المستطيل القرآنى يحكم نفسه والعالم 9 قرون .. المصريون أصلهم صومالى

الصورة لطارق بن زياد -الحلقة 70 من دراسة المستطيل القرآنى

فتح مصر ب 4 آلاف والأندلس ب 12 ألف !

بعد قرن من فتح وسط آسيا أصبح هومنبع العلماء !

فى إطار إلقاء نظرة استراتيجية على اندفاعة الانفجار الكونى الاسلامى ننتقل إلى جبهة الفرس مرة أخرى ، ليس فى إطار عملية تأريخ ، ولكن فى إطار نظرة تحليلية لاتغفل البعد الغيبى الذى يجعل النتائج تفوق الخيال من حيث سرعة التحقيق ومن حيث النجاح المهول فى تصفية دولة عظمى وكأنك تصفى دولة كرتونية !!

وليست دولة طالما احتلت الشام ومصر والأناضول ووصلت قواتها حتى مدن اليونان !! بالاضافة لتمددها فى عمق آسيا ، أى أنها تمكنت فى أوقات من السيطرة على المستطيل القرآنى ( الشرق الاوسط – مركز العالم ) ولم يكن ذلك بعيدا ، فآخر المعارك فى فلسطين هزم فيها الفرس الروم كما ورد فى القرآن الكريم فى سورة الروم فى المرحلة المكية .

كان الفرس سندا للمرتدين فى شرق الجزيرة وظلوا سندا لأى تمرد على الدولة الاسلامية ، فكان تأديبها واجبا وهى إشارة مهمة للرد على الكلام السطحى عن انتشار الاسلام بالسيف ، فقد كان الهجوم على الامبراطورية الفارسية واجبا لحماية الدولة الاسلامبة   ( الهجوم خير وسيلة للدفاع ) كذلك فإن أمثال هؤلاء ماكانوا ليسمحوا للدعاة الاسلاميين السلميين بالتحرك فى بلاد فارس لنشر الدعوة .

بعد الانتصار فى الشام أصبح من الممكن إعادة يعض القوات إلى جبهة العراق وفارس . فى المرحلة الاولى تمكن خالد بن الوليد من السيطرة على  العراق ولكن دون التقدم إلى أراضى فارس ذاتها . فى المرحلة الثانية  بدأت سلسلة من المعارك ب : النمارق ، بين الحيرة والقادسية وهزم الفرس وفروا إلى المدائن . معركة الجسر وهزم فيها الفرس وفروا إلى المدائن أيضا رغم استخدامهم الأفيال . معركة البويب ( قرب النجف ) وهزم الفرس  وقتل قائدهم مهران .

فى معركة القادسية أراد الفرس أن تكون معركة فاصلة بجيش قوامه 120 ألف مع وجود عدد مماثل ( 120 ألف ) كمدد واحتياطى ، مع التوسع فى استخدام الأفيال ، ولكن هزم الفرس شر هزيمة وبعدها تم فتح المدائن ذات القصر الأبيض وبه إيوان كسرى ثم بدأ التوغل بعد ذلك فى أراضى فارس فى 16 هجرية . لاحظ قصر المسافة الزمنية

: وفاة الرسول كانت فى العام العاشر هجرية . وكانت معركة نهاوند المسلمون 30 ألف والفرس 150 ألف أى 1: 5 لصالح الفرس وانتصر المسلمون كالعادة .

وأدرك عمر بن الخطاب ان استمرار الزحف فى أراضى فارس لاعلاقة له بزيادة عدد المقاتلين المسلمين فأمر سبعة أمراء بالتوغل فى أعماق فارس بغض النظر عن عدد الجيش المنطلق وبغض النطر عن عتاده وبغض النظر عن القوة التى يمكن أن يلاقيها وعددها ، إذ أن المسلمين لم يكونوا يقاتلوا بعدد أو بقوة تجهيزات وإنما بقوة الايمان الذى يحملونه بين جوانحهم .وبتوالى سريع تم فتح همدان ثم الرى ( طهران اليوم ) وقومس وصالح أهل جرجان وطبرستان المسلمين ثم تم فتح بعض بلاد أذربيجان ، كذلك منطقة باب الأبواب على سواحل بحر قزوين . وتم فتح خراسان وهيرات عنوة ثم مرو الشاهجان وهى مناطق من أفغانستان الحالية . وتم دخول بلخ فى إطار مطاردة يزدجرد الهارب كذلك نيسابور وسرخس وطخارستان وتم استكمال فتح خراسان وهنا أمرهم عمر بن الخطاب _- الذى كان حريصا دوما – بالتوقف . ولكن من زاوية أخرى وعبر مياه الخليج العربى تم فتح جور وشيراز واصطخر . كذلك تم فتح ا

قليم سجستان وكرمان ومكران . وكل ذلك فى عهد عمر الذى توفاه الله فى 23 هجرية .نحن نتحدث عن انجازات حدثت على هذه الجبهة فى حوالى 7 أو 8 سنوات .

الفتح فى اتجاه الغرب ( مصر )

كل هذه المعلرك والجبهات لاتنتظر بعضها بعضا فبمجرد انتهاء فتح الشام طلب عمرو بن العاص من عمر بن الخطاب فتح مصر بقوات لاتزيد عن 4 آلاف ، بينما فى مصر مركزأساسى للامبراطورية ، فتم فتحها دون عناء كبير بعد حصار لحصن بابليون . وبعد وصول بعض التعزيزات ( 3 آلاف ) واصل عمرو بن العاص حتى برقة وصالح أهلها ثم طرابلس ثم صبراته ثم شروس وهنا أوقفه عمر بن الخطاب .

وفى إطار أننا لا نؤرخ للأحداث وقد مررنا على هذه التطورات فى بداية الدراسة ، نكتفى بهذه اللقطة التى تقول لماذا اكتسح المسلمون بكل هذه السهولة امبراطوريات الشرق والغرب فى سنوات معدودات ، بل وكيف تحولت أمامهم إلى مجرد هشيم تذروه الرياح . إن جمع الحوارات أو المفاوضات التى جرت بين قادة المسلمين وقادة الفرس والرومان ووضعها فى كراسة واحدة سيكون عملا جليلا ‘ فهذه الحوارات – المفاوضات تكشف مباشرة ( على طريقة الأفلام الوثائقية فى عصرنا ) سر هذا الاكتساح المبين للفتح الاسلامى  . لقد كان قادة الفرس والرومان الغارقون فى المادية المفرطة عاجزين عن إدراك دوافع هؤلاء العرب المندفعين إلى الشرق والغرب حاملين رسالة سماوية بينما لايطمعون حقا فى شىء من حطام الدنيا . ولضيق المجال انتقيت حوارا واحدا بين عبادة بن الصامت الصحابى الأنصارى الخزرجى الذى حضر بيعة العقبة ، مع المقوقس حاكم مصر ..قال عبادة بن الصامت له بينما كان الآخر مشدوها ولم يرد ويسمع وهو فارغ فاه ( أنا قد وليت وأدبر شبابى وإنى مع ذلك بحمد الله ما أهاب مائة رجل من عدوى لو استقبلونى جميعا ، وكذلك أصحابى وذلك أنما رغبتنا وهمتنا الجهاد فى الله واتباع رضوانه وليس غزونا عدونا ممن حارب الله لرغبة فى دنيا ولا طلب للاستكثار منها ، إلا أن الله عز وجل قد أحل لنا ما غنمنا . وما يبالى أحدنا إن كان له قنطار من ذهب أم كان لا يملك إلا درهما لأن غاية أحدنا فى الدنيا أكلة يأكلها يسد بها جوعته لليله ونهاره ، وشملة يلتحف بها ، فإن كان أحدنا لايملك إلا ذلك كفاه وإن كان له قنطار من ذهب أنفقه فى طاعة الله واقتصر على هذا الذى بيده ، لأن نعيم الدنيا ليس بنعيم ورخاءها ليس برخاء . إنما النعيم والرخاء فى الآخرة وبذلك أمرنا الله وأمرنا به نبينا وعهد إلينا ألا تكون همة أحدنا من الدنيا إلا مايمسك جوعته ويستر عورته وتكون همته وشغله فى رضوانه وجهاد عدوه ) – المقريزى

اللهم ارحمن وارجعنا إلى هذا المستوى من الايمان فاذا نحن رجعنا لن ننكسر أمام ذئاب الأرض ، ولن ننحنى طالبين للمعونة والقروض لنينى بها اقتصاد المسلمين ! هل تتصورون لقد أصبح الجميع يتحدث هكذا عن شرعية القروض من صندوق النقد والغرب وكل بنوك أمريكا . أى اننا سنحل مشكلات مجتمعنا المسلم بقروض ومنح الكفار وسنبنى اقتصادنا بقروضهم واستثماراتهم، فى حين ينهانا القرآن الكريم عن مجرد إلقاء المودة إليهم !! ( ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق ) الممتحنة -1

كيف تحصلون على الأموال من يد نفس الأطراف التى قتلت وتقتل ملايين المسلمين ومنذ 3 عقود على الأقل ولايزالون مستمرين فى العراق وأفغانستان وباكستان وليبيا والصومال واليمن وسوريا . هم لايزالون يقتلون ونحن لانزال نقترض منهم . وهم ليسوا محض كفار لأنه يمكننا التعاون مع الكفار غير المحاربين فى بعض المجالات كالتجارة والاستثمار . ولكن هذا الصنف المحارب فقد حرم الله علينا حتى مجرد مصافحته وكما ورد فى الحديث ( لاتتراءى نارهما ).

لن نقدم التقدير النهائى الاستراتيجى لحالة المستطيل القرآنى /الشرق الأوسط ، وعهد الاسلام الأول حتى نستكمل الخطوط العريضة للانتشار الضوئى للانفجار الكونى شرقا حتى حدود الصين وغربا حتى أطراف باريس .

ماذا حدث فى عهد سيدنا عثمان بن عفان ؟

فى الجبهة الغربية تقدم المسلمون إلى مابعد طرابلس وحتى إلى منطقة قريبة من القيروان الحالية فى افريقية ( تونس ) ولكن دون عملية ضم بل صلح مقابل جزية . وفى الجبهة الشرقية استرد المسلمون أذرييجان وأرمينيا على أساس المصالحة .وفتوحات جديدة فى بلاد السند وكابل وفرغانه . ولكن كان الأساس استرداد بلاد عديدة فى الشرق والغرب انتفضت بعد وفاة عمر بن الخطاب بتصور أن دولة الاسلام قد ضعفت فتم فى عهد عثمان استعادة كل البلاد التى انتفضت وكانت العلاقات معها على أساس الصلح والجزية .

خلال العهد الأموى حدث تقدم واستقرار فى المغرب الأقصى :

81 هجرية السيطرة على فاس فى عهد عبد الملك بن مروان

89 احتلال صقلية وميورقة                                                             

92 طارق بن زياد يعبر إلى الأندلس ب 12 ألف جندى ! ويسيطر على معظم البلاد .

93 لحقه موسى بن نصير بعدد مماثل وأنهوا احتلال 90 % من الأندلس .

93 التوسع فى السند ( شمال الهند أو باكستان الحالية ) ودخول مدينة تسمى الآن كراتشى وهى من أهم مدن باكستان .

100 توسع اسلامى فى عهد عمر بن عبد العزيز فى مساحات واسعة فى فرنسا .

103 وصل المسلمون إلى حوض الرون فى فرنسا واستولوا على مدينة ليون وهى من أهم مدن فرنسا الآن .

114 هزيمة المسلمين فى فرنسا فى بواتييه وكان هناك نهاية المد غربا .

!ذا خلال القرن الهجرى الأول امتد قوس الدولة العربية الاسلامية من حدود فرنسا حتى حدود الصين فى سنكيانج أو تركستان الشرقية فى أقصى غرب الصين . ولاتوجد دولة فى التاريخ توسعت بهذا المعدل ثم استقرت 884 عاما ثم انتقل مقر الحكم إلى اسطنبول مع استمرار وجود المستطيل القرآنى داخل الدولة الاسلامية وذلك لمدة أربعة قرون ونصف قرن أخرى والمجموع 13 قرنا . وقد تحدثنا من قبل عن خطأ حكم الدولة الاسلامية من خارج المستطيل القرآنى . ولكننا نركز الآن على مرحلة حكم المستطيل القرآنى لنفسه وللعالم لأول مرة فى التاريخ وعلى مدى 9 قرون متوالية تقريبا مع بعض الانقطاعات .

لقد ذكرنا ان القانون الذى يحكم المستطيل القرآنى / الشرق الاوسط / مركز العالم أن من يسيطر عليه يسيطر على العالم ‘ واذا لم يتمكن أهل الشرق الاوسط من حكمه تأتى القوة العظمى الأولى فى العالم لتحتله لأن ادارة العالم لاتكتمل الا بالسيطرة على مركز العالم  . وهنا يقال عادة من المتخاذلين – خاصة فى عهد كامب ديفيد – اذا أهل الشرق الاوسط لاقبل لهم ولاطاقة بالقوى العظمى فلنترك لهم الحبل على الغارب حتى نعيش فى أمان وهذه رؤية العبيد ، كرؤية الداعية الشهير الذى نصح الرجل بالهروب وترك إمرأته تتعرض للاغتصاب !! ونقول للعبيد الذين ولدوا وترعرعوا فى أسواق النخاسة ان الدول العظمى لم تولد عظمى والدول الصغرى لم تولد صغرى ، فهذه الأوزان نتاج دفع الناس بعضهم بعضا ، نتاج الصراعات ومجاهدات البشر ضد بعضهم بعضا من أجل الفوز والنجاح والتطلع إلى الأمام ، وهى نتاج أكبر عمليات التاريخ الاقتصادى والاجتماعى والسياسى والعسكرى فى التنافس بين الامم ، والمحصلة النهائية لها . فأمريكا لم تكن الا 13 ولاية فى شرق أمريكا تحت الاستعمار البريطانى وروسيا لم تكن الا ولايات تحت السيطرة المغولية ، والهند العظيمة  

الآن لم تكن منذ القرن التاسع عشر الا مستعمرة بريطانية مهيضة الجناح . والصين التى تنافس الآن على ريادة العالم لم تكن إلا سوقا لأفيون انجلترا واليهود وهكذا دواليك. .

نحن سكان الشرق الأوسط الآن عرب ومسلمين  من ابسط حقوقنا أن نحكم أنفسنا بأنفسنا وفقا لآرائنا ومعتقداتنا ، ومن المفترض أن نكون جاهزين للدفاع عن هذا الحق مهما كلفنا . ما الانسان الا الكرامة ، فإذا فقدها فقد الحياة نفسها . فلم يعد من حقه أن يخشى على نفسه من أى شىء حتى من الموت ، لأنه مات فعلاحين فقد كرامته ( ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) الاسراء 70

الله سبحانه وتعالى هو الذى استخلفنا فى الأرض وكرمنا فلن نسمح لأى مخلوق أن يسلبنا جوهرنا الذى أعطانا الله . السؤال البسيط والأبسط من البساطة : هل نحن مسلمون ؟ هل لا نزال متمسكين بالاسلام ؟ اذا لابد من إقامة دولة بمرجعية اسلامية ، وهذا سيجن جنون الدول العظمى الغربية . ليضربوا رؤوسهم فى الحائط . نحن لن نخالف أمر الله حتى نرضيهم.

تقول تجربة 9 قرون أن أهل المستطيل بقوة الاسلام أقاموا دولتهم المستقلة بل وحكموا العالم القديم بأسره ، وهذه الحقبة كانت هى فترات الرخاء والاستمتاع بملذات الحياة . فالذين يشيعون الخوف والجبن يقرنون بين الجهاد والشقاء والفقر ( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم ) البقرة 268

والعكس هو الصحيح ، فان بناء دولة قوية مرهوبة الجانب يخيف الأعداء ويجعلهم يفكرون ألف مرة قبل مهاجمتها . وفى نفس الوقت فان الاستقلال والتمدد والغنائم تزيد من الثروات مما ينعكس على رفاهية المواطن ، وهذه سنة الحياة . فالانجليز عاشوا أحلى أيام الرفاهية وهم يسيطرون على العالم ، وكذلك الأمريكان الآن وإن كان الأغنياء يستأثرون ب 99% من الثروات ولكن مايتبقى يجعل المواطنين أفضل من باقى مواطنى الدول المستعبدة .

تجربة 9 قرون تقول إنه بإمكان سكان المستطيل أن يحكموا أنفسهم ، و يحكموا العالم من حولهم بنشر قيم العدالة والاخاء والتراحم والتكافل ، وليس بوسائل الضم والاحتلال . كما أن العرب والمسلمين لايحتاجون إلى حروب فيما بينهم ، فحينما تظهر دولة عربية قوية تتجه إليها باقى الدول على الأقل للتنسيق والتعاون . بل يتعين الانتباه لعدم استخدام القوة كقاعدة أساسية لتحقيق الوحدة العربية والاسلامية لأنها ستتحقق بقوة الجماهير المقتنعة وبقوة نجاح التجربة الرائدة . نحن لانريد أن نحكم العالم و العالم المحيط بنا مباشرة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا يغلب عليه التكوين الاسلامى والعربى حتى دول الصحراء الكبرى . وهكذا فان لدينا عقودا وعقودا عندما تبدأ نهضتنا حتى يفكر أحد فى التوسع فى بلاد غير اسلامية ، ومع ذلك فإن ذلك سيظل مستبعدا طالما تسمح هذه البلاد بالدعوة الاسلامية  ، كدول أوروبا  ، ولاتقوم بعمليات اضطهاد غير عادية للمسلمين كما فعل الصرب وكما يحدث الآن  فى ميانمار.

فى العصر الاسلامى كانت المرة الأولى منذ فجر التاريخ أن يحكم أبناء الشرق الأوسط كل منطقتهم ثم يتمددوا ويحكموا العالم القديم بنشر الاسلام بالأسلوب المعتاد : التخيير بين الاسلام أو الحرب أو الجزية والصلح . ولكن لقد كانت هذه  هى المرة الثانية أما المرة الأولى فكانت فى عهد النهضة المصرية القديمة مع عدة فروق جوهرية :

فلم يحكم أهل الشرق الأوسط بلادهم جميعا بصورة موحدة ولكن تم ذلك فى أجزاء منها . وكان النموذج الأكمل هو النموذج المصرى الذى تمدد جنوبا فى السودان حتى الشلال الرابع وغربا فى اقليم برقة ( ليبيا ) وشمال شرق  حتى حدود آسيا الصغرى أى بضم كل الشام تقريبا والوصول شرقا إلى حدود نهر الفرات دون تجاوزه . كذلك أقام النظام  المصرى علاقة تكاملية رائعة مع الحضارة الفنيقية بما سمح له بمد نفوذه البحرى والتجارى إلى مساحات كبيرة من البحر المتوسط . وأيضا بالنفوذ السياسى والتجارى أقيمت علاقات مستقرة مع بلاد بونت ( الصومال ) . وبالمناسبة على المصريين أن يعلموا أن أصلهم ” صومالى ” فمصر منذ عصور ماقبل التاريخ  مكونة من الجنس الحامى الافريقى الأصل والقادمون من افريقيا الشرقية ( الصوماليين ) وهم يمثلون أقدم مدنية معروفة فى وادى النيل ، بالاضافة للاختلاط بالعنصر الآسيوى فيما بعد. ( مختصر موسوعة د. سليم حسن – الجزء الأول- اعداد عريان لبيب حنا – الهيئة المصرية العامة للكتاب 2007 ) وهذا مايؤكده د. جمال حمدان وغيره من العلماء . ولكن نريد أن نوضح ان الحدود الحالية لم تكن موجودة فى التاريخ بهذا الشكل وان المقصود بالصومال عموم منطقة القرن الافريقى والتى كانت بوتقة لانصهار العنصر العربى القادم من جزيرة العرب مع العنصر الافريقى الصميم . ونعود لموضوعنا .

ويبدو أن ذلك التعاون التجارى مع بونت حدث بالتوازى مع اليمن لأن البلدين بهما سلع مهمة لمصر كالبخور والعطور واللبان وهى مهمة للمعابد ولا تزرع الا فى اليمن وسواحل شرق افريقيا . باختصار تمددت مصر لمعظم العالم القديم حتى لقد استوردت اللازورد من أفغانستان !. ولكن الدولة المصرية كأقوى دولة فى الشرق الأوسط لم تر ضرورة احتلال وضم العراق بل هى تعاملت مع الشام بمنتهى المرونة وبروح دفاعية ولم تتمسك دوما بكل مواقعها . كان الأهم هو العلاقات الاقتصادية والتجارية والثقافية . وطبعا لم تفكر مصر ولا أى دولة فى احتلال قلب الجزيرة العربية ( الصحراء القاحلة ) . بالنسبة للآشوريين فقد احتلوا الشام ثم مصر أى أغلب الشرق الأوسط . ولكن الآشوريين كانوا عدوانيين على خلاف باقى التجمعات العراقية ، وقد ظهر فى دراسات التاريخ أن أصولهم جبلية فى شمال العراق ( جبال الأكراد حاليا ) وأن سيطرتهم على العراق جرت فى إطار صراع الجبل والسهل وهو صراع مواز لصراع الرعاة والزراع أو الرمل والطين ، ولذلك فإن أهل الجبل يتميزون بصفات وأخلاق الرعاة ولعل هذا ما يفسر احتلالهم للشام ومصر بينما مصر لم تعتد أبدا على بلاد الرافدين .

أما الهجوم من الخارج فان الغزو الفارسى للشام ومصر لم يترك بصمات حضارية ، بل سعى الفرس فى مصر للتقرب من المصريين بالاقتراب من عباداتهم ، وهناك رواية تؤكد أن فناء جيش قمبيز عن بكرة أبيه فى الصحراء الغربية كان وهو يقوم بمحاولة لزيارة معبد آمون فى سيوه!

الحيثيون والمديون وغيرهم من أهل آسيا الصغرى كانوا أيضا من الرعاة ولم يتمكنوا سوى من احتلال أجزاء من شمال الشام ، والفضل للجيش المصرى الذى كان يصدهم حتى عقد معاهدة سلام مع الحيثيين . فى ذلك الزمن لم يحكم الشرق الاوسط دولة واحدة بصورة مستقرة ولكن دول الشرق الاوسط حكمت نفسها فى معظم الأحيان . ولكن الاستعمار اليونانى ثم الرومانى هو الذى وحد السيطرة على الشرق الاوسط لفترة طويلة

مع استمرار الصراعات والمواجهات مع الفرس . حتى جاء الاسلام ليحرر المنطقة من هذا العدوان الخارجى الجاثم على صدرها . مصر كانت هى الدولة الوحيدة المؤهلة للتمدد فى العالم فى إطار امبراطورية ناجحة ، ولكن الثقافة المصرية لم تكن تميل لذلك ، ربما لغنى مصر وتوفر كل شىء فيها بما يجعل المصريين لديهم إحساس بالاستغناء والاكتفاء ، فيما عدا بعض السلع والبضائع غير المتوفرة التى يمكن الحصول عليها عبر التجارة بدون حروب ووجع قلب !!

فى العصر الاسلامى كانت التجربة الأولى والتى ستتكرر إن شاء الله ، حيث قام المستطيل القرآنى بحكم نفسه والعالم المحيط به ثم العالم القديم بأسره .ولكن جاء ذلك فى إطار تبنى رسالة الاسلام والالتزام بنشرها شرقا وغربا وليس بهدف التوسع فقد كان المسلمون يتركون كثيرا من الحكام سواء دخلوا الاسلام أم دفعوا الجزية فى مواقعهم كما هم فكان ضم كثير من البلاد صلحا لاحربا . وقد ظن البعض أو الكثير منهم ان هذا من باب ضعف المسلمين ولذلك كانوا ينتقضون عليهم المرة تلو المرة فتتم إعادتهم بالقوة . وقد حدث هذا كثيرا فى وسط أسيا ، بأكثر مما حدث فى شمال افريقيا .ولكن حسن تعامل المسلمين أدى إلى تحول بلدان وسط آسيا خلال فترة قصيرة إلى معاقل للدولة الاسلامية وليس مجرد دول منضمة ! بل لقد سبقت بلاد العرب فى المستطيل فى مجال الفقه والتفسير والحديث وكافة فروع العلوم الشرعية . سنجد أبرز العلماء منهم : النسفى – أبو داود ( السجستانى )- النسائى ( خراسان ) الترمزى ( ترمز ) ابن ماجة من قزوين الطبرى من طبرستان . ستجد أن كتب السنة الستة ( الحديث ) الأساسية كتبت على أيديهم عدا الموطأ للامام مالك وعلى رأسهم البخارى ومسلم . وكل هؤلاء كانوا فى القرن الثانى الهجرى ، وهذا دليل كاف على عمق الاستقرار الاسلامى فى هذه البلدان المفتوحة قريبا . ارتداد البربر فى شمال افريقيا كان أقل نسبيا ولكن ساعد على استمراره فى المرحلة الاولى وجود عسكرى كثيف للرومان على طول السواحل وفى بعض الأعماق . بعض الناس يتصورون أن الدولة البيزنطية  مختلفة عن الدولة الرومانية التى هزمت فى الشام ومصر والواقع إنها نفس الدولة ، فما الدولة البيزنطية الا الجناح الشرقى للامبراطورية الرومانية ولكن فى مرحلة تاريخية سقط الجناح الغربى بسبب الصراعات الاوروبية التى لاتنتهى وتحولت غرب أوروبا إلى مجموعة من الدول والدويلات . وبقيت الدولة البيزنطية تحكم من القسطنطينية أما روما فتحولت لمقر البابا , المهم ان الامبراطورية الرومانية لم تترك التقدم الاسلامى فى شمال افريقيا فقد قاومت حامياتها العسكرية وتعاونت من البربر فى كثير من المعارك المشتركة واستخدمت البحروالموانىْ خاصة قرطاجنة للامداد والتموين العسكرى من أوروبا وكانوا ينقضون على كل نقاط التقدم الاسلامى وهم لم يستسلموا حتى فى مصروأرسلوا عدة غزوات بحرية باءت بالفشل والحمد لله .

المهم ان هذه الآلاف المحدودة من المجاهدين كانت تشق طريقها فى مواجهة كل هذه التحديات فى أرض لم تعرفها ولم تخبرها ، وفى سياق جهادها أدركت أهمية إقامة مراكز اسلامية فى القيروان وغيرها لشرح الاسلام للبربر الذين كانوا يميلون بفطرتهم للعرب وللاسلام . أصبحت هناك يد تحارب ويد تنشر الدعوة فبدأت تحدث تحولات حقيقية للبربر وأصبحوا أكثر المقاتلين الذين فتحوا الأندلس ، واستقر الوضع فى تونس . وليبيا كانت متجاوبة منذ البداية فلم تجر فيها أى معارك حقيقية الا مع الرومان . كان أهل البلد يرحبون بالمسلمين . هل كان فى ليبيا موجات هجرة عربية سابقة ؟ أكيد ولكن بأى عدد وبأى نسبة ؟

المهم ظلت المشكلات بعد ذلك فى الجزائر والمغرب الاقصى ولكن مع العام التسعين الهجرى استقر كل شمال افريقيا فى حضن الاسلام وأصبح البحر المتوسط بحيرة عربية اسلامية . أى تحليلات مادية باردة يمكن أن تفسر ذلك بعيدا عن نور الاسلام المعجز ؟!.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: