مستشار “بوش”: سنصنع أكبر حرب بين السنة والشيعة

ضبط جنود بريطانيين يفخخون المساجد في البصرة

الحلقة -17 -الصورة لبوش الصغير


كان عام 2003 عاماً فاصلاً فيما يسمى أزمة (الشيعة والسنة) ليس لسقوط نظام صدام واحتلال أمريكا العراق، ولكن بسبب ما نجم عن ذلك من سياسات شيعية في العراق وأصبحنا لأول مرة نتحدث عن دور الشيعة في تعقد وصناعة الأزمة بعد أن كانت إيران والثورة الايرانية في جانب الحق وفي جانب الدفاع عن المظلوم. وقد أشرت لذلك في بداية الدراسة ولكن التسلسل الذي قمنا به كان أكثر إنصافاً. حيث أوضحنا الدور الاجرامي لحكام السنة من عام الثورة 1979 حتى 2003 ليس فقط ضد إيران ولكن أيضا ضد العراق وفي الحالتين لصالح أمريكا.

حول سياسة الأمن القومي لايران في العراق

إعطاء ايران أهمية قصوى لساحة العراق لا يتصل بالتاريخ المشترك للبلدين فحسب فما فعله صدام بإيران لا يمكن مقارنته بأي خطر حديث آخر. بل ان ما أحدثه من قتل  ودمار وخراب أكبر بعشرات المرات من خسائر مصر في الحرب مع اسرائيل!!.

على الأقل مليون قتيل ومصاب وتدمير حوالي ألف مدينة وقرية. وبالتالي فإن تأمين عراق جديد وآمن أصبح المهمة الأولى للأمن القومي الايراني . وكل هذه أمور لابد أن تؤخذ في الاعتبار. ولكن مع ذلك فإن تعاون الشيعة مع الاحتلال الأمريكي بهدف السيطرة السلمية التدريجية على العراق، ما كان يمكن أن يكون مقبولا لدى أوساط واسعة بين الجماهير العربية السنية في المنطقة عموما. ولم تعد السياسة الايرانية براقة كما كانت من قبل. رغم ان بعض السنة بل الاخوان المسلمين أيضا في العراق تعاونوا مع الاحتلال الأمريكي!.

ومن أجل الانصاف لابد أن نشير إلى أن شيعة العراق لهم أوضاع خاصة وهم أقل ثورية من الايرانيين (نقصد شيعة العراق الحاليين ولا نقول عبر التاريخ!) بل ان المرجعية العظمى في العراق (السيستاني) مستقل عن آية الله الخميني- السيد الخامنئي وهو لا يؤمن بنظرية ولاية الفقيه أي لايؤمن بضرورة تدخل رجال الدين في السياسة. ولكن ليس معنى ذلك أن النفوذ الايراني في العراق ضعيف ولكن يعني أن إيران تتحرك وسط كثير من حقول الألغام حتى بين الشيعة.

وهكذا تمت إعادة تشكيل النظام العراقي الجديد والجيش العراقي الجديد  بالتعاون التام بين فرق الشيعة وبعض فرق السنة وكل الأكراد مع الاحتلال. وقد استهدف الشيعة وإيران ما حدث بالفعل وهو السيطرة على النظام الجديد من خلال الانتخابات الحرة حيث انهم يمثلون 60% من الشعب.

وقد أدى اندلاع المقاومة العراقية من بقايا النظام الصدامي+ الفرق السنية إلى صدام مباشر مع الاحتلال والجيش الرسمي الجديد الذي أصبح ذو تكوين شيعي.

هكذا بدأت الحرب الشيعية- السنية صريحة لأول مرة. وبدأ الشيعة لأول مرة في طرف الظالمين (الأمريكيين). وكانت الخسائر كبيرة ومروعة.
كان  العراق أمام خيارين:

(1) إيجاد قيادة مشتركة في إطار لعبة لتقسيم الأدوار ولكن الحكومة العراقية فشلت في ذلك رغم مشاركة الاخوان.

(2) الخيار الثاني انقسام العراق بشكل كامل وهذا ما حدث.
والتطرف من الجانبين كان السبب..

الشيعة كانوا مصرين على إبادة كل ما يتعلق بنظام صدام. المقاومة السنية لم تفرق بين الأمريكان والجيش الرسمي حتى جاءت مرحلة الزرقاوي.. وهو مؤسس دولة داعش الأولى، وهو من تنظيم القاعدة.

وهنا تم الانتقال إلى مرحلة قتل المدنيين الشيعة. وهذا ما رفضه أسامة بن لادن ولكن الزرقاوي لم يستجب له.

وبدأت مجازر المساجد المتبادلة بين السنة والشيعة وكثير من هذه المجازر مريب وتقوم بها جماعات شيعية لها صلة بالانجليز والأمريكان. أما من الناحية الأخرى فإن الزرقاوي لم يكن يحتج لذلك وأفتى فتاوي شرعية بتدمير مساجد الشيعة. وعندما تدور عجلة الفتنة فإن المواطنين العاديين يشاركون فيها. في السنوات الأربعة التالية لعام2003 (عام الغزو) قُتل 650 ألف عراقي. في معارك المقاومة أو الحرب الطائفية.
 
ويؤكد روبرت فيسك الكاتب البريطاني المنصف دور الغرب في تخطيط وتنفيذ وإذكاء الحرب الطائفية في المنطقة فيقول: { ونتابع التحاور مع ملوكنا السنة في الشرق الأوسط ونستمع إلى هذيان عن الهلال الشيعي. لاعجب أننا نكره شيعة إيران إلى هذا الحد. ونتابع تقطيع الأراضي وتقسيمها ونطبع المزيد والمزيد من خرائطنا العنصرية. وأتساءل بجدية كاملة هل ننوي الترويج لحرب أهلية في أنحاء هذا القسم من العالم.. أتعلمون أظن أننا نريد هذا} ذي اندبندنت 3/3/2007.

وفيسك يشير إلى تصريح ملك الأردن عن  الهلال الشيعي عام 2006. وإلى خرائط برنارد لويس وغيره التي أشرنا إليها.

وأخطر قصة موثقة ومعروفة، أن الشرطة العراقية في البصرة اعتقلت قوات بريطانية أثناء محاولات لتفخيخ المساجد وتم وضعهم في سجن البصرة لحين التحقيق معهم. فإذا بقوة مدرعة بريطانية تقتحم السجن وتفك أسر هؤلاء المجرمين الذين كانوا سيروون تفاصيل مروعة.

خطة تقسيم العراق كانت علنية وتم وضعها في الدستور بما في ذلك حق الحكم الذاتي أو تقرير المصير.

وكان يمكن تجنب المجازر لو تم إعطاء حكم ذاتي للسنة في المثلث السني.

وينتشر الفساد في الدولة العراقية بصورة فلكية، والسرقات بالمليارات. الطبقة الشيعية السياسية ينتشر فيها هذا الفساد وهو أمر لا تتحمل إيران مسئوليته. ولكنها لا تستطيع أن تتخلى عن العراق.

وهذا خارج موضوعنا ، أقصد الفساد ،ولكنه أحد أسباب عدم رشد الحكم العراقي الذي ينعكس على الفشل في إدارة الملف السني- الشيعي وهو أهم الملفات. وهذه أخطر مشكلة ستواجه العراق بعد سقوط الموصل.


هل يمكن للنظام العراقي أن يطهر نفسه، هل يمكن تجديد دماء الطبقة السياسية؟!


أحيانا أرى في مقتدى الصدر محاولة مستميتة من جانب إيران للقيام بهذا العمل ولكن لا يبدو أن إمكانيات الرجل كافية لهذه المهمة التاريخية.

فإذا عدنا لمرحلة ما بين 2003- 2010 فسنجد أن العراق حدثت فيه تطورات مذهلة.

(1) نجحت المقاومة العراقية في قصم ظهر الاحتلال وبدأ يستعد للانسحاب عن طريق إنجاح أوباما.

(2) نجحت المقاومة من خلال الدولة السنية الأولى في السيطرة على المثلث السني (4 محافظات).

(3) نجحت الحرب الطائفية في تقسيم العراق عن طريق التبلور الطائفي، فأصبحت أحياء سنية تماماً وأخرى شيعية تماماً، وتواصلت عمليات التطهير العرقي المتبادل، وهذا أدى إلى تحول بغداد بنسبة 80% إلى مدينة شيعية كذلك معظم الجنوب. ولا تزال هناك نقاط للتداخل هنا وهناك.

وهكذا نجح العراق في خوض حربين متوازيتين كاملتين: حرب تحرير- حرب طائفية!!
وسيظل عشرات السنين يسعى لاصلاح هذه الكارثة الأخيرة.

قبل الانسحاب الأمريكي تصورت الحكومة العراقية أنها قضت على الدولة الاسلامية في المثلث السني بالاعتماد على مجموعات سنية (الصحوات) ولكن ظلت النار تحت الرماد.

وظلت الطبقة السياسية الشيعية عاجزة عن التحالف مع أي نواة سنية وهو أمر ضروري وحاسم لاستقرار العراق.

ولم يكن الأمريكان بعيدين عن ذلك. ففي لعبة إذكاء الطائفية لابد للأمريكان أن يكونوا أصدقاء للطرفين. بالنسبة للشيعة الأمر واضح فهم قاتلوا معا للقضاء على الدولة السنية للزرقاوي وقتلوه. وهم يستعدون للانسحاب ولكنهم يريدون أن يبقوا تحت ستار التسليح والتدريب وبعض القواعد وهذا ما حدث. ومن ناحية أخرى أقام الأمريكان علاقات علنية مع ما تبقى من الطبقة السنية السياسية في الأحزاب والبرلمان. وهي توضح لهم أنها ستظل الظهير لهم، ضد أي افتئات شيعي. ولكن الخطة كانت أكبر من ذلك كما سنرى.

وسنرى أن أمريكا استغلت الثورات العربية في إعادة السيطرة على سوريا والعراق. وهذا سينقلنا إلى الملف السوري (الشيعة- السنة).

ولكن قبل أن نفتح الملف السوري نؤكد مرة أخرى أن العراق أصبح ضعيفا للغاية- الشمال الكردي مستقل فعلا- الحكومة العراقية غارقة في أزمات اقتصادية إلى حد أن فترة بث الكهرباء في غزة المحاصرة أصبحت أطول وأكثر استقرارا من بغداد المنتجة للبترول. المسئولون العراقيون يحملون الحقائب المملوءة بالنقود ويسافرون للخارج. يتم إقرار 5 مليار دولار لاصلاح الكهرباء وتتم سرقة المبلغ كله!! ولعلكم سمعتم عن المرتبات الوهمية في الجيش العراقي، حيث يتم صرف مرتبات لوحدات غير موجودة أصلا. وأمريكا تبحث عن أموال دعمها التي فقدت في دولاب الحكومة بالمليارات. انها حكايات ألف ليلة وليلة ولكن في الجانب المالي.

وكانت الحكومة تسيطر على المثلث السني سيطرة شكلية. ومع الثورات العربية انتفض السنة من جديد، وطالبوا بحكم ذاتي ولجأوا إلى أساليب سلمية واعتصامات في الميادين. والحكومة تتعامل باستخفاف مع هذه التطورات.

طبعا حدث تطور يبدو إيجابيا فقد توقفت الحرب الطائفية، ربما لأن التوزيع الأساسي للسكان قد أعيد ترتيبه ولم نعد نسمع عن قتل على الهوية. وانتهى التركيب العسكري للدولة الاسلامية (القاعدة).
وهكذا بدا العراق مستقراً على الضعف والفساد والتقسيم الطائفي والتبعية لأمريكا التي رتبت برامج التسليح والتدريب للجيش العراقي.

في تلك الأيام شهدت جامعة ييل وهي واحدة من أهم جامعات أمريكا، حلقة نقاشية بالغة الأهمية بين أحد رموز التيار المسيحي الصهيوني المساند لجورج بوش الصغير مع مجموعة من الباحثين والعلماء المتخصصين في الشرق الأوسط.. وأراد المفكر الكبير أن يسمع رأي الباحثين الذين هاجموا جورج بوش الصغير وقالوا أن حكمه أساء للسياسة الأمريكية

في المنطقة وأساء لسمعتها، وشرحوا أسباب ذلك على رأسها الهزائم في أفغانستان والعراق. ولكنهم فوجئوا بالمفكر الأمريكي يقول لهم: لقد حققت إدارة بوش انجازا كبيراً لم يتحقق من قبل لتحقيق المصالح الأمريكية في المنطقة، لقد وضعت الأساس لأكبر وأعمق عملية حرب بين الشيعة والسنة في المنطقة.

ما قاله روبرت فيسك عام 2007، وما قيل في اجتماع ييل هو الذي يحدث للآن منذ 2014 وهذا ما جعل بلاد المنطقة في ذيل الأمم.

في سوريا حدثت حماقات متبادلة 2011 أدت إلى حرب تدمير سوريا.

أمريكا هي التي كانت تستهدف الهلال الشيعي المقاوم وكانت ترى أن سوريا هي نقطة الضعف الأساسية في هذا الهلال فقررت الهجوم على دمشق مستغلة الثورة الشعبية السلمية.

مع اعلان الدولة الاسلامية في الموصل  لم تعد مقاومة اسرائيل مطروحة على الطاولة من الأساس!!.

اترك رد

%d