الحكومة الامريكية أعدت خطة لبناء 33 سدا فى أثيوبيا

:كتب – مجدى حسين

الدول العظمى تسيطر على العالم ليس بإمكانياتها الاقتصادية والعلمية والعسكرية فحسب بل أساسا لأنها تملك عقلا استراتيجيا يخطط على المدى البعيد ولا تديرشئونها وشئون العالم بطريقة يوم بيوم ، ولارئيس برئيس . سنرى أن خطة وضعتها الحكومة الامريكية فى 1964 تنفذ الآن بالتفصيل فى بداية العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين عندما توفرت الظروف السياسية الملائمة .

تعتبر أثيوبيا واحدة من الدول القليلة فى افريقيا التى درست أنهارها دراسة جيدة ورفعت لها خرائط تفصيلية وقد تمت هذه الدراسة بواسطة مكتب استصلاح الأراضى بالحكومة الامريكية فيما بين سنة 1959 وسنة 1964 ( وهى نفس سنوات الخطة الخمسية الأولى فى عهد عبد الناصر) . وكانت الحكومة الاثيوبية قد دعت هذا المكتب لدراسة حوض النيل الأزرق لبحث امكانية تنمية حوضه بعد أن اتخذت مصر قرارها ببناء السد العالى . ولاشك ان قيام الحكومة الامريكية بهذه الدراسة كان مدفوعا بمواقف مصرالمخالفة للسياسة الامريكية فى المنطقة . ويقول د. رشدى سعيد أحد أكبر الجيولوجيين المصريين  : ( كان عند المصريين اعتقاد بأن بناء سد على النيل الأزرق عملية صعبة وباهظة الكلفة وأنه سيكون مرتفعا وعرضة للاطماء السريع وقليل الكفاءة .).نتحدث عن تقرير المكتب الامريكى لاستصلاح الأراضى – وزارة الداخلية – الولايات المتحدة الامريكية بعنوان ( موارد الأرض والماء فى حوض النيل الأزرق ) التقرير الرئيسى وخمسة ملاحق ( مطبعة الحكومة الامريكية واشنطن 1964). وقد قام المكتب الامريكى بدراسة هيدرولوجية حوض النيل الأزرق وجيولوجيته وتضاريسه ونوعية مياهه وثروته المعدنية ومياهه الأرضية واستخدامات أراضيه واقتصاديات تنميته، كما قام المكتب بانشاء 59 محطة لرصد النهر وقياس تصرفاته وبتصوير الحوض من الجو ورفع الخرائط له .ولاحظ كم الانفاق والمجهود الذى بذل فى هذه الدراسة الموجودة فى حوزة وزارة الرى الاثيوبية منذ ذلك التاريخ . والتقرير منشور وليس سريا .. والطريف ان التقرير أشار بالتحديد لموقع سد النهضة الحالى باعتباره من أهم المواقع المرشحة لبناء السدود الكبيرة أى منطقة الحدود السودانية الاثيوبية فى اشارة لتجنب الانحدار الحاد للهضبة الاثيوبية التى تعرقل بناء السدود وهو ما أشرت إليه فى المقال السابق ( النهضة سد اسرائيلى أمريكى ). واقترح التقرير 33 سدا على النيل الأزرق وفروعه وحدد أماكن هذه السدود. واقترح بناء 4 سدود كبيرة فى الجزء الأخير من النهر والذى يبلغ متوسط انحداره  حوالى المتر الواحد لكل كيلومتر من المجرى وآخر هذه السدود فى منطقة الحدود السودانية الاثيوبية وهو مكان بناء سد النهضة الحالى ويسمى التقرير السد باسم ( الحدود الاثيوبية السودانية ) وانه مخصص لتوليد الكهرباء. وتبلغ سعة تخزين هذه السدود الأربعة 50 مليار متر مكعب . ويبدو ان سد النهضة الضخم كان بديلا ل 4 سدود فى هذه المنطقة ، بل هم يسعون لتكون سعته التخزينية 74 مليار متر مكعب . ولما كانت تكلفة المشاريع التى جاءت بالتقرير كبيرة فقد اقترح المكتب الامريكى أن تقوم اثيوبيا بالتركيز خلال القرن العشرين على بناء السدود الصغيرة ( وقد حدث فى الواقع بعض من ذلك ). أما مشروعات السدود الكبيرة فرأى التقرير أن تتم فى القرن الواحد والعشرين !! وهذا ما يحدث بالفعل الآن . كذلك قامت السوق الاوروبية المشتركة بدراسة لتنمية رافد البارو لنهر السوباط وهو أحد فروع النيل الأزرق الأساسية ببناء خزان عند مدينة جمبيلا .

لم يكن نقص التمويل سبب اقتراح تأجيل بناء سد النهضة إلى القرن الواحد والعشرين ولكن العديد من الظروف السياسية المتقلبة فى كل من أثيوبيا ومصر ، ورغم أن علاقات الصداقة مستقرة بين مصر وأمريكا منذ 47 عاما الا أن استراتيجية الدول العظمى لاتعرف صداقة بالمعنى الساذج أو الدارج لها . مصر هى مصر فى الرؤية الأمريكية التى تسعى لإحكام سيطرتها على منطقة الشرق الأوسط التى هى محور العالم ، وكما ورد فى كتاب بمكتبة البيت الأبيض يقرأه الرؤساء منذ عهد ودرو ويلسون فإن أمريكا تستهدف السيطرة على العالم ولايمكن السيطرة على العالم الا بالسيطرة على الشرق الاوسط ، ولايمكن السيطرة على الشرق الأوسط الا بالسيطرة على مصر. وبالتالى فإن أنظمة مصر الصديقة غير مضمونة الاستمرار، بل ان الانظمة الصديقة لا تستجيب لكل ما يطلب منها ولابد أن تكون مفاتيح مصر فى يد أمريكا شخصيا ومباشرة . وبالتالى فان نقل محبس نهر النيل من السد العالى الى سد النهضة يعنى نقل هذا المحبس من مصر الى اثيوبيا . وبما ان المياه أساس الحياة والوجود فإن روح مصر تكون فى يد أمريكا التى تهيمن على النظام الاثيوبى . وهنا تلتقى مصالح أمريكا مع مصالح اسرائيل . فاسرائيل أيضا تفكر بنفس الطريقة من ناحية السيطرة الاستراتيجية على مصر . ولكن لديها سبب إضافى وهو حاجتها لبعض مياه نهر النيل . فاسرائيل تعانى من فقر مائى تحاول معالجته بالسطو على مياه الضفة الغربية والجولان وبحيرة طبريا ، كما حاولت السيطرة على أنهار جنوب لبنان ( الليطانى أساسا ) ولكنها أجبرت على الانسحاب عام 2000 تحت ضربات المقاومة اللبنانية . وقد جرت مفاوضات سرية تحولت إلى علنية بين السادات ومناحيم بيجن رئيس وزراء العدو الاسرائيلى خلال مباحثات السلام حول مياه نهر النيل . وكان السادات يريد أن يضرب عصفورين بحجر حين وافق على إعطاء مياه لاسرئيل مقابل انسحابها من القدس الشرقية ، وبذلك يحقق مكسبا بأنه محرر القدس ولايسعى لمجرد صلح منفرد ، وفى نفس الوقت يرضى اسرائيل التى تلح عليه فى مسألة المياه. ولكن بيجن صرح علنا بأن اسرائيل لاتساوم على القدس عاصمتها الأبدية بالمياه ولا أى شىء آخر . وقد تفجرت حركة احتجاج وطنية ضد بيع ماء النيل لاسرائيل تزعمها كامل زهيرى ود. نعمات فؤاد واحتضنتها جريدة الشعب التى كانت الجريدة المعارضة الوحيدة فى ذلك الوقت . ولكن المفاوضات السرية حول مد اسرائيل بمياه النيل لم تتوقف حتى سميت ترعة المياه المتجهة الى سيناء بترعة السلام ولماذا تسمى ترعة السلام الا اذا كانت تشير لامتدادها الى اسرائيل .وصرح السادات فى سبتمبر 1979 بأن صحراء النقب ستستفيد من مياه النيل التى تروى سيناء . ثم جرى الحديث علنا فى عهد مبارك عن فكرة لامداد مياه النيل لغزة ، حتى تبدو فكرة نبيلة ، بينما كان الهدف مدها بعد ذلك من غزة المحتلة الى اسرائيل . ولكن المعارضة الوطنية من داخل وخارج النظام ظلت تمنع التنفيذ العملى .

ظهرت فى الصحف الاسرائيلية مقالات عدة فى منتصف السبعينيات من القرن الماضى تدعو إلى مشروع شراء مياه النيل وتحويلها إلى النقب . ومن أبرز المشاريع التى طرحت لنقل مياه نهر النيل ، مشروع اليشع كالى وهو مهندس اسرائيلى طرح عام 1974 نقل 1% سنويا من مياه نهر النيل للمستوطنات الصهيونية فى النقب والضفة الغربية وغزة بواسطة أنابيب تمر تحت قناة السويس بجانب الاسماعيلية يصل طولها الى 200 كم من قناة السويس حتى حدود فلسطين الجنوبية . وهناك مشروع مماثل تقدم به شاؤول ارلوزوروف يستهدف نقل نصف مليارمتر مكعب لاسرائيل .وكان السادات قد أمر فى 27 نوفمبر 1979 بشق ترعة السلام لنقل مياه النيل الى القدس لتصبح مياه النيل ( آبار زمزم الجديدة )وقال لتبرير موقفه : باسم مصر وأزهرها العظيم وباسم دفاعها عن السلام تصبح مياه النيل هى آبار زمزم لكل المؤمنين بالأديان السماوية الثلاثة. وفى 26 أكتوبر 1997 ضغط مبارك على الزر الذى سيفتح الصمامات لمرورنهر النيل تحت قناة السويس ليصل الى العريش بعد 6  سنوات . ولكن المياه لم تعبر الى اسرائيل أبدا لواقع الضغوط الوطنية كما ذكرنا من داخل النظام ومن خارجه ( المعارضة). وظلت اسرائيل تطرح الموضوع فى كل المفاوضات المتعددة الأطراف. ولكن مرة أخرى نذكر أن المسألة لاتقتصر على الحاجة للمياه ولكنها مسألة سيطرة استراتيجية فى المقام الأول كما قال الصهيونى اولى لوبرانى ( سوف تكون مياه النيل لجام مصر فى حالة تنصلها من اتفاقيات كامب ديفيد وانغماسها فى الصف العربى ).وقال البروفيسور الاسرائيلى ارنون سوفير عام 1993 ( اذا أردت أن تصيب مصر والسودان وهما أكبر دولتين عربيتين من حيث حجم السكان فأوقف تدفق منابع النيل عندها سيجف النيل وستجف الحياة على أرض مصر والسودان ).

 نظام مبارك كان يعلم جيدا من تعاملاته مع اسرائيل إصرارها على الحصول على حصة ما من النيل . خلال فترة ترشح عمر سليمان مدير المخابرات العامة السابق للرئاسة أجرى عادل حمودة حديثا صحفيا معه حول آرائه ومواقفه كرئيس محتمل للبلاد ، ونشر الحديث فى صحيفة الفجر، وعندما سأله عن تصوره لحل مشكلة سد النهضة فوجئت بصراحة عمر سليمان فهو لم يتحدث عن أثيوبيا قط !! وقال : إننى أتصور أن تحل هذه المشكلة من خلال الحوار مع اسرائيل ، ولقد بدأنا هذا بالفعل ولم نصل لحل بعد ولابد من استكمال هذا المسار !

اسرائيل بعد أن نفد صبرها فى موضوع المياه لجأت إلى القوة ، أى الى استخدام وسائل الضغط التى ترقى الى مستوى القوة لفرض وجهة نظرها ، اسرائيل فى احتياج للمياه ولن تستطيع أن تحشد المزيد من المهاجرين بدون توفير مزيد من المياه . وبدون استمرار تدفق الهجرة اليهودية اليها فان هذا يعنى اتجاه الدولة للانهيار كما يقولون هم أنفسهم. فى مؤتمرات هرتزليا السنوية لبحث مشكلات الأمن القومى الاسرائيلى يتحدثون كثيرا عن مفهوم ” خوسن ” أو القوة  أى استخدام قوة اسرائيل لمواجهة التحديات المستقبلية وليس التحديات الحالية فحسب ( د. عوزى آراد مدير معهد الدراسات والاستراتيجية الاسرائيلى ). القوة لاتعنى استخدام القوة المسلحة مباشرة فحسب . فحصار مصر والتحكم فى موردها الوحيد للمياه عمل من أعمال القوة . وهو يستند لعلاقات تاريخية أسستها اسرائيل مع اثيوبيا منذ عهد الامبراطور هيلاسلاسى فى الخمسينيات من القرن العشرين وتواصلت هذه العلاقات مع كل النظم المتعاقبة بما فى ذلك حكم منجستو هيلا ماريام الشيوعى . وتقوم على أساس توطيد العلاقات مع الحاكم بصورة شخصية كمدخل للسيطرة على صناعة القرار فى البلاد . وكما يقولون إن المعدة هى طريق المرأة لقلب الرجل ، فإن الأمن الشخصى للرئيس هو طريق اسرائيل إلى قلب الحاكم  ، من خلال إرسال قوات خاصة لحمايته ثم تدريب الحرس الجمهورى الخاص مع بقاء مستشارين أمنيين فى الرئاسة وهذا يحدث مع العديد من الدول الافريقية وليس مع أثيوبيا وحدها ، ولكن أثيوبيا فى ذروة الاهتمامات الاسرائيلية بافريقيا . وينتقل العمل من الحراسة الرئاسية الخاصة الى تسليح الجيش وعقد دورات تدريبية لكبار القادة والضباط فى اسرائيل .ثم يمتد الأمر لبعض الاستثمارات فى المجال الزراعى وغيرها من المجالات . أما بالنسبة لأثيوبيا فإن ملف المياه من أهم مجالات التعامل بين البلدين . قال وكيل وزارة الرى السودانى السابق فى حديث لصحيفة الأخبار المصرية انه عندما زار وزارة الرى الأثيوبية لاحظ أن المسئولين الاثيوبيين يضعون على مكاتبهم أعلام اسرائيلية صغيرة ! بل يوجد طابق كامل بالوزارة لخبراء رى ومياه اسرائيليين . وورد فى مقالات متعددة بالصحف القومية المصرية أن وحدات دفاع جوى اسرائيلية تتولى حماية سد النهضة من أى غارات جوية محتملة . والمهم أن ندرك أن العلاقات العسكرية قديمة وراسخة ومؤسسية وعابرة للعهود والأنظمة فى الطرفين أى بغض النظر عن تغير حكومات اسرائيل وتغير نظم أثيوبيا . فى وثائق الشئون الافريقية بالخارجية المصرية فى أعوام 1961 و 1962 و 1963 ما يؤكد وجود اتفاقات عسكرية وأمنية اسرائيلية مع أثيوبيا  ( وغيرها من دول افريقيا وتمرد جنوب السودان ) وكان الهدف منها تاسيس سياسة الذراع الطويلة الاسرائيلية فى المنطقة  لمحاصرة مركز المشروع الوطنى العربى فى مصر عند منابع نهر النيل . وهذه تعبيرات ريفين شيلواح وكان رئيس الموساد بين 1948 و1952 وهو مهندس مايعرف بتحالف المحيط الخلرجى ، وقد تناولنا فكرة هذا التحالف فى المقال السابق . كما صرح شيمون بيريس فى يونيو 1966 بأن من أهم أهدافه للسياسة الخارجية إقامة مصر أخرى فى افريقيا أى المساعدة فى تحويل قوة أثيوبية الاقتصادية والعسكرية إلى قوة مضادة لمصر!

وبمجرد تمكن اسرائيل من تشغيل ميناء ايلات بعد انتهاء عدوان 1956 أنشأت خطا ملاحيا بحريا مع أثيوبيا التى كانت تضم ارتريا الساحلية فى ذلك الوقت .وكذلك أقيمت خطوطا أخرى مع باقى دول شرق افريقيا . ثم أقامت اسرائيل قواعد عسكرية فى جزر أثيوبية ( فى ارتريا حاليا ) عقب عدوان 1967. كما وقفت اسرائيل داعمة لاحتلال أثيوبيا لارتريا العربية . واذا عدنا للمياه مرة أخرى ، فلا يعلم كثيرون أن شركة تاهال الاسرائيلية للحفريات والمسئولة عن تطوير مصادر المياه فى اسرائيل قد شيدت بالفعل سد (اماراتى) بارتفاع يبلغ 700 متر واماراتى هو أحد الروافد الاساسية للنيل الأزرق .وأعلنت الشركة أنها تقوم بمشاريع وأعمال فى أثيوبيا لحساب البنك الدولى فى منطقة

 أوجادين على الحدود الصومالية ( وهى منطقة صومالية عربية داخل حدود أثيوبيا ). كذلك فإن اسرائيل لم تكن بعيدة عن المشروع الامريكى الكبير حول بناء 33 سدا فى أثيوييا فقد أرسلت مجموعة من الخبراء لمتابعة عملية المسح الجيولوجى الامريكى . كذلك قامت شركات اسرائيلية بتقديم برامج تدريب للكوادر فى أثيوبيا فى مختلف مجالات التنمية الزراعية ( تكنولوجيا الرى – استصلاح الآراضى – دراسات التربة ). وأعلنت الصحف الاسرائيلية فى 1990 ان فريقا من المهندسين والخبراء الاسرائيليين يقومون باجراء أبحاث ودراسات طبوغرافية على التربة الاثيوبية لبناء 3 سدود على مجرى نهر النيل وروافده. وبالفعل أقامت أثيوبيا سدا عند مخارج بحيرة تانا وبدعم اسرائيلى من خلال تقديم المساعدات الفنية وتسهيل عمليات التمويل بنفوذ اسرائيل فى البنك الدولى والولايات المتحدة.

وقامت اسرائيل منذ منتصف الخمسينيات من القرن العشرين بتقديم الأدوية وإرسال الأطباء للاجئين والسكان الذين تدفقوا إلى أثيوبيا الفارين من الحرب فى جنوب السودان . وكان التعاون الاثيوبى الاسرائيلى فى مجال دعم تمرد الجنوب الانفصالى فى السودان من الملفات الاساسية بين البلدين على مدار عشرات السنين حتى ان القوات الاثيوبية شاركت مرة فى العدوان على السودان عسكريا من خلال القتال مع المتمردين . كذلك تم ارسال معونات إلى كل من أثيوبيا وارتريا إلا أن الهدف الاساسى من وراء ذلك  كان لارسال مجموعة من شعبة المخابرات العسكرية . والحقيقة فقد نجحت اسرائيل بإقامة علاقات طيبة مع الطرفين الارترى والاثيوبى بعد انفصال ارتريا واحتفظت بقواعدها البحرية والجوية فى جزر البحر الاحمر التى انتقلت الى سيادة ارتريا. وفى المجال الطبى أيضا قامت شركة آسيا للمواد الكيماوية والصيدلانية الاسرائيلية بتأسيس مصنع فى أثيوبيا للمواد الطبية .

على المستوى العسكرى ورد فى تقرير أمريكى رسمى قدم للجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الامريكى من الجنرال انتونى زينى قائد المنطقة المركزية أن كلا من ارتريا وأثيوبيا شريكين مهمين للولايات المتحدة ولهما دور مؤثر فى القرن الافريقى . وهناك سماح امريكى لدول حوض النيل أن تستخدم القروض الامريكية فى شراء أسلحة اسرائيلية .وقد كان لاسرائيل الدور الأساس فى ترسيخ الاحتلال الاثيوبى للاراضى الصومالية فى الاوجادين عامى 1977 و 1978 حيث قامت بامداد أثيوبيا بالمساعدات العسكرية والخبرات الفنية وقامت بتدريب الاثيوبيين على حرب العصابات لمجابهة الصوماليين وتسخير شبكات التجسس الاسرائيلية عملها لجمع المعلومات عن ثوار اقليم الصومال الغربى ومصادر تسليحهم وتموينهم ومراكز انطلاقهم وتجمعهم . وخلال الحرب مع ارتريا كان لاسرائيل الدور الاساس فى استعادة أثيوبيا للأراضى التى استولت عليها ارتريا. فمنذ هزيمة أثيوبيا فى مايو 1998 قامت اسرائيل بدعم أثيوبيا بالسلاح والمشورة العسكرية وتحديث السلاح الاثيوبى وتدريب مالايقل عن 23 ألف من القوات الاثيوبية وإمداد أثيوبيا بمعدات تشويش على أجهزة الردار واللاسلكى الارتيرى وتزويد القوات الاثيوبية بصور وخرائط لمواقع القوات الارترية من خلال القمر الصناعى وبيع 12 طائرة مقاتلة من طراز ميج 21 لأثيوبيا بعد إدخال تعديلات تكنولوجية عليها وفقا لاعلان مكتب نتنياهو رئيس الوزراء .وان كانت اسرائيل عادت وسيطرت على نظام أسياسى أفورقى بعد استقلاله عن أثيوبيا .

العلاقات الاثيوبية الاسرائيلية بدأت مبكرا منذ 1954 بعلاقات تجارية حيث كانت اسرائيل تستورد اللحوم من أثيوبيا ، وفى الستينيات أرسلت اسرائيل خبراءها فى التعليم والاتصالات والزراعة والصحة والتخطيط الاقتصادى وأصبحت السفارة الاسرائيلية فى أثيوبيا ثانى أكبر سفارة فى العالم من حيث درجات التمثيل الدبلوماسى فى منطقة البحر الأحمر وشرق افريقيا . وقد زودت اسرائيل أثيوبيا بأسلحة ومعدات عسكرية مقابل تهجير يهود الفلاشا والسماح بالوجود الاستخبارى والعسكرى على أرض أثيوبيا . وتم عقد اتفاق استراتيجى عسكرى فى 1998 واتفاق آخر فى 1999.

بالنسبة لسد النهضة الحالى فقد بدأت عملية بنائه بعد سقوط مبارك ب3 أيام . وتقوم شركة سالينى الايطالية ببناء السد وتشاركها شركات سويسرية وفرنسية وبريطانية فى مجال بيع المعدات الميكانيكية اللازمة لعملية البناء أما دور الصين فهو بناء خطوط إمدادات الكهرباء وبالتالى يمكن أن تقول إنها لاتشارك فى بناء السد مباشرة . وأثيوبيا كانت قد أصدرت سندات لتمويل السد وهذا هو سبب كثرة التقارير المتضاربة أحيانا عمن يمول السد . والمؤكد أن رجل أعمال سعودى كبير من أصل أثيوبى من المشاركين فى تمويل السد واسمه نشر عدة مرات فى وسائل الاعلام ولكنه ليس تحت يدى الآن . وأخيرا دفعت الامارات لأثيوبيا مليار دولار وربع المليار لتمويل طريق سريع بين أثيوبيا وأحد موانىء البحر الأحمروهذا نوع من الدعم لأثيوبيا فى هذه اللحظة الحرجة . 

لكن مايهمنى بالاساس من حشد كل هذه المعلومات الموثقة وهى ليست جامعة أو كاملة توجيه النظر لأهل نخبتنا الأماجد الذين رفضوا دوما اعتبار أن أمريكا واسرائيل هما أساس مشكلات مصر والأمة العربية وأن كل المشكلات الأخرى متفرعة عن ذلك أو أقل أهمية . كانوا يقولون اننى انشغل بقضايا فرعية وأمور فى السياسة الخارجية وان مشكلات مصر هى فى الداخل . وجاء اليوم ليعرف الجميع ان مشكلة المياه وهى أساس الحياة وفى مصر بالذات حيث لايوجد مطر تقريبا فان 99% من احتياجتنا يأتى من خارج الحدود ( أثيوبيا وأوغندا ) . وبالتالى فإن منع المياه معناه الغاء مصر من الوجود . أنا على يقين ان هذا لن يحدث ولكن المهم اكتشاف مدى سوء نية الأعداء وعمق كراهيتهم لنا ولسائر العرب والمسلمين . ان تفكيك سد النهضة الى عناصره الاولى سيؤدى بنا الى أمريكا – اسرائيل – الاتحاد الاوروبى أما الحكومة الاثيوبية فهى الأداة المنفذة .    

أهم المراجع : نهر النيل – د.رشدى سعيد – دار الهلال – الطبعة الثانية – القاهرة

اسرائيل فى حوض النيل – مهند النداوى – العربى للنشر والتوزيع- القاهرة -الطبعة الاولى – 2013

سد النهضة – د. عمرو رضا بيومى – دار النهضة العربية – القاهرة الطبعة الاولى 2019

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: