التاريخ عدم وجود تلازم بين عصر الجفاف و العقاب الإلهي . فإرم ذات العماد ظهرت تحت الأرض في لحظة واحدة و كانت في أغني وأبهي أنواع الحياة و المزروعات كذلك فأن العقاب الإلهي نزل في مصر ( النهرية ) و الشام المطيرة دائماً (قوم لوط) و اليمن المطيرة دائماً و حتي الان ( سبأ ) .

ولكننا اهتممنا بمسألة العصرين المطيرو الجاف لتوضيح الحالة الخاصة لجزيرة  العرب و انها كانت في معظم  الأحيان  و الأماكن خارج نطاق التاريخ

نقصد قلب الجزيرة العربية . حتي هذه النقاط الحضارية المضيئة  كانت علي الأطراف و في إطار الحلقة السعيدة ولم يكن قلب الجزيرة موطناً فى أى يوم لأى حضارة .والمعروف أن العصور المطيرة  لاتعني أن يتساوى معدل الامطار فى كل الصحراء الكبرى من الغرب حتى الجزيرة العربية .المهم ان نجد والحجاز كانتا خارج التاريخ حتى جاء إليها أبو الانبياءابراهيم عليه الصلاة والسلام.

فى عدة آيات كريمة تأكيد للتسلسل الزمني للأحداث الكبرى فى الجزيرة العربية وحولها فى المستطيل القرآنى مثل هذة الآيات (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ * وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ  )الحج42-44

إذاً بشكل قطعى بعد عاد وثمود أو هود وصالح لم توجد أنبياء فى جزيرة العرب

– طبعاً حسب النفى القرآنى-حتى جاء سيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام لبناء الكعبة .والمقصود هنا بقوم ابراهيم لاشك هم أهل العراق الذين قرروا محاكمته وحرقه فأنجاه الله واتجه إلى الشام (فلسطين).هل يوجد لدينا أى مصدر للمعلومات عن جزيرة العرب عن الفترة ما بين ثمود وابراهيم ؟!

العربية السعيدة :

لم يعد بالامكان تأجيل الحديث عن اليمن أكثر من ذلك فاليمن جزء لايتجزأ من الجزيرة العربية بل كان دائماً البقعة المضيئة المشرقة وبؤرة الحضارة عبر السنين. تقسيم الجزيرة العربية الآن إلى شمال وجنوب أو إلى السعودية واليمن أو تقسيم اليمن إلى شمال وجنوب كلها تقسيمات حديثة لا قيمة لها ولم يقم لها التاريخ وزناً.

 ولأن عين الغريب أصدق كما يقولون فإن اليونانيين القدماء الرحالة جذبتهم وفرة المياه فى اليمن والاخضرار الدائم الذى يكسو جهاته المختلفة –بعكس انتشار اللون الأصفر الذى يكسو باقى جهات الجزيرة العربية –ولذلك فقد كانوا هم أول من اطلقوا علية اسم”العربية السعيدة”او (arabia flelix). (تكوين اليمن الحديث) د.سيد مصطفى سالم.

  لقد أثبتت الآثار أن اليمن أحد أقدم المناطق المأهولة فى العالم وفقاً للتقارير والأبحاث التي توصلت إليها فان اقدم اكتشاف لآثار الانسان في العصر الحجري في منطقتنا في اليمن . لذالك يبالغ اليمنيون ويقولون أن آدم يمني كما ذكرت في بداية الدراسة! فقد عثرت البعثة اليمنية السوفيتية المشتركة في وادي جردان علي موقعين يحتويان علي أدوات ترجع إلي عصر (الاولدوي) وهو أقدم مرحلة من مراحل العصر الحجري . ويعود تاريخها إلي حوالي مليون سنة. أما في مصر فحتى صدور الجزء الثاني من شخصية مصر للدكتور جمال حمدان كانت الكشوف قد وصلت إلي أدوات حجريه قديمة منتشرة في كل جهات الصحراء الكبري وأن انسان العصر الحجري القديم بمصر خاصة في الصحاري الجنوبية عمره لا يقل عن 200 ألف سنة من خلال الأدوات المكتشفة . إذاً اليمن لا يزال  في المقدمة !

والسباق مستمر ولن ينتهى ما استمرت الكشوف الأثرية .والهدف هو كشف حقائق التاريخ القديم وليس تفضيل أمة على أمة .

حضارة اليمن وعلاقتها بدول المنطقة القديمة وقبل الاسلام :

لم تكن المناطق الشمالية لجزيرة العرب تعنى شيئاً إلا مجرد ممر لطرق التجارة. كانت الحضارة اليمنية حضارة متحضرة !!هل يجوز أن نقول ذلك؟ نعم فقد اقترن الحديث عن الحضارات ببناء الجيوش القوية واستعمار دول الجوار وأكبر عدد من البلاد الممكن الوصول إليها.ونحن الآن نتحدث بلا حياء عن الحضارة الانجليزية رغم كل ما ارتكبته من فظائع فى حق الشعوب والحضارة الأمريكية التى أبادت 400 شعب وقبيلة من سكان أمريكا الأصليين (الذين سموهم الهنود الحمر)ثم ما فعلوه فى باقي القارات بعد ذلك .

الحضارة اليمنية قامت أساساً على تجارة وتبادل المنافع والثقافة.وانشاء جيوش قوية محترفة لحماية المدن اليمنية . وقوات لحراسة القوافل التجارية . حقاً كانت هناك أحياناً حروب ضروس بين اليمنيين بعضهم البعض فى إطار سيادة إحدى الدول على الاخرى وفى السعى لتوحيد اليمن فى دولة موحدة وهى أمور (أى القوة)لايمكن تجنبها على الاطلاق. ولكن مع الآخرين فقد كان اليمنيون مثالاً لدماسة الأخلاق وحسن المعشر وهم يذكرونك بالأدب الصينى والآسيوى! بل هم كالصينيين  لا يغزون أحداً ولا يعتدون علي أحد ولكن يصارعون بالقوة الاقتصادية كمباراة سلمية. اليمنيون وهم فى عز قوتهم لم يفكروا فى أى عملية إلحاق او احتلال لأى بلد مجاور. وكان يمكن أن تكون خطوط التجارة الطويلة مبرراً وتكئة لاحتلال نقاط حدودية واقامة الحصون والسيطرة على الموانئ . كما كان هذا مبررا لبريطانيا كى تحتل كل الطرق بينها وبين الهند (!!) وسنرى كيف حل اليمنيون مسألة حماية القوافل . المهم أن الحضارة اليمنية كانت قريبة من الحضارة المصرية فهما من نفس الفصيلة . ولا شك أن شعوب المستطيل القرآنى(الشرق الاوسط) الأقدم فى مجال الحضارة كانوا الأكثر رقياً وفهماً للمعنى الحقيقى للحضارة وتبادل المنافع التجارية للمصلحة المشتركة والتفاعل الثقافى كما تمتعوا بالاكتفاء الذاتي من الغذاء وبالتالي كانت أمم” شبعانة “وليست”مسعورة ” كالرعاة والبدو ولذلك يمكن أن نسمى الامبراطورية المصرية القديمة ،بأنها كانت امبراطورية دفاعية . ولم تهتم ببناء جيش قوى وكبير إلا فى مواجهة الاعتداءات المتكررة القادمة أساساً من الشمال . ولكن الامبراطورية المصرية  لم تكن مسرفة فى التوسع أو الضم ولم تكن تقوم بالتنكيل بالشعوب المجاورة بقدر ما كانت مشغولة بالتعاون مثلاً مع الفنيقيين فى أمور الثقافة  (الكتابة) أو البحر(التعاون البحرى) أو استيراد أخشاب الارز لبناء السفن المصرية . واليمن كان لديها جيش قوى لا شك ولكن لا يصل إلى حجم وقوة الجيش المصرى فى أغلب الاحيان. تذكروا ان معاوني ملكة سبأ قالوا لها (نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ) النمل 33

لماذا لم يكن لدى الممالك اليمنية المتعاقبة وليس سبأ فحسب جيشاً بحجم الجيش المصرى فى أغلب الأوقات لمواجهة أخطار خارجية ؟ أان موقع اليمن الحصين بالجبال جعلها عصية على الاحتلال و العدوان معظم سنوات التاريخ وحتى الآن.

علاقات اليمن تجارية موغلة فى القدم وقبل رحلة الشتاء والصيف بل لعل القرآن الكريم يشير إلى هذا الايغال فى القدم ، فمنذ عرفنا التاريخ المكتوب فهناك حديث دائم عن التجارة بين اليمن والهند والصين وأيضا علاقات تجارية مع شرق افريقيا وكل هذا النهر من البضائع كان يتدفق شمالا حتى الشام وأبعد منها الى مصر وأوروبا الجنوبية وهناك نهر معاكس من هذه المناطق الشمالية الى اليمن ومنها الى شرق آسيا ألايمكن أن نعتبر سورة قريش من الاعجاز التاريخى للقرآن الكريم ؟ وقد ورد نص مصري عن تلقي الامبراطور المصرى تحتمس الثالث هدايا من يمنيين فى القرن الخامس عشر ق.م وهذه الهدايا كانت بخوراً مما يدل على قدم سيطرة اليمنيين على مناطق انتاج البخور .

الأبحاث العلمية أكدت استقرار الحضارة الزراعية فى اليمن منذ الألفية الرابعة قبل الميلاد . و عثر الأثريون علي كتابات سبئية ومعينية (نسبة لدولة معين) فى مختلف أرجاء شبة الجزيرة العربية وفى العراق . كذلك ورد فى نصوص سومرية كلمة (سبأ) وهى نصوص لملوك أور وهى تشير إلى وجود علاقات تجارية واقتصادية وتعترف الكتابات العبرانية أن السبئيين كانوا اثرياء وتجار بخور ولبان وأحجار كريمة .

كان اليمن يتمدد فى كل الجزيرة العربية وصولاً إلى الشام والعراق واليونان ومصر وجزر البحر المتوسط بنفوذ تجاري –اقتصادي.ولكن هذا لا شك يكون له انعكاس فى النفوذ السياسى خاصة فى الجزيرة العربية .حتى أن المؤرخ والجغرافى اليمني الأشهر أبو محمد الحسن بنى احمد الهمداني  (المتوفى360هجرياً) قد جعل حدود شبه الجزيرة تبدأ من الكعبة بمكة . أما الإغريق فقد كانوا تجاوزوا ذلك ورأوا أن الحدود الشمالية العربية السعيدة (اليمن) جنوب العقبة بعشرة كيلومترات!!

وقد يرى المعاصرون أن هذا نوع من الهزل وهو ليس كذلك . فالجزيرة العربية كانت خاوية فى الوسط والشمال من أى تكوينات مجتمعية ثابتة إلا قليلاً مما سنتحدث عنه لاحقاَ. وبالتالى فان النفوذ التجاري والاقتصادي اليمني ينداح بسهولة ويسر دون عقبات .كما ذكرت فان هذا النفوذ التجاري كان لابد أن يكون له انعكاسه السياسي.أى نفوذ سياسي بدون أشكال الاحتلال والضم ،وهو النفوذ السياسي بالتراضي وهذه أيضاً من علامات التحضر والرقى .فالاكثر تطوراً هو الذى يسود.

كما قلنا فان اليمن كانت تؤسس نقاط لحماية حركة التجارة أو بالأحرى تتعاقد وتتفق  مع بعض القبائل أن تقوم بذلك وهذا بالتأكيد يؤدى إلى سيادة النفوذ اليمني. ولكن الموضوع لم يكن مثالياً إلى هذا الحد فقد وصل لبعض الحملات العسكرية قامت بها دولتان سبأ وحمير على الكيانات القبلية الشمالية ولابد أن ذلك مرتبط بعمليات تعدي على القوافل التجارية المتجهة شمالاً إلى سوريا والعراق . وقد وجدت بالفعل آثار يمنية في عاصمة كنده ومذحج وغيرهما. وتشير روايات تاريخية إلى أن أهل يثرب القدماء  كانوا جزءاً من غرس سبئي أو معيني في الطريق التجارية لغرب الجزيرة العربية . ووفقاً لما هو مدون علي النقش المعيني فإن ملك دولة معين امتد إلي يثرب والعلا وفدك و تيماء و الحجر .

وفي كتابات تم العثور عليها   ورد ذكر أسماء ” كبراء ” كانو يحكمون باسم ملوك معين مناطق الحجاز وحتي أجزاء من فلسطين، وبالعودة إلي يثرب لأنها تهمنا لأنها ستصبح عاصمة أول دولة اسلامية وموئل  رسول الله صلى الله عليه وسلم نقول : إذا ثارت أي شكوك حول المعلومات القديمة  فإن المراحل الاخيرة السابقة للإسلام تؤكد ارتباط يثرب باليمن. خاصة من بطون قبائل الأرز وهم بنو الأوس و الخزرج. وإن كان الحديث عن توطن هذا الجيل من قبائل اليمن في يثرب يرتبط بمراحل مختلفة. وهي مرحلة تراجع الحضاره اليمنية وانهيار سد مأرب والهجرات المتتابعة التي خرجت في موجات للشام  والعرق وبعدها استقرت في الحجاز وما حولها كالأوس والخزرج وتقول القصة كما وردت في عدة كتب (ابن حزم –العوتبي – حمزة الأصفهاني – أبو الفداء ) أن الآزد خرجوا من موطنهم باليمن في نهاية القرن الرابع الميلادي بعد انهيار سد مأرب فوصلوا مكة وبها يومئذ جرهم بن قحطان . فأقامت الأزد بمكة مدة ثم افترقوا، نظراً لضيق العيش بها (لاحظ أحوال مكة الاقتصادية وسنعود إليها فيما بعد ) فكانت كل فرقة منهم بأرض و بلاد ، فمنهم من نزل السودان (في جبال طئ ) ثم افترقوا فسار بعضهم إلي عمان ومنهم من تخلف في مكة وما حولها  ومنهم من سار إلي يثرب ومنهم من قصدوا العراق  (البلازري – ابن حزم ) ومنهم من ذهب إلي الشام ثم اتجه  الأوس والخزرج إلي الشام لكن مع اشتداد الاحتكاك والمشكلات مع الرومان  عادوا إلي يثرب.

وبطبيعة الحال فلا يختلف أحد على أن الأوس والخزرج هم من أصول يمنية. ومن يقرأ عن تاريخ وجغرافية يثرب ستشرح له أشياء كثيرة، فيثرب كانت واحة خضراء وغناء أرضها خصبة تتوفر فيها المياه (من العيون) وهي محاطة بحجارة  سوداء بركانية وكان في ذلك من الحماية والتحصين الطبيعي ولا شك تم الاستفادة من ذلك في غزوة الخندق، ويثرب مهمة كمركز على الطريق حتى انها مذكورة في جغرافية بطليموس. وهناك مصادر متعددة تؤكد أن المعينيين (دولة معين) كانوا يعينون حاكما عليها من أهلها، وكذلك فعلت من بعدهم سبأ.

من هذا التاريخ يتبين لنا أن يثرب كانت قطباً موازياً لمكة على طريق التجارة بل كانت تفضلها بطبيعة الواحة المحصنة المريحة للقوفل التجارية.

ولاشك أنه قبيل الاسلام كما سنوضح حسم التنافس لصالح مكة التي أصبحت مركزًا  دينياً مع ازدياد شوكة

وفي نفس الاطاريظهر اسم قريش فى كتابات فترة حكم حضر موت وهو آخر المماليك اليمنية قبل الاسلام، ففي كتابات لأحد ملوكهم اشارة لاستقباله وفود تجارية من الهند وتدمر وآراميون وقبيلة اسمها “قريشم” ولعلها هي قريش.

وقبل ان نغلق القوس على قصة علاقة يثرب باليمن لا يمكن أن ننسى الاشارة إلى أن أم  سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب كانت من يثرب ومن بني النجار وهم من أبرز بطون الخزرج. وان وفاتها كانت في طريق العودة من زيارة ليثرب وكان معها طفلها “محمد” فماتت في طريق العودة.. ودفنت في نفس الطريق الذي قطعه محمد صلى الله عليه وسلم من يثرب إلى مكة يوم فتح مكة، وتشير كتب السيرة إلى أن سيدنا محمد طلب التوقف وزار قبرها وبكى عنده (السيرة مستمرة- أحمد خيري العمري- عصير الكتب).

لا يمكن أن تكون هذه صدفة في حياة النبي الكريم أن تجري في عروقه دماء يمنية كما جرت دماء مصرية( هاجر) وهو أصلاًمن أكرم أرومة كما قال صلى الله عليه وسلم (إن الله اصطفى من ولد ابراهيم اسماعيل واصطفى من ولد اسماعيل بني كنانة واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم)- مسلم

عندما كتبت منذ لحظات أن حضارة اليمن متحضرة، وأن الحضارتين المصرية واليمنية تتميزان بالعراقة والأصالة والأبعاد الانسانية الأعمق وليس باستخدام القوة لسحق الآخرين وإخضاعهم، لم أكن أفكر بعد في هذه الحقيقة: الدماء المصرية واليمنية في عروق سيد الخلق، والذي صنعه الله على عينه.

وإذا قرأت بتمعن تاريخ الحضارات الغربية ستجد أن قادتها الآن هم من سلالات البرابرة والهمج الذين أتوا من الشمال وروعوا الأهلين في وسط وجنوب أوروبا وسيطروا على البلاد حتى الآن، وانهم كانوا من الرعاة وبدو الاستبس ومطاريد الثلوج الشمالية. وسنعود لذلك يوما.. ولكن لنستكمل رحلتنا من ثمود إلى ابراهيم عليه السلام.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: