-الصورة للعالم العسكرى سعيد السيد بدير الذى اغتالته اسرائيل على أرض مصر! –
-حلقة جديدة من كتاب ( التبعية لأمريكا مرض العصر(
التسليح الحربي الوطني ضرورة
كنتُ أريد أن أطوي هذه الصفحة لأتابع موضوعات أخرى من الدراسة، فأنا كنتُ أتحدث عن عقيدة <عدم القدرة على تحدي قدرة أمريكا> وتحدثتُ عن موقف مبارك والسادات كقيادة سياسية حتى وصلتُ إلى موضوع التسليح، وسيتبع ذلك موقف النخبة السياسية المصرية، ثم موقف الإخوان المسلمين الذين حاولوا حكم مصر لمدة سنة، ثم موقف النخبة العربية ثم موقف الشارع المصري وشرائح المجتمع المصري من هذا الدين الجديد (عبادة أمريكا) والذي بدأ حقًا أواخر عهد عبد الناصر، ولدي ثقة كبيرة أن هذ الدين سيسقط تمامًا عما قريب إن شاء الله، أقول كنتُ أريد أن أطوي هذه الصفحة ولكن لأهميتها أجد ما يجذبني إلى المزيد من التوضيح، فقضية التسليح مسألة جوهرية، وهي جوهر تبعية مصر لأمريكا حتى إن الخبراء الاستراتيجيين يصفون التسليح المصري الأمريكي في الأصل بأنه نفايات سوق السلاح!! والهوس الذي ملأ القلوب والعقول حول السلام مع إسرائيل جعل هذه المسألة في زوايا النسيان، وهو أمر مثير للسخرية إذا علم الناس مدى تقدم سويسرا في صناعة الأسلحة رغم ادعائها بأنها دولة محايدة، بينما نحن على حدود إسرائيل، وبذلك يكون عدم الاهتمام بالتسليح الحقيقي تسليمًا كاملاً لإسرائيل، وبالتالي الإعلان عن الصداقة الأبدية معها (مهما فعلت) محاولة لحفظ ماء الوجه، بينما الحقيقة هو عذر أقبح من ذنب !!
نفايات السلاح :
إن شاء الله سأتحدث في نهاية الدراسة عن علاقتي بالولايات المتحدة ومن ذلك ماذا جرى في الزيارات الثلاثة لها وكانت آخرها عام 1997، ولكنني سأقتطع جزءًا صغيرًا الآن لعلاقته بهذه القضية، كانت زيارتي الأولى لأمريكا عام 88 أو 1989 في إطار وفد من مجلس الشعب وكان لي برنامجي الخاص للمقابلات أعده بنفسي بالتوازي مع البرنامج الرسمي، وفعلت هذا في المرات الثلاث، كنتُ استغل الويك إند (أجازة السبت والأحد) في برنامجي الخاص، واتصلت بالكاتب الأمريكي المتخصص في العلاقات الأمريكية المصرية خاصة في مجال التسليح وشؤون الشرق الأوسط سبرنجبورج الذي نصحني إبراهيم كروان بمقابلته ضمن قائمة أخرى من الأسماء (وكروان زميل دراسة أصبح أمريكيًّا ولكنني لم ألتق به إلا هاتفيًّا لسكنه في ولاية يوتا البعيدة)، لقد رحب بي الرجل ووصف لي العنوان وذهبت لمنزله في مغامرة مشهودة بمترو الأنفاق، المهم لقد استقبلني وأخذنا نتحدث طويلاً بالإنجليزية؛ حيث لم يكن يعرف العربية على خلاف معظم المتخصصين في شئون الشرق الأوسط، وكانت أهمية الرجل أنه لا يتحدث من وجهة نظر رسمية وقد أذهلني عندما قال لي: إن الأسلحة الأمريكية التي تسلم إلى مصر فاسدة، وقد اكتشف المصريون ذلك بأنفسهم، وهي أسلحة لا تصلح لشيء، بل هي فاسدة بالمعنى الفني الدقيق وليس بمعنى أنها قديمة الموديل!! وبالمصادفة العجيبة أن برنامج اللقاءات الرسمية كان في اليوم التالي في البنتاجون؛ حيث جلسنا مع ضابط كبير لا أدري ما هي رتبته، ولم يقل أي شيء مفيد، وعندما جاء وقت الحوار: سألته بمنتهى الصراحة عما سمعته من سبرنجبورج دون أن أذكر اسمه، فذهل الرجل، ويبدو أنه لم يتوقع مثل هذه الأسئلة الفجة، وفقد أعصابه وهو يرد على وهذا نادرًا ما يحدث من الأمريكان في مثل هذه اللقاءات وقال: هذا الكلام لا أساس له من الصحة.. وأنه من المفترض أن كل السلاح المسلم لمصر سليم ويعمل وبسبب الحالة النفسية للرجل لم أرد عليه، ولم أكن لأصل معه إلى شيء!!
فالأمر كما ذكرتُ من قبل لا يحتاج إلى أي عقل استراتيجي، فأمريكا لن تعطي لمصر سلاحًا أقوى مما تعطيه لإسرائيل ولا حتى سلاحًا مكافئًا، ولا مانع في هذا الإطار أن تصل لمصر أسلحة من المخازن الأمريكية ليست في حالة جيدة للاستعمال أو فاسدة لأنها قديمة فعلًا ولم تعد تستخدم في سلاح الجو الأمريكي ولم تعد تنتج أصلًا!! كما أشرت من قبل ولا تصلح إلا للاستعراضات العسكرية! بل والعجيب أن مصر وقعت على الالتزام بذلك إذ وقع المشير أبو غزالة مع وزير الدفاع الأمريكي في واشنطن مذكرة التفاهم المصري الأمريكي التي تلتزم فيها مصر بالخطط العسكرية الأمريكية إزاء التهديدات التي تتعرض لها دول المنطقة (!!) مقابل تعهد الولايات المتحدة بإمداد مصر بالأسلحة والخبرات اللازمة للإنتاج الحربي بشرط عدم الإخلال بالتوازن الاستراتيجي (!!) بين مصر ودول المنطقة!!
التكنولوجية النووية :
من الثوابت المتفق عليها بين أمريكا وإسرائيل ألا تقترب مصر ولا أي دولة عربية أو إسلامية من التكنولوجيا المتقدمة ، وبشكل خاص التكنولوجيا ذات الوجه العسكري، وما لا يدركه كثيرون أنه لا تكاد توجد تكنولوجيا ليس لها جانبها أو انعكاسها العسكري، والعكس بالعكس فأي تكنولوجيا تتطور في إطار الحرب والعمل العسكري والتسليحي يمكن الاستفادة بها في تطبيقات مدنية، وبالتالي فإن القرار الأمريكي الإسرائيلي في واقع الأمر أن نظل في حالة من الجاهلية المستمرة، ويتم استيعاب علمائنا في أمريكا ولا يسمح لهم بالعودة إلى بلادهم، وهذا يحدث فعلًا في بعض التخصصات، ويوضعوا تحت الرقابة وإذا هربوا إلى بلادهم يمكن تصفيتهم جسديًّا كما حدث مع ابن الفنان بدير (سعيد سيد بدير)، والذي أهانه الإعلام المصري وقال عنه إنه انتحر لأنه تم إلقاؤه من شرفة منزله، فاضطرت زوجته أن تصرح للصحف في حينها: (زوجي لم ينتحر وسبق أن استغاث بالرئيس مبارك من محاولات اغتياله على يد الموساد)، والواقع أنه كان عائدًا من الولايات المتحدة بعد التوصل لاختراع خطير في المجال العسكري، بينما العبودية لأمريكا تجعلنا نستهزئ برجالنا ونقول إنهم انتحروا كما حدث مع سليمان خاطر .
واغتيال العلماء يتركز على علماء الذرة ومعروف اغتيال (سميرة والمشد وغيرهما) فإن كانت التكنولوجيا كلها يمكن أن تطبق مدنيًّا أو عسكريًّا، ففي مجال الذرة الأمر يتعلق بالقنبلة النووية ولذلك فمنع مصر وباقي العرب والمسلمين على رأس أولويات الحظر، ورأينا ماذا فعلت إسرائيل مع المفاعل النووي العراقي الأول والثاني وما حدث مع مشروع مفاعل سوري بالتدمير الشامل بغارات جوية، وهذا الصراع المستمر للمشروع النووي الإيراني الذي أصبح قضية العالمين منذ عدة سنوات، وحتى مصر المسكينة فإنهم يراقبون مفاعل أنشاص ( 2ميجا ) الغلبان وهو روسي من نصف قرن والمفترض أن يتم تكهينه إلى مثواه الأخير كمفاعل بحثي ثم مفاعل الأرجنتين الأكبر قليلًا، حتى في عهد رئاسة البرادعي لهيئة الطاقة النووية، يكتبون تقارير عن احتمال تخصيب اليورانيوم في أنشاص ولا يخجلون من أنفسهم بينما لدى إسرائيل من 200 إلى 300 قنبلة نووية، ومختلف أنواع الأسلحة والقذائف النووية الصغيرة، أما ليبيا فتم إفزاع القذافي بضرب العراق فسلم المشروع النووي كله (الجمل بما حمل) إلى أمريكا وقد احتاج لنقله إلى جهد كبير بسبب ضخامته .
لم يفلت من هذه القبضة الحديدية سوى إيران وباكستان، كانت باكستان مضطرة لإعلان امتلاكها للقنبلة النووية وتجري تجربة عملية وذلك لتحقيق التوازن مع الهند التي سبقت إلى ذلك، وقد أشرت من قبل لهذه التجربة الباكستانية من الناحية الإنسانية، نعم هي مسألة إرادة وعزيمة وليست مسألة صعوبة علمية أو معلوماتية أو خبرة، وليست مسألة أن أمريكا قادرة على كل شيء، وأنها إذا أرادت منع شيء فإنها تقول له (لا تكن فلا يكون) كما أنها ليست مسألة نقص في الأموال وهي حجة كثيراً ما يقولها حكام مصر: وحانجيب منين.. مفيش.. يقولونها في الأمور المدنية والعسكرية على السواء .
في المراجع سأقترح عليكم قراءة قصة القنبلة النووية الباكستانية في كتاب محدد ولكن في سطور قليلة:
القنبلة النووية الباكستانية :
يمكن القول إن ذي الفقار علي بوتو الرئيس الباكستاني المحترم وبعد المهانات المتكررة مع الهند في الصدامات المسلحة رأى أن تحقيق توازن مع الهند النووية هو الحل الحاسم لصيانة الأمن الباكستاني خاصة أن باكستان لن تستطيع أن تجاريها في أعداد القوات التقليدية، قرر بوتو أن يصنع القنبلة الباكستانية فصنعها!! هذه العقلية التي تستند للعزيمة والإرادة والتصميم لا يعرفها الموظفون الذين يحكمون مصر، فجمع بوتو كل علماء الذرة الباكستانيين، وعقد معهم اجتماعًا في خيمة كبيرة في إحدى حدائق قصره حتى يتجنب التنصت الذي تجيده المخابرات الأمريكية بزرع الميكروفونات في القصور الرئاسية أو من خلال أسلاك الهواتف، وقال بوتو للعلماء: لابد أن يكون لدى باكستان قنبلة نووية لردع الهند، ومهما كانت إمكانياتنا المالية محدودة فإننا سنعطي أولوية لهذا المشروع حتى وإن أكلنا أعشاب الأرض . المهم لابد من تصنيع القنبلة خلال 5 سنوات (لا أتذكر الآن عدد السنوات بشكل قاطع ولكن أميل إلى ذلك) فهل هذا ممكن أم لا؟ وهنا انقسم العلماء المختصون بين الاحتمالين: ممكن أو غير ممكن وعرض كل منهما أسبابه وحيثياته، فأخذ بوتو برأي الذين قالوا إنه ممكن.. وتم اتخاذ القرار.. وأنتجت باكستان القنبلة النووية، أي تغلبت على مصاعب نقص المال والخبرة والعلم والمعلومات، والأهم من كل ذلك لم تخضع للفيتو الأمريكي المعلن ضد انتشار الأسلحة النووية خاصة مع بلد مسلم. ومحتمل جدًا – وهذا ما يقال – إن المخابرات الأمريكية كانت وراء تدبير انقلاب عسكري عليه قاده الجنرال ضياء الحق وحكم عليه بالاعدام عقاباً له على هذا التحدي، ولكن الرجل كان قد أنجز القنبلة النووية، وهذه ضريبة السياسي المقدام الوطني، أما الموظف الذي يحكم فهو لا يعرف طريق المجازفة ويستنيم إلى طريق الحذر، لذلك قد يحكمون طويلًا (مبارك) ولا يحققون شيئًا والمشكلة أن مصر تحكم بعقلية الموظفين منذ 1981 ، وبتكوين الحاكم الموظف، وهناك كتب عديدة شرحت تفاصيل هذه الملحمة الباكستانية، بما في ذلك عملية الإخفاء والتمويه على أمريكا وإسرائيل، وقد كان لإسرائيل خطط لضرب المفاعل الباكستاني ولكنها أحبطت، كما أنها تلقت تأكيدات حازمة من أمريكا بأن هذه القنبلة لأغراض هندية فحسب!! وقد استفادت باكستان بالتأكيد من هذه القنبلة في إقامة علاقات متوازنة مع الهند بدون خوف أو وجل .
البرنامج النووي الإيراني :
والنموذج الثاني الذي يثبت أن أمريكا ليست كلية الجبروت، وأنها ليست (فعالة لما تريد) وأنها ليست تقول للشيء (كن فيكون) أو (لا تكن فلا يكن) أن إيران أفلتت من قبضتها في مجال الاستقلال الوطني عمومًا، وهذا ما يجب أن ندرسه ونستفيد منه بغض النظر عن اتفاقنا أو خلافنا مع الخط الإيراني، وإن ما لفت نظرنا أساسًا للثورة الإيرانية أنها كانت ضد الهيمنة الأمريكية، وأنها حققت الاستقلال التام والحقيقي لإيران، بالإضافة لموقف إيران من إسرائيل والقضية الفلسطينية، ونحن ندعو الأخوة المختلفين مع هذا الرأي، ومع احتفاظهم برأيهم، أن يدرسوا التجربة الإيرانية للاستفادة منها كما يدرسون تجارب في الشرق والغرب لمعرفة الإيجابيات في هذه التجارب وليس السلبيات فحسب، وأهمية ذلك أننا في ظروف مشابهة ونحن أحوج من إيران للمشروع النووي، ولا نقل عنها احتياجًا للاستقلال، البرنامج النووي الإيراني بدأ في عهد الشاه وتوقف التعاون الغربي بسبب الثورة، وأصرت إيران خاصة بعد انتهاء الحرب مع العراق على مواصلة البرنامج وبناء مفاعل بوشهر، وهنا نؤكد من جديد التداخل بين التكنولوجيا المدنية والعسكرية، وسنأخذ برأي إيران الرسمي، أي أنها تقوم بمشروع سلمي للطاقة النووية فحتى هذا يفزع إسرائيل وأمريكا كما أفزعها مفاعل العراق لماذا؟ لأن امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية وبالأخص في مجال الوقود النووي (تخصيب اليورانيوم) يجعل الانتقال لتصنيع قنبلة نووية في وقت قصير أمر سهل وفي متناول اليد وهذا أمر ينطبق على عشرات الدول التي تملك مفاعلات نووية كاليابان وألمانيا والبرازيل.. إلخ وبالتالي ليست مشكلة أمريكا أن إيران غير صادقة، بل يحتمل أن تكون صادقة وهي تقوم ببرنامج سلمي، لأن هذا خطر أيضًا، ويعني قطع 80% من الطريق لإمكانية التحول للتصنيع الحربي النووي!! إذن على ماذا يدور الصراع؟ يدور على الجزء الاستراتيجي من المشروع وهو تخصيب اليورانيوم لأنه هو القلب الحي للقنبلة، وتطرح أمريكا نقل هذا اليورانيوم المخصب للخارج ثم تأخذ إيران وقودًا نوويًّا على قدر احتياج مفاعل بوشهر فقط وبذلك يضمن عدم استخدام اليورانيوم المخصب في صناعة القنبلة المفترضة .
قبل أن أترك إيران لمضاهاة هذا الوضع بالبرنامج النووي المصري المحبط، أشير هنا أيضًا إلى تكرار نفس التجربة الباكستانية.. الإصرار والعزيمة والتصميم والسرية خاصة في المراحل الأولى، وأن الإصرار الوطني وصلابة القرار تكون مفتاح حل مشكلة نقص الخبرة أو المال (ليس عند إيران مشكلة المال كباكستان) أو المعلومات أو العلم، كان أهم إنجاز لإيران هو تصميم وتصنيع أجهزة الطرد المركزي التي تصنع اليورانيوم المخصب، عندما يجري الحديث عن علماء الذرة أو غير الذرة فإن الذهن يتجه لعالم كبير في السن منكوش الشعر أو أصلع يعمل وسط المختبرات والأنابيب وأبخرة الدخان تتصاعد من حوله، وتأتي إلى الذهن صورة أينشتاين وشعره أبيض.. إلخ، البرنامج النووي الإيراني – كما قال لي أحد المختصين الإيرانيين – يقوم على مجموعات من العلماء الشباب أعمار معظمهم في الثلاثينيات، وإن قاعدة المعرفة توسعت واستقرت واستتبت في هذا المجال، وإن آليات التقدم العلمي أصبحت مفتوحة، وأن أعمال الموساد لاغتيال بعض علماء إيران مؤسفة بلا شك ولكنها لن توقف تقدم البرنامج النووي السلمي.
البرنامج النووي المصري :
بدأ البرنامج النووي المصري بشكل متقارب مع برنامج إسرائيل وخلفها بعدة سنوات، ولكن البرنامج المصري انهار تمامًا بعد هزيمة 1967، واستمرت هيئة الطاقة النووية، واستمر العلم النظري وبعض التطبيقات في مجالات الطب وغيرها، ولا يزال عندنا علماء على مستوى عال داخل وخارج مصر، ولكن المشكلة في القرار السياسي المرتعش، والركوع أمام الفيتو الأمريكي، في الثمانينات من القرن الماضي كان قد تم الاستقرار على أرض الضبعة لإقامة مفاعل نووي لتوليد الطاقة وقد كلفنا اختيار المكان عشرات الملايين من الدولارات هي تكلفة دراسات الجدوى ولكن الفيتو الأمريكي وصل مبارك وهو سيد من يستجيب خاصة في هذه الأمور الاستراتيجية! وجاء حادث انفجار مفاعل تشيرنوبيل في الاتحاد السوفيتي ليقدم لمبارك حجة لتبرير تأجيل المشروع النووي وإعادة دراسته، وكان قد سبقه بعدة سنوات انفجار أو تسريب في مفاعل أمريكي (ثري مايلد آيلاند)، وللأمانة فقد كان هذا هو موقفي وكتبت عنه في “الشعب” وعقدت ندوات في حزب (العمل) للمختصين لعرض وجهتي النظر، وكان موقفي طبعًا لا علاقة له بالفيتو الأمريكي الذي لم أعلمه في ذلك الوقت، ولكن بسبب مخاطر المشروع، ولوجود بدائل أخرى وهذا الجانب تخطاه الزمن؛ حيث حدث تقدم في إجراءات الأمان بحيث تم تقليل هوامش هذه المخاطر إلى أدنى حد، وفي النصف الأخير من حكم مبارك ومع تصاعد الضجيج حول البرنامج النووي الإيراني ومن قبله التجارب النووية الهندية والباكستانية أصبح الموقف حرجًا، وشنت الشعب حملة على مبارك لتخليه عن المشروع النووي سلميًّا كان أم حربيًّا بينما إسرائيل تمتلك أكثر من 200 قنبلة نووية وقلت ما نصه: إنه لا مشروعية لحاكم لا يستطيع أن يحمي بلاده ويؤمنها من الأعداء، ولكننا كنا كمن يتحدث إلى الأحجار الصماء، وباعتبارنا في المعارضة (ولا نزال ) فإننا نتحدث بحرية ونطالب ببرنامج نووي سلمي، ونطالب بإنتاج قنبلة نووية مصرية لردع إسرائيل، أما الحاكم فعليه السير في البرنامج النووي السلمي بنفس طريقة إيران حتى يصل إلى ما يسموه “عتبة القنبلة النووية” وهو تخصيب اليورانيوم وبالتالي يصبح القرار الحربي في متناول اليد في وقت قصير، طبعًا أغلقت جريدة الشعب في حملتها الضارية ضد الأمريكان واللوبي اليهودي المصري وجمد حزب العمل عام 2000، ولم يعد أحد يطرح هذه القضايا في الإعلام، حقًا لقد استمرينا على الإنترنت ولكننا انشغلنا بالأحداث الكبرى: 11 سبتمبر – غزو أفغانستان – العراق.. وفي عام 2007 أو 2008 وبينما كان مبارك يعد ابنه للوراثة وفي إطار عملية تلميعه تم الاتفاق على أن يعلن جمال مبارك عن إحياء المشروع النووي السلمي في الضبعة رغم أنه لم يكن مسئولًا تنفيذيًّا، حتى ينسب إليه هذا المشروع، وقد شننت حملة على هذه المنظرة والمسخرة في الإنترنت ومما أتيح لي على القنوات الفضائية العربية، والحقيقة أن إعلان النظام على لسان جمال بالنية للسير في المشروع النووي كان بضوء أخضر أمريكي، وفي إطار إعلان عدد من الدول التابعة والصديقة لأمريكا عن مشروعات مماثلة، في مسعى لتجميل وجه هذه الأنظمة، وحتى لا تصبح إيران وحدها بطلة العلم والتكنولوجيا في المنطقة فسمعنا عن مشروعات نووية للطاقة في تركيا والإمارات والأردن وعدد آخر من الدول العربية. ومن الواضح أن الإمارات التي رسمت لها أمريكا أدوارًا أكبر من حجمها، قطعت شوطًا بعيدًا فعلًا في التنفيذ، في حين ظل مشروع جمال وكما توقعت في حينها مجرد كلام إعلامي في إطار إعداد الولد لانتخابات الرئاسة في 2011، ولماذا سميتها مسخرة أو منظرة؟ ليس لأن المشروع تم نسبه لجمال ولكن لجوهره الفارغ، فهذه البلاد التي سمح لها بالشروع في التنفيذ كالإمارات، تقوم الموافقة الأمريكية على أساس عدم إجراء عملية تخصيب يورانيوم من الأصل، وأن يعتمد المفاعل على وقود نووي مستورد بمعرفة أمريكا وعلى قد التشغيل الخاص بالمفاعل، ومشروع جمال قام على هذا الأساس، بل هو تحول إلى مشروع كلامي حتى قامت الثورة وخلصتنا منه هو وأبوه !! وقد دخلت في مناظرة فضائية مع أحد أعوان جمال مبارك ولم يستطع أن يصمد في المناقشة ولم يكن له دراية بالموضوع، والوقود النووي هو روح المحطة وبدونه يصبح المفاعل مجرد هيكل خرساني تصفر فيه الرياح، الوقود النووي (الذي ينتج عن تخصيب اليورانيوم) مهم جدًا ليس لأنه قد يصلح لتصنيع قنبلة نووية فحسب، بل حتى بدون هذا الغرض، فإن الوقود هو أساس عملية الاستقلال الوطني في استخراج الطاقة. وهذا من أهم أسباب توجه فرنسا واليابان للاعتماد بشكل كبير على طاقة المفاعلات النووية، ومصر لديها ميزة من عند الله أنها تملك اليورانيوم الخام، وبالتالي فإن دائرة الإنتاج تكون وطنية 100%، وحتى إذا لم يكن لديك كميات كافية من اليورانيوم فإن استيراده أسهل بكثير من استيراد الوقود النووي الخاضع لدول تعد على أصابع اليد أو اليدين، وبالمناسبة فإن الطاقة المتولدة من المفاعلات النووية نظيفة (لا تلوث البيئة) ورخيصة، لأن التكلفة الأساسية تكون في عملية الإنشاء الأولى للمفاعل، أمريكا لا تسمح للعبيد أمثالنا أن نقترب من الأسرار الإلهية التكنولوجية خاصة في مجال الذرة، وكما تفعل آلهة الأوليمب الإغريقية فإنها تحرق من يقترب من الأسرار، إلا من يملك العزيمة والإصرار والإرادة كباكستان والهند وكوريا الشمالية وإيران، حتى إسرائيل بدأت مشروعها النووي من خلف عيون أمريكا، وكان تحالفها الأساسي مع إنجلترا وفرنسا، ولكن فرنسا هي التي ساعدت إسرائيل في المرحلة الأولى .
وهناك قوى كبرى وعظمى انتزعت حقها رغم أنف “الإله” المزعوم: الاتحاد السوفيتي (روسيا) – فرنسا – الصين، ثم انتزعت اليابان وألمانيا وغيرهما بالقوة الاقتصادية حق تأسيس برامج نووية سلمية، المهم أرجو الانتباه لهذه النقطة الخطيرة، فرغم أن المشروع النووي المصري بدون وقود نووي سيكون مشروعًا مجهضًا إلا أن أمريكا وإن سمحت لجمال مبارك أن يعلنه، وأن يجري الحديث عن إعداد لمناقصات وتحديد أسماء بعض الشركات الأمريكية التي ستقوم به كوستنجهاوس، ظل المشروع للاستهلاك المحلي والكلام لا يضر، بل يفيد لتأكيد أن كل بلاد المنطقة تفكر في النووي وأن إيران ليست عجبة، وليست رائدة، هذه كانت الفكرة الأمريكية، ولكن مثل هذا المشروع بالنسبة لمصر يحتاج لموافقة إسرائيل وقد رفضت بطبيعة الحال واتفقت مع الولايات المتحدة على أن يبقى الكلام في حدود الإعلام، وبالفعل اختفى الحديث في المشروع في الأيام الأخيرة لمبارك وقد كنت أقرأ الصحف بدقة وانتظام في السجن منذ سمح لي بها في أواسط 2009 وحتى يناير 2011، النقطة الخطيرة هنا أن أمريكا وإسرائيل معًا يفضلان أن نبتعد كلية عن منطقة التكنولوجيا الفائقة، فحتى تشغيل المفاعل النووي مع الحصول على الوقود من الخارج لا شك عمل به تقدم معرفي، وتقدم في الخبرة في هذا المجال، ويمكن في وقت لاحق انتزاع حق تخصيب اليورانيوم، المطلوب أن نعيش في جهالة تامة وإظلام تام وأن نكون مجرد مستهلكين لمنتجات الحضارة وهذه هي الضمانة الأساسية لكي تظل إسرائيل تركبنا تحت رعاية أمريكا، وعندما جاء مرسي وسار في معظم عمله وفق الخطوط التي كانت قائمة فقد كان في مخيلته تنشيط وإحياء مشروع الضبعة ، فحدث شيء مروع إذ تم تحريض الأهالي الذين قاموا بتحطيم كل المباني والأجهزة في الأرض المخصصة للمفاعل، ومنها معدات غالية الثمن بالملايين، بينما خرج في الإعلام من يقول إن الضبعة ليست هي المكان الملائم، حديثة، وبعد مرور عام فقد تم التراجع الحديث عن المشروع رغم كثرة الحديث عن المشروعات القومية وأصبحنا نسمع عن الفحم!! لا الذرة ثم المحطات التقليدية ثم الطاقة الشمسية وبالمناسبة نحن لسنا ضد هذا التنوع في مصادر الطاقة بل هو ضروري، ولكنني أتحدث هنا عن ضرورة عدم استبعاد الطاقة النووية بعدما تأكد أننا أصبحنا من مستوردي الغاز وزيت البترول، وأتحدث عن ضرورة امتلاك هذه التكنولوجيا السلمية حتى وإن لم نستخدمها في المجال العسكري،
الحصار المعرفي الذي تمارسه علينا الولايات المتحدة والغرب حصار شامل في كل المجالات، وفي المجال النووي بشكل خاص، وهناك مجالات أخرى عديدة للتكنولوجيا النووية، منها بعض الأجهزة الطبية التي تستخدم موادًا مشعة كالكوبالت . في ندوة علمية باتحاد الصناعات حضرتها، كان يشارك فيها رئيس هيئة الطاقة النووية وتحدث بالتفصيل عن حالة الحصار التكنولوجي التي نتعرض لها وأن أمريكا (والغرب معها) يعاملون مصر كالعراق المحاصر ويمنعون تصدير أي مواد ذات طبيعة مزدوجة مدنية وعسكرية علمًا بأن ذلك ينطبق على أشياء كثيرة. وضرب مثلًا بالأجهزة الطبية التي تحتوي على الكوبالت وإن استيراد بعض المواد في منتهى العسر وهذا يعطل البحث العلمي ويعطل الانتاج والخدمات ويعطل انطلاقة مصر العلمية.