المصالحة بين العسكر والإسلاميين لتحرير مصر من الهيمنة الأمريكية

ما  الموقف من الحكام المسلمين التابعين لأمريكا؟
إذا كنا نرى أن أمريكا هي طاغوت العصر، وهي قائدة أئمة الكفر في محاربة الاسلام، لا نقول ذلك للاختلاف مع عقائدها التي تتراوح بين المادية والمسيحية الصهيونية، فأمريكا وغيرها أحرار فيما يعتقدون، ولكننا نقول ذلك؛ لأنها تحارب الإسلام والمسلمين في عقر دار المسلمين، وقد كان التقسيم الفقهي للعالم والمستقي من القرآن والسنة، على مستوى حضاري رفيع إذ أنه قسم العالم إلى دار حرب ودار سلام ودار عهد بينهما، ولم يقل دار كفر ودار إسلام، فعلة الانقسام ليست في الأفكار (الكفر)، علة العداوة والمحاربة ليست في الأفكار (الكفر) ولكن في العدوان. بدليل أن دار العهد تضم الكفار بل كلها كفار، ودار العهد في عصرنا الحالي تشمل (أمريكا اللاتينية – كل دول أفريقيا ذات الأغلبية غير المسلمة- الهند – الصين – روسيا – وكل الدول الأوروبية والآسيوية غير المحاربة).
وحتى عندما نعادي أمريكا فإننا نعادي حكامها ونظامها وجيشها فحسب وليس المواطنين الأمريكيين الذين لا يذهب نصفهم للانتخابات، وقد كان من أخطاء القاعدة، وبن لادن، و داعش أنهم يستبيحون دماء المواطنين الأمريكيين؛ لأنهم انتخبوا هذه الحكومة، كذلك لم يلحظ قادة القاعدة دور الإعلام في غسيل مخ الشعب الأمريكي وهو المجني عليه أولا، وبالتالي فإن أعداء الإسلام والمسلمين قليلون جدًا، كذلك هناك قاعدة المستأمنين؛ حيث يمكن استضافة مواطنين من دار الحرب للسياحة أو التجارة أو الثقافة أو لأي سبب إذا كان يؤمن جانبهم ولا يضرون دار السلام، وهكذا تضيق دائرة العداوة حتى تنحصر في الحكام، وأجهزة القمع، والجيوش المعتدية، التي لابد أن تكون في حالة حرب وهجوم على أراضي ومواطني دار السلام، أما إذا كانت جيوشًا دفاعية على أرضها فلا حاجة للمسلمين بمهاجمتها، (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ)البقرة 190
والشائع عند العلمانيين والحكام العرب الفزع من التكفير؛ لأنه يضع الأساس لمشروعية القتل، وهذا غير صحيح بمنطق الإسلام السليم، فلا يوجد في الإسلام مشروعية للقتل بسبب الخلاف الفكري والعقائدي، فهذا الأمر موكول إلى الله يوم القيامة (إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴿٤٨ المائدة﴾.
ولكننا كمسلمين نزود عن عقيدتنا بالفكر والرأي، ولابد أن نقول لجمهورنا ولعامة الناس مثلا إننا نؤمن بالله الواحد الأحد الذي لا يتجسد في أي شيئ أو أي شخص وأن المسيح هو نبي ورسول وليس إلهًا.
 عندما تشاهد فيلمًا أمريكيًّا يقول الممثل في موقف عصيب:jesus  

يا مسيح وتكون الترجمة على الشاشة (يا إلهي)!! لابد أن نوضح خلافنا مع ذلك، وإلا ميعنا عقيدتنا، ولكن ليس معنى هذا أننا نحارب أمريكا من أجل ذلك، فأخوتنا المسيحيون المصريون يؤمنون بذلك، وهذا لم يمثل أي مشكلة في وجود علاقات مواطنة ودية بين الجميع، على مدار 14 قرنًا، وإن الفتنة الطائفية الراهنة لأسباب أخرى وليس لأن المسلمين اكتشفوا أخيرًا أن المسيحيين يعبدون المسيح في إطار عقيدة ( الأب – الابن – روح القدس )، المشكلة مع أمريكا أنها هي التي تدس أنفها في حياتنا الخاصة، بدءًا من الختان وانتهاءً باختيار رئيس الجمهورية!! وأنها ترسل الجيوش؛ لفرض رؤيتها، وأنها تتصرف مع بلادنا كمستعمرات تابعة.
إذا كنا نسمي أمريكا ( طاغوت العصر ) فما حكم الحكام المسلمين التابعين لها ؟
لقد انشغلت بهذه القضية أكثر من عقدين من الزمان، قضية تكفير الحاكم في مصر وغيرها من الدول المماثلة، وهي أغلبية الدول العربية والإسلامية، في عام 2000 انتهيت في كتابي ( الجهاد صناعة الأمة ) إلى رأي لا أزال أطمئن إليه حتى الآن وملخصه كالتالي:
 (1)إن تكفير المواطنين ( عامة الناس ) الذين ينطقون بالشهادتين ويؤمنون بأركان الدين، أمر مستبعد تمامًا وغير مطروح للمناقشة، إلا إذا جاهر مواطن بعكس ذلك، وأعلن خروجه عن الإسلام، وعدم اعترافه بأي ركن من أركان الدين، وهذا أمره متروك لله طالما أنه لا يجيش الجيوش، ولا يحارب الإسلام كقضية عامة.
 (2)إن تكفير الحكام جائز لأنهم مسئولون عن الأمة، وهم حراس الدين كما سماهم المواردي، وفساد الأمة من فسادهم وصلاحها من صلاحهم، ولكن طالما الحاكم يعلن إسلامه فيجب عدم الانشغال بتكفيره، ولكن يبقى السلوك العملي لهذا الحاكم وفق النص القرآني ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) فماذا نفعل إزاء هذا النص الصريح ؟!
 (3)التكفير ليس رخصة للقتل، كما ذكرنا، والتكفير ليس رخصةً للإطاحة بالحاكم، هناك في الشرع جرائم عقوبتها الإعدام، كما أن الإطاحة بالحاكم وفقًا للشرع لا تتطلب الكفر، فلا ولاية لفاسق أو لظالم، فالظلم يكفي، وانحطاط الكفاءة يكفي، والفساد يكفي، والخيانة والتخابر مع العدو تكفي، ولنترك الإيمان والكفر لله عز وجل يوم القيامة، وبالتالي فقد نصحت الإسلاميين بعدم الانشغال بقضية تكفير الحكام حتى، وإن حاربوا لإسقاطهم أو انتهجوا وسائل سلمية لإسقاطهم، وقد رجحت الوسائل السلمية في دراسة ( فقه التغيير السياسي في الإسلام عام 1993 ) فيما يتعلق بظروف مصر، ولكني أكدت أن الشرع لا يمنع بصورة قاطعة استخدام القوة لإزاحة الحاكم الظالم، إذا كانت الظروف تسمح بذلك، وبدون إيقاع البلاد في فتنة أكبر، أي إذا كانت عملية جراحية سريعة، وهذا ما استقر عليه الفقه السني، ولكن كان تقديري أن هذا الإسلوب لا يصلح لمصر لأسباب شرحتها في الدراسة.
إذن طالما أن التكفير ليس ضروريًّا للثورة على الحاكم الظالم فلا داعي لإضاعة الوقت في هذه المباحث، ولا داعي للفتن بين المسلمين.
 (4)هذا الرأي لا يهتم بمراعاة مشاعر الحكام الظلمة، ولكن يهتم بعدم وقوع فتنة بين المسلمين في مسألة غير ضرورية، فالناس في ميدان التحرير لم تكن على رأي واحد فيما إذا كان مبارك كافرًا أم لا ؟ ولم يطرح هذا الموضوع أصلًا، ولكن كان الجميع على رأي واحد في ضرورة الإطاحة به، وهذا هو الأهم وهذا هو الذي يعنينا كشعب، ولكن ماذا عن الآية الكريمة (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) هذه الآية يجب أن توجه إلى الحكام؛ لتخويفهم من الله إذا كان ثمة مجال لذلك، وفي دراستي المذكورة قلتُ أن هناك عدة احتمالات لعدم تطبيق المرجعية الإسلامية عند هؤلاء الحكام ليس الكفر البين إلا أحدها ولكن الأسباب الأخرى : تتعلق
 (أ) بالجهل وهذا باب واسع لأن الثقافة الإسلامية في المجال السياسي أصبحت متدنية، في مدارسنا، وحكامنا إما من العسكر أو خريجي الجامعات الأجنبية، ومعرفتهم بالإسلام تنحصر في العبادات والشعائر بل إن علماء الدين الرسميين يتحملون مسؤولية كبرى في عدم نصح الحكام بل هم يزينون لهم ما يفعلون، عندما قال مثلًا شيخ الأزهر السابق أن 95 % من الشريعة مطبقة في مصر، وحتى الفقه السياسي لدى الحركة الإسلامية المعارضة ليس ناضجًا بما يكفي، وهذ الأمر يبرر للحكام الاستمرار في استبعاد المرجعية الإسلامية.
 (ب) الخوف من الضغوط الأمريكية والغربية التي تهدد صراحة بضرورة عدم تطبيق الشريعة الإسلامية، وقد كان الأمريكان وراء سحب السادات لمشروع تقنين الشريعة الإسلامية من مجلس الشعب بعد أن كان على وشك الانتهاء، وتمت الإطاحة بالكتور صوفي أبو طالب رئيس المجلس الذي كان يشرف على المشروع، وتعيين رئيس جديد أغلق هذا الباب (د. كامل ليلة) بتعليمات السادات، وأيضًا كانت أمريكا وراء ضرب الحركة الإسلامية السودانية كمقدمة لإلغاء الشريعة الإسلامية في أواخر عهد النميري، وهو ما تسبب في سقوطه.
 (ج) الخوف من شق الصف الوطني نظرًا لأن التيار العلماني والمسيحيين ضد تطبيق الشريعة الإسلامية.
ونحن لا نبرر للحكام ولا نوافق على هذه الأسباب، ولكن نقول أن هناك أسباب أخرى (التفاصيل في كتاب الجهاد صناعة الأمة) ليست من الكفر، ولكن سيظل الحكام عصاة وليسوا كفارًا، فالمسلم ملتزم بالشريعة ولكن يتعين عليه أن يطبقها بالتدريج وبالفهم العميق لها وليس له حق التأجيل، وبالمناسبة لقد وقع الإخوان في حكمهم القصير (سنة واحدة) في نفس الخطأ، خطأ التأجيل، وهو تأجيل عام؛ حيث لم نجد قرارًا أو تشريعًا واحدًا يمكن أن ينسب إلى المرجعية الإسلامية، بل نجد التأجيل واضحًا .في خطابهم السياسي منذ عدة أعوام.
لكل هذه الأسباب وغيرها لا نرى ضرورة لتكفير الحاكم المسلم الذي قد نرى ضرورة عزله، فعزله يكون لأسباب عديدة ليس الكفر من بينها، طالما لم يعلن هذا صراحة.
ونحن نرى اتباع المنهج القرآني الذي يذكر المؤمنين ويخوفهم ويحذرهم، ولا نحكم على أحد فلسنا جهة اختصاص أو ادعاء، بل نسأل الله السلامة، ولكننا نعبر عن رؤيتنا، فلطالما قال القرآن للرسول عليه الصلاة والسلام : (اتقِ الله) (ولا تكنن ظهيرًا للكافرين) (ولا تكونن من المشركين) و (ولا تطع الكافرين والمنافقين).
وعليه فإن الحاكم الذي يصر – كما أصر مبارك لمدة 30 سنة – على التبعية للأمريكان في مختلف الأمور الجوهرية : السياسة – الاقتصادية – السياسة العربية والخارجية – التشريع – التعليم – الثقافة – الدفاع والأمن القومي، فإن الواجب هو السعي للإطاحة به دون الانشغال بمسألة التكفير، ولكن يظل أن الأصل في السلطة هو الهيمنة الصهيونية الأمريكية، ومبارك وزمرته كانوا الأداة المنفذة،  ولذلك فإن الذي فرغ ثورة يناير من مضمونها هو أنها ركزت على الإطاحة بمبارك وحده، ثم مجموعة حوله، ، وفي كل هذه المراحل لم يتحدث أحد – إلا نادرًا – عن الحاكم الأصلي للبلاد : أمريكا وإسرائيل، والمرجعية الدستورية للبلاد : كامب ديفيد ومعاهدة السلام، ولكن هذا سيفتح الباب من المدخل الصحيح لتطهير نظام مبارك .
إذن إسقاط الحكم الأمريكي – الصهيوني يقتضي إسقاط نظام مبارك بكل أركانه ، لأن أمريكا لا تحتل البلاد بصورة تقليدية، ومن غير المتصور أن تقوم بذلك بعد هزيمتها الذريعة في أفغانستان والعراق، احتلال مصر احتمال لم يناقش أصلًا في أمريكا، وهو غير ممكن وسيؤدي إلى سرعة انتهاء النفوذ الأمريكي في المنطقة، وهو غير ضروري لأن أمريكا لديها آلاف الأدوات للتحكم في إدارة مصر عن بعد مع استمرار الوجود العسكري المؤثر في 4 قواعد + تسهيلات عسكرية .
إن أروع مصالحة أن يجتمع العسكر ومرسي ويعلنان معًا استقلال مصر عن أمريكا ورفض المعونة الأمريكية والسلاح الأمريكي وروشتة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي !. الحقيقة أعني مصالحة بين المؤسسة العسكرية والتيار الإسلامي لتحرير مصر من الاستعمار الصهيوني – الأمريكي وساعتها لن يهمنا من يحكم مصر ؟

اترك رد

%d