نريد دولة عظمي مرهوبة الجانب لنحمي أنفسنا وعقيدتنا

العرب والمسلمون الأمة الوحيدة بدون دولة تحميها

التجمع العربي والإسلامي والإفريقي أكثر الناس بؤساً في الأرض

الدولة الإسلامية لابد أن تحاكي أوروبا في المؤسسات

اليابان ارسلت بعثة لمصر لدراسة تجربة محمد علي

دراسة: المستطيل القرآني (الشرق الأوسط)- حلقة (32)وهذه هى الحلقةالرابعة من الجزء الثانى منها

ستلاحظون من الآن فصاعداً فإنني لن أواصل أسلوب الاسراع في عرض أحداث التاريخ لأن مايهمني هو التحليل وليس التأريخ , والتأريخ ليس حرفتي وليس هدف هذه الدراسة , ولكن هدفها إدراك الأبعاد الإستراتيجية لمركز العالم المستطيل القرآني الذي جعلتنا الأقدار من ابنائه ومن ساكنيه , هذه الأهمية الاستراتيجية بالغة الأثر والتأثير علي حياتنا العامة والسياسية وحتي الشخصية , ووثيقة الاتصال بالقضية الأم : كيف نبني الدولة الإسلامية الحضارية , كدولة عظمي , كما أمرنا الله , لنكون دولة عظمي بين دول عظمي أخري , فلم يأمرنا الاسلام بإبادة الآخرين أو محو فكرهم أو لغاتهم , ولكن أمرنا بحماية أنفسنا وأوطاننا وعقيدتنا وأن نؤمن لها حرية الانتشار والدعوة حتي يختار بني البشر بدون اكراه ويمكن أن يرفضوها مقابل ( دينار واحد-أو جنيه – أو دولار واحد أو شئ قريب من ذلك ، سنويا ) دون أن تضار حياتهم الخاصة ورفاهيتهم الإقتصادية أو حرياتهم الدينية والسياسية , ويكون لهم حقوق المواطنة (كما وردت في صحيفة المدينة في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم) نحن نريد دولة عظمي مرهوبة الجانب , لنحمي أنفسنا وعقيدتنا لا لنعتدي علي الآخرين أو نتوسع بطريقة المستعمرين , وطبيعي أن تكون عظمي لأننا 400 مليون عربي ولأن المسلمين تجاوزوا المليار بحوالي 1/4 مليار علي الأقل ( آخر التقديرات المنشورة 1.6 مليار مسلم )  , مساحة الوطن العربي وحده هي ثالث مساحة من حيث الحجم بعد روسيا وأمريكا .نريد دولة عظمي لأن هذه طبيعة الأمور من حيث العدد السكاني والمساحة ومن حيث أن لنا رؤية مختلفة عن حضارات الآخرين , فنحن لايمكن أن نلتحق بحضارة الهندوس في الهند أو الحضارة الغربية أو الصينية أو الحضارة الروسية السلافية . وعدم وجود دولة تضمنا جميعاً أو جزء كبير منا علي الأقل وتتولي حماية الآخرين , لا يحولنا ( نحن العرب والمسلمين ) إلا إلي عبيد تائهين بين البشر ولاتوجد حالة وسط , فإما أن نكون سادة في بلادنا المستقلة أو نكون عبيداً للقوي العظمي الأخري . ولايوجد في القرن الواحد والعشرين تجمع بشري بائس مثلنا إلا التجمع الإفريقي ( بإستثناء جنوب إفريقيا ) بل ان التجمع الإفريقي أكثر بؤساً مننا وأضل سبيلا,  60% من القارة مسلمين , فنحن في هم واحد او مشترك . آخر إحصاء اطلعت عليه عن البؤس الإفريقي ان 100 مليون طفل لم يذهبوا إلي المدارس .

وهذا البؤس هو إرث الاستعمار الذي لم يرحل أبداً فلاتزال معظم إفريقيا تحت الهيمنة الفرنسية والأمريكية والإنجليزية .

عدد أبناء القارة الإفريقية 1200 مليون نسمة وتقول التقارير الدولية أن افريقيا هي أكثر مناطق العالم فساداً . وان 35 مليار دولار يتم نهبها سنوياً من القارة علي يد المسئولين الأفارقة في صفقات فاسدة مع الغرب . وقدر تقرير لبنك التنمية الإفريقي أنها فقدت 1300 مليار دولار بين عامي 1970 و2008 كأموال مهربة إلي الغرب ( !) , وافريقيا لاتحصل من الاستثمارات العالمية سوي علي 1.2% مقابل 18.9% لدول جنوب شرق آسيا . و28% لدول الجنوب في آسيا وأمريكا اللاتينية . ويقدر البنك الدولي احتياجات الدول الإفريقية للإستثمار في البنية التحتية وحدها بنحو 98 مليار دولار سنوياً لاتستطيع توفير سوي 43 مليار منها , ويعد الفساد من أبرز الأسباب الطاردة للاستثمارات . وتقول الإحصاءات في عام 2004 ان لأفريقيا نحو 200 مليار دولار استثمارات بالخارج عجزت الحكومات عن استعادة ولو جزء منها بسبب التواطؤ بين الفاسدين من حكام افريقيا والغرب .

وحال الجامعة الإفريقية ( أو الإتحاد الإفريقي ) لاشك اسوأ حالاً من الجامعة العربية أو تجمع دول المؤتمر الإسلامي , ولكن هذه التجمعات الثلاثة هي اسوأ تجمعات في الكرة الأرضية , بكل الإحصاءات والمقاييس والمعايير المتفق عليها دولياً . وفيما عدا هؤلاء سنجد الأمم أفضل حالاً بكثير . هناك تجمع أمريكا الشمالية ( اقتصادياً اسمه النافتا ) , أمريكا اللاتينية تنهض في تجمع الميركسور , وتحطم اغلال التبعية لأمريكا وتتقدم في معراج العلم والتكنولوجيا والصناعة المتقدمة رويداً رويداً , وتتعرض مؤخراً لنكسات ( في البرازيل مثلاً ) بسبب التآمر الأمريكي ولكن خطها البياني في تصاعد مثلاً تقدمت البرازيل إلي المرتبة الثالثة في صناعة الطيران المدني بعد الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي بالإضافة للصناعات الحربية , والسيارات , وانتاج الوقود من المحاصيل الزراعية.

الاتحاد الأوروبي – التجمع الروسي : روسيا وماتبقي حولها من روسيا البيضاء وشبه جزيرة القرم واجزاء من جورجيا واستعادة بعض النفوذ في شرق اوروبا ووسط آسيا

– تجمع البريكس : وهو التحالف الإقتصادي الصاعد بين روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب افريقيا .

– تجمع الصين : الصين وحدها مليار وربع المليار مع نفوذها المتنامي في جنوب شرق آسيا .

– تجمع الآسيان ( جنوب شرق آسيا )

– التجمع الهندي: ( الهند وحدها مليار نسمة )

ايران تجعل من نفسها عنصراً مشتركاً بين روسيا والهند والصين ( عضو مراقب في البريكس ) وتقيم تكتلاً اقليمياً في المستطيل : سوريا والعراق ولبنان واليمن .

والمؤتمر الإسلامي يعزلها لا لأنها يحكمها المذهب الشيعي بل أساساً بسبب تبعية معظم الدول الإسلامية لأمريكا . هذه خريطة سريعة لتجمعات البشر , فستجد أن التجمع العربي الإسلامي هو أضعف التجمعات طراً وأكثرها تفككاً وبالتالي  ليس له حضور علي المستوي الدولي بل هو مهضوم الحقوق وواقع رسمياً تحت الإنتداب الأمريكي- الإسرائيلي عدا التكتل الإيراني وتركيا . ولطالما دعونا إلي علاقات مستقرة ومنظمة ومؤسسية مع أهم جارتين : تركيا وايران . ونتناول ذلك في مجال آخر .

ولكنني كنت أركز فحسب علي هدف الدولة العظمي , وانه هدف مشروع ومنطقي بل وبديهي ومشكلتنا اننا لانمتلك ولا نسعي إلي هذه الدولة العظمي .

والذي فرض علي هذا الموضوع هو المستطيل نفسه , فالمستطيل سيظل نهيبة للرائح والغادي, لكل شذاذ الآفاق , ولكل القوي العظمي, وسيظل أهل المستطيل مستعبدين لهم. ولايمكن تصور قيام دولة قوية في مصر وحدها . أو سوريا وحدها . أو العراق وحده , أي دولة قوية سيتم خنقها من باقي دول المستطيل اذا كانت تابعة لدولة عظمي غاشمة واستعمارية . ونحن لن نقيم دولة اسمها ” المستطيل ” أو تقتصر عليه , بل دولة عربية اسلامية , طبعاً هي ستنشأ بالتدريج ومن خلال عمليات انضمام كما حدث في بناء الدولة العثمانية الأولي في الأناضول ( آسيا الصغري ) حيث كان انضمام الامارات التركية للإمارة العثمانية الأكبر يتم طوعاً .

أو كما حدث في الفتح الإسلامي لكسر شوكة المعتدين حيث كان الرومان يحتلون الشام والفرس يحتلون العراق . وكما انضمت سوريا واليمن إلي مصر طواعية في عام 1958 م وسنروي كيف تم إجهاض ذلك .

والدولة العربية – الاسلامية التي ندعو إليها أشبه ( من حيث الإطار المؤسسي ) بالاتحاد الأوروبي الحالي , وأشبه بالتحالف الغربي وأشبه بالدولة الإسلامية الأولي كيف ؟ الإتحاد الأوروبي توسع طوعاً , والعلاقات الأوروبية – الأمريكية هي علاقات طوعية تحكمها المصلحة والثقافة المشتركة والدين المسيحي , اعني أنها يجب أن تكون دولة لا مركزية , وليست علي طريقة الدولة العثمانية في مرحلتها الثانية  أو الإتحاد السوفيتي من زاوية المركزية الشديدة في السياسة والاقتصاد , دولة لا مركزية قائمة علي التنوع وقدر كبير من الحكم الذاتي . ولنركز الآن علي الاتحاد الأوروبي لأنه نموذج معاصر نراه أمام أعيننا ونفس الشئ التحالف الغربي من خلال الناتو أو أي أشكال أخري ( كالسبعة الكبار ).

نحن أمام اتحاد كونفدرالي أي اتحاد في السياسة الخارجية والحربية وهذا مانجده واضحاً علي أرض الواقع نحن أمام سياسة خارجية واحدة تقريباً تضم الدول الغربية   : أمريكا – الاتحاد الأوروبي – كندا – استراليا – نيوزيلنده – , الموقف واحد تقريباً تجاه روسيا – الصين – الهند – الاسلام والمسلمين والعرب – أمريكا اللاتينية – اسرائيل – افريقيا . كذلك الأمر في المجال العسكري من خلال الناتو . كل دول الناتو تقريباً حاربت في افغانستان والعراق وهي تشكل الآن التحالف الدولي ضد داعش.

حدث استثناء اثناء غزو العراق 2003 م حيث حدث خلاف صريح علي غزو العراق من المانيا وفرنسا وبلجيكا , لأسباب تكتيكية ولخلاف في المصالح ولكن بمجرد احتلال العراق عادت النغمة موحدة من جديد . وفي النظم اللامركزية من الطبيعي أن تحدث بعض الخلافات أحياناً ولكن يتم تسويتها .

وعلي المستوي الاقتصادي نجد في الاتحاد الاوروبي اتفاقاً علي سياسات عامة مشتركة .. كتوحيد العملة – إلغاء الجمارك ..الخ ولكن لن تجد كل السياسات الاقتصادية موحدة فكل دولة لها سياساتها في الاستثمار والضرائب واقامة العلاقات الثنائية مع مختلف دول العالم . ويمكن أن تنشأ مشروعات اوروبية مشتركة ولكن باتفاقات خاصة وليس بشكل اوتوماتيكي , لتأسيس شركة الايرباص للطيران المدني – أو تأسيس وكالة فضاء اوروبية . أي أنه لاتوجد وزارة صناعة مركزية واحدة , أو وزارة زراعة مركزية واحدة وهكذا .

في المقابل نجد الطابع المسيحي مشترك بين الجميع , مسيحية متزاوجة مع العلمانية أيضاً في صياغة مشتركة . ولكن ما الذي يعيق تأسيس وحدة اقتصادية عربية كهذه الاوروبية طالما أن كل دولة تحتفظ بكيانها ؟ وهذا أهم مايشغل الحكام العرب فهم يحبون السلطة والعلم والنشيد والقصور , العائق الأساسي أن هذه الدول كلها تقريبا مستعمرة , وتحت الانتداب الأمريكي ,  ولاتملك قرارها في مثل هذه الموضوعات الكبري . وأمريكا ودول الغرب يريدون العرب مقسمين وأسواقهم مقسمة وثرواتهم منهوبة , وقوتهم العسكرية تحت السيطرة من خلال التسليح الغربي المجاني أو بالفلوس !

وبالتالي فان محاكاة أوروبا في الاتحاد تحتاج لنظم مستقلة , تحتاج لثورات لتغيير الحكام ! وإسقاط التبعية وتحرير إرادة البلاد في السياسة والإقتصاد وشئون الحرب والدفاع . ولكن ثورات 2011 ولا انكر أنها كانت ثورات حقيقية ولكن النخبة المثقفة لم تكن مشغولة بهذه القضايا الكبري , وانحصر تفكيرها في مسائل الليبرالية (الحريات ) ولست ضدها بل اراها ضرورية ولكن لايمكن اختصار مشروع الأمة فيها , حقاً الحرية هدف في حد ذاته من أجل كرامة الانسان , ولكنها أيضاً وسيلة من أجل تحقيق كذا وكذا , تحقيق التقدم والرفعة , التنمية والاستقلال والصناعة والعلم والتكنولوجيا والسيطرة الوطنية علي الموارد الطبيعية وتحرير السياسة الخارجية من الخط الأمريكي – الصهيوني – العولمي . وان شاء الله نحقق هذه الأهداف في الثورات القادمة وعليكم خير !

 منذ بداية عصر محمد علي ( بداية القرن التاسع عشر ) وحتي الآن (اوائل القرن الحادي والعشرين ) القضايا الأساسية واحدة والتحديات والأخطار واحدة , وبرامج التصدي والتغيير واحدة , والأهداف واحدة . وعلي رأسها قضية الاستقلال , الاستقلال بمعناه الواسع السياسي – الاقتصادي – الحضاري , توحيد العرب والمسلمين وفقاً للأسلوب المشار إليه آنفاً , أي بطريقة الاتحاد الاوروبي ( والحقيقة هي طريقة دولة الاسلام الأولي فيما يتعلق باللامركزية ) – التنمية الاقتصادية المستقلة المتمحورة حول الذات أي التي تعتمد علي الذات بالمعني المصري – العربي – الاسلامي ثم الانفتاح علي العالم من موقع القوة كما فعلت الصين مؤخراً في العقود الثلاثة الأخيرة , وهذا يعني أن يكون التعليم والعلم في أعلي درجات الأولوية, ومن ثم البحث العلمي والولوج في معارج التكنولوجيا المعاصرة بحيث لانكون مجرد مستهلكين كسالي تابعين لمن سبقونا , بل نكون منتجين ومشاركين في انتاج اسباب التقدم الحضاري . ولاحظوا ان الذين سبقونا لم يعودوا يقتصروا علي الغرب , بل لقد سبقنا الشرق أيضاً, ومعظم الجنوب بينما نقف نحن بينهم حائرين مترددين وكأننا الذين وصفهم القرآن الكريم (وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) التوبة 45. القرآن يصف حال المرتابين من المنافقين , وهو وصف دقيق لحالنا , فنحن ضعاف الإيمان لا نثق في أنفسنا وفي قدرتنا علي اللحاق بالقوم الذين سبقونا لأخذهم بالأسباب , بل ومنافستهم في منجزات العلم والتكنولوجيا .

عبقرية محمد علي

محمد علي انشغل بالقضايا التي ماتزال هي قضايا الأمة بعد قرنين من الزمان , بل حقق علي الأرض ما لانحققه الآن في اوائل القرن الواحد والعشرين .

النظام السياسي – الاقتصادي الذي اسسه محمد علي ليس هو النموذج الذي ندعو لمحاكاته أو لجعله مرجعية نسعي للإلتزام بها , فمحمد علي لم يكن فقيهاً أو مفكراً ولكنه كان بائع دخان ثم جندياً في الجيش العثماني , وكان أمياً لايقرأ ولا يكتب فنحن لاننتظر منه أي تأصيل فكري أو فقهي . وان كان في فطرته وذكائه الحاد قام بانجازات كبري وكشف عن عقلية فذة . إن عيوب نظامه ومثالبها واضحة للعيان لاتخفي علي أحد فنحن أمام حكم الفرد المستبد , أمام ضعف واضح للمؤسسية بالمعني السياسي والفقهي العام , وان وجدت مؤسسية فهي من النوع الفني علي طريقة ( اعطي الخبز لخبازينه ) . إنه ضغط في المرحلة الأولي من حكمه علي الفلاح المصري من حيث التحكم في تقييم أسعار المحاصيل والضرائب , انه استبعد مرجعية العلماء والشوري رغم ان العلماء هم الذين قادوا الثورات حتي تم تنصيبه حاكماً , وان كان الأمر تلخص في استبعاد عمرمكرم وحده ( وهذا ليس بالشئ القليل , لأن عمر مكرم كان أمة ) وان كان استند إلي باقي العلماء ووضعهم في مجالسه المختلفة علي طريقة الاستخدام الحالي لمختلف السلطات للعلماء لاضفاء المشروعية علي حكمهم وقراراتهم . هذه هي مثالب محمد علي الظاهرة والأساسية . وسنأتي إليها , أما منجزاته فتتمثل أساساً في حمله لأبرز قضايا الأمة التي بدأت في عهده ولاتزال مستمرة حتي الآن . علي رأسها مسألة الاستقلال والتنمية الاقتصادية . وحري بنا أن نتعلم هذا الدرس من محمد علي قبل ان نتعلم مثل هذه الدروس من اليابان أو الصين أو الغرب .

أعجب لإخوة يستشهدون بأمثلة من الشرق والغرب علي أساس أن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها , ويستنكفون أن يستشهدوا بل وأن يتعلموا من محمد علي من بني جلدتهم لأنه ليس أصولياً بما يكفي . بل يوجد تيار قوى بين الاخوة  فى الاخوان المسلمين وفى التيار الاسلامى عموما يعتبر أن محمد علي هو الذي قضي علي الاسلام !! بناء علي معلومات غير صحيحة أو مايسمي ( اشاعات تاريخية ) وربما استناداً للموقف الوهابي نتيجة محاربة محمد علي لهم . في أحد المرات سمعني احد الاخوة من تيار تنظيم الجهاد ( وانا احاور الأخوة من كل التيارات ) سمعني اتحدث عن محمد علي بما سوف اتحدث به لاحقاً في هذه الدراسة , فشكك في اسلامي ووصفني علي سبيل التأدب بأنني “وطني” وقال : ( أنتم الوطنيون تدهشوننا .أنت تتحدث عن محمد علي با حترام ألا تعلم أنه حارب الشيخ محمد عبد الوهاب وأنه قتله ) , قلت له ” ان محمد علي لم يقتل الشيخ محمد عبد الوهاب ومعلوماتي انه مات ميتة طبيعية , اما محاربته إياه فقد كانت بتوجيهات من الدولة العثمانية باعتبار ان عبد الوهاب متمرداً عليها, فإذا اردت التكفير , فلابد أن تكفر الدولة العثمانية أولاً , لا محمد علي “

وفي إحدي المرات جاءني أحد قيادات حزب العمل (الاستقلال) وقدم لي بفرح شديد كتاباً مطبوعاً له عن جرائم محمد علي , وأصابني الذهول ولم اناقشه حتي الآن بسبب انشغالنا الشديد بالأحداث الجارية , ثم اعتقلت لمدة عامين، ولكن من سمات حزب العمل أنه لايصادر الآراء ويتعايش مع التعددية داخله , الا في الأمور الحاسمة الجارية كالموقف من نظام حسني مبارك أو الموقف من الثورة الحالية ( 25 يناير ) .

أما في مجال تقييم الماضي كتجارب عبد الناصر ومحمد علي بل وحتي احداث الفتنة الكبري الأولي  بين الصحابة فالأمر يحتمل قدراً من تعدد الآراء . وبمناسبة دراسة تجارب الأمم ودراسة كل أمة لماضيها . هناك معلومة ثابتة ومعروفة وذكرها الشيخ رشيد رضا ان اليابان بعثت في القرن التاسع عشر بعثة خاصة لمصر لدراسة تجربة مصر في التقدم في عهد محمد علي واسرته من بعده , ولعل ذلك كان في عهد اسماعيل حيث وجدوا خطاً للسكة الحديد ولم تكن اليابان قد دخلت عصر القطارات بعد وقال لي أحد الذين درسوا في اليابان إن هناك علي باب إحدي محطات السكة الحديد ( هذا في القرن العشرين ) باليابان لافتة مكتوب عليها مامعناه إن أول محطة قطارات خارج أوروبا كانت في مصر عام 1856 م .

والذي يهمني ان نتعامل مع التاريخ عموماً ومع تاريخنا خصوصاً باحترام , وأن نكف عن حكاية رفع بعض العهود إلي السماء وبعضها في الأرض ( باستثناء الأنبياء والرسل والخلافة الراشدة ) . وأرجو أن نتعلم من الحكمة الصينية حيث توجد لدي الدولة الصينية لجنة أو مؤسسة عليا لدراسة التاريخ الصيني , وكل حقبة تدرس الحقبة السابقة علي مدار عقد أو عقدين من الزمان بمنتهي التفصيل بحثاً عن كل السلبيات والإيجابيات . وأرى ان هذا من أسباب التقدم الصيني . وقد علمنا القرآن هذا المنهج من خلال القصص الذي به كل الإيمانيات وكل المظالم وأشكال الفساد , حتي ان الآيات القرآنية التي نصلي بها تتضمن حجج الكفار وادعاءاتهم ! وحتي بالنسبة لمرحلة الجاهلية وان كانت مرفوضة ككل , إلا أن الإسلام ثبت كل ماهو صحيح وكريم فيها , كحلف الفضول , والكرم , وكثير من مناسك الحج بعد تخليصها من شوائب الشرك ( كالسعي بين الصفا والمروة ) والطواف حول الكعبة باعتبارها من بقايا عهد ابراهيم عليه الصلاة والسلام .. الخ .

ففكرة رفع سيوف الرفض المطلق لتيار أو إتجاه أو تجربة من الماضي أو حقبة من الزمان ليس من الرأي الراجح أو الفكر السليم أو صحيح الإيمان . طبعاً هناك مواقف وأفكار وآراء لا مصالحة معها ولاتهاون ولاتمييع , وهناك قوي شريرة عالمية أو محلية لا مساومات معها . ولكننا نتحدث الآن عن تجارب الماضي , وتجارب الحاضر غير الإسلامية وأهمية دراستها كأسباب نجاح اليابان أو الصين أو النمور الآسيوية , ولماذا سبقنا الغرب ؟! فكل هذا مما يتصل بسنن العمران التي وضعها الله سبحانه وتعالي , وبالتالي فإن من يأخذ بالأسباب ينجح في الدنيا وان لم يكن مؤمناً , ويفشل المؤمن الخائب الذي لا يأخذ بهذه الأسباب ( راجع آراء ابن تيمية ) . ولا أعني من كل ذلك ان محمد علي لم يكن مسلماً , ولكن لاشك أنه لم يكن أصولياً ولم يكن بالتأكيد يبحث عن الأدلة الشرعية في كل مايتخذه من قرارات , وهذا علي اي حال ديدن معظم الحكام المسلمين !!

سنتحدث عن اهم توجهات محمد علي في بناء دولة قوية مستقلة , في بناء جيش مصري وصناعة مصرية وتنمية إقتصادية والقيام بنهضة تعليمية , ثم نعود لموقفه من الإسلام والشريعة الإسلامية ولكننا وفقاً للتسلسل الزمني سنبدأ بموقفه من عمر مكرم وعلماء الأزهر .

في البداية لابد من الإشارة لصفحة مجيدة من تاريخ مصر وهي الثورات الشعبية (3 ثورات ) ضد مظالم الوالي العثماني وعصابات المماليك المتنفذة التي تواصلت أربع سنين كاملة (1801 – 1805 ) وحيث هتف الرجال والنساء معاً (ايش تاخد من تفليسي يابرديسي ) و(يارب يامتجلي إهلك العثمانلي!) وهي ثلاث انتفاضات او ثورات مظفرة انتهت بتنصيب الشعب محمد علي حاكماً لمصر رغم أنف السلطات العثمانية ولأول مرة في التاريخ . وقد كانت هذه الثورات امتداداً لثورتين عظيمتين ضد الفرنسيس بل وجهاد متصل استمر ضدهم 3 سنوات ( 1798م-1801 م) حيث كلل الشعب المصري بغار المجد . بل ان هذه الصحوة الشعبية قد بدأت قبل وصول الحملة الفرنسية بأربع سنوات , اذ يشير الجبرتي ( مؤرخ ذلك العصر )   إلي أن علماء الأزهر قادوا ثورة جماهيرية كبري عام 1794 م ضد المماليك الذين كانوا هم الحكام الحقيقيين للبلاد , ثورة اشترك فيها العامة الذين توافدوا من اطراف القاهرة بعد أن أغلقوا – أي العلماء – الجامع الأزهر وامروا العامة باغلاق اسواقهم ومحلاتهم لما استشري ظلم المماليك وعسفهم بالرعية واضطر المماليك الي التراجع ووقعوا مع العلماء وثيقة سميت ” وثيقة العدل ” تضمنت رفع الظلم وتخفيف الضرائب , وكان من قادة الثورة العرايشي مفتي الحنفية- وشيخ الأزهر الشرقاوي والشيخ البكري .

وقد قدمت عرضاً  وتحليلاً كاملاً لهذه الثورات (1801-1805 ) في كتاب ( مدونات ثورية من تاريخ مصر ) – دار الفكر العربي – مدينة نصر. كذلك يمكن الرجوع للانترنت عبر احدي محركات البحث مثل جوجل لنفس هذه الدراسة وكانت بعنوان ( رسائل التاريخ ).

ولست معنياً الآن بسرد تاريخ الخلافات بين محمد علي وعمر مكرم في اواخر 1807 م ويمكن الرجوع الي تفاصيلها في الجبرتي او عبد الرحمن الرافعي . ولكن مايهمني هو الأحكام العامة .

يتهم محمد علي بالانتهازية مع العلماء خاصة عمر مكرم نقيب الأشراف , حيث تعاون معهم وخضع لهم حتي اوصلوه للسلطة ثم قلب لهم ظهر المجن واستبعدهم وانفرد هو بالحكم رغم العقد الدستوري الذي كان بينهم من ضرورة التزامه بالشوري مع العلماء خاصة فيما يتعلق بالضرائب .

وفي هذا المجال اذكر عدد من الحقائق :

1- ان محمد علي كان يسعي للانفراد بالحكم والاستبدادية وحقق مأربه ولامجال للجدال في هذا , ولكن اؤكد ان هذه هي طبيعة الحكم في بلاد المسلمين مع الأسف من أول حكم الأمويين حتي الآن . ( راجع الكتاب الرائع للدكتور حاكم المطيري – الحرية أو الطوفان – المؤسسة العربية للدراسات والنشر الطبعة الثانية -2008) لاداعي اذاً لعمل مكيال خاص لمحمد علي دون حكام المسلمين من معاوية بن ابي سفيان حتي حكام السعودية الحاليين الذين يزعمون أنهم يحكمون بالشريعة .

كذلك فان هذا كان ديدن حكام اوروبا جميعاً وكل بلاد العالم في ذلك الزمان بل ارتدت الثورة الفرنسية في القرن التاسع عشر ثلاث مرات علي الاقل للحكم الملكي الشمولي .

2- هناك روايات تاريخية مؤكدة وعلي رأسها رواية الجبرتي تؤكد أن العلماء عندما أختلفوا مع محمد علي الضرائب كان بسبب ان الضرائب امتدت لهم بعد أن كانوا معفيين منها , ولذلك كان منطقه قوياً , ثم عادوا وتصالحوا جميعاً معه وتخلوا عن عمر مكرم , بل عينوا محمد السادات نقيباً للأشراف بدلاً منه .

3- محمد علي ظل يتعامل مع عمر مكرم بمنتهي الإحترام حتي عندما تم تحديد إقامته في دمياط ووافق علي سفره للحج وتوجد رسالة تقطر عذوبة من محمد علي لعمر مكرم في مجال الموافقة علي سفره للحج . ونحن نعلم ان الطغاة يسيئون معاملة المختلفين إلي حد السجن والتعذيب والتشهير والقتل.

4- النقطة الأكثر أهمية ان المستوي السياسي والثقافي للعلماء لم يرتفع إلي أفكار محمد علي للنهضة بدليل عدم مجاراته ومشاركته فيها وسأوضح ذلك أكثر عندما أبدأ .في تفصيل مشروع محمد علي للنهضة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: