الحلقة 16-الصورة لابراهيم شكرى زعيم حزب العمل الذى وقف بصرامة مع العراق وايران ضد أى اعتداء أمريكى
من أجل الرصد الموضوعي لأحداث غزة والعراق وما قبلها لابد أن نذكر اننا ركزنا على الموقف السني الرسمي، في تلك المرحلة لم تكن هناك مصطلحات سائدة إلا العرب والمسلمين ولكننا استخدمنا التعبيرات الطائفية السائدة الآن عن الشيعة والسنة في مقابل الموقف السني الرسمي المخزي من 1992 حتى 2003 فإن الحركات الاسلامية كانت بطبيعة الحال ضد حصار وغزو العراق: حزب العمل المصري (الاستقلال حاليا)- الاخوان المسلمين (عدا اخوان الكويت والخليج)، وفي عام غزو العراق الأول1992 ثم الحصار نشأ تيار اسلامي أصبح يطلق عليه التيار الجهادي، فقد أسس أسامة بن لادن في أفغانستان الجبهة الاسلامية العالمية لمواجهة اليهود والصليبيين تحت التأثير المباشر لضرب وحصار العراق. وأخذ هذا التيار شكلاً عالمياً ولكنه تغذى بأنصار حمل السلاح ضد النظم الحاكمة في الصراعات المحلية. وسنهتم بموقف هذا التيار من زاوية القضية التي تشغلنا الآن (الفتنة الطائفية السنية الشيعية). والحقيقة ان التنظيمات الجهادية على المستوى المحلي كانت متعاطفة مع العراق.
وكانت جبهة أسامة بن لادن القطب الأساسي في هذا التيار الذي تمحور حول مظلومية العراق والشعب العراقي دون ابراز أي درجة من درجات التعاطف أو الود مع النظام العراقي: وكان هذا موقف معظم الحركات السنية والشيعية. حزب العمل المصري (الاستقلال) الذي لم يهتم كثيرون بتميز مواقفه التي أثبتت الأيام دقتها وصدقها، كان الأكثر تعاطفاً وتفهما مع النظام العراقي، كان أكثر استعداداً للتفاعل مع صدقه القومي وبداية صدقه الاسلامي وباعتبار أن الاسلام ليس حكراً على أحد.
إذن عندما تحدثنا في الحلقتين السابقتين منتقدين (علماء وحكام أهل السنة والجماعة) فقد كنا نقصد العلماء الرسميين للخليج وحكام الخليج. وبالمناسبة فهؤلاء حتى الآن لا يهاجمون الشيعة بأنفسهم، لأن لديهم أقلية شيعية في كل بلاد الخليج مع أغلبية شيعية 60% في البحرين وبالتالي الاستهزاء بالشيعة والشيعيين يكون غير مقبول على مستوى المواطنة. كما أن علماء السعودية الرسميين لا يكفرون الشيعة لأنهم يستقبلونهم في مناسك الحج، ولا يجوز استقبال الكفار في مكة!! ولذلك فان الحكام وعلماءهم يكتفون بمهاجمة ايران بدون وصفها صراحة بالشيعية وهنا يأتي دور علماء في مواقع غير رسمية يتولون عمليات تكفير الشيعة في الدراسات والكتب ومحطات فضائية مستقلة. وهذه أساليب غير محترمة وغير مسئولة. وكل جمهور المسلمين يعلم أن هؤلاء مدعومون وممولون من حكام الخليج ويعيشون في كنفهم. ولكن الاعلام الرسمي الخليجي يهاجم ايران والسياسات الايرانية، ثم بدأ أخيرا يهاجم حزب الله والمقاومة اللبنانية لاسرائيل حتى قبل التدخل في سوريا. إذن الاعلام الرسمي يهاجم الايرانية والفارسية، دون الشيعية، ويترك الشيعية للجناح غير الرسمي، كما كان يفعل اعلام صدام حسين أثناء الحرب مع إيران لأن نصف جيشه من الشيعة! فالإعلام الرسمي يهاجم الفارسية، والاعلام الممول خارج العراق يهاجم الشيعة. ورغم رفضنا لمصطلح (أهل السنة والجماعة، وهو مصطلح لا أساس له في القرآن والسنة، فإننا لا ننكر أننا جميعا نعمل في إطار نفس المذاهب السنية الأربعة بالاضافة لسنن أخرى أقل شهرة ولا حصر لها. فكان لابد من توضيح أن هجومنا السابق على علماء أهل السنة والجماعة كنا نعني به “وعاظ السلاطين” وحكام الشعوب التي تدين بمذاهب السنة).
ولابد أن نذكر بالخير لجبهة أسامة بن لادن (والتي اشتهرت حتى الآن باسم القاعدة) والتي أصبحت بقيادة أيمن الظواهري، موقفها الايجابي من مسألة الشيعة وهو قريب من الموقف الذي أراه صحيحا.
دون الموافقة على الخط العام للتنظيم في المسائل الأخرى، والضوابط الشرعية لاستخدام العنف.
البيان التأسيسي للجبهة لم يتناول مسألة الخلاف مع الشيعة، بل ركز على محاربة الأمريكان واليهود (اسرائيل). كذلك فكل عمليات التنظيم كانت ضد أهداف أمريكية وغربية. كذلك فإنه حتى عام 2003 لم يكن هناك أي مجال أو ساحة للاشتباك مع الشيعة.. بينما كانت الثرثرة لا تتوقف ضد الشيعة في إطار ما يسمى بعض السلفيين والوهابيين وهي قد بدأت منذ حرب 1980 ضد إيران للتشويش على الثورة ضد الأمريكان. كان أسامة بن لادن قريبا إلى الفطرة ولم يتورط في هذه السخافات، بل عملياً كان هناك تعاون تم رصده بين إيران وعناصر في القاعدة اضطروا للعبور عبر ايران. ومنها مسائل أصبحت معروفة (عبور أم خالد الاسلامبولي- محمد شوقي الاسلامبولي شقيق خالد الاسلامبولي- وغيرهما كثيرون. ولا تعنينا تفاصيل ذلك إلا من زاوية إدراك منظمة بن لادن لأهمية وحتمية التعاون مع ايران ضد الأمريكان.
واتهام إيران بالتعاون مع القاعدة في هذه المرحلة مسألة مليئة بالتفاصيل في العديد من الدراسات والكتب وهو أمر لا تشغلنا تفاصيله، إلا لتأكيد استعداد ايران للتعاون مع فريق سنة حتى وإن كان متشدداً طالما انه ضد أمريكا. خريطة المنطقة لا تجد فيها نظام واحد ضد الأمريكان (إلا إيران وإن شئت سوريا!!).
وبمناسبة الخريطة الاسلامية فلابد من التوقف عند بدايات التغير في الخريطة قبل غزو أفغانستان 2001 والعراق 2003.
هزيمة المسلمين في العراق 1992 كان لها ردود أفعال غير قليلة، وكانت هناك تحولات اسلامية طبيعية في بعض الأماكن، في الجزائر كاد الاسلاميون يتسلمون الحكم في 1994 ولكن فرنسا والغرب أشرفوا على الانقلاب الذي أطاح بهم وفتح باب لمجازر وصلت لـ 200 ألف جزائري.
وكانت البوسنة والهرسك تشهد مذابح ضد المسلمين لصالح الكروات الكاثوليك والصرب الأرثوذكس، وكاد الأمر يتحول إلى انتصار في الجزء الاسلامي بقيادة المجاهد على عزت بيجوفيتش وكنا أمام احتمال إقامة دولة اسلامية في أوروبا. وكان الايرانيون مصدر دعم أساسي لتسليح المسلمين السنة، وقد أعلن بيجوفيتش اعلان وفاء في العاصمة سراييفو لإيران. ولكن أحداً من الاعلاميين المسلمين الذين طالما ذرفوا الدموع من أجل البوسنة لم يذكروا فضل إيران في الدعم المسلح، وكانت عبر عمليات تهريب معقدة.
ولكن الأمريكان والغرب بذلوا كل جهدهم في اتفاق دايتون بالولايات المتحدة لمنع إقامة دولة أو حتى دويلة مسلمة وأصبح الجزء المسلم في البوسنة والهرسك تحكمه رئاسة ثلاثية مسلمة- كاثوليكية- أرثوذكسية. لمنع إقامة أي مرجعية اسلامية. وقد تكرر نفس الشئ في كوسوفا. بحيث يتم تحطيم النفوذ السوفيتي في يوغوسلافيا بدون إقامة أي دولة مسلمة، ورغم وجود دول قزمية عديدة: سلوفانيا- مقدونيا…الخ
إذن لم يبق على الخريطة سوى دولة طالبان في أفغانستان والتي تسيطر على قرابة ثلثي البلاد. ولا تعترف بها إلا 4 دول (باكستان- الامارات- السعودية- قطر) وتم قطع هذه العلاقات بعد 11 سبتمبر 2011 وتم حصار أفغانستان كلياً من الجو وهي دولة داخلية غير مطلة على البحر. إذن الأمم المتحدة تحاصر الشعب الأفغاني المسلم أيضا.
في نفس الوقت حدث انقلاب البشير- الترابي 1989 الاسلامي وبدأت تظهر ملامح نظام اسلامي سني في الخرطوم تحاربه أولا كل دول السنة!!! وعلى رأسها مصر والسعودية.
ولم يكن من قبيل الصدفة أن يذهب أسامة بن لادن إلى السودان ويحاول إقامة مشروعات اقتصادية وأشياء أخرى لا نعلمها.
وصرخ الغرب وانسحب بن لادن, والأهم أن الغرب بدأ يحارب النظام السوداني. وكان يتعرض لذروة الحصار عندما تم غزو العراق 2003.
لذلك لابد أن نقول أن الدول العربية والاسلامية غير الخاضعة للنفوذ الأمريكي عام 2003 3 دول (إيران- سوريا- السودان والعراق حتى سقوط صدام حسين).
ولم يكن من قبيل الصدفة أن علاقات التعاون بين هذه الدول كانت في أشد حالاتها عمقاً وتنوعاً قبل الغزو. ولكنها كانت تضم 4 دول محاصرة وحكام السنة هم الذين ينفذون تعليمات أمريكا في الحصار. وبالتالي في غياب حركة شعبية عارمة لم يكن بإمكان هذه الدول الأربعة المحاصرة أن تعرقل الهجوم الأمريكي على المنطقة في ظل تعاون نفس الدولتين الكبيرتين من زعماء السنة (مصر- السعودية) مع العدوان الأمريكي.
بالنسبة للاخوان المسلمين فقد كان لبعض فروع الاخوان أدوار جيدة وعلى رأسها فرع الاخوان المسلمين في الأردن ثم مصر ثم حماس. بالنسبة لفرع الأردن فقد أقام علاقات تعاون عميقة مع النظام السوري والعراقي والايراني والسوداني وكانوا مع دعم هذا التحالف إلى أبعد مدى ممكن ضد الغزو الأمريكي للمنطقة. وحماس موقفها معروف وأشرنا إليه من قبل- ولكن نضيف عمق العلاقات والتعاون بين نظامي صدام والبشير. إخوان مصر كان موقفهم السياسي جيداً تجاه العراق وإيران، دون مواقف عملية ودون علاقات مع سوريا والسودان (بسبب موقف النظامين من اخوان بلادهم).
ولكن ما يهمنا هنا أن المواقف النظرية الفقهية للاخوان من مسألة الشيعة كانت مع الحوار وما يسمى التقارب المذهبي وعدم تكفير الشيعة وقد كان هذا موقف حسن البنا نفسه. ولكن لم يكن هناك حماس في الدفاع عن إيران، ولا حماس في الهجوم عليها (حياد) ولكن بعد ذلك نمى تيار معادى لايران والشيعة داخل صفوف الاخوان بحيث لم تعد تعرف لهم موقفا رسميا من المسألة. وبالنسبة للعراق كانوا ضد حصار وغزو أمريكا دون ابداء أي نوع من التعاطف مع النظام الصدامي. وقد ادى هذا إلى موقف أقل حماسة في الدفاع عن قضية العراق 1992- 2003. وخلال الحرب بعد مظاهرات اليوم الأول للحرب توقف الاخوان عن مظاهرات الشوارع.
***************
كما ذكرنا فإن ايران اتخذت قراراً حاسماً بالحياد العسكري خلال الحرب وصمد الجيش العراقي اسبوعين في الجنوب الشيعي وهذا دليل على عدم وجود أي خطة شيعية ضد الجيش العراقي. بل أصبحت ملامح النصر ترتسم. ورغم كارثة سقوط بغداد فان عظم الكارثة جعلني لا أهتم حتى الآن بدراسة تفاصيلها. فلم يعد يجد الأمر شيئا. سقطت بغداد بصورة غامضة بدون مقاومة، ولم ندر السبب: الخيانة أو اسلوب استخدام تكنولوجيا متطورة. لقد سقطت بغداد وانتهى الأمر. وبدأت المقاومة الشعبية.
معارك المقاومة كانت شمال بغداد، أما بغداد فكانت هادئة ودخل الأمريكان وبدأوا في ترتيب الأمور بمنتهى السهولة.
وهنا بدأ دور الشيعة، وبعض السنة، وكل الأكراد في التعاون مع الأمريكان وبدأت سمات الفتنة الأصلية والعميقة بين السنة والشيعة.
سنذكر المراحل الرئيسية..
(1) الأمريكان شكلوا الحكومة بجنرال أمريكي.. ثم جنرال آخر “بريمر”.
(2) لم يجد الأمريكان امكانية لتكرار تجربة الحاكم الأمريكي كما حدثت في ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية.
(3) تمت صياغة دستور عراقي جديد، صياغة أمريكية بيد شاب أمريكي يهودي وكان محور الدستور هو مسألة المحاصصة الطائفية ولوضع أساس لتدمير العراق وتنفيذ مشروع خريطة التقسيم التي أشرنا إليها من قبل وقد حدثت بالفعل. فأصبح رئيس الجمهورية كردياً ولكن بدون صلاحيات.
رئيس الوزراء شيعي ولكن لديه كل الصلاحيات كأي نظام برلماني، ورئيس برلمان سني، بل أشار الدستور إلى إمكانية الحكم الذاتي، وحق تقرير المصير.
وكان كردستان العراق قد تشكل بالفعل على أرض الواقع وكان وضع كردستان في الدستور مجرد تسمية لأمر واقع.
كردستان العراق الآن.. له رئيس وبرلمان ودستور محلي ولغة- وعلم- ونشيد- بنك مركزي- عملة كردية- مطار أو أكثر- السيطرة الكاملة على البترول- إقامة تمثيل دبلوماسي في الخارج تحت اسم (بعثات أو ممثليات)- تكوين قوات مسلحة بشماركة- وشرطة- الدخول للاقليم بتأشيرة- تحت اسم إقامة- يوجد جواز سفر كردي- توجد حكومة ووزراء في مختلف التخصصات. باختصار لا يوجد أي تفصيلة لتأسيس دولة غير موجودة.
وكل هذا تم تحت اشراف وموافقة أمريكا والغرب واسرائيل ومسألة الاعلان مسألة توقيت فحسب.
في الوسط والجنوب كانت توجد مساحات للتداخل بين السنة والشيعة. حيث عاش كثيرون منهم معاً عبر التاريخ، وتزاوجوا فيما بينهم بنسبة كبيرة.
والآن كان لابد من فصل دموي لا يرحم بين الطرفين لنجاح الخطة الأمريكية. كلما صعدت إلى الشمال كان التداخل أكبر (مثل ديالا) فكانت المعارك الطائفية أكبر. في الوسط خاصة في بغداد كانت المعارك كبرى حيث كانت النسبة بالمناصفة. وعبرمعارك طاحنة تحولت بغداد إلى 80% شيعة و20% سنة وفي الجنوب أصبح الشيعة بين 80، 90% وأصبح الجنوب يطالب بحكم ذاتي شيعي. بعد الحكم الذاتي الكردي. وبدأ السنة يطالبون بدورهم بحكم ذاتى فى المثلث السنى.
ولكن كيف تم تسخين الجو ليتم الفرز الطائفي بالدماء وتحت النار.. (المقاومة- الحكومة- قوات الاحتلال) ماذا حدث وكيف حدث؟