تم العثور على رفات ٢١٥ طفلا من سكان كندا الأصليين فى مقبرة جماعية فى أرض مدرسة داخلية سابقة فى مدينة كاملوبس فى مقاطعة بريتش كولومبيا. افتُتحت هذه المدرسة فى ١٨٩٠ واستمرت تعمل حتى ١٩٦٩ أى نحو ٨٠ سنة عندما تسلمتها الحكومة الفيدرالية من الكنيسة الكاثوليكية.
أن يُكتشف فى أى ركن من أركان العالم قبور غير موثقة ومجهولة الهوية ومنسية لهذا الكم من البشر، خصوصا لأطفال بعضهم لا يزيد فى العمر على ثلاثة أعوام شبه مستحيل. لذا صدى العثور على المقبرة تسبب فى ذعر متناهٍ وحزن عميق فى المجتمع الكندى بأسره،وتعذّر على الجميع استيعاب كيفية حدوث مثل هذه الفاجعة. نُكِّست الأعلام على الدوائر الحكومية وعلى المدارس وأُقيمت عشرات من النُصب التذكارية والوقفات على ضوء الشموع تكريما للأطفال. ولبس تلاميذ المدارس اللون البرتقالى الذى يُكّرم ويرمز إلى أطفال السكان الأصليين وتضامنا مع حركة كل طفل مهم. كما غرّد رئيس الوزراء ترودو: أنباء العثور على أشلاء أطفال فى مدرسة داخلية سابقة حطم قلبى، وقال أيضا إنه تذكير مؤلم لفصل مخجل من تاريخ البلاد.
تم العثور على الرفات بمساعدة رادار مخترق للأرض، وقد يُستغل نفس الجهاز لاكتشاف ما إذا كانت هناك مقابر أخرى، فقادة السكان الأصليين يتوقعون ذلك ويؤكدون حتمية وجود مقابر شبيهة لتلك التى اكتُشفت مؤخرا. أكدت وزيرة العلاقات بين الدولة والسكان الأصليين كارولين بينيت هذا النمط، معتقدة أن الكشف المفجع يعنى أنه سيكون هناك المزيد من المقابر المماثلة فى أنحاء البلاد. هناك أيضا الكثيرون الذين يطالبون بمساءلة الحكومة ومطالبة الكنيسة الكاثوليكية بالاعتذار، والبعض الآخر يطالب بيوم حداد وطنى تكريما للأطفال الأبرياء.
دعنا نرجع إلى الماضى بضعة عقود. كانت المدارس الداخلية لسكان البلاد الأصليين فى كندا إلزامية وتديرها الحكومة والسلطات الدينية الكاثوليكية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وكانت تهدف لأخذ أطفال السكان الأصليين بالقوة من ذويهم طبقا لسياسة استعمارية مخزية، وإذا لم يتقبل الأهل تسليم أطفالهم كانوا يواجهون عقوبات صارمة. بين ١٨٦٣ و١٩٩٨ نُزع أكثر من ١٥٠ ألف طفل من أحضان ذويهم ووُضعوا فى مدارس كانت بمثابة مستعمرات اعتقال. كان الهدفان الأساسيان للنظام هما إبعاد الأطفال عن أسرهم وعزلهم عن تأثير تقاليدهم وثقافاتهم ثم دمجهم فى المجتمع الحديث. وهى سياسة ترقى إلى مستوى الإبادة الثقافية، لأنه لم يُسمح للأطفال بالتحدث بلغتهم أو ممارسة ثقافتهم، وتعرض الكثير منهم لسوء المعاملة والإيذاء والموت. تم إطلاق لجنة الحقيقة والمصالحة فى عام ٢٠٠٧ لتقصى الحقائق فى وقائع المدارس الداخلية، وفى ٢٠٠٨ اعتذرت الحكومة الكندية علنّيا ورسميًا إلى السكان الأصليين، معترفة بأن المدارس الداخلية كانت جزءّا من السياسة الكندية بشأن الاستيعاب القسرى للسكان الأصليين إلى نظام المستعمر. ثم وثّقت اللجنة آنذاك آثار هذا النظام على أعداد كبيرة من الأطفال، وقد تم تحديد أكثر من ٤١٠٠ طفل لقوا حتفهم فى أثناء التحاقهم بالمدارس الداخلية.
لم يُعرف بعد كيف تُوفى ٢١٥ طفلا فى آنٍ واحد. لكن المُسلّم به أنه نظرًا لازدحام المدارس الداخلية وعدم وجود رعاية طبية فكانت بؤرًا لانتشار الأمراض المعدية خاصة السل. وكانت الحوادث أيضا هى القاتل الكبير الآخر. عدم وجود معايير سلامة أساسية فى هذه المدارس تسبب فى حرائق وحوادث وإصابات جماعية. لكن ربما كانت أكثر وفيات المدارس الداخلية بين الأطفال الذين تجمدوا أو غرقوا فى أثناء محاولتهم الهرب. تُوفى عشرات الأطفال بهذه الطريقة، ولم تحاول المدارس العثور عليهم وفشلت فى الإبلاغ عن اختفائهم. أما من أسعدهم الحظ وبقوا أحياء فقد تأثروا نفسيا بما مروا به، حتى إنهم يعانون إلى اليوم من الاكتئاب والإدمان والتوتر وحتى اللجوء إلى الانتحار.
اكتشاف هذه المقبرة كثف آلام السكان الأصليين وأفراد الشعب الكندى بأكمله، ولن تُمحى ذكراها بسهولة لأن هناك الكثير ممن أقاموا هم أو ذووهم فى هذه المدارس وبعضهم على قيد الحياة، وكلما برزت إحدى القصص البشعة مثل اكتشاف رفات ٢١٥ طفلا يستعيد الجميع آثار ما مروا به وينتفضون من أجل من فقدوا حياتهم بسببها. سوف يستغرق الأمر أجيالا لتصحيح أخطاء الماضي.