خطة محمد علي لبناء سفن حربية مصرية 100 %
السفن الحربية المصرية لاتقل كفاءة عن الأوروبية
قارن ذلك بإنهيار صناعة السفن في مصر الآن
دراسة: المستطيل القرآني (الشرق الأوسط)- حلقة (34)
لم ينته الحديث عن صناعة بناء السفن الحربية والمدنية في عصر محمد علي دون أن يصل الحديث بعد إلي فاعلية الأسطول البحري في العمليات العسكرية , فنحن لا نزال في مسألة الصناعة كأبرز أعمال ومنجزات محمد علي خاصة من زاوية المقارنة مع أوضاعنا الراهنة في اوائل القرن الواحد والعشرين بعد أكثر من قرنين من الزمان .
لم نكمل الحديث عن بناء السفن التجارية . ليس لدينا احصاءات دقيقة في هذا المجال لدي المؤرخين لأن هذه السفن من وجهة نظرهم ليس لها الخطر الذي للأساطيل البحرية وأري أن لا فرق بينهما رغم أولوية السفن الحربية للدفاع عن بيضة الأمة ,لأن السفن التجارية من أسباب القوة الإقتصادية للأمة, منذ صنع اجدادنا السفن التجارية للتجارة مع بلاد بونت (الصومال) ومدن الشام وأبعد من ذلك .
قلنا ان محمد علي كان يُجد السير بل يُجد العدو حتي يقصر المسافة ( الفجوة ) بيننا وبين اوروبا , فدخل مبكراً عصر البخار وصنع عدة بواخر حربية ومدنية تعمل بالبخار , فكان كالمتسابق في العدو الذي يكون في الصفوف الخلفية ثم يشد حيله في منتصف السباق أو في آخره فيُنقل سريعاً إلي المراكز الأولي لينافس علي المركز الأول . وخصص عدة بواخر (اي التي تعمل بالبخار ) لحمل البريد وجعل لها ادارة خاصة سماها القومبانية المصرية . كما شيدت الترسانة سفناً عديدة للنقل جعل لها ادارة خاصة تولي رئاستها مصريون .
وأنا أتحدث هنا عن شقين 1- النقل عبر البحار للتجارة تصديراً واستيراد وتذكروا أن مصر كانت تحقق فائضاً تجارياً أي أن نقل الصادرات أكثر من الواردات , وبالأخص في موانئ البحر المتوسط.
2- النقل النهري . وضعنا الراهن في مطلع القرن الواحد والعشرين مزري للغاية , وقد كتبت معلومات تفصيلية عن انهيار أسطولنا التجاري من حيث بناء السفن بل وحتي من ناحية استيرادها !! استناداً لتقارير رسمية في كتابي (الجهاد صناعة الأمة) – الطبعة الثانية -2000, وكان حصراً شاملاً لحالة أسطولنا التجاري في نهاية القرن العشرين , هذا فيما يتعلق بالنقل البحري ( أي عبر البحار ) , اما فيما يتعلق بالنقل النهري فيبدو أننا نسينا تماماً هذا المجال . فقد أضعنا تماماً فكرة الاهتمام بالنهر كوسيلة رخيصة للنقل , وقد أضعنا ميناء بولاق النهري ولم أسمع في حياتي عن وجود موانئ للنقل النهري , وكأن السكة الحديد أو الطرق تغني عن النقل النهري خاصة في بلاد بعيدة في الصعيد .
في الستينيات في القرن العشرين عندما كنت صبياً كنت أتابع بشغف السفن الشراعية الكبري وهي تمر أمام بيتنا الواقع علي النيل , وكانت تحمل بضائع مثل الصخور للبناء (حجر ابيض) أو قلل قناوي قادمة من الصعيد وقد انتهت هذه الظاهرة الآن تماماً مع انها وسيلة متحضرة للنقل , وإن كانت بطيئة نسبياً ولكنها أرخص وغير ملوثة للبيئة , وتخفف الضغط على الطرق والسكة الحديد , كذلك فان استخدام السفن المتحركة بالوقود الآن تنهي مسألة البطء ! وكثيراً مانقرأ في الصحف السيارة بين الفينة والأخري مطالبات باستخدام النقل النهري داخل القاهرة لتخفيف الضغط علي شرايين الطرق التي أصابتها الجلطات . لا أريد ان أستبق الأحداث حيث يوجد وجه شبه بين عهدي محمد علي وعبد الناصر , ولكن الموضوع يطرح نفسه ففي الستينيات من القرن العشرين , ظهرت مسألة الأوتوبيس النهري وقد كنت استخدمه بالفعل وأنا طالب للذهاب والعودة من جامعة القاهرة . ولكننا نحب ونهوي العودة إلي الخلف , فكلما تقدمنا خطوة إلي الأمام نرجع خطوتين للوراء , فانتهت ظاهرة الأوتوبيس النهري في القاهرة وغيرها .
نحن نستخدم حتي الآن ” معديات الموت ” في بعض أماكن الصعيد لقلة الكباري للعبور من ضفة النهر إلي ضفة أخري , وهي معديات غير آمنة وتغرق بالناس بين حين وآخر لذلك سميتها ” معديات الموت ” . بينما كما ذكرت من قبل فإن النيل لم يقدم لمصر : رقعة الأرض الزراعية والبيئة الموحدة المتصلة من طيبة حتي سواحل البحر المتوسط , بل قدم وسيلة النقل ( السريع في وقت القدماء المصريين ) التي ربطت بين المصريين تجارياً وانسانياً ووحدت بينهم وساهمت في بناء شخصية مصرية واحدة منسجمة . وسنري فيما بعد كيف اهتم الخديوي اسماعيل ( حفيد محمد علي ) بمسألة النقل النهري . وأخيراً بدأت الحكومات المصرية بالاهتمام بالسياحة النهرية وهذا جيد وان جاء في سياق الاهتمام بالسياحة وحدها كحل للمشكلة الاقتصادية .
ولدينا قطاع آخر في مجال بناء السفن ينهار الآن وهو قطاع صناعة سفن الصيد واليخوت . وكان قد صدر في بداية التسعينيات قانون يمنع تصنيع سفن الصيد واليخوت !! ويبدو أنه يضع اشتراطات صعبة او يمنع بناء سفن كبيرة , رغم أن انتاج هذا النوع من المراكب مهم جداً للصيد والسياحة بل وأيضاً للتصدير للبلاد العربية . وقد قرأت عن هذا القانون في الصحف القومية ولكنها ليست تحت يدي الآن وليس لدي وقت للبحث عن نص القانون ولا أريد أن أتشعب في الموضوع أكثر من ذلك ولكن ” الأهرام ” سمت بنفسها القانون الذي صدر عام 1991 بأنه قانون يحظر بناء سفن الصيد . ولا أدري كيف تطور الأمر من الناحية القانونية , ولكن لاتزال الصحف القومية وأنا لا أستغني عن متابعتها رغم تدهورها المستمر لأنها تعطيني معلومات رسمية . ولاتزال هذه الصحف تنشر بين الفينة والأخري تقارير عن إحتضار صناعة سفن الصيد واليخوت خاصة في معقلها الرئيسي بمدينة عزبة البرج بدمياط حيث تقوم بتصدير انتاجها لليونان وقبرص ومالطا والسعودية والسودان وليبيا والإمارات . ومنذ عام 2010 حتي الآن ( 2013- 2014) تقوم جهة اسمها ” هندسة النيل ” بتحرير محاضر ضد المنتجين بحجة أن لها ولاية علي الأرض بل وحصلت هذه الإدارة علي أحكام قضائية ضد هذه الورش أي ورش تصنيع مراكب الصيد واليخوت لأنها تدعي ملكية الأراضي رغم أن هذه الأرض كانت مخصصة من قبل وزارة الزراعة منذ عام 1961 لصناعة مراكب الصيد.
أعود مرة أخري لصناعة السفن الحربية في عهد محمد علي , فقد عرضنا شهادة المارشال مارمون والمهم ان نسمع شهادة كلوت بك الفرنسي الذي ارتبط بتجربة محمد علي وله الفضل في تأسيس مستشفي القصر العيني وكلية الطب بها وهذه من ضمن صروح عهد محمد علي الشاهدة علي منجزاته . ولكلوت بك كتاب مهم صدر في مصر بالعربية اسمه ( لمحة عامة إلي مصر ) وفيه عن الترسانة البحرية {إن العمال المصريين هم الذين كانوا ينجزون أعمال إنشاء السفن وقد أظهروا فيها من الأهلية والدراية مايوجب الدهشه . المصريون يدركون بسهولة سر الصنعة مما كان ينجز أمامهم من الأعمال ويتفهمون دقائقها بما عهد فيهم من الذكاء ودماثة الأخلاق والامتثال للرؤساء . هذا فضلاً عن أنهم فطروا في فهم مايعجم عليهم فهمه علي تحكيم النظر أكثر منه علي الذكاء والعقل , حتي ان الرسم البسيط يرشدهم إلي فهم حقائق الأشياء بمجرد النظر إليه قبل إمعان الفكر والروية فيه . وترسانة الإسكندرية التي يصنع فيها كل شئ بأيدي المصريين وتناظر جميع ترسانات الدنيا , دليل ناطق علي مبلغ مايمكن الاستفادة به من العمال المصريين , ويقيني ان عامة الشعب في أوروبا لايستطيعون أن يؤدوا من جلائل الأعمال مايؤديه العمال المصريون في مثل الوقت القصير الذي يقومون بها فيه } .
ماذا نستفيد من هذه القصة ؟
لقد قام محمد علي بنفس الخطة التي قامت بها الاقتصادات النامية في عصرنا الحالي , وسآخذ من تصنيع السفن الحربية والمدنية مثالاً لاكتشاف الخطة في باقي قطاعات التصنيع . ماقام به هو ماقامت به اليابان ( التي كانت قد أرسلت بعثة لمصر لدراسة تجربته ) وباقي دول جنوب شرق آسيا التي تسمي النمور الآسيوية ففي صناعة السفن مر بـ 3 مراحل :
1- استيراد السفن الحربية كاملة ( تسليم مفتاح كما نقول ) من الدول الأوروبية مع ملاحظة (ورغم الإشاعة السائدة بين الإسلاميين ان محمد علي كان عميلاً لانجلترا أو موالياً لها أو إنجليزي الهوي !! ) انه كان يتجنب إلي أقصي حد التعامل مع انجلترا , لأنه أدرك بمستوي استراتيجي عال ان انجلترا هي الخطر الرئيسي علي مصر .
لم يكن في العالم قوي عظمي في ذلك الوقت إلا انجلترا وفرنسا , وقد رأي محمد علي بنفسه انكسار فرنسا أمامه في مصر خلال حملتها 1798-1801 ولم يكن من المتصور بعد هذه التجربة المرة أن تعيد الكرة , بل لقد هزمت فرنسا هزيمة ساحقة في معركة واترلو 1815 أمام انجلترا مما أدي إلي الإطاحة النهائية بنابليون بونابرت .
كانت فرنسا كالأسد الجريح الذي لا يُخشي منه في المدي القريب , خاصة أن تكرر حملتها علي مصر. في المقابل رأي محمد علي بنفسه محاولة الانجليز الاستمرار في مصر بعد رحيل الفرنسيين بل استمروا عاماً كاملاً حتي تم إخراجهم بإحراجات وضغوط دولية . ثم عادوا بعد سنوات قليلة في حملة فريزر 1807 وكانت الحرب مباشرة بين محمد علي وانجلترا , ورأينا تحالف انجلترا مع الألفي زعيم المماليك , والمماليك عموماً هم الأعداء الأساسيون لمحمد علي , بل رأينا كيف تعاون الانجليز مع العثمانيين للاطاحة به . ظل محمد علي يدرك أن الخطر الرئيسي عليه وعلي مصر هو انجلترا حتي مات . وقد أثبتت الأيام صدق توقعاته وحساباته .
ولكل هذه التقديرات فقد كان شراء محمد علي للسفن الحربية من فرنسا وايطاليا (وهي أضعف بكثير من فرنسا ) وأمريكا التي كانت لاتزال بعيدة جداً عن النشاط الدولي في هذه المنطقة , اشتري منها سفينتين , ومن انجلترا اشتري سفينة واحدة (النيل) وهي تعمل بالبخار وربما هذا هو سبب شرائه لها مقابل 9 سفن من فرنسا و5 سفن من ايطاليا .
2- المرحلة الثانية أن يطلب من الموانئ الأوروبية تصميم وتصنيع سفن معينة وفق مواصفات خاصة . وهي امتداد لنفس المرحلة السابقة .
3- التصنيع المصري الكامل :
ويتم ذلك في ترسانة الاسكندرية علي النحو المشار إليه وكان مجموع السفن المصرية عام 1843 م 17 سفينة . والوصول للتصنيع المصري الكامل يتم بالتدريج وفق خطة محكمة . ففي البداية تمت الاستعانة بالمسيو سريزي الفرنسي المتخصص في بناء السفن , والذي كان يبني السفن المطلوبة لمصر في موانئ فرنسا , وقد كان التعاقد شخصياً وليس عبر الحكومة الفرنسية , ولكن حتي اذا وافقت الحكومة الفرنسية فقد كانت الاستعانة به مؤقتة , وقد استعان سريزي في بدء الأمر بجماعة من الصناع الاوروبيين الفنيين للقيام بالأعمال الفنية التي لم يكن المصريون قد حذقوا فيها بعد , كما تولوا رئاسة الأقسام المختلفة . وبالفعل وبمجرد اتقان المصريين لهذه الصناعات إلي حد أن ضارعوا الأوروبيين فيها بدأ محمد علي – وقد كان يتابع بنفسه – الاستغناء عن فريق كبير من هؤلاء الأجانب بحيث أن الأعمال صار يُنجز الشطر الأوفي منها بأيدي العمال الوطنيين , بينما بقي عدد محدود من المعلمين الفرنسيين . ولم يكن الصناع الأوربيون سعداء بما يفعله سريزي بك في مصر لأنه يغلق عليهم فرص الاستثمار فكانوا يواصلون التآمر عليه , وتحريض الفنيين الأوروبيين لتخريب العمل حتي دفعوا سريزي للاستقالة . وكانت المفاجأة في عدم حدوث أي اضطراب في العمل بل استمر العمل في تقدم مستمر بالترسانة . بفضل ادارة المهندسين المصريين وكان علي رأسهم حسن بك السعران ومحمد بك راغب وهما من خريجي البعثة البحرية التي تعلمت في الخارج . كثيراً ما تهاجم البعثات التي أرسلها محمد علي لأوروبا ومعظمها كان لفرنسا وايطاليا لا لانجلترا باعتبارها قامت بمهمة التغريب والعلمنة ومن المؤسف أن يقول ذلك بعض الأخوة بدون أي معلومات صحيحة أو دقيقة فالأغلبية الساحقة ان لم تكن كل البعثات كانت في فروع العلم التطبيقي . طب – هندسة – بحرية – صناعة سفن – صيدلة ..الخ . ولم تكن في الآداب أو الفلسفة أو أية فروع أخري للعلوم الإجتماعية وسنعود لذلك ولكن الآن نحن أمام ثمرة هذه السياسة , فاستقالة سريزي بك تحت الضغط الخارجي وربما من حكومته الفرنسية , جاءت بعد ان تم اعداد البديل المصري . في الامور العلمية والتكنولوجية عندما تحدث فجوة لا بديل لسدها إلا بارسال البعثات أو المطالبة بالاحتلال الأجنبي !! ولاشك ان ارسال البعثات فيه نوع من المخاطرة ولكنها يمكن أن تكون مخاطرة محسوبة , ويمكن أن تكون الخسائر محدودة . أما في حالة المطالبة بالاحتلال فان الاحتلال لن يعلم أبناء البلد أي شئ مهم حتي يظلوا يستوردون احتياجاتهم جاهزة من المحتل . بل لقد شهدت الترسانة تطوراً أكبر بعد استقالة سريزي في ظل القيادة المصرية الي حد بلغت العمارة الحربية المصرية درجة تفوق كثيراً الدول الأوروبية , وحرب المورة أثبتت ذلك .
بل أكثر من ذلك فقد بدأ محمد علي – وهذا مافعله في مختلف الفروع . انشاء مدارس وطنية لتعليم البحرية حتي يتوقف عن ارسال البعثات للخارج . هذا الرجل لم تفته أي حلقة من حلقات الانتاج , وهو يواصل تمصير كل الحلقات والمراحل .
فتم انشاء معسكر لتعليم البحارة من الجنود الأعمال البحرية ليكونوا بحارة الأسطول وجنوده تم انتقاؤهم من مختلف المحافظات وأقيم المعسكر في رأس التين ليضم 19 ألف فرد !!
وتم اعداد مركب فوق البر بسواريها وقلوعها للتدريب عليها وكأنهم فوق سفينة في البحر (وهو يسمي الآن تدريب بالمحاكاة ! ) . وبعض هؤلاء المتدربين تم تشغيلهم بعد ذلك في سفن النقل . وتم انشاء مستشفي خاصة في شبه جزيرة رأس التين لهؤلاء البحارة المحظوظين ومستشفي أخري في الترسانة . ولم يكتف محمد علي بذلك بل اسس مدرسة بحرية علي ظهر البحر حتي يكون التدريب كاملاً .
وذلك بتخصيص إحدي السفن الحربية لتكون مدرسة عائمة في البحر فعلاً ثم أصبحت مدرستين في سفينتين . وكان قادة هذه المدارس مصريين .
كذلك تم استخدام بعض العائدين من البعثات , ان لم يكن كلهم في ترجمة أحدث الكتب الصادرة في أوروبا عن مختلف فنون البحرية وقوانين البحار والبحرية ومختلف التخصصات في الملاحة والعسكرية البحرية , وذلك لاستخدامها في التدريس وهكذا يتم الاستغناء عن أو تقليص البعثات للخارج أو استمرارها لاكتشاف أي جديد . وهذا الأسلوب تكرر في مختلف التخصصات . من الروايات الطريفة أن محمد علي كان يحتجز كل مبعوث عائد داخل القلعة ولا يذهب إلي بيته حتي يترجم كتاباً في تخصصه , أقصد يحدد إقامته بالقلعة حتي لايتصور أحد أنه يضعه في زنزانة !! نحن أمام حالة غير عادية من الجدية والصرامة في البناء .
بقيت حاجة ناقصة في منظومة الصناعة الوطنية للسفن .. احذروا ماهي ؟!
هي نفس الحلقة المنقوصة التي تعجزالصناعة المصرية حتي الآن في اوائل القرن 21 – وهي استيراد السلع الوسيطة الداخلة في المنتج النهائي ,فأنت اذا لم تصنع كل أو معظم مكونات المنتج المصري خاصة اذا كان منتجاً استراتيجياً .فستظل تعتمد علي الاستيراد من الخارج , وهو قد يُمنع في حالة السلع الاستراتيجية . او يرتفع سعره بصورة غير متوقعة . وكان التجار الافرنج يتعمدون رفع أثمان المهمات والأدوات الداخلة في صناعة السفن ويوردون الأصناف الرديئة , فألف محمد علي لجنة مهمتها توفير كل مايلزم لأعمال السفن من داخل البلاد.
وهكذا كما ترون نحن لسنا أمام حدوتة أو محاولة لتقريظ محمد علي بل استخراج خطة التنمية والتنمية المستقلة في مصر القرن الحادي والعشرين !
وقد أشار الأفغاني لاعتماد النهضة اليابانية علي البعثات التي أرسلت إلي البلاد الأوروبية للدراسة والتعلم في مختلف فروع العلم وما اتبع ذلك من استقدام عدد من الأخصائيين الأجانب في شعبات الإدارة لسنين محدودة مقابل رواتب معينة لمتابعة عمل هؤلاء المبعوثين بعد عودتهم لليابان كل في تخصصه . وقد اعترف هؤلاء الخبراء بتفوق اليابانيين ورحلوا من اليابان قبل انتهاء العقود ! ( خطرات جمال الدين الأفغاني )
وهذا مافعلته الصين وكوريا الجنوبية في نهضة القرن العشرين , فكان استقدام الاستثمارات الاجنبية مرتبطاً بخطة لتدريب كفاءات وطنية لتحل محل الخبراء الأجانب .
وزيادة تدريجية للمكون المحلي للمنتج وفق جدول زمني متفق عليه , وهذا مافعلته الصين مع بعض الماركات العالمية للسيارات بحيث أصبحت صينية 100% بينما تضع عليها علامة الشركة الأصلية الكبيرة مقابل مبلغ من المال . ولكن من خلال ذلك تعلمت الصين صناعة السيارات وأصبحت تنتج سيارات صينية بماركات صينية وموديلات صينية وهي متوفرة في السوق المصري الآن وكل اسواق العالم .
صناعة البحرية :-
منذ وعيت علي الدنيا وأنا أتابع السياسة منذ أواخر الخمسينيات ولم أطلع ولم أسمع أو أقرأ أبداً عن أي صناعة في مجال التسليح البحري في بلادنا , وكانت هناك بعض البدايات الجادة في عهد نظام يوليو لولوج باب التصنيع الحربي , وانتجنا بعض الأسلحة في بعض المجالات ولكن هذا لم يحدث في مجال البحرية فاعتمدنا بشكل كامل علي الاستيراد من الاتحاد السوفيتي. وهذا سبب توقفي الطويل أمام هذا الانجاز المبكر لمحمد علي بهدف التنبيه لما هو مطلوب الآن في القرن الواحد والعشرين وليس الهدف التمجيد في محمد علي فهذا ليس من شغلي أو عملي , وبالمناسبة فمعظم كتابات التاريخ تنصف محمد علي وتتحدث عن انجازاته , وكل الشعب المصري يعرف القناطر الخيرية وان محمد علي هو صاحب هذا المشروع ,وبالمناسبة فان القناطر الخيرية لاتزال تستخدم حتي الآن في تنظيم الري وهي ليست مجرد أثر تاريخي , ومايحيرني هو قلة من المؤرخين الاسلاميين التي تحمل علي محمد علي باعتباره رائد التغريب ومحاربة الاسلام . ولايهمني أن يأخذ أي اسلامي أو أي باحث أي موقف من أحداث التاريخ . ولكن مايهمني أن يهتم الاسلاميون بهذه القضايا ( التنمية الاقتصادية – الاستقلال – بناء القوة المسلحة – تطوير التعليم – تطوير جهاز الدولة ..الخ ) وليس من المصادفة ان عموم الاسلاميين لايهتمون بهذه القضايا , باعتبارها أمورا غير متصلة بالعقيدة وأنا لا أتبرأ من موقعي الاسلامي , ولكن لي بعض الأراء الانتقادية لبعض مواقف الحركة الاسلامية , واحسب انها اجتهاد خاص مني , ابتغي به وجه الله تعالي المطلع علي النيات.
البحرية المصرية
منذ أيام قليلة في اواخر عام 2013 تم اغلاق جريدة الشعب التي أتشرف برئاسة تحريرها وهذه هي المرة الخامسة التي تغلق فيها وليس جديداً علي هذا الموقف ولذلك أتقبله بصبر . وقد انتقدني بعد اغلاق الجريدة بعض قيادات الحزب وقالوا لي إنني تسببت في ذلك ” بتطرفي ” المعهود , وقالوا إن الأعداد الأخيرة كانت بها موضوعات خطيرة وأشاروا بشكل خاص إلي موضوع تقرير كبير وواف عن البحرية المصرية . وقالوا : لعل هذا هو سبب إغلاق الجريدة , وغالباً هو كذلك .
حزنت ساعتها لأنني أدرك أن قرار غلق الجريدة وهو قرار سياسي يتصل بمواقفها العامة مما يجري في البلاد وليس من أجل هذا الموضوع أو ذاك . وان كنت لا انكر إنني لا أصلح كصحفي في الكتابة إلا في صحف مغلقة !! أي مهددة دائماً بالغلق بسبب مواقفها , وهذا ماورثته عن والدي رحمة الله عليه .
لقد آليت علي نفسي أن أقول الحقيقة وهذا هي أمانة الكلمة . فيما يتعلق بموضوعنا , احسب أنه موضوع تاريخي , وانا مستعد للموت في سبيل نشره , أي إن كان نشره سيكلفني حياتي فلا أتردد . لا استطيع أن الخص التقرير الآن فقد احتل صفحتين كاملتين من الجرنال . ولم أكن كاتبه وكان بدون توقيع . وقد نشرته حباً في هذا الوطن وفداءً لهذا الجيش الذي اتمني ان يعود لمحاربة اسرائيل وسيفعل ان شاء الله , وعندما قرأت التقرير هالتني أوضاع التسليح في بلادنا عموماً والتسليح البحري خصوصاً , ولم أتردد لحظة في نشره وكان هو مانشيت العدد . وكان العنوان ساخراً من أجل جذب الناس للقراءة ( نرفض أن تكون البحرية المصرية من طراز نورماندي تو )
وهي مركب صيد عبد الفتاح القصري في فيلم حميدو التي غرقت فور تدشينها في البحر ! وكان هذا التعبير موجوداً في التقرير ولم أكتبه من عندي لأني غير متخصص في الموضوع من أصله ! ولكنني فقط وضعته في العنوان .
وقصة هذا التقرير أنه زارني في مكتبي بالجريدة شخص محترم متوسط العمر مرتين أو ثلاث مرات وأعطاني تقريرين للنشر هذا أحدهما الذي يهمنا الآن في موضوع البحرية . هو لم يعرف نفسه وعندما قرات التقرير لم يكن هناك أي احتمال سوي انه من كوادر جهاز مخابرات (إما العامة او الحربية ) وليس هو كاتب التقرير علي الأغلب , فهو مجرد شخص مقنع لتوصيل الرسالة . التقرير ويمكن الرجوع له اذا كان لايزال علي الانترنت علي مستوي رفيع لاتكتبه إلا لجنة من كبار ضباط البحرية أو ضباط بحرية متمرسين , التقرير رغم عنوانه الكوميدي هو تقرير في منتهي الاحترافية . ومالدي من ثقافة عسكرية واستراتيجية عامة ساعدني في تقدير التقرير .
المهم ان التقرير لايحوي أي أسرار ولكن يصف مستوي التسليح المتخلف للبحرية المصرية , والتي تستخدم قطعاً بحرية لم تعد موجودة في الخدمة في العالم ! وهو كله سلاح مستورد من دول غربية , وبالتالي لاتوجد أي اسرار.
خلاصة التقرير أنه صرخة لتحديث تسليح القوات البحرية . أنتهز الفرصة لأقول : كفانا استيراداً للأسلحة من الشرق والغرب , نريد أن نعود للتسليح الوطني لأن حربنا لتحرير فلسطين قادمة.. قادمة باذن الله ,ولابد أن نعد لها ما استطعنا من قوة . وفيما يتعلق بهذه الدراسة الاستراتيجية عن المستطيل فقد اشرت عدة مرات إلي أهمية القوات البحرية بل أكدت إن أي قوة عظمي لا تحكم العالم بدون قوات بحرية قوية وايضاً في المجال الدفاعي لمصر التي تقع علي البحرين المتوسط والأحمر لاتملك إلا أن تكون لها قوة بحرية قوية . وهذا يؤكد المستوي الاستراتيجي الرفيع لدي محمد علي وسنري في الحروب كيف برهن هذا الأسطول علي اهميته . وان كنت أطمع كما ذكرت آنفاً أن تكون مصر قائدة أو علي الأقل جزءاً لايتجزأ من الدولة العربية والاسلامية العظمي ولكن الواقع والموقع والقرآن يرشحها للقيادة . ولهذا السبب أطلت في تفاصيل تجربة محمد علي في الصناعة البحرية .{ هكذا عرضت حريتى للخطر لمجرد أن أدق ناقوس التنبيه بنشر هذا التقرير . ومع الأيام لاحظت اهتمام القيادة السياسية الجديدة بتحديث القوات البحرية إلى حد شراء حاملات طائرات هليكوبتر وقطع بحرية متنوعة ، بل هناك بداية لتمصير بناء البوارج البحرية ).