رئيس الوزراء الإسرائيلى الجديد نافالنى بينيت تحت ضغوط مزدوجة، فهو يريد أن يرد عمليا على اتهامات نيتانياهو، الذى تهكم عليه، ووصفه بالضعيف الذى لا يضم حزبه سوى سبعة نواب، صوت أحدهم ضد منحه الثقة، وقال إن حكومته الهشة والضعيفة لن تصمد، وعاجزة عن حماية إسرائيل، ولم يكن نيتانياهو الوحيد الذى شكك فى قدرات بينيت، حيث توقع كثيرون سقوطا سريعا لحكومته، فهى جبهة من ثمانية أحزاب، لا يجمع بينها سوى الرغبة فى الإطاحة بنيتانياهو، فماذا ستكون الخطوة القادمة، فالحزب يضم غلاة اليمين الممثل للمستوطنين الأكثر شراسة، والراغبين فى التهام الضفة الغربية والقدس والجولان، وضد حل الدولتين، وعلى الجانب الآخر هناك مجموعة فى الوسط، وحزبان محسوبان على اليسار هما ميريتس والعمل، ويتبنيان حل الدولتين، وحزب عربى ذو مرجعية إخوانية، ومتهم بالقرب من حركة حماس، أى أن جبهة ذات توجهات متباعدة، لا يمكن تقريب وجهات النظر بينها حول أى قضية، ولهذه الأسباب طرح بينيت كلاما عاما حول أن الحكومة ستحاول أن تمثل الجميع، سواء داخلها أو خارجها، وتوحيد الإسرائيليين وإخراجهم من حالة الانقسام، وهذه اللافتات العامة يصعب تحويلها إلى واقع، فالأطراف المنقسمة لا يمكن أن تتفق على رأى واحد، أو تقبل برؤية مشتركة، وحتى يتجنب بينيت انتقادات وتشكيك غلاة المستوطنين، ويجذبهم نحو برنامجه اليمينى المتطرف فإنه يميل إلى الصدام مع الفلسطينيين فى غزة والضفة، لهذا أصر على مسيرة حملة الأعلام على مشارف المسجد الأقصي، وارتفع منسوب الغضب على الجانب الفلسطيني، بينما نيتانياهو يتربص بالحكومة الجديدة ليسقطها بسرعة، إما فى أتون حرب أو بتهمة الخوف والتفريط، ويسعى الرئيس الأمريكى بايدن إلى تهدئة الأوضاع لأطول فترة ممكنة، ويضغط على حكومة بينيت لوقف الاستفزازات، ويأمل أن يتمكن من إيجاد شريك إسرائيلى يساعده على محو آثار سياسة ترامب، والعودة إلى مفاوضات حل الدولتين، لكن بينيت ليس مع هذا التحول، وسياسته اليمينية لا تقل تشددا عن نيتانياهو، ويريد تهويد القدس وابتلاع الضفة بالمستوطنات، واستمرار الهدم والتهجير القسري، لكنه أيضا يعرف أن تخلى بايدن عن دعمه سيؤدى إلى سقوطه السريع، لهذا فإن حكومة بينيت الهشة يمكن أن تدفعها الرياح فى أى اتجاه، وأن ترتكب حماقة بتسهيل اعتداء المستوطنين على المسجد الأقصي، أو طرد بعض سكان حى الشيخ جراح أو حى سلوان، والتمادى فى العنف ضد الفلسطينيين، وعندئذ تندلع حرب أشد ضراوة، ومن السهل أن تتمدد لتشمل لبنان وسوريا والعراق واليمن ومن خلفهما إيران، وسيجد بايدن نفسه فى ورطة، فهو لا يريد السير على ما يشتهى قادة إسرائيل المتطرفون اليمينيون، ولا يستطيع أيضا ترك إسرائيل وحدها فى حالة اندلاع حرب إقليمية واسعة، لهذا سيحاول أن يكبح بينيت، ويقلل من فرص اندلاع مواجهات، لكن بينيت لن يستطيع البقاء من دون مواجهات، ويمكن لاقتحام أو محاولة تهجير أن تضغط زر التفجير، وينطلق صاروخ من غزة إلى القدس أو تل أبيب، وعندها ستنهال اللكمات المتبادلة، وتخرج الحرب عن السيطرة، ويضع بينيت نفسه وحزبه وإسرائيل والولايات المتحدة فى ورطة، إما بمواصلة الحرب أو هزيمة أشد وطأة، وهو ما لا يمكن أن تحتمله إسرائيل، فالوضع الإسرائيلى فى الداخل صعب، والاشتباكات بين عرب 1948 لم تتوقف بعد رحيل نيتانياهو، ويتعرض الفلسطينيون إلى التضييق وحرق السيارات والهجمات على المساكن، فلم يتوقف غلاة المستوطنين عن اعتداءاتهم فى ظل حكومة بينيت اليمينية، الذى لا يمكنه التصدى لهم، وتهدئة الأجواء، لأنه سيبدو قد انقلب على مبادئ حزبه المتطرف، ولهذا فإن كل الاحتمالات مفتوحة، وحالة عدم الاستقرار ستستمر، ولن يتراجع الفلسطينيون عن المكاسب التى حققوها، وعندما يكون الطرفان فى مثل هذه الحالة من التنافر والاستنفار فإن احتمال نشوب حرب يكون حاضرا بقوة كل يوم، وشرارة صغيرة يمكن أن تفجر الأوضاع بشكل أوسع، فهل يتمكن بايدن من السيطرة على بينيت الطامح ليكون نيتانياهو الجديد؟ أم ستنفلت الأمور وتصبح المنطقة القابلة للانفجار ساحة لمعركة تتوافر لها كل الشروط؟.