الصورة لتدمير قاعدة المارينز فى لبنان على يد الشيعة
-الحلقة الثامنة من كتاب أمريكا زرعت القنبلة السنية الشيعية لتدمير المنطقة-
<< واحد ونصف مليون قتيل في حرب العراق وإيران كانوا كافيين لتحرير فلسطين
<< مبارك يدير شبكة لتصدير السلاح لصدام حسين
ما نزال مع الحرب العراقية – الايرانية حيث كانت أمريكا تدعم العراق بالمال والمعلومات والاعلام والتشجيع السياسي وكان لقاء رامسفيلد (الذي أصبح وزيرا للدفاع) مع صدام عام 1988 من علامات هذا الوفاق، وكانت خزائن دول الخليج قد فتحت لصدام حسين وأصبح الاعلام العربي يصف العراق بأنه البوابة الشرقية للعالم العربي، وأن صدام يدافع عن أمة العرب، وكأن إيران هي التي غزت العراق واحتلت أراضيه! ومنذ الثورة 1979 وحتى نهاية الحرب 1988 بل وحتى 2001 لا يمكن توجيه أي لوم من أي نوع إلى إيران في إطار ما يمكن ادراجه تحت بند الفتنة أو الخطأ في حق السنة، فإيران كانت بالأساس تقاتل على أراضيها ضد جيش الغزوالعراقي. بل رأت كل حكام العرب يقفون بالباع والذراع مع صدام حسين.
وكان موقف نظام مبارك فعالاً في هذا المجال، فقد قام بتصدير السلاح المصنع في مصر للعراق مقابل أموال طبعا، كالقنابل اليدوية ومدافع الهاون (التي كانت ترسل أيضا لجون قرنق زعيم المتمردين في السودان) وكانت شبكة تجارة السلاح التابعة لمبارك تحت اشراف أمريكي تصدر السلاح الأكثر تطوراً للعراق. ولم تعترض الحكومة المصرية على تجنيد المصريين في الجيش العراقي، بل ساهمت بارسال كبار الضباط كمستشارين وخبراء لمتابعة العمليات من بغداد. وتم عرض الأسلحة المصرية على الوفود الصحفية التي كانت تزور طهران (وهي الأسلحة التي خلفها الجيش العراقي على جبهات القتال).
في المرحلة الأولى من الحرب استغلت اسرائيل هذه (الهوجة) وقامت بضرب المفاعل النووي العراقي عام 1981، وكانت هذه خسارة كبيرة للعرب والمسلمين.
وفي عام 1982 قامت اسرائيل بالاجتياح الثاني للبنان (الأول كان عام 1978) وحاصرت بيروت وأشرفت على مذابح المخيم الفلسطيني صبرا وشاتيلا، وتم ترحيل قوات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، وظلت القوات الاسرائيلية تحتل لبنان من بيروت حتى أقصى الجنوب، وهو الغزو الذي أدى إلى قتل 1700 فلسطيني ولبناني معظمهم من المدنيين. قبل أن يتشكل حزب الله كحزب لمقاومة الاحتلال، دعا المرجع الشيعي الأعلى في لبنان، شمس الدين- وكان أول من دعا- اللبنانيين لمحاربة الاحتلال. وعندما نزلت قوات المارينز الأمريكية لتسد الفراغ العسكري في لبنان، قام الشيعة بأول عملية من نوعها نسميها استشهادية ويسميها الأعداء (انتحارية) بتفجير شاحنة في قاعدة المارينز أدت إلى مقتل 241 عسكرياً أمريكيا وأدت إلى هرولة الأمريكان للانسحاب من لبنان.
وسنعود لقصة المقاومة في لبنان باعتبارها واحدة من أهم انجازات الثورة الايرانية خارج أرضها. ولكن نشير الآن إلى توقيت تشكيل هذه المقاومة ضد اسرائيل في وقت كانت إيران فيه في محنة حقيقية وكانت في أسوأ مراحل الحرب مع العراق. ولكن هذا لم يعطل ارادتها في الاستجابة لتحدي العدوان الاسرائيلي بتقديم أقصى دعم ممكن للمقاومة اللبنانية.
كما ذكرنا فإن في المرحلة الثانية للحرب العراقية الايرانية بدأت إيران تأخذ بزمام المبادرة، مع مزيد من التسليح ومزيد من تدريب وحدات الحرس الثوري، ومزيد من ترميم الجيش الايراني في إطار غضب شعبي من العدوان العراقي غير المبرر وكان احتلال شبه جزيرة الفاو في الجنوب دليل على قدرة إيران على احتلال أجزاء من العراق حتى تجبر العراق على الانسحاب من أجزاء من إيران، ولكن شبه جزيرة الفاو كانت موقعة خطيرة إذ فتحت الطريق لامكانية عزل العراق عن شط العرب وعن الخليج العربي كلية، والاستيلاء على مواقع البترول الغنية.
ورغم أن أمريكا كانت قد عقدت صفقات بيع سلاح لإيران، كما ذكرنا، إلا انها عادت وفق استراتيجية (الاحتواء المزدوج) إلى القلق من النصر الإيراني، فإذا كان لابد من أن ينتصر أحد فالعراق أقرب إلى مصلحة أمريكا من إيران. ففي الأعوام الأخيرة 1986- 1988 كشرت أمريكا عن أنيابها لإيران وتحولت إلى طرف مباشر في الحرب. وكانت الحرب قد تصاعدت في مجال الاستنزاف فبدأ كل طرف يضرب حقول البترول لدى الطرف الآخر، ويضرب ناقلات البترول وعندما بدأ العراق يستخدم ناقلات الكويت ضربها الجانب الايراني، فقرر الأمريكان وضع العلم الأمريكي على الناقلات الكويتية. كان هذا إعلاناً صريحاً على دخول أمريكا الحرب ضد إيران.
ولكن أمريكا لم تكتف بذلك إذ قامت- مع سبق الاصرار والترصد- باسقاط طائرة ركاب ايرباص إيرانية بها قرابة مائتي راكب مدني بصاروخ أطلق من سفينة حربية أمريكية في الخليج. وزعم الأمريكان أنهم تصوروا انها طائرة حربية! والفنيون العسكريون يعرفون الفرق بين الطائرات على الرادار. ولكن الرئيس الأمريكي رونالد ريجان أراد أن يؤكد أن الضربة مقصودة حين صرح بأن إيران مسئولة عما حدث لأنها لم توافق على وقف اطلاق النار الذي دعت إليه الأمم المتحدة.
فما هي العلاقة بين هذا الموقف واسقاط طائرة مدنية؟! بل أكثر من ذلك ولتأكيد انها ضربة مقصودة قامت البحرية الأمريكية بتكريم طاقم السفينة فينسين التي قامت بهذا العمل الشائن، بتقديم ميداليات (لينجنا الله) وهي ميداليات معدة للتكريم، إلى قبطان السفينة وطاقم مدفعيته الذي أسقط طائرة مدنية وقتل 200 إنسانا من الرجال والنساء والأطفال الايرانيين!! ولكنهم يسمحون لأنفسهم- دوما- باعطائنا دروساً في حقوق الانسان.
وخسائر الحرب البشرية تقدر بمليون ونصف مليون في البلدين ويرتفع الرقم إلى 2 مليون بحساب الجرحى والمصابين بحالات إعاقة.
يقول محللون منصفون كانوا ضد الغزو العراقي لإيران، ان العراق بعد مرور 3 أو 4 سنوات يدأ يشعر بالارهاق والاستنزاف وأنه صرخ كثيرا من أجل وقف إطلاق النار وان ايران كان بإمكانها أن توقف النزيف إذا استجابت لهذا النداء. وهذا الكلام مقبول من الناحية النظرية، ولكن إيران التي تعرضت لدمار هائل، كانت بدأت يحدوها الأمل في الخلاص من هذا النظام المعادي، ولكن النظام العالمي بقيادة أمريكا لم يكن ليمكنها من ذلك. كانت إيران قد تعلمت الدرس مبكراً، وهو ضرورة أن تبني صناعتها الحربية الوطنية، ولكن ذلك كان يحتاج وقتاً وضرورات الحرب سريعة ومتغيرة. وهذا ما فعلته إيران بالفعل فور انتهاء الحرب وحتى الآن.
وكان العراق بالدعم الخارجي يتمكن من استعادة بعض الأراضي المفقودة وبدا أن الاستنزاف سيظل مفتوحاً.
وفي اجتماع تاريخي لقادة مختلف الأفرع والأسلحة والأمن القومي مع آية الله الخميني، قدموا له تقدير موقف عن الاستنزاف المفتوح مع التدخل الأمريكي المباشر، واتُخذ قرار بوقف اطلاق النار حين أعلن الخميني كلمته التاريخية (أنه يتجرع السم) في إشارة صريحة إلى انه كان يأمل في تحقيق الانتصار الناجز التام.
المقاومة اللبنانية:
نترك العراق في إطار محاولة المحافظة على التسلسل الزمني وفي إطار توضيح أولويات الثورة الايرانية ونظامها السياسي. بعد انسحاب قوات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان (وهي أساسا قوات فتح). قام الشيعة فورا بسد الثغرة وأخذ حزب الله يتشكل تدريجياً ولم يكن له مهمة- بعد التربية العقائدية للمذهب الاثنى عشري الشيعي- إلا مقاومة الاحتلال. وبعد فتوى شمس الدين ثم عملية المارينز بدأ عمل منظم للمقاومة ضد القوات الاسرائيلية التي ظلت متمسكة بالأراضي اللبنانية كما ذكرنا من بيروت حتى الحدود. وإن كانت لم تدخل بيروت وكانت تحاصرها من الخارج. وبعد خروج المقاتلين الفلسطينيين حماية لبيروت من الدمار فك الاسرائيليون الحصار ولكنهم استمروا في الوجود من جنوب بيروت حتى الناقورة (على الحدود). وبدأت عمليات المقاومة التي استمرت (18 سنة) من 1982- 2000.
يردد بعض السلفيين وداعش أن حزب الله غير جاد في محاربة اسرائيل بل هو الصديق الصدوق لاسرائيل وأمريكا وهو (مع إيران) أخطر منهما. والمفترض عدم إلقاء بال لمثل هذا الكلام، إلا انه أصبح واسع الانتشار في أوساط الاسلاميين وينتقل إلى صفوف الاخوان وغيرهم ولولا هذا ما اهتممنا بالرد عليه. وهم يقولون هذا قبل ما يحدث الآن من أزمة في سوريا.
ومن يردد هذا الكلام السخيف تنهمر عليه الأموال من السعودية والخليج بالألاف حتى المليارات حسب دوره.
لا أدري هل حزب الله مقصرفي حق نفسه؟ لم تصادفني أي مطبوعة جيدة أو غير جيدة، أو حتى فيديو يلخص 18 سنة من المقاومة، مع إحصاء بعدد العمليات، وعدد الشهداء، وعدد الجرحى، وعدد إصابات العدو.
المسألة ليست مسألة دفاع عن النفس، ولكن تأصيلاً لنهج المقاومة ومنعاً لانشقاق لا داعي له، وأنا أتحدث هنا عن حسني النية، أما المرتزقة الكبار والصغار لا يشغلوننا. ضغطت مقاومة حزب الله على الاحتلال الاسرائيلي ودفعته للانكماش إلى الوراء رويدا رويداً في اتجاه الجنوب. وتنوعت أساليب المقاومة من العمليات الاستشهادية بالسيارات المفخخة لتدمير مراكز القيادة في صيدا وصور إلى عمليات القنص وزرع العبوات إلى الاشتباكات المحدودة. وقد ترافق ذلك مع أشكال من العمل الشعبي والتظاهرات في قرى الجنوب ضد قوات الاحتلال. وحاول العدو الاسرائيلي أن يتمترس في حزام بالجنوب ولكن حزب الله لم يسمح له بالاستقرار، وواصل تكبيد العدو بعشرات القتلى والجرحى وخسائر في المعدات. وقد قدمت المقاومة اللبنانية مدرسة خاصة في المقاومة لها خصائص متفردة، منها مثلاً التمسك بالأرض مهما كانت موازين القوى لصالح العدو. وذلك عن طريق التخندق تحت الأرض، في أرض صخرية وجبلية وقد ظهرت أهمية ذلك على نطاق واسع في حرب 2006.
ولكن قبل الانسحاب جن جنون الاسرائيليين من بعض نقاط المقاومة خارج الحزام الجنوبي التي لا تكف عن قصفهم، ومهما ألقى عليها من قنابل لا تتوقف أبداً. وقد تبين فيما بعد انها مرتكزات لقوة صغيرة تعمل من تحت الأرض وهي بعيدة عن السكان ولكنها تتصل بالسكان للحصول على المؤونة، ويظهر المقاتلون لثواني لاصطياد الدبابات وجنود العدو بأسلحة دقيقة ثم يختفون تحت الأرض.
ولم يكشف عن بعض هذه النقاط إلا بعد الانسحاب الكامل للعدو. وكان لاسرائيل في الحزام الجنوبي معتقل الخيام الذي حوله حزب الله إلى متحف بعد التحرير، وكان بالسجن أدوات الصعق بالكهرباء(عبر القضيب والصدور وبعد الرش بالماء)- زنازين بدون كهرباء…الخ وذلك للتعامل مع المقاومين. ولشعور الاسرائيليين بالعار والفضيحة استغلوا عدوان 2006 وقصفوا هذا المعتقل وسووه بالأرض. وكان حزب الله يفتح باب التطوع لسرايا المقاومة من مختلف الطوائف اللبنانية.
ربع قرن من المقاومة ضد اسرائيل ولا يوجد أي تاريخ لحزب الله في الصدام الطائفي طوال هذه الحقبة. ولكن من الذي ورطه في سوريا؟ سنصل إلى هذا لا تتعجل. ولكن ما نقوله ليس سوى الحقائق المجردة التي لا خلاف عليها وسنواصل على هذا النهج إلى النهاية لأنه لا ينفع الأمة إلا الحق والحقيقة.
سأل أحد الصحفيين قائد من قيادات الجماعة الاسلامية في لبنان (وهي فرع الاخوان اللبناني) لماذا لا تشاركون في حرب المقاومة ضد اسرائيل ولماذا تتركون هذا الشرف لحزب الله الشيعي؟ رد قائلا: إن حزب الله يمنع غيره من المشاركة في قتال الاسرائيليين ونحن لا نريد الدخول في مشكلة طائفية!! كما أن السوريين سيمنعوننا أيضا.
وهنا تجدر الاشارة إلى واقعة يعرفها جميع اللبنانيين، في بداية العمل المسلح لحزب الله ضد اسرائيل، لم يكن قد تفاهم على ذلك مع سوريا وكان لها قوات في لبنان، وهي لم تقبل هذا الانفراد بالقرار من جانب حزب الله، وقد أدى هذا إلى اشتباك مسلح راح ضحيته حوالي 19 عنصر من حزب الله. وكان حادثاً مروعاً، حسب النهج اللبناني في الحرب الأهلية كان يمكن أن تشتعل حرب بين حزب الله والقوات السورية، ولكن حزب الله تصرف بحكمة وكظم الغيظ ولم يرد على النار بالمثل، ولكنه واصل المقاومة ضد اسرائيل!!
وهكذا فرض حزب الله نفسه على العمل المسلح بدون إذن سوري، واضطرت سوريا (حافظ الأسد) للتعامل مع الأمر الواقع بالتفاهم والحوار حتى استقرت العلاقات بين الطرفين، دون هيمنة سورية. وإذا عدنا للقائد السني الاخوانى نقول له: هل كان بإمكان أحد (حزب الله أو غيره) أن يمنع مجاهداً من الجهاد. إن الأرض محتلة وهناك قرى سنية في الجنوب كان يمكن تأسيس قواعد فيها للمقاومة. وبالمناسبة فإن حركة التوحيد الاسلامي في طرابلس (السنية) هي من الأمثلة على مشاركة السنة في المقاومة، ولكن لا شك أن من 80- 90% من المقاومة اللبنانية شيعية، ولا يمكن أن نلوم الشيعة على ذلك، ولا توجد أي واقعة واحدة تقول أن حزب الله منع السنة من المقاومة! وهي حجة مرفوضة لأن المجاهد يتجه للموت أصلاً فكيف يخاف من حزب الله أو غيره. ولم نسمع عن أي احتكاكات بين حزب الله والسنة أو محاولة تشييع أحد من السنة.
قد يتحدث البعض عن اشتباك حدث ليوم واحد أو يومين بين حزب الله وقوات 14 آذار، وقد كان الأمر يتعلق بالمقاومة حيث كانت هناك محاولة من الحكومة للسيطرة على شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله وهي من صميم أعمال المقاومة المسلحة، وقد حسم الأمر سريعاً وتراجعت الحكومة دون أي نزيف دموي يذكر. والثابت أن حزب الله لا يخلق مشكلات إلا دفاعاً عن حقه في المقاومة، ولا يحدث مشكلة كبرى حول الحقائب الوزارية أو غير ذلك في شئون السلطة.
وها هو الحريري رئيس الوزراء يثير مشكلة مع حزب الله ( لأنه جلب مجموعة من الصحفيين للجنوب لرؤية التحركات الاسرائيلية والتحصينات على الجانب الآخر من الحدود في مؤشر للاستعداد للعدوان. فما الذي يضايق السيد رئيس الوزراء في هذا الصدد؟!
ومن المؤسف أن يعد أمثال الحريري- السنيورة- تيار المستقبل ممثلين لأهل السنة، بل هم موالون للسعودية والغرب عموما. ولا يعرفون الفرق بين السنة أو الشيعة أو كوز الذرة – الحريرى يحمل الجنسيتين السعودية والفرنسية ويقيم لأوقات طويلة فى باريس.
باختصار في الفترة مابين 1982- 2000 كان حزب الله هو السباق في اختراع العمليات الاستشهادية عبر العربات المفخخة ولكن ضد قوات الاحتلال، وفيما بعد حماس بدأت العمليات الاستشهادية بالقنابل البشرية ضد الصهاينة لصعوبة توفير سيارات في فلسطين المحتلة أو بالأحرى صعوبة تفخيخها.
ونترك لبنان في عام 2000 حيث انسحبت اسرائيل من جانب واحد بدون أي اتفاقات سلام!
أما في مركز الطغيان العالمي (أمريكا) فقد بدأت مراجعة مسألة الاحتواء المزدوج، فها هي الحرب قد انتهت بين القوتين الاقليميتين (العراق- إيران) وكانت أمريكا تريد أن يخرجا محطمتين معاً. ولكن الطريقة التي انتهت بها الحرب أظهرت العراق في صورة الفائز، وليس هذا هو المهم. فلا شك خرج العراق قوياً عسكرياً فالسلاح السوفيتي لم ينقطع عنه- بالاضافة لأشكال مختلفة من الدعم الغربي، بالاضافة للخبرات القتالية والتصنيع الحربي خاصة الصاروخي مع توفر مصادر التمويل (هذا إذا استمر التمويل الخليجي والغربي). رأت أمريكا والغرب ان العراق الآن أولى بقطع الرقبة لكي يعرف حجمه الحقيقي ويقدم نفسه كخادم أمين للمصالح الأمريكية. ولكن صدام فرح بنشوة كاذبة “للمنتصر الجبار” ولم يدرك الأولوية القصوى لإعادة بناء البلاد. والغرب من ناحيته لم يقصر فبدأت حملات اعلامية بريطانية عن مشروعات صدام لأسلحة سرية، ومشروع المدفع العملاق. وصدام من ناحيته لم يتأخر عن مدهم بمواد إضافية فتحدث عن حرق نصف اسرائيل بالكيماوي المزدوج.وهنا بدأ الاعلام الغربي يتحدث بصورة لطيفة عن إيران ويصعد الهجمات ضد العراق. وبدأ الحلف الغربي ينفض من حول العراق، ورغم إقامة تجمع رباعي من مصر والعراق والأردن واليمن إلا انه لم يتسم بأي قدر من الجدية. بل حدثت وقائع مريبة من الاعتداء على المصريين في العراق وبدأت النعوش تصل إلى القاهرة، وانفجرت حملة ضارية ضد العراق في الاعلام المصري باعتبار الحكومة العراقية هي المسئولة. أما دول الخليج فبدأت في قطع المعونات والقروض، بل بدأت تطالب العراق بالسداد أي سداد الديون السابقة. وهكذا نجد “أخوة الخليج” في حالة توافق مع الغرب دائماً، فما تحبه أمريكا هو الحلال، وما تكرهه هو الحرام، فتحول صدام حسين بين عشية وضحاها من بطل العروبة وحامي حمى البوابة الشرقية للأمة العربية، إلى ناكر الجميل والهارب من دفع الديون. وفي هذا كان للكويت دور خاص.