قدسية كامب ديفيد .وأكذوبة القانون الدولى

نشر هذا المقال فى 28 –8-2011وهو جزء من كتاب التبعية لأمريكا مرض العصر

أبتلينا منذ أكثر من 3 عقود بحكام وإعلام ومحللين استراتيجيين يعلمون الشعب من موقع الحكمة والعلم والخبرة المزعومة وبادعاء المسئولية الوطنية ومعرفة القانون الدولى أن معاهدة كامب ديفيد واتفاقية السلام من المقدسات التى لا يمكن أن تمس وإلا وقعت مصر فى مصيبة عظمى، وأصبحت الحرب مع إسرائيل حتمية، ونحن الجانب الضعيف المهزوم حتما فى هذه الحرب، وينبنى على ذلك أن إسرائيل مهما فعلت بنا فلابد أن ننحنى أمامها وألا نغضبها وإلا أصابتنا كل هذه الشرور وأهم من كل ذلك فإننا سنثير غضب الولايات المتحدة علينا وهى سيدة الكون، وأنها سوف تسحقنا سحقا.
كانت هذه هى النغمة السائدة فى عهد مبارك، وما يزال المجلس العسكرى وإعلامه الرسمى يتبنون نفس هذه السياسة المذلة وما يزال بعض الناس يتأثرون بهذا الكلام. والنتيجة أن نظل ندور فى ذات الحلقة المفرغة، ونظل خاضعين للحلف الصهيونى الأمريكى. والرد على هذه الترهات (كقول أحمد شفيق أن إلغاء كامب ديفيد جنون!) يحتاج لعدة مقالات بل يحتاج لحملات مضادة لسحق منطقها المتهافت الذى ضيع البلاد قبل ثورة 25 يناير ويريدون لنا أن نستمر فى هذا الضياع وأن يزهقوا أهم ما فى هذه الثورة من انجازات وهو استعادة العزة الوطنية.
ويمكننى أن أسرد تاريخ العالم بأسره من خلال زاوية واحدة وهى انتهاك المعاهدات الدولية، فالصراعات الإقليمية والدولية لم تقم إلا على أساس هذه الانتهاكات، فالطرف القوى يفرض معاهدة ما على الطرف الضعيف ويفسرها كما يحلو له وينفذها كما يحلو له، بل ويخرقها كما يحلو له. بينما يتعين على الطرف الضعيف أن يلتزم بذات المعاهدة وفقا لتصور وتفسير وتنفيذ الطرف القوى. ويقول حكام الطرف الضعيف للشعب أنهم يلتزمون ويحترمون المعاهدة لأنهم يقدسون القانون الدولى الذى لا يقدسه إلا الضعفاء. ولكن عندما يتولى الحكم فى الدولة الضعيفة المغلوبة على أمرها، حكام وطنيون، فإنهم يقلبون المعاهدة تدريجيا من خلال تغيير الوقائع على الأرض وتعديل موازين القوى أو بضربة سريعة قاضية من خلال الاستفادة بثورة شعبية محلية أو بتغيير فى الظروف الدولية والإقليمية تتيح ذلك. والأمثلة لا تعد ولا تحصى. فعندما تزايد المد الشعبى قبل 1952 أعلن حزب الوفد الذى كان قد وقع بنفسه معاهدة 1936 المذلة إلغاء هذه المعاهدة، رغم وجود قوات بريطانية على أرض مصر فى قاعدة القناة الضخمة. وأعقب ذلك تصاعد الكفاح المسلح الذى تطور فى النهاية إلى خروج الانجليز من مصر بعد 52. وحدث ذلك رغم أن مصر من الناحية المادية والاقتصادية لم تكن فى أحسن أحوالها. ولكن أبرز عناصر القوة هى تصاعد الشعور بالعزة والكرامة فى صفوف الشعب وإدراكه أن هذا هو مفتاح التقدم والاستقلال.
أما القانون الدولى، فالواقع أنه لا وجود لشىء مستقل حقيقة ولا نظام دولى مستقر اسمه القانون الدولى. ناهيك عن عدم وجود وثيقة واضحة مكتوبة اسمها القانون الدولى! يمكن الرجوع إليها ساعة الاختلاف! فما يسمى القانون الدولى هو مجرد مجموعات متناثرة من المواثيق والمعاهدات غير المتسقة بالضرورة فى مختلف الموضوعات والمناطق الجغرافية. وحتى هذه المعاهدات الدولية الثنائية أو الجماعية تخضع للقانون الأصلى الذى أشرنا إليه توا، وهو تفسير وتطبيق وتنفيذ الجانب القوى لنصوص هذه المعاهدات والمواثيق. وعندما يخرقها الجانب الأقوى لا يجد من يردعه، إلا من قبل الأمم التى قررت التحرر واستقلال الإرادة بشكل فعلى.

اترك رد

اكتشاف المزيد من مجدى أحمد حسين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading