أمريكا سمحت لصدام بضرب الشيعة بالطيران وحمت الأكراد

  • الحلقة 12 من كتاب أمريكا زرعت القنبلةالنووية السنية الشيعية لتدمير المنطقة-
  • الصورة لصورة صدام حسين وقد ضربت بالرصاص من قبل الجنود العراقيين وثوار الشيعة فى الجنوب

*شهر عسل مفاجئ وقصير بين صدام حسين وإيران

*مسئول أممي يصف دمار بغداد بأنه يوم القيامة


عندما غزا صدام الكويت 1991 رأينا كيف حشد الغرب مليون جندي في السعودية ، نصف مليون جندي أمريكي ونصف آخر من دول الغرب والدول الاسلامية.

وفي عام 1992 اجتمع 18 من كبار مفكري اسرائيل ودرسوا المواقف الأمريكية الرسمية في هذه الأزمة المشتعلة التي أصبحت تسمى حرب الخليج الثانية.. ونرى أنهم توافقوا على أن هذه الأزمة هي محور الصراع العالمي حسب قولهم المنقول عن تصريحات أمريكية رسمية، فإن:

(الدعوة عامة لكل الأمم من أجل المشاركة بروح من الاعتماد المتبادل باعتبار أن التحالف من أجل محاربة صدام حسين سوف يتحول تلقائياً إلى تحالف سلمي أوسع)!! وهكذا ترون أن أكبر تحالف عسكري بعد الحرب العالمية الثانية لتدمير العراق واحتلال الغرب للكويت يسمى “تحالفاً سلمياً”!!
وأيضا قيل (يحتل الشرق الأوسط  قمة الأولويات فقد كان مسرحاً لآخر الأزمات الدولية الحادة (أي حرب الكويت) وهو مصدر التهديد الرئيسي للسلام العالمي ومن ثم فحل مشكلاته فوراً هو بمثابة إقامة النظام العالمي الجديد) هذا ما جاء في دراسة مفكري اسرائيل الصادر عن مركز جافي الصهيوني.
إذن تدمير العراق وإعادة السيطرة عليه وعلى الكويت هو نفسه (النظام العالمي الجديد) وهو الشعار الذي رفعه جورج بوش الأب قبل الحرب بفترة قصيرة. وهو نفس الشعار المطبوع على الدولار منذ عشرات السنين (النظام الاجتماعي الجديد)!!.

دائما كان الشرق الأوسط محور العالم ولابد لأي قوة عظمى في العالم أن تسيطر عليه، والسيطرة عليه تتطلب تحطيم كل القوى الاقليمية الكبيرة فيه، خاصة أن أي قوة عربية مستقلة رفضت دائماً أن تكون العميل المحلي الكبير. منذ محاولة تأسيس حلف بغداد وسقوطه السريع وهو الحلف الذي ضم تركيا وإيران وبريطانيا وباكستان ولكن السعودية ومصر وسوريا رفضت المشاركة فيه. ولم توجد بعده أي قوة عربية قادرة على لعب دور البوليس المحلي للغرب. وأشرنا إلى لعب إيران (غير العربية) دور حارس الخليج البترولي ولكن بعد سقوط الشاه، لم يعد أمام أمريكا سوى الوجود المباشر وبالتالي ضرورة تدمير أكبر قوتين اقليميتين فكانت حرب الخليج الأولى ثم جاء دور تدمير العراق التي خرجت قوية عسكرياً نسبياً. وهنا تأتي المفاجأة الكبرى..فنجد أنفسنا أمام شهر عسل بين العراق وإيران.
سنرى أنفسنا أمام حالة من الغباء الاستراتيجي التي وقع فيه صدام حسين وأدخلته في سلسلة من المشكلات حتى الاطاحة به في 2003.

تحدثنا عن الخطأ الاستراتيجي في اجتياح وضم الكويت وعدم إدراكه أن العالمين العربي والغربي سيقفان ضده تماما. وهذا ما حدث.

وفي إطار هذا الضيق فكر صدام في الشهور الواقعة بين احتلال الكويت (2 أغسطس 1991) حتى (17 يناير 1992) وهو موعد غزو العراق جوياً، فكر صدام في هذه الشهور في التقرب إلى إيران، وبدأ في اتخاذ خطوات عملية في هذا الاتجاه، بل دعا إيران إلى التحالف معا ضد الغزو الغربي. سبحان الله فإذا كان لديك الاستعداد النفسي والسياسي لذلك، فقد كانت ستكون “ضربة معلم” لو انك فعلتها قبل غزو الكويت، بل بديلا لغزو الكويت. وكانت ستكون فرصة تاريخية لإزالة الآلام بين البلدين، وبناء تحالف إقليمي رهيب تحت شعار (المصالحة بين البلدين المتحاربين). ولكن التقرب لإيران بعد ضم الكويت والاصرار على استمرار ذلك الضم، ثم بعد أن أصبح العالم كله ضدكم، فبدت خطوتك نحو إيران اضطرارية لا تمت إلى الاخلاص في إمكانية إقامة هذا التحالف الذي كان سيكون الأول من نوعه في المنطقة.

كما ان تقارب ايران معك في تلك الفترة كان سيجلب عليها عداء العالمين العربي والغربي والعالم بأسره. فهو تقارب مع دولة خرقت القنون الدولي وأصبحت أشبه بالبلطجي الخارج عن القانون.

فالتقارب مع العراق في هذه الظروف مؤذ لإيران وبمكاسب محدودة قد يعرضها للقصف الجوي مع العراق، وعلى الأقل سيعرضها للحصار والمقاطعة الاقتصادية في إطار العودة لسياسة الاحتواء المزدوج. وكانت إيران قد خرجت لتوها من الحرب مع العراق عام 1988، وتضمد جراحها، وتستريح من الحملات الاعلامية المضادة من العالمين العربي والغربي. بل كانت تنعم بحملات إعلامية مؤيدة!! نكاية في صدام من الاعلامين العربي والغربي. وكانت محاولات تقرب صدام حسين في هذا التوقيت من إيران خطوة تدرس في الغباء الاسترتيجي.

ومع ذلك فقد كان موقف إيران مفاجئاً ورائعاً من حيث المبادئ.

ولكن أولا: ماذا فعل صدام تجاه إيران؟ دعا إلى إنهاء فترة الكراهية التي ولدتها الحرب، ودعا إلى التحالف ضد قوى العدوان الغربي، ودعا إلى التعاون في كل المجالات في خطابات علنية موجهة إلى السيد خامنئي المرشد الأعلى للدولة الايرانية. ثم كشف في سلسلة من رسائله إلى أن العراق لايزال لديه أسرى إيرانيون، وبدأ صدام شخصياً في الاعلان عن دفعات (وجبات كما سماها) من الأسرى المفرج عنهم والمسلمين إلى إيران. ولا شك أن الحوار السري تناول أشياء أكثر من ذلك، ولعل الحوار السري تناول مسألة الأسرى أولاً.

وقال صدام في خطابه الأخير في هذا الصدد والموجه للسيد خامنئي: (وبعد تسليم هذه الوجبة الأخيرة من الأسرى أكون قد حققت لك كل ما تريد!!).

ولكن كما ذكرنا فما كان لإيران أن تدخل في المصيدة التي وضعها صدام لنفسه، أي تدخل معه في مصيدة الكويت، حيث أصبحت- أي الكويت- رمزاً عالمياً كضحية تاريخية!!.

ولكن إيران ظلت في هذا المأزق تتمسك بمبادئ الثورة المعلنة ضد الولايات المتحدة والغرب. فكانت إيران هي البلد الوحيد في المنطقة الذي لم يرسل قوات للأراضي السعودية. حيث ذهبت معظم البلاد العربية والاسلامية وكثير من بلدان أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا!!.

(2) كذلك رفضت إيران التعاون عسكرياً مع هذا التحالف الدولي ولا حتى التعاون السياسي، وإن ظلت تعلن اعتراضها على احتلال العراق للكويت.

(3) رفضت إيران قرارات الغرب والأمم المتحدة بحصار العراق، واعتبرته حصاراً جائراً ضد الشعب العراقي المسلم. وقامت إيران بدور كبير في فك الحصار الغذائي والبترولي وفتحت حدودها لادخال (أو تهريب حسب الأمم المتحدة) كل أنواع السلع التي يحتاجها الشعب العراقي، وطبعا أخذ ذلك شكل التجارة، وما كان يمكن لايران أن توفر مجانا احتياجات 20 مليون عراقي!! بل كان لدى العراق ما يدفعه في المقابل وإن كان في شكل بترول خام. ثم انضمت تركيا وسوريا بعد ذلك في هذا التعامل التجاري مع العراق بالخلاف مع قرارات المقاطعة.

(4) لم تشارك إيران في الأعمال الحربية ضد العراق عندما استعرت الحرب في 17 يناير 1992 وأعلنت احتجاجها.

(5) خلال هذه الفترة قبل اندلاع الحرب وما بعدها توقفت الحملات الاعلامية ضد العراق، بل بدأ ينمو رأي داخل النخبة الحاكمة الايرانية، بضرورة مد اليد لصدام حسين والتعاون معه ضد العدوان الأمريكي على المنطقة، وشبه هؤلاء صدام حسين بخالد بن الوليد، الذي حارب المسلمين ثم أسلم وانضم للمسلمين قبل الفتح بفترة قصيرة (بعد صلح الحديبية). ولكن هذا الرأي الذي قال به بعض رجال الدين الايرانيين، تم حصاره ورفضه. وتم الاكتفاء بموقف ايران الحيادي الذي وصل إلى حد الحياد الايجابي فيما يتعلق بتوريد احتياجات الشعب العراقي بلا سقف عبر الحدود.

************
ضمن أخطاء صدام حسين الاستراتيجية نذكر هنا عدم إدراكه- عند احتلال الكويت- لحالة الانهيار الشامل التي يعاني منها الاتحاد السوفيتي، والتي كان يعلمها القاصى والداني بل وحتى صغار المتابعين للسياسة ونشرات الأخبار.

بل لقد انهار الاتحاد السوفيتي رسميا في هذا العام 91/1992. ولذلك كان صدام حسين يحارب العالم بأسره بالمعنى الحرفي. أما الصين فكانت ولا تزال لا تنخرط في أي صراعات ذات طابع مسلح خاصة خارج منطقتها. (لاحظوا الفارق الكبير الآن حين تقف روسيا دعماً  للنظام السوري ويأتي هذا بنتائج فعالة حتى الآن).

*************
كانت خطة أمريكا العسكرية مفاجئة لصدام حسين، فرغم انها حشدت مليون جندي بما يفهم أنها ستبدأ بحرب برية. ووضع الجيش العراقي خطته بناء على ذلك. إذا بالجيش الأمريكي يعتمد على القصف الجوي وحده ولمدة شهر متواصل.. ولكنه قصف جوي على العراق. وتم تدمير العراق خاصة بغداد مع تركيز على كل البنية التحتية والقواعد والمطارات والمباني الحكومية. ويكفي لتلخيص الموقف ما قاله أول مسئول للأمم المتحدة زار بغداد بعد الحرب حيث لم يجد ما يقوله لوصف ما يشاهده (بأنه مشهد من مشاهد يوم القيامة)!!.

وبعد الاستنزاف الجوي الذي لا شك شمل مواقع الجيش العراقي في الكويت، تقدمت القوات البرية بعد شهر لاجتياح الكويت وكانت معنويات وقوى الجيش العراقي في الحضيض، وواصل الأمريكان الاعتماد على القصف الجوي ضد القوات العراقية، لتقليل الخسائر الأمريكية وإضعاف المعنويات العراقية وهذا ما حدث.

كل أدوات المقاومة العراقية لم تكن متكافئة..

(1) الصواريخ.. أسقطت عشرات الصواريخ على اسرائيل وكانت برؤوس حربية تقليدية وصغيرة لم تحدث أي خسائر تذكر معظمها حالات ذعر وأزمات نفسية بسبب ارتداء أقنعة الغاز وغلق النوافذ بشكل محكم. وكذلك ألقيت صواريخ على الرياض وبعض مدن السعودية والقواعد الأمريكية- صاروخ واحد أدى إلى خسائر كبيرة في قاعدة أمريكية بالسعودية حسب الاعتراف الأمريكي.

(2) حرق آبار النفط في الكويت وهذه تم التغلب عليها.

(3) خنادق ممتلئة بالنفط المشتعل، تم التغلب عليها (على الحدود بين الكويت والسعودية)
(4) في بداية الحرب تقدمت قوات برية عراقية داخل السعودية وأحدثت حالة من الذعر ولكنها انسحبت. وكما ذكرنا كان اجتياح هذه المناطق قبل مجيئ القوات الأمريكية أفضل.

(5) كان صدام يعتمد على احتمال اشتعال ثورات عربية مؤيدة له، وهذا لم يحدث.

(6) الأردن كان المفاجأة، وخوفاً من اضطراب داخلي وقف مع صدام حتى نهاية الحرب. ولكنه كان موقفا إعلاميا بطبيعة الحال. وكانت هناك حالة من التعاطف الشعبي في تونس والجزائر بالاضافة لتأييد سوداني رسمي وشعبي وكذلك اليمن وكذلك منظمة التحرير الفلسطينية حيث وقف ياسر عرفات مع صدام بصورة صريحة وقاطعة. وكان لعرفات تصريحات مهمة للغاية حيث قال: ان القوة المالية للأمة (يعني الخليج) تضرب القوة العسكرية للأمة. وهذا كلام صحيح وتكرر عام 2003 ضد العراق. ويتكرر الآن مع إيران. (اجتماع حكام العرب والمسلمين كالتلامذة أمام ترامب). وقد خسر عرفات كثيراً بعد هزيمة صدام فرأى أن يذهب إلى مدريد ثم اوسلو.

خديعة أمريكا للشيعة:

شعر صدام أن المعركة البرية في الكويت فاشلة فسحب قواته إلى العراق، ولكن الطيران الأمريكي ظل يتابع هذه القوات ويصليها ناراً فوصلت العراق محطمة المعنويات.

ورغم أن إيران وشيعة العراق الموالين لها ظلوا على الحياد والصمت طوال الحرب، إلا أن قوات بدر المقيمة في إيران رأت بعد انتهاء الحرب  أن الوقت مناسب لإسقاط نظام صدام، أو على الأقل القيام بثورة في الجنوب العراقي. كان الجنود العراقيون لدى عودتهم من الكويت يرون صور صدام حسين فيضربون عليها بالنار احتجاجاً على الهزيمة. كانت هذه الحالة المعنوية للجيش هي التي أوحت للشيعة كي يثوروا وتأتي قوات بدر من أراضي إيران إلى جنوب العراق وحدثت انتفاضة مسلحة وسيطرت القوات الشيعية على معظم مدن الجنوب لعدة أيام.

كان قرار جورج بوش الأب صائبا (من وجهة نظر المصالح الأمريكية) بعدم التقدم داخل الأراضي العراقية  واسقاط صدام في بغداد وقد كان ذلك ممكنا عمليا في هذه الظروف ولكنه قدر أن اسقاط صدام حسين بدون بديل مجهز وواضح سيكون بمثابة اعطاء العراق هدية لإيران، وهذا ما فعله ابنه جورج بوش عام 2003.

وقفت القوات الأمريكية ولم تعبر حدود العراق، وزعم مبارك انه ضغط من أجل ذلك وانه أكد على عدم عبور القوات المصرية للعراق، (40 ألف!!) ولكن الأمريكان ليسوا في حاجة لهم. وكان قرار عدم العبور قراراً أمريكيا بالأساس. وهنا أدرك الشيعة أن الفرصة مواتية للثورة. وأيضا هذا ما فعله الأكراد في الشمال.

ولم يبق مع صدام إلا المحافظات الأربعة السنية وبغداد. وقد أشرنا لذلك في أول الدراسة. ولكن أمريكا تركت صدام يستخدم سلاح الطيران العادي والعمودي لضرب انتفاضة الشيعة، بينما فرضت حزاماً جوياً على منطقة الأكراد. وكان ذلك بداية حالة الاستقلال الحالية لكردستان العراق. بينما تمكن سلاح الطيران العراقي مع بعض الوحدات المتماسكة البرية من القضاء سريعا على انتفاضة الشيعة واستعادة السيطرة على الجنوب.

كانت هذه الخديعة الكبرى التي قام بها الأمريكان للشيعة وإيران. وستظل أمريكا لا تشتهي إلا أن ترى مواجهات عراقية/ إيرانية أو سنية/ شيعية غير محسومة لأي طرف لكي يبيد بعضهم بعضا ويضعف بعضهم بعضا. (ولا يزال الوضع هكذا حتى الآن).

 وخرج العراق من الحرب فاقداً كردستان إلى الآن. وخرج محاصراً وضعيفاً عسكريا واقتصاديا وكان هذا هو المطلوب. وحاول صدام أن يعيد بناء مصانعه ومباني مؤسساته والبني التحتية وكان النظام لا يزال قادراً على التحكم في الادارة وحقق نتائج باهرة وسريعة في إعادة إعمار العراق. ولكن بدأت معركة كبرى أخرى.. هي معركة الحصار والتفتيش حتى عام 2003، وهو ما أنهك المجتمع العراقي أيما انهاك.       

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: