كتبت هذه الدراسة فى النصف الأول لعام 2014هذه صفحات من كتا ب التبعية لأمريكا مرض العصروهذه الصفحات نشرت فى جريدة الشعب الالكترونية فى نفس العام
وقفة إيمانية .. ووصية سياسية
هذه الدراسة في الأصل عقائدية، وتظل عقائدية حتى وإن تطرقنا إلى تحليلات وتفصيلات سياسية عدة، فنحن بالأساس هنا أمام قضية سياسية وقد تاه الإسلاميون كثيرًا حين فصلوا بين النصوص والواقع في الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فلم يعد تناولهم للأمور السياسية منضبطًا بالشرع، بل أصبحوا يقولون: هذا أمر دين وشرع وهذا أمر سياسة وهي علمانية بالمقلوب، وجعلوا السياسة براجماتية ميكيافيللية متجاورة مع الدين، فأصبحوا مثل محترفي السياسة ، بل وأسوأ منهم لأنهم أقل دربة ومعرفة وخبرة بالسياسة، وأنا أوجه كلامي إلى قيادات الحركة الإسلامية وليس إلى قيادات الإخوان فحسب، فهم بعد الثورة أصابهم الغرور، ولم يدركوا أهمية إسهام حزب العمل / الاستقلال، باعتباره أكثر حزب إسلامي منغمسًا ودارسًا للسياسة، ولم يتواضع قادة الحركات الإسلامية حين تحقق ما كان يدعو إليه حزب العمل (الاستقلال) من ثورة سلمية، وكانوا يكررون استحالة أن يثور هذا الشعب، وسنأتي لتفصيل هذه الأقوال، ظن قادة الحركة الإسلامية أن السياسة ليست كيمياء، وهم يفهمون فيها، كما يفهم كل أبناء الشعب المصري بعد قيام الثورة، وحيث أصبح كل مواطن يظن أنه استراتيجي، وقد غذى الإعلام المتآمر هذه المعاني لإفساد الثورة، فإذا كان أي مواطن خبير في السياسة فمن باب أولى أن قادة الحركة الإسلامية يفهمون أكثر، وإذا كان الإخوان قد خبروا السياسة فقد خبروها بهذا المعنى السيئ ( البراجماتية) العملية غير المنضبطة بالشرع (وسنأتي لتفصيل ذلك)، لم يتواضعوا لله، وكانت كل الاجتماعات الإسلامية التنسيقية قبل تولي مرسي وبعد تولي مرسي تستبعد حزب العمل / الاستقلال، ولا أقول إن حزب العمل / الاستقلال هو الذي يمتلك الحقيقة السياسية ولا نخطئ أبدًا، ولكن كان هو المكون الناقص في هذه التشكيلة الإسلامية، وهو المكون الأخبر بالسياسة، المرتبطة بالشرع، ذلك أن عملية إنزال النص على الواقع، في الأمور السياسية تستدعي علما متخصصًا في الواقع السياسي لا يمكن استقاؤه من القنوات الفضائية ونشرات الأخبار، تستدعي تدريبًا طويلًا في عملية فهم الواقعة السياسية وربطها بالمبادئ الإسلامية، وهو أمر أبعد ما يكون عن الذكاء الشخصي الذي يتمتع به جميع القادة، وليت الإسلاميين اجتمعوا على شيء واحد (بعد استبعاد حزب العمل/الاستقلال) بل هم أنفسهم أصبحوا كل حزب بما لديهم فرحون، ونحن لسنا معجبين بأنفسنا (والعياذ بالله)، فحتى هذه الدراسة فيها نقد ذاتي في بعض الأمور كانخداعنا بقصة الجناح الوطني في حكم مبارك وقد تناولت ذلك، ولكننا نصف الواقع بأننا أكثر فصائل الإسلاميين علمًا بالسياسة المنضبطة بالشرع، والقرآن قال (فاسأل به خبيرًا) الفرقان 59. ومع ذلك فالقضية الأساسية المطروحة هي أبسط من ذلك، فنحن أمام قضية إيمانية صرف، قضية تقوى والتزام بالمبادئ الكبرى، بمعنى أنها لا تحتاج لاجتهاد فقهي غير عادي، بل يصل إليها المؤمن بالفطرة السليمة. لذلك أردت أن أتوقف هنيهة لأصرخ في البرية.. (يا مسلمون أجيبوا داعي الله) قبل أن أواصل الغرق في المزيد من الوقائع والتفصيلات السياسية، والتحليلات وحتى لا يظن البعض أننا أمام أمور سياسية مما يختلف فيه، وسأواصل سرد وتحليلات وقائع العلاقات المريضة بين أمريكا ومصر ولن أمل، حتى أموت، من مخاطبة العقول. ولكن أيضًا لن أمل بإذن الله من مخاطبة وجدان المؤمنين، وحديثي للمواطن المسلم المصري والعربي وكل من يعرف العربية، وحديثي لقواعد الحركات الإسلامية، ولا استثني المواطن المسيحي الوطني، لأن الإسلام لا يتعارض مع الواقع في أي موضوع (من وجهة نظري) وبالتالي فإن كل ما أقوله يمس شغاف المصري الذي يحب بلاده ويحب استقلالها كما قدم المسيحيون شهداء , للحفاظ على استقلال مصر واستقلال عقيدتهم في عهد الرومان، أيها المسلمون عندما يقول الله عز وجل (لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ) آل عمران 28 هل يختلف اثنان على معنى هذه الآية والآيات المماثلة لها، وأنا أتحدى بمناظرة علنية حول قضية الموالاة مع أي من قادة التنظيمات الإسلامية، حتى لا يقال في الغرف المظلمة إن هذا الشخص لا يفهم في الإسلام وليس شيخًا، مع ملاحظة أن معظم قادة الحركات الإسلامية ليسوا شيوخًا بالمعنى التقليدي، ولو كان عندنا شيخًا بمعنى الإمام الشامل لما كان هذا هو حالنا البائس، ومع ذلك سأعود لشيخ لا يختلف الإسلاميون على ثقافته الإسلامية ولا على اعتداله (باعتبار أنني متهم دومًا بالتطرف) فحول هذه الآية يقول الشيخ متولي الشعراوي في تفسيره }يقول الحق “لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين” لماذا؟ لأن الكافرين وإن تظاهروا أنهم أولياء لك أيها المؤمن (كلينتون وكيري وماكين وأشتون. هذه من عندي طبعًا!!) فهم يحاولون أن يجعلوك تستنيم لهم، وتطمئن إليهم وربما تسللوا بلطف ودقة، فدخلوا عليك مدخل المودة (كاميرون دعا مسؤول الإخوان في لندن على مأدبة غذاء م . ح) وهم ليسوا صادقين في ذلك، لأنهم ما داموا كافرين، فليس هناك التقاء في الأصل بين الإيمان والكفر لذلك يقول الحق :”ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء”، ويضيف الشيخ الشعراوي: إن من يتخذ هؤلاء أولياء له، فليس له نصيب من نصرة الله (وهذا ما حدث في 30 يونيو) لماذا؟ لأنه اعتقد أن هؤلاء الكافرين قادرون على فعل شيء له، لذلك يحذرنا الله ويزيد المعنى وضوحًا أي: إياكم أن تغتروا بقوة الكافرين وتتخذوا منهم أولياء. (كتبت من قبل عن اتفاقات الإخوان مع أمريكا قبل الوصول للحكم وخلال وجودهم في الحكم وسنقدم المزيد في هذه الدراسة إن شاء الله . م . ح)، ويواصل الشيخ وكأنه يحدثنا عن واقعنا الآن وهذا كلام موجه للإسلاميين والعسكريين وكل مسلم فيقول: ولا تقل أيها المؤمن: “ماذا أفعل”؟ لأن الله لا يريد منك إلا أن تبذل ما تستطيع من جهد ولذلك قال سبحانه:” وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ” الأنفال 60 (ويعلم الله أنني استعنت بهذه الآية كما أسلفت في الفصل السابق قبل أن أطلع على تفسير الشعراوي وأنا أرى أن هذه من علامات الرضا والتوفيق) ويواصل الشعراوي: إن الحق لم يقل: “أعدوا لهم ما تغلبونهم به” ولكنه قال “أعدوا لهم ما استطعتم”، إن على المؤمن أن يعمل ما في استطاعته وأن يدع الباقي لله، ولذلك فهناك قضية قد يقف فيها العقل، ولكن الله يطمئننا، أي: لا تخافوا ولا تظنوا أن أعدادهم الكبيرة قادرة على أن تهزمكم، ولا تسأل: ماذا أفعل يا الله؟ لقد علمنا الحق ألا نقول ذلك، وعلمنا ما يحمينا من هذا الموقف لذلك قال: “سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ” الأنفال – 12. إذن فساعة يلقي الله في قلوب الذين كفروا الرعب فماذا يصنعون مهما كان عددهم أو عدتهم؟ أليس في ذلك نهاية للمسألة؟ إن الرعب هو جندي ضمن جنود الله ولذلك فعلى المؤمن ألا يوالي الكافرين من دون المؤمنين لماذا؟ حتى لا ينطبق عليه قول الحق: “ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء”) (انتهى الاقتباس من الشيخ الشعراوي وما بين الأقواس هي تعليقاتي . م. ح) .
وقالوا سمعنا وأطعنا
من أهم مبادئ العقيدة بل هو المبدأ الأول بعد الإيمان، الطاعة، إذا آمنت بالله، وآمنت برسوله، وآمنت بأن هذا الكتاب من عند الله فعلًا ويقينًا، فليس أمامك سوى الطاعة (وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) ولا يعني هذا أن المؤمن لا يخطئ أو لا يعصى ولكنه إذا أصر لمدة 40 سنة على إنكار أو عدم الالتزام بركن من أركان الدين فماذا يكون موقفه؟ الجهاد (بمعنى الاستعداد للجهاد المسلح) تم إلغاؤه بقرار جمهوري من حسني مبارك ولم ينتفض أحد لدينه في هذه النقطة تحديدًا، بل في المقابل أصبحت العلاقة مع أمريكا من الثوابت ومن يقول بغير ذلك مجنون أو ملتاث أو مختل أو متطرف أو لا يفهم الأولويات، ونقول إن الله سبحانه وتعالى إذا وضع أولوية معينة ما كان لنا أن نغيرها، أشرت من قبل إلى حوار مع أحد السلفيين حول محورية قضية الخلاص من التبعية لأمريكا وورد في حديثي ما ورد في القرآن الكريم (فلا تخشوهم واخشون) فقال لي: إن الله لا يقصد أمريكا بهذا الكلام!! وقلت في سري: هل نزل عليه جبريل وأوضح له ذلك؟! والحقيقة إن أمريكا مذكورة بالنص والاسم في القرآن الكريم عدة مرات!! لا تصعق أيها القارئ.. ألم تقرأ (وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) البقرة 120 مع الأسف كان الإسلاميون عندما يقرأون هذه الآية يتجه ذهنهم فورًا إلى د. جرجس صاحب الصيدلية المجاورة فيقررون مقاطعته والذهاب إلى صيدلية مسلم حتى وإن كانت أبعد جغرافيًّا!! وقد شرحت في موطن آخر (أمريكا طاغوت العصر– أحكام القرآن في الموالاة) الفرق بين النصراني الوطني– أي الذمي– أي المواطن في الدولة الإسلامية، والنصراني المحارب، والقرآن الكريم وإن صحح عقيدتنا فيما يتعلق بطبيعة المسيح، إلا أن تركيزه الأساسي على المحاربين لله ورسوله، ولا يختلف اثنان أن مركز العداء للإسلام يقوده نصارى ويهود أمريكا ثم اليهود الإسرائيليون ومن والهم من يهود العالم وهم الأكثرية، بل أنهم في أمريكا يستخدمون بصورة متواترة مصطلح الحضارة اليهودية – المسيحية وكأنهم يريدون ضبط حكم الآية الكريمة !! بل الحقيقة فإن هذا التحالف اليهودي المسيحي الذي يحكم أمريكا من آيات إعجاز القرآن في المجال السياسي، والمسألة أوضح من وضوح الشمس: من يقتل المسلمين أكثر من أمريكا وإسرائيل، من يضع جيوشه وقواعده العسكرية وأساطيله البحرية في أوطان المسلمين أكثر من أمريكا، من يسطو على ثروات المسلمين أكثر من أمريكا، من أكثر من يحارب تطبيق الشريعة، ويرفض استقلال أوطان المسلمين أكثر من أمريكا، من يفتت بلاد المسلمين ويزرع فيها الفتنة العرقية والطائفية والدينية والمذهبية واللغوية أكثر من أمريكا، ومن يعتقل ويعذب المسلمين أكثر من أمريكا وعملائها وتحت إشرافها، ثم من خرب مصر يا جهابذة الإسلام والوطنية، هل كان لدى مبارك فكر ونظرية أم أنه كان ينفذ التعليمات من المخابرات الأمريكية أو الصندوق الدولي أو البنك الدولي أو الاتحاد الأوروبي الذي يأتمر بأمر أمريكا، من كان وراء هدم الصناعة، والخصخصة وإلغاء الدعم، وشيوع الفقر وجعل إسرائيل أقوى من كل العرب، ومن منعنا من التكنولوجيا، من منعنا من التوسع في زراعة القمح والذرة، من جعل أسلحتنا خردة لا تصلح لأي مواجهة مع إسرائيل، من سرق علماءنا ومن قتل العلماء المصريين الأفذاذ الذين رفضوا خدمتهم، من لا يعرف هذه الحقائق؟ لماذا ترفضون الانصياع إذن لأوامر الله؟ ثم تتساءلون عن أسباب الهزائم؟ وعن عدم الاستجابة للدعاء؟ إن شرط الاستجابة للدعاء (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة 186 (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ، إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ) الأنفال 21-22 لقد وعد الله المؤمنين بالنصر في الدنيا قبل الآخرة، فعندما تهزمون من الخليج إلى المحيط لابد أن تراجعوا أنفسكم وتسألوا أنفسكم فيما أخطأتم أو ماذا نسيتم؟ ولماذا تخافون الإعلان عن ضرورة إلغاء معاهدة الذل والعار.. كامب ديفيد.. التي جعلت أمريكا وصية على مصر وإسرائيل الشقيق الأكبر، وإلغاء المعاهدة لا يعني إعلان الحرب على إسرائيل بل يمكن أن تستبدل بهدنة مفتوحة دون علاقات تطبيع أو نزع سلاح سيناء وإن كان يجب أن يكون واضحًا أننا لن نظل نخاف الحرب، عندما بدأتم تتمرسون في العمل السياسي تصورتم أن أهم شيء أن تدوروا على السفارات الغربية وأن تسافروا لأمريكا، ولم تفكروا في أن اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام تتعارضان مع نصوص القرآن والسنة، وقد كان هذا رأيكم أيها الإسلاميون عند توقيعها، أما الآن وقد أصبحتم “متمرسين” في السياسة فأنتم لا تأتون عليها بأي ذكر، وإذا ذكرت أكدتم أنكم تحترمون المعاهدات الدولية.. يا ويلتي .. لم يصدر أي تنظيم إسلامي بيانًا يدين قتل أمريكا للمسلمين بالطائرات بدون طيار في الصومال وليبيا واليمن وأفغانستان وباكستان، لم تخرج مظاهرة واحدة ضد الاعتداءات على المسجد الأقصى، وعندما أضع خبرًا عن ذلك في موقع الشعب أجد عليه أقل القراءات، ماذا دهاكم يا مسلمين؟! ليست المعركة ولم تكن يومًا مع مبارك ومن معه إلا كشخوص ورموز ولكن ومعأمريكا هي الحاكم الفاجر الحقيقي .
هل تشكون أن أمريكا على رأس النصارى المقصودين في القرآن الكريم كأعداء ومحاربين للإسلام؟ أشعر أنني أكرر نفسي، وأنني أعيد وأزيد ولكن هذا ما أملك وأنا أرى أن هذه قضية حياة أو موت وأن قومي يتجاهلون، أكثر من 3 سنوات من (الرغي) والكلام الفارغ في الفضائيات لم يتم التعرض عمدًا لقضية تبعيتنا لأمريكا سواء من الإعلاميين أو من الضيوف .
في عهد الرئيس بوش الصغير فإن أي اجتماع للإدارة يبدأه بوش بالصلاة، أما مساعدوه فيجب عليهم أن يفردوا ساعة من وقتهم لقراءة الإنجيل يوميًّا (الورد)، هذا ما يقوله فرام الصحفي المشهور الذي كان يكتب خطابات بوش، ولكن هذا يحدث أيضًا في عهد الرؤساء الديمقراطيين بمعدلات ووتائر متفاوتة، قراءة ربع من الإنجيل في افتتاحية جلسات الكونجرس مسألة مقرة، ومباركة رجل دين كبير من الكنيسة المعمدانية الجنوبية طقس أساسي في تنصيب أي رئيس جمهورية .
وأوباما يحرص على صلاة الجمعة (آسف صلاة الأحد!!) في الكنيسة المجاورة للبيت الأبيض، وأنا لست مستفزًا على الإطلاق من قراءة الإنجيل أو الصلاة بل أنا أعود للأناجيل مرارًا أثناء أبحاثي، ولكنني هنا مشغول بتذكير أنهم نصارى، والحقيقة فإنهم يقرأون التوراة أكثر من الإنجيل، وأن هذه القراءة يخرجون بها بأنهم في معركة مقدسة مع المسلمين مع ضرورة حشد اليهود في فلسطين وحمايتهم توطئة لعودة المسيح (وهذه ليست عقيدة الكنيسة المصرية) .
إذن لا توجد إمكانية لتأجيل مسألة الصراع مع أمريكا ليس في مسألة تحرير فلسطين وهي واجبة على المسلمين في كل جيل وكل عصر، بل أولًا لأنهم يحتلون مصر ويتواجدون في كل (خرم إبرة).. وبمناسبة وصول مجموعة من أجهزة الكمبيوتر لمبنى محافظة أو محكمة فإن من حق السفارة الأمريكية وهيئة المعونة أن تزورها، هم يديرون أهم صرح ثقافي الآن: مكتبة الإسكندرية، هم يستولون على دور العرض السينمائية حتى لا تعرض إلا أفلامًا أمريكيًّا، وكذلك في التليفزيون، هم يراجعون البرامج الثقافية والتعليمية والتشريعات (عندما يكون هناك برلمان) فكيف يمكن لمسلم مجاهد سليم العقيدة أن يؤجل مسألة إلغاء كامب ديفيد، وإنهاء علاقات التبعية مع الولايات المتحدة والتطبيع مع الدولة اليهودية.
لماذا توقفت عن تسلسل أفكار الدراسة هذه الوقفة ؟
أريد أن أقول لكم استفتوا قلوبكم، الموضوع لا يحتاج لكل وجع القلب هذا، ولكنني سأواصل رغم كل التعتيم على في الإعلام الخاص والعام والإسلامي ورغم إغلاق صحيفة “الشعب” الورقية، ورغم الإجراءات الوحشية التي اتخذت ضدنا لمجرد التفكير في تأسيس قناة فضائية وصلت إلى حد تشريد أحد الزملاء من البنك الذي كان يعمل فيه وتهديده بالسجن عبر القضايا، والاستيلاء على مبلغ زهيد من المال من المكتتبين وقد حدث هذا في عهد مرسي ، سما الراقصة يمكن أن يكون لها قناة وقنوات فهي تدعم الأمن القومي، ولكن أمثالنا فأكبر خطر على الأمن القومي، من المقررات الصادرة عن مؤتمرات اليهود: ضرورة إغلاق أي صحيفة تهاجم اليهود، ولهذا أغلقت صحيفة الشعب في 1981 و2000 و2011 و2013 وأثناء إغلاقها الطويل في عهد مبارك (2000-2011) كانت الأجهزة الأمنية ترفض الحوار حول هذا الموضوع وتوحي بأنه من جهة عليا ربما أكبر من مبارك، ومع ذلك فإن كلمة الحق من المفترض أنها تخترق الجدران والحصون والأسوار الحديدية، وهناك قسم كبير من الشعب وصله كلامنا بالتأكيد خاصة ونحن نكتب في هذا الخط منذ أكثر من 3 عقود وقراؤنا تجاوزوا الملايين بالتأكيد ومع ذلك فإنهم لم يتجمعوا حولنا تنظيميًّا لنخوض المعركة الكبرى الحقيقية لتحرير مصر. واهتم الجميع بتأسيس عشرات ومئات التنظيمات والأحزاب بعد ثورة 2011 رغم أن القرآن يرفض هذا التشرذم (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) آل عمران – 105
مرة أخرى.. لماذا توقفت عن سياق الدراسة وتسلسلها، لأنني تلقيت اليوم إنذارًا مبطنًا باحتمال الاعتقال لأنني موالٍ للإخوان أكثر مما ينبغي، وأهاجم العسكر أكثر مما ينبغي، وأنا أقول إنني ربما أكون أكثر الناس اختلافًا مع الإخوان المسلمين ولكني من وجهة نظر سياسية وفكرية إسلامية، أرفض الاتهامات غير الحقيقية للإخوان المسلمين، كأن يقال إنهم تكفيريون وهذا لم يحدث بل الإخوان يمكن اتهامهم بالتسيب في العقيدة خلال ممارساتهم السياسية، ولا يمكن اتهامهم بالقطبية لأنهم في معظمهم لم يقرأوا سيد قطب، .
المهم لقد شعرت بقرب دنو الأجل (السجن) وقد لا أستطيع أن أكمل الدراسة، فأتوقف لأقول لكل مسلم: الموضوع لا يستحق كل هذا العناء، فالحق أبلج والباطل لجلج، وأن المماراة بعدم مواجهة أمريكا وإسرائيل أشبه بالمطالبة بتجاهل وجود الإنجليز في مصر قبل 1952، علمًا بأن مصر كانت مستقلة ولها ملك وعلم ونشيد ومقعد في الأمم المتحدة ودستور ومجلس وزراء وبرلمان وجيش في عهد فاروق .
، إذا ظلت أمريكا تحكم مصر وتسلح جيشها بالمعونة المذلة وتحرس بقواتها حدود الكيان الصهيوني وتلزمنا بالتطبيع معه، وبتعليمات صندوق النقد الدولي، وبالسير في ركابها في كل معاركها ضد العرب والمسلمين .
أكتب هذه السطور بروح الوصية الأخيرة.. يحزنني على المستوى الشخصي ولا يسعدني أن أحضر اجتماعًا مع الإسلاميين (في إحدى المرات النادرة التي دعيت إليها) فيقول أحد قادة الأحزاب السلفية: إننا نحيي الأخ (مجدي) على موقفه من الولايات المتحدة، والحقيقة هو (شايل عننا) هذه القضية!! هذا لا يسعدني لأن هذا النوع من القضايا لا ينفع معه أن (يشيله) شخص واحد أو حزب واحد، ويسعدني أن الشيخ جمال عبد الهادي وهو من المشايخ المحترمة القليلة التي كانت ترى أنني أقول ما ينفع الأمة والبلاد في الأمور الاستراتيجية الكبرى، وأذكر أنه عندما قرأ كتابي (أحكام القرآن الكريم في موالاة الكفار والمشركين) كان معجبًا به للغاية واتصل بي تليفونيًّا ليهنئني عليه، وأهم ما قاله: إنك تطرح شيئًا جديدًا.. بأسلوب جديد، وقد سعدت بهذا الرأي لأنه يشير إلى مسألة الربط بين النصوص والوقائع السياسية المعاصرة، وهذا أهم دور أرى أنني أقوم به، سعدت ولكن حزنت أن أقلية من العلماء هي من تدرك ذلك، وكان د.جمال عبد الهادي (وأنا لا أعلم أين هو الآن؟ ) مذهولاً من أن الرئيس مرسي لا يجلس معي للتشاور، ويجلس مع شيوخ لا يفقهون شيئاً في العمل السياسي، وقد تفضل وزارني في بيتي لبحث هذا الأمر، وقال وكان معه أحد أصدقاء أو أعضاء الإخوان لابد من ترتيب لقاء فوري بينك وبين مرسي (وهذا لم يحدث طبعًا) كذلك تلقيت رسائل كثيرة بهذا المعنى من شباب إسلامي من مختلف الفصائل، على الفيس بوك والإيميل ولكنني لم أكن مندهشًا من موقفه ومن موقف الإخوان فهم لهم خط آخر وسأوضح ذلك في الفصول القادمة إذا أراد الله سبحانه وتعالى، في الأيام الأخيرة لمبارك كنت أضحك لمن يزورني في السجن من أسرتي وأقول لم يعد هناك ضد مبارك إلا حزب العمل + عبد الحليم قنديل (على طريقة 5+1) والآن أقول لم يعد هناك ضد أمريكا إلا حزب العمل/ الاستقلال + محمد سيف الدولة !!
هذه الوقفة أشبه بالذكريات الشخصية.. فأرجو المعذرة.. ولكن في النهاية أؤكد أنني (وهذا قرار شخصي لم أعلنه لأحد بعد وعندما تنشر هذه الدراسة سيكون لأول مرة) اتخذت قرارًا بعدم السعي لأي منصب تشريعي أو تنفيذي فيما تبقى لي من العمر، ومن أسباب ذلك أن أكون حرًا في طرح كل أفكاري بدون حسابات ضيقة، ولأسباب أخرى عديدة، وأن ما يهمني في المحل الأول والأخير ضبط حركة المجتمع المصري في الاتجاه الصحيح (بالفعل سحبت ترشيحي سريعًا من معركة الرئاسة عندما وجدت تهافت الإسلاميين على المنصب – ورفضت الترشح لمجلس الشعب – ورفضت التعيين في مجلس الشورى وكان قد صدر قرار من مرسي بذلك).
أقول للمصريين قبل سجني أو موتي إن مصر لا تصلح أن تكون في حالة وسط، أو تسير بجوار الحائط، بحكم موقعها لذلك فهي إما أن تكون في أعلى عليين أو أسفل سافلين، إما أن تقود المنطقة وتكون مؤثرة في السياسة العالمية، وإما أن تحتلها دولة عظمى لتوظفها في هذا لإطار الذي خلقت له ولكن لصالح الدولة العظمى، ومن المحزن أن يقال في الكونجرس الأمريكي دائمًا عند مناقشة المعونة العسكرية لمصر إن مصر مهمة جدًا كمعبر لقواتنا من قناة السويس أو من خلال الأجواء، فقد أصبحت مصر مجرد “منط” أو معبر، وطبعًا يستخدم اسمها المؤثر لتمرير السياسات الأمريكية في المنطقة: السلام- محاربة الإرهاب – أمن إسرائيل – تأمين خطوط البترول.. إلخ .
كنت أريد قبل موتي أن أرى مصر محررة، وتبدأ مشروعًا حقيقيًّا للنهضة المستقلة ولكن لقد وصلت كلمتي من أسوان إلى العريش ومن بحيرة البرلس إلى شلاتين. كنتُ أود أن أراها في أبهى حلة قبل أن أواري التراب، ولكنني لا أرى بعد ضوءًا في نهاية النفق، وهذه إرادة الله، ويقيني أن مصر ستعود سيرتها الأولى لأن الله حفظها وذكرها وحدها دون بلدان العالمين في القرآن .
كانت هذه رغبة شخصية دنيوية.. ولكن ما حيلتي، فحتى والدي أحمد حسين: من يذكره ومن يأخذ بأفكاره إلا حزب الاستقلال ، ولست أكثر حظًا منه، ولا أبكي على حطام الدنيا، ولكن أبكي على مشروع نهضة مصر الذي لا يبدأ، أرى في غمضات العين الأخيرة الشعب المصري أو أقسام كبيرة منه: تلتف حول البرادعي تارة وحول الصباحي تارة أخرى أو الاخوان، بعضهم انكشف وبعضهم لم ينكشف بعد، المهم هذه الدراسة سواء اكتملت أم لا.. هي وصيتي الأخيرة المتواضعة.. أرجو أن يتقبلها الله قبولًا حسنًا.