اليمنيون مثلوا 70% من قوات فتح الشام !

18 ألف عربى فتحوا بلاد فارس و21 ألف فتحوا الشام !

فى اليرموك : عدد العرب للرومان 1 : 12

الرسول يوصى بالأزديين ( هم منى وأنا منهم وهم أصل العرب )

( الحلقة 69  من دراسة مجدى أحمد حسين المستطيل القرآنى ، ويمكن قراءة كل حلقة بمفردها كموضوع مستقل ، وقريبا إن شاء الله توضع الدراسة بأكملها ككتاب  )

استمرت المدينة عاصمة سياسية للدولة الاسلامية الكبرى  فى ظل حكم أبى بكر وعمر وعثمان بن عفان . كانت الردة عن الاسلام فور وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم دليلا تاريخيا دامغا جديدا على بؤس هذا المجتمع الذى خرجت منه معجزة الاسلام قرآنا ورسولا . وقد ذكرنا الحكمة الالهية من ذلك وسنحاول الاستزادة فى التوضيح والله سبحانه وتعالى أعلم حيث يضع رسالته .

القرآن الكريم لايتحدث ولايوجه النقد إلى فرق أو مجموعات على أساس عرقى أو اجتماعى بل مجمل حديثه عن الناس عموما أو المؤمنين أو الكافرين والمشركين أو أهل الكتاب أو المنافقين ، باستثناء اليهود ( بنى اسرائيل ) ولهم أساس عرقى . فقد قال لنا القرآن انه تجمعت لديهم خصائص خطيرة وضارة وحذرنا منها لأخذ العبرة وأيضا لأن خطرهم مستمر. الاستثناء الثانى كان الأعراب ، والمقصود من الأعراب البدو الرحل الذين لايستقرون فى مكان ويتنقلون فى الصحراء بحثا عن الماء والكلأ وعندما تضيق بهم الحال يهاجمون ويعتدون على مناطق المزارعين أو على الآخرين من البدو حتى لقد قالوا فى أشعارهم ( ومن لايظلم الناس يظلم ) والآيات عن الأعراب متعددة نكتفى بآية واحدة للتذكرة ( قالت الأعراب آمنا ،  قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان فى قلوبكم وان تطيعوا الله ورسوله لايلتكم من أعمالكم شيئا ان الله غفور رحيم ) الحجرات 14 . كما أشارت آيات أخرى إلى أن بعض الأعراب صلح إيمانهم واستقاموا على الطريقة ولكن يبدو أنهم أقلية . وأيضا بالنسبة لليهود أشار القرآن مرارا إلى قلة مؤمنة أو صالحة من بنى اسرائيل ( فقليلا ما يؤمنون ) البقرة 88. وهذا زاوية بالغة الأهمية فالقرآن ليس عنصريا ولن يكون بطبيعة الحال ، والحديث عن أقلية صالحة بين بنى اسرائيل تفيدنا حتى الآن للتفرقة بين الصهيونى واليهودى ، وتفيدنا للتفرقة بين أغلبية يهودية معادية للمسلمين بل وللبشرية جمعاء ، وبين أقلية يهودية ليست كذلك كجماعة ناطورى كارتا .

جموع الأعراب لم تكن هى المادة البشرية التى غزا بها الاسلام ونشر مبادئه وقد تحدثنا من قبل عن نخبة مكة والقبائل العريقة ، والقبائل العريقة تكون مستقرة وغير متنقلة . وكان هناك خزان بشرى رهيب لعب الدور الأعظم فى نشر الاسلام هم أهل اليمن الذين لم يأخذوا حقهم أبدا عندما نقيم الأحداث والتاريخ . هؤلاء كانوا متحضرين خرجوا أولا على دفعات كلما تدهورت أحوالهم الاقتصادية خاصة بعد انهيار سد مأرب ، ولكنهم لم يزحفوا ليقتلوا أو ينهبوا ولكن بالطريقة اليمنية المتحضرة واستوطنوا فى الشام والعراق وأقاموا مجتمعات زراعية مستقرة مثل الغساسنة والمناذرة . وفى العهد الاسلامى زحفوا لنشر الاسلام وليس للسلب والنهب . ولذلك فإن د. جمال حمدان كان مخطئا وكرر مقولات جغرافية تقليدية عن الفتح العربى الاسلامى حين قال ان من أسباب الفتح السريع ( طبيعة العرب الرعاة الرحل كعنصر حركى للغاية شديد السيولة كرمال الصحراء نفسها ) [ العالم الاسلامى المعاصر – مرجع سابق ] . كذلك عندما استخدم التعبيرات الجغرافية الغربية التقليدية : الصراع بين الرمل والطين ، أو الصراع بين البدو الرحل وأهل الزراعة . فالكتلة الرئيسية لجيوش الفتح كانت من نخبة النخبة فى قريش وكبرى قبائل شمال الجزيرة ( العدنانية ) المستقرة والمقيم معظمها حول قرى أو مدن أو من الخزان البشرى اليمنى الذى من الله علينا به ( الدين يمان والحكمة يمانية ). وهذه تسمى ( قبائل قحطانية ). ومن ضمن خصائص القبائل اليمنية وهى على أرض اليمن أنها تكون ثابتة فى أرض واحدة محددة . أى أشبه بالمدن والدويلات . اليمنى لايعرف حكاية الترحل والتنقل ولا حكاية البدو . واذا أخذت نسبة مئوية لجيوش الفتح فستجد قبائل اليمن لها الغالبية وفى جبهة الشام خاصة .

على جبهة فارس وبمجرد انتهاء حروب الردة طلب المثنى بن حارثة الشيبانى زعيم بنى شيبان من أبى بكر أن يبادر بمن معه بمهاجمة الفرس ، وكان قريبا منهم فأذن له .وبدأ المثنى القتال بأعداد جد قليلة فى صورة أقرب ما تكون إلى المناوشة وليس للحرب أو الغزو ، ومع ذلك فقد كان ينتصر على الفرس واقعة بعد واقعة ونظرا لقلة أعداد المقاتلين أمر أبو بكر خالد بن الوليد بدعم المثنى على جبهة فارس . فكم كان حجم المسلمين بعد هذا التعزيز؟ ( 18 ألف مقاتل ) !! لمواجهة هذه الدولة العظمى !! وكان من أبرز القادة المسلمين عدى بن حاتم . وهذا مثال على نوعية النخبة المجاهدة التى نتحدث عنها . فهو من أسرة نصرانية عريقة اعتنقت الاسلام وقادت واحدة من أهم القبائل العربية ( طىء ) .

فى معركة المذار قتل 30 ألف من قوات فارس .وحدث 16 انتصارا متواليا للعرب المسلمين وكان فى مقدمة إحدى المعارك الأقرع بن حابس التميمى وهو من سادات العرب وجاء مع وفد من كبار قومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلنوا إسلامهم قبل فتح مكة ، وظل يجاهد حتى استشهد فى خراسان فى 31 هجرية . وهذا نموذج آخر من النخبة التى فتحت العالم وليس رعاع الأعراب المرتدين .

وبينما لم يتم استكمال فتح فارس ، أمر أبو بكر بسحب 9 آلاف مقاتل ( من أصل 18 ألف ) لدعم جبهة الشام وعلى رأسهم خالد بن الوليد !! من يمكن أن يعقل هذا ؟! يعقل تحقيق انتصارات كبرى على جبهتين عظميين بهذه الأعداد الهزيلة .

وظلت جبهتا العراق وفارس تتولاها قبائل ربيعة وتميم وأسد العدنانية الشمالية لأنهم كانوا قد استوطنوا من قبل فى العراق . أما قوات الفتح على جبهة الشام فقد غلب عليها الطابع اليمنى إلى حد كبير مع قليل من قبيلة قيس العدنانية . فتح الشام بدوره بدأ بأرقام هزيلة فكان عدد المجاهدين 21 ألفا وكانت تقديرات مجمل القوات الرومانية فى الشام تصل  إلى نصف مليون جندى!!

ليس بإمكانى أن أتجاهل هذه القصة الجميلة وإن طالت قليلا على لسان عدى بن حاتم أحد أهم رموز قبيلة طىء ( اليمنية ) يحكى فيها قصة لقائه الأول مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينتوى أن يدرس اتخاذ قرار بدخول الاسلام بعد كل ما سمعه  عن رسول الله . دخل عليه فى المدينة وهو فى مسجده فسلم عليه ، فقال من الرجل ؟ قال : عدى بن حاتم الطائى فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وانطلق به إلى بيته وبينما هما سائران إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته فوقف لها طويلا تكلمه فى حاجتها . فقال عدى فى نفسه والله ماهذا بملك . ثم مضى به النبى حتى اذا دخل بيته تناول وسادة من أدم محشوا ليفا فقذفها إليه وقال : اجلس على هذه . فقال : بل اجلس عليها أنت ، قال : بل أنت ، فجلس عدى وجلس النبى صلى الله عليه وسلم بالأرض ، فقال الرجل فى نفسه : والله ماهذا بفعل ملك . قال النبى : ايه ياعدى بن حاتم ألم تك ركوسيا ( دين بين النصارى والصابئة ) تسير فى قومك بالمرباع . قال : بلى يارسول الله ، قال : فإن ذلك لم يكن يحل لك فى دينك . قال : أجل والله . وعرف إنه نبى مرسل يعلم مايجهل . قال صلى الله عليه وسلم : لعل مايمنعك ياعدى من دخول هذا الدين ماترى من حاجتهم، فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لايوجد من يأخذه، ولعله إنما يمنعك من دخول فيه ماترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها تزور هذا البيت لاتخاف ، ولعله يمنعك من الدخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان فى غيرهم ، وإيم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم ( الطبرى – ابن كثير فى البداية والنهاية – ابن هشام فى السيرة ) . بهذه الشفافية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى المستقبل القريب والذى تحقق كما قال بحذافيره . كان يعلم بوحى الله الأثر الانفجارى السريع للفتح الاسلامى خلال سنوات قليلة وبهذه الأعداد القليلة .

رواية أخرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم تفتح لنا باب الحديث عن دور اليمن واليمنيين فى الفتح عموما وفتح الشام خصوصا . ونذكر من ينسى أن سيدنا محمد تجرى فى عروقه دماء يمنية . كانت قبيلة الأزد مع باقى القبائل اليمنية أبطال معركة اليرموك التى حسمت الأمور جميعا فى الشام . وأبو هريرة من رؤوس الأزد وكان يومها على رأس المقاتلين ، وينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( الأمانة فى الأزد وحضرموت فاستعينوا بهم فإنهم لايخيبون ولايعلون هم منى وأنا منهم ومن لم يكن له أصل من العرب فليلحق بالأزد فإنهم أصل العرب ) [ العوتبى – الأنساب ].

دور اليمنيين فى فتح الشام

اذا قرأت بدقة تفاصيل تطورات الأحداث فى الشام قبل وأثناء وبعد الفتح ستكتشف أنها معركة يمنية – يمنية إلى حد بعيد !! وكأن الرومان فى خلفية المشهد!! قبل الاسلام هاجرت قبائل عديدة وكبيرة من اليمن واستوطنت فى الشام . وكان سكان وسط الشام وجنوبه من العرب اليمانية . وعندما تمكن الرومان من أرض الشام أرادوا إقامة تحالفات مع بعض هذه القبائل المتركزة فى الجنوب وعلى رأسها الغساسنة حتى يكونوا هم خط الدفاع الجنوبى عن الامبراطورية من أى هجمات من جهة العرب ، وأيضا خط الدفاع الشرقى فى مواجهة العدو التقليدى ( الفرس ) وفعل الفرس نفس الشىء مع المناذرة العرب فى الحدود الغربية والجنوبية للامبراطورية الفارسية . القبائل المستوطنة فى الشام تنصرت وهذا عزز من فرص إقامة التحالف ولكنه ظل بين طرف قوى ( الرومان ) وطرف ضعيف هو ( الغساسنة ) وكانت قد حدثت مناوشات عديدة بين الطرفين حتى استقرت العلاقات وأصبحت تأخذ شكلا مؤسسيا ثابتا ورلسخا ، وهكذا كان الأمر عندما قدم الاسلام .ومن المفارقات أن الغساسنة من فروع الأزد!! وتصور الرومان أن الغساسنة سيكفونهم مئونة العرب المهاجمين ، ولكن الفتح العربى بدأ كاسحا منذ اللحظة الأولى وكان لابد من مشاركة القوات الرومانية بشكل متزايد فى القتال ولكنها كانت تضع العرب الغساسنة فى المقدمة بدعوى محاولة التفاوض فهم من قبائل مماثلة . وأيضا لأن العرب كالعرب ، ولايفل الحديد الا الحديد كما قال أحد قادة الرومان . والحقيقة أن الجبن كان السبب الرئيسى ، جبن الرومان الذى بدأ مبكرا كظاهرة أخاذة عجيبة متناقضة مع حجم التسليح والقوات .

كان أبوبكر الصديق يلحظ قلة عدد المجاهدين فى جبهة الشام فكان يرسل النداءات إلى جميع القبائل لإرسال المقاتلين . ولكن كانت الاستجابة العارمة دائما من اليمن . كان قد بعث أنس بن مالك ( الذى خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ) إلى اليمن وهو من بنى النجار من الخزرج أخوال رسول الله ( لاحظ المحيطين برسول الله أبو هريرة وأنس من أصول يمنية ) وكانت النتيجة خلال فترة قصيرة توارد الكتائب والمواكب قوما فى إثر قوم وقبيلة ، وكانت القبيلة تأتى بالذرارى والأموال والنساء والأطفال ، هكذا كلهم ذاهبون للجهاد وعازمون على البقاء فى الشام بعد النصر الذى كانوا واثقين منه وعلى رأس كل قبيلة أسيادها وقادتها ودعاتها .جاءت حمير ثم مذحج ثم طىء وأقبلت الأزد فى جموع كثيرة وفيهم أبو هريرة كذلك تجمعت قبائل عدنانية : قيس وكنانة إلا من كان اتجه للعراق ، لذلك كان معظم المتجهين  لجبهة فارس من العدنانيين ومعظم المتجهين إلى الشام من اليمنيين .

وامتلأت المدينة وأرباضها بكل هذه الجموع ثم وصلت همدان ( يمنية ) فى ألفى رجل ولكن كان معهم النساء والموالى . وكانت تصل من بعض القبائل نحو المائة رجل ( بنى سليم – العدنانية ) وعندما تردد أبو بكر فى إرسالهم ورأى الاحتفاظ بهم كقوة دفاعية نصح عمر بن الخطاب بإرسال الجميع إلى جبهات القتال وإن جاء عشرة من قبيلة ما حتى وإن جاء فرد واحد. وكان فى ذلك إدراك صحيح لخطورة قلة عدد المجاهدين فى الشام الذين يواجهون الدولة العظمى !

عندما اكتملت الجيوش بالشام كان ثلث الجيش من الأزد قبيلة اليمن الكبرى ( الأوس والخزرج من فروعها ) والباقى من حمير وقبائل يمنية أخرى ، كانت الأغلبية الساحقة يمنية مقابل قليل من قيس الشمالية . بينما كانت قبائل أسد وتميم وربيعة الشمالية فى الجبهة العراقية لأن أجزاء منهم استوطنت هناك. وفى المقابل كانت أجزاء من قبائل اليمن هى التى استوطنت بالشام مبكرا وأصبحت متنصرة وعميلة للرومان ، كما أن أجزاء القبائل العدنانية التى استوطنت فى العراق أصبحت عميلة للفرس وبعضها تنصر.

وستلاحظ أن المعارك الأولى فى الشام وكأنها معارك يمنية – يمنية ، بينما يقف الرومان فى الخلفية ولكنهم اضطروا بالتدريج للمشاركة المباشرة الواسعة فى القتال بسبب الزحف العربى المسلم السريع والمرعب .

وهنا نعود مرة أخرى لمسألة المواجهة العددية ولنؤكد أن آيات القرآن الكريم كانت تعمل تماما بدون ناسخ ولا منسوخ كما يتصور البعض ، فكانت أغلب المواجهات بمعدل يتجاوز 2:1 لصالح الرومان ويقترب أحيانا من 10:1 فى المعارك الكبرى الحاسمة وانتصر المسلمون فى كلها تقريبا ولله المنة والحمد . فهناك من قال بأن الآية التى تقول بإمكان المؤمنين أن ينتصروا على من هم أكثر عددا منهم ب 10 أمثال قد نسخت ب ( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلب ألفين بإذن الله ) الأنفال 66 والواقع أن القرآن يطرح الامكانيتين وفقا للقوة الايمانية والعسكرية للمؤمنين. وهكذا فإنه من ضمن إعجاز القرآن فى هذه الانتفاضة العالمية شرقا وغربا أنها اعتمدت على نخب قليلة العدد للغاية . ولم ترو فى أخبار فتوحات امتدت من أسوار الصين حتى أطراف باريس أى قصص تذكر عن سلب أو نهب . وكان مسلك الفاتحين من أهم أسباب إقبال الناس على دخول الاسلام فى البلاد المفتوحة . كان الفاتحون ( شبعانين .. لاجوعى ) بل كانوا متشبعين بأهم أركان ومقومات دين الله ، وكانوا مستوعبين تماما لفقه وأحكام الحرب والسلام والجهاد . وبالتالى لايجوز أن يوصف هؤلاء بالرعاة ( أى البدو الرحل ) لأنهم لم يكونوا كذلك ، لم يكونوا كالهكسوس الذين جاءوا من أعماق الاستبس فى مراعى وسط آسيا ( جمال حمدان ). الرعاة تطلق كذلك على الهمج التتار القادمين من أعماق الاستبس الآسيوى حول حدود الصين .

أثناء فتوحات الشام وفارس لم يكن حول المدينة أى قوات تذكر يمكن أن تحميها من هجوم كبير لأن كل المقاتلين كانوا فى الجبهتين . ولكن من كان سيأتى والدولتان العظميان تضربان على أم رأسيهما فى فارس والشام ؟!

اذا قرأت تفاصيل فتح الشام وفارس ستلاحظ مسألة النقص الحاد فى القوات المسلحة للمجاهدين يحيث لم يعد لدى الخليفة ما يرفد به جبهة الشام اذا احتاجت قوات إضافية .وقد كان هذا من أسباب تراجع الفتح مؤقتا عندما وصل إلى حمص حيث ظهرت قوات رومانية جديدة فانسحب المسلمون إلى دمشق وكانوا يفكرون  فى المزيد من الانسحاب لولا مواقف خالد بن الوليد وخططه وأساليبه فى معركة اليرموك التى لم يكن بها أى توازن عددى . وكان أبو بكر الصديق يرفض الاستعانة بالمرتدين فى الفتح لفترة رغم توبتهم ولكنه تراجع عن هذا الموقف .

معظم معارك الشام تراوحت فيها النسبة العددية بين 5:1 إلى 10:1 لصالح الرومان وفاز المسلمون فى كل المعارك. وقد وقعت هذه المعارك وقد اكتمل القرآن وبه المعادلتان ( 2:1 و10:1 ) كاحتمالين وتترك للقيادة الاختيار حسب القدرة الايمانية والعسكرية .

كان لابد أن نقول كل ذلك حتى لايشعر المسلم أو القارىء المتابع بالتناقض المهول بين ما قلناه عن الفتح العربى المبين وماحدث قبله من ردة تصل إلى حد الانقلاب الشامل ، حتى لقد تحدثت كتب التاريخ عن ردة العرب قاطبة ، وانه لم يكن الله يعبد ويسجد له إلا فى ثلاثة مساجد: مكة والمدينة ومسجد ثالث فى البحرين ( شرق الجزيرة). وهذه مبالغة غير معقولة تتداولها كتب التاريخ الاسلامية بلا تردد أو تمحيص وسنعود لمسألة الردة لاحقا .

نحن نتوقف عند التوازن العددى فى إطار تركيزنا على التحليل الاستراتيجى وليس سرد الأحداث ، لنؤكد أن السنن القرآنية ظلت تعمل رغم وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وستظل تعمل كلما ظهرت طائفة من المؤمنين يجاهدون فى الله لايخافون فى الله لومة لائم . وسيتلاشى الاعجاز القرآنى بمعنى توقف قوانين القرآن عن العمل عندما يكتفى عامة المسلمين بالتلاوة والحفظ وأداء الشعائر وكأن الجهاد ليس من أركان الاسلام.

فى عام 14 هجرية حاصر أبو عبيدة بن الجراح دمشق وأرسل هرقل من أنطاكية جيشا من 100ألف مقاتل ( ابن عساكر – تاريخ مدينة دمشق ) بقيادة ما عرف باسم جرجير ، وانضم إليهم 40ألف من العرب المتنصرة ليصبح المجموع 140 ألف ، وكانت القوات المسلمة قد تزايد عددها عن مرحلة البداية ( 21 ألف ) من كثرة التعبئة والحشد فأصبح المجموع 30 ألف !! وهنا شعر الخليفة أبو بكر الصديق بالخطر فكانت مبادرته الخطيرة بسحب خالد بن الوليد من العراق مع بعض قواته وليكون هو قائد معركة دمشق لما له من خبرة حربية . وحدثت موقعة أجنادين والمعادلة 5:1  لصالح الرومان وانتصر المسلمون . وفى معركة مع العرب المتنصرة وكانوا 60 ألف كاملى التسليح والتدريع ضد 30 ألف من المسلمين أى معادلة 2:1 وانتصر المسلمون وقتلوا منهم 5 آلاف واثنين من كبرائهم . وفى معركة بصرى انتصر المسلمون وهم 1500 على القوات المتنصرة وكانت 5 آلاف أى 3:1 . وفى بيسان هزم الروم وكانوا 80 ألف ضد 27 ألف مسلم أى بنسبة 3:1 لصالح الروم . وفى معركة اليرموك الكبرى والحاسمة كان الروم والمتنصرة 200 ألف وهزمهم المسلمون  وهم 20 ألف ، ولكن هناك تقديرات أخرى ترفع المعادلة إلى 12:1 لصالح الروم وهزم الروم شر هزيمة . وبعد هذا الانكسار الكبير حسمت المعركة فى الشام ودخل معظم العرب المتنصرين فى الاسلام وتقول بعض التقديرات أن الشام تحول إلى الاسلام خلال شهور قليلة . وهذا منطقى لأن كثيرا من أهل الشام كانوا عربا مهاجرين ومستوطنين بالاضافة لسكان الشام الأصليين أما الرومان فكانوا قوة احتلال . وبالفعل فقد انسحب الرومان العسكر والمدنيون والاداريون إلى آسيا الصغرى ثم إلى القسطنطينية .

وكان عمر بن الخطاب قد رفع عدد القوات المسلمة من 30 ألف إلى 45 ألف . مرة أخرى نعود لنقرر أن معركة اليرموك الحاسمة تكاد تكون يمنية تماما بكل مافيها من تضحيات وبطولات . وكل المعارك التى تلت اليرموك كانت تسير على وتيرة واحدة : تقدم اسلامى وهزائم متوالية للروم حتى فقد عجزوا عن الصمود فى موقعة واحدة أو على أى خط من خطوط جبهات القتال حتى حمص وحتى أقصى شمال الشام .

رغم خطط خالد بن الوليد العسكرية الباهرة فهى لايمكن أن تفسر وحدها هذه الظاهرة الكونية ، ظاهرة انتشار الاسلام خلال سنوات قليلة أمام أكبر قوتين عظميين وهى معجزة الاسلام الخاصة والعملية والتاريخية . فخالد بن الوليد لم يرجع مرة أخرى لجبهة فارس بل وحتى عمر بن الخطاب عزله عن قيادة الشام ولكنه أى خالد واصل القتال كجندى وكقائد فى الخط الثانى  على أعلى مستوى من الاخلاص والكفاءة . وفى إحدى المعارك الحاسمة ( اليرموك ) تولى القيادة الفعلية بطلب من أبى عبيدة بن الجراح فقام بدوره وعاد إلى الصفوف الخلفية .

لاتوجد أى حسابات عقلانية صدعوا بها رؤوسنا فى بعض المراجع عن الأزمات الداخلية فى الامبراطوريتين أدت إلى سقوطهما بسهولة . وقائع التاريخ لا تؤكد هذا الكلام فكل امبراطورية كانت فى أعلى قمة الجهوزية العسكرية وخبراتها لاتعد بالعقود بل بالقرون .بالاضافة لكل التقدم الواضح فى بنية الدولة الادارية والاقتصادية وتطور المدنية التى أخذ المسلمون منها فيما بعد ( كالدواوين )

كما ترون فقد كانت جولة سريعة مختصرة ولكن قطعت أنفاسنا من مجرد القراءة !

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: