رسالتى الأخيرة للنخبة السياسية والمثقفة ( 1 ) .. هذا برنامج للوحدة الوطنية من 9 نقاط

لنتوجه إلى المستقبل

هذه هى الرسالة الثانية التى كتبتها فى الأيام الأخيرة بالسجن وهى موجهة للنخبة السياسية والمثقفة ، وهناك جزء نظرى ثان . ولن أتحدث فى هذا الموضوع بعد ذلك . ولكننى سأوضح وجهة نظرى من خلال أبحاث ودراسات ، وليس بالحديث عن إمكانية تحويل ذلك إلى المسرح السياسى الذى اعتزلته للاسباب المشار اليها فى الرسالة الاولى للشعب المصرى وأؤكد إننى أعول أساسا على الشباب . وإلى نص الرسالة :

بعد كل ما مربنا من أحداث جسام ومنعطفات كبرى نحن أحق الناس إلى ( التوقف والتبين ) لابد أن نتوقف ونراجع أنفسنا وتوجهاتنا كوطنيين وكاسلاميين . نحن لم نفشل فى 2013 فحسب فهذا هو الفشل المروع الأخير فحسب لقد فشلنا فى أعوام من 1948 و1951 وفشلنا فى  1954 وفى 1965 وفى 1967 وفشلنا جميعا فى كامب ديفيد . نحن نتحارب مع بعضنا بعضا ونتصارع على القيادة وكرسى السلطة ولم نسع إلى صيغة تجمعنا ضد أعداء الخارج ونحن مستهدفين دوما أكثر من غيرنا بسبب موقعنا المتوسط والمركزى من العالم . تصارع الاسلاميون مع العلمانيين والعكس بالعكس ، وتصارعنا بالتناوب مع المؤسسة العسكرية ثم سعى الأطراف الثلاثة إلى التحاكم لأمريكا . فخرجت هى الوحيد الفائزة من هذا الصراع الداخلى واحتفظت بمكانها الأسير حكما وحاكما ومسيطرا وقائدا لمسيرتنا . ندعوكم جميعا اسلاميين وقوميين ووطنيين ومسيحيين ويساريين وليبراليين أن نعود لنلتقى معا بقلب مفتوح ولتكن العذابات ومرارة الفشل محفزا لنا كى نستمع لبعضنا بعضا بصورة جدية وأن نستعد لنتقابل فى منتصف الطريق بناء على اقتناع حقيقى وفكرى وليس على أساس التكتيكات والمناورات التى أضعنا عمرنا فيها . وسنتناول الجانب الفكرى فى ورقة لاحقة بمعنى وضع الأساس النظرى لحلم التوحد الوطنى .

أولا : إن البلاد لاتحتاج فى هذه اللحظة لمواصلة الصراعات الأبدية التى لاتتوقف أبدا منذ عشرات السنين بين العسكريين والمدنيين وبين اليسار واليمين وبين العلمانيين والاسلاميين ، وهى الصراعات التى أنهكت الأمة وأوردتها مورد التهلكة . ثورة 25 يناير 2011 انتهت وفشلت  والاعتراف بالفشل ضرورة لتحقيق النجاح فى المستقبل .ولا ندعو للاستعداد لثورة جديدة فى المدى المرئى . فالمشكلة لم تعد فى الثورة ، ولكن المشكلة فى الرؤية والبرنامج والتصور. وقد تنتصر هذه الرؤية بدون ثورات ولكن بالتمدد السلمى التدريجى للفكرة ، وهذا حدث فى تجارب عديدة ، كمثال واحد اليابان انتقلت من النظام الاقطاعى إلى النظام الرأسمالى الحديث بدون ثورة . الثورة أداة وليست هدفا ، الهدف هو الرؤية أو التصور أو مانسميه البرنامج . ولابد أن يكون مشروعا قوميا تلتف حوله الأمة جمعاء أى بأغلبيتها الساحقة على الأقل .

ثانيا : لابد أن نزيل من أذهاننا ” أسطورة ” الاخوان المسلمين” أسطورة التنظيم الاسلامى الكبير المنوط به إقامة دولة الاسلام، وانه يتعين علينا – والخطاب هنا موجه للتيار الاسلامى – أن نتحمل أخطاءه على أمل أن ينصلح . هذه أسطورة أضاعت التيار الاسلامى وأضاعت البلاد وأساءت إلى الاسلام .فالاخوان المسلمون هم العقبة الكأداء أمام أى تطور للبلاد وأى تطبيق حقيقى للرؤية الاسلامية الصحيحة . فهم الذين يرفعون راية الاسلام ولايلتزمون بها .أما المؤسسة العسكرية فهى لاتكذب ، وهى لاترفع راية المشروع الاسلامى ، بل تقول صراحة انها تمثل الرؤية القومية دون أن تجحد الدين فى الحياة الشخصية .وبالتالى يواصلون نفس نهج 23 يوليو فى هذه النقطة ولا يخدعون أحدا ويؤكدون العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة والسلام الاستراتيجى مع اسرائيل . ولكن الاخوان المسلمين وتحت راية الاسلام عقدوا اتفاقا استراتيجيا مع أمريكا والغرب وأداروا ظهرهم لقضايا العدالة الاجتماعية . و ظل التيار الاسلامى يسير خلفهم باعتبارهم التنظيم الكبير ولا بديل عنهم لكبر حجمهم رغم أن الكثرة لم تذكر بالخير فى القرآن الكريم . والاخوان أساتذة فى إجهاض وإفساد الثورات ، أساتذة الفشل والهزيمة على مدار 73 عاما . هزموا فى أواخر 1948 حين توسعوا فى إغتيال المصريين مما أدى إلى الرد عليهم بإغتيال حسن البنا .وهزموا فى 1954 فى صراعهم مع عبد الناصر . وهزموا فى 1965 بمشروع سيد قطب الذى تصور أن أعمال العنف المنفردة : اغتيالات – قنابل – تفجيرات  يمكن أن تؤدى إلى أى تغيير سياسى . هزموا فى ثورة 25 يناير  2011 – 2013.

ثالثا : كنا نتمنى أن ينجح تعاون المؤسسة العسكرية مع الاخوان المسلمين لتحقيق ما تتمناه الأمة من استقلال وعدالة وتنمية ، ولكن تعلمون ماذا حدث ؟ الاخوان لم يكن لديهم أى استعداد لتحقيق هذه الأهداف ، بل أقاموا تحالفا ” مقدسا ” مع الولايات المتحدة ، واعترفوا باسرائيل والتزموا بكامب ديفيد وسعوا للانفراد بالحكم . الدرس الأساسى الذى نخرج به ، انه ليس من المهم الدعوة إلى الثورة ( وإن كان الاخوان لم يدعو إطلاقا لأى ثورة وإنما أرادوا ركوبها فقادوها إلى حتفها وحتفهم ) المهم أن تتبنى الأمة مشروعك قبيل الثورة وفى أيامها الأولى . أما ماحدث فى الواقع ان الاخوان لم يكن لديهم أى تصور لبناء مجتمع جديد حر ومستقل وعندما استولوا على الشارع أضاعوا الثورة وابتعدوا بها عن أهدافها الوطنية ( كان الهتاف الأهم فى مظاهرات جمعة الغضب قبل الانخراط الرسمى للاخوان فى الثورة يقول : يا مبارك يا جبان ياعميل الامريكان ). ثم شهدنا صراعا مقيتا على السلطة بين الاخوان والتيار المدنى استمر لأكثر من عام عندما كان الاخوان فى وفاق مع المؤسسة العسكرية ، ثم تبادل الاخوان والتيار المدنى المواقع وأصبح المدنيون متحالفين مع المؤسسة العسكرية ضد الاخوان . وضاعت الثورة بين الأطراف الثلاثة . وبالتالى لماذا ندعو مرة أخرى لثورة ؟ واذا تصورنا على سبيل الافتراض إمكانية اشتعال ثورة الآن ، فماذا ستكون فائدتها فى غياب مشروع قومى أصيل متفق عليه؟ ستكون النتيجة تكرار نفس السيناريو العبثى لثورة 25 يناير، ولعل الشعب بفطرته لم يعد متحمسا للثورات لأنه لايرى أى أفق لها .

إن مهمتنا الجوهرية الآن خدمة مشروعنا القومى : المصرى – العربى – الاسلامى واثراءه وإقناع الأمة به ، وليس التحريض على المظاهرات والثورات . نحن نحتاج لعدد لابأس به من السنوات حتى تنتشر فكرتنا ، وعندما تنتشر نكون قد ضمنا مستقبل الأمة ، وقد لاتحدث ثورة لإنفاذ هذه الرؤية بل إن تمددها فى المجتمع سيجعلها تسود . عندما تتبنى الأمة هذه الرؤية نكون قد ضمنا النجاح .

أما هذه الثورة ( 25 يناير ) فقد انتهت ويجب أن نقبل نتيجتها بروح وطنية مترفعة لأننا لانستهدف تدمير المجتمع. بل لقد وصل الخلل الفكرى والغيبوبة لدى قيادات الاخوان إلى حد ترويج فكرة ان الثورة لاتزال مستمرة ! ويتحدثون بما لايعلمون فيقولون ان الثورة الفرنسية استمرت 10 سنوات ، هم لايعرفون الفروق الجوهرية التاريخية بين الثورة الفرنسية وثورة يناير , ومع ذلك فقد مرت 10 سنوات على 25 يناير !ولكنهم لايزالوا يقولون ان الثورة لم تنته بعد ! ربما لأن الاخوان لم يحققوا أهدافهم التنظيمية !! هم متمحورون حول ذاتهم وتنظيهم . ومسألة أهمية استمرار الثورة لاتتعلق بالقدرة والاستطاعة أو عدم الاستطاعة ، فمحاولة الاستمرار بالثورة بدون فكر يوجهها عبث.  وتتحول إلى نوع من الفوضى . والاخوان غير مشغولين الا بالانتقام من السيسى شخصيا بدون أى برنامج أو مشروع . حتى لقد وصل الأمر إلى أن مقاولا مغمورا كان غارقا فى الفساد أصبح رمز المعارضة والثورة المستمرة ! ووصل الافلاس بالاخوان ليسيروا فى ظله ويفتحوا له وسائل اعلامهم الخارجية .

رابعا : ماذا نفعل الآن ؟

تشخيص الداء هو نصف العلاج وهو أيضا الطريق إلى الشفاء . لابد من الاجابة على سؤال لماذا فشلنا فى ثورة 25 يناير .  الاجابة ان تمزق أطراف الثورة وصراعاتهم الداخلية كانت هى المقتل للثورة وللجميع . وبداية الحل تبدأ بالقضاء على الصراعات الداخلية التى تمزق البلاد على مدى عشرات السنين منذ ثورة 1919 التى جمعت الأمة بأسرها ثم بدأت بالانقسام حتى الآن . فى ثورة يناير حدث صراع بين ثلاثة اتجاهات رئيسية : المؤسسة العسكرية و التيار الاسلامى والتيار المدنى . وأكبر خطأ وقع الجميع فيه انهم كانوا يتحاكمون إلى أمريكا كما ذكرنا لتفصل بينهم فى الخلافات والصراعات ، وكأن أمريكا هى الحكم العدل !وقد لعبت أمريكا بالجميع لتستبقى نفوذهاالتقليدى منذ 1974 وقد نجحت فى ذلك إلى حد كبير . لم تحاول هذه التيارات أن تبحث عن القواسم المشتركة لتعمل معا لتطهير البلاد من النفوذ الأجنبى وإعادة مصر قائدة للعروبة ، ودخلنا فى خلافات عقيمة بين العسكريين والمدنيين وبين اليسار واليمين وبين العلمانيين والاسلاميين ، مع أن هناك أفكارا جوهرية يمكن أن تجمع بينهاجميعا :

أولا الاستقلال : وهى ليست كلمة تقال بل تعنى استقلالا اقتصاديا حقيقيا لايعتمد على القروض والمنح الأجنبية ، بل يعتمد على الذات وتعبئة الموارد المحلية . وقد حدث هذا فى عهدى جمال عبد الناصر ومحمد على ، فهى ليست أعجوبة أو أسطورة أو فكرة رومانسية غير واقعية كما يردد البعض .والاستقلال يعنى أيضا الاستقلال السياسى فى اتخاذ شتى قرارات السياسات الداخلية والخارجية بمرجعية وطنية خالصة وانهاء التبعية للولايات المتحدة .

ثانيا ؛ العدالة الاجتماعية – كيف تتحقق هذا مايحتاج لحوار منفتح وشفاف ليس مجاله هذه الورقة . المهم انه مبدأ لاخلاف عليه حتى بين الليبراليين .

ثالثا : الحريات وقد شهدنا فى مرحلة الثورة نموذجا رائعا فى نزاهة الانتخابات . أما استمرار المظاهرات الى مالا نهاية فهو أمر لايمكن لأى مجتمع أن يتحمله .

رابعا : دولة القانون .

خامسا : الوحدة العربية والتكامل الاقليمى . فمنطقتنا العربية هى الوحيدة فى العالم التى لايربطها نظام اقتصادى موحد وهذه مسألة شديدة الارتباط بمسألة الاستقلال ، والتقدم والازدهار الحضارى وتحقيق الانعاش الاقتصادى واشباع الحاجات الاساسية للشعوب العربية .

سادسا : إعطاء أولوية أساسية لتطوير التعليم والبحث العلمى . فلا تقدم ولا حضارة بدون نهضة كبرى فى البحث العلمى ليس من أجل تدبيج المشروعات والاقتراحات والاختراعات ولكن لربط ذلك بعجلة التنمية والانتاج ( التكنولوجية ).

سابعا: لايمكن الحديث عن استقلال أو تنمية أو اقتصاد دون أن تكون الصناعة هى القطاع الرائد ، وهذه مسألة حسمها العالم بينما نحن لانزال نتحاور حولها! وقد أصبحت الصناعة تتضمن الآن الصناعات الفائقة التكنولوجية ، فى المجال الالكترونى والذكاء الصناعى والأقمار الصناعية والبرنامج النووى والنانو تكنولوجى الخ

ثامنا :بناء جيش قوى قادر يحمى البلاد ، ونسعى لتجهيزه بصناعة حربية وطنية مع الاستعانة ببعض الاستيراد كمسألة مكملة . وقد بدأ نظام 23 يوليو هذا التوجه ولكنه انقطع بعد هزيمة 1967 ، حيث تم الانشغال باستيراد السلاح السوفيتى لتحرير سيناء فى أسرع وقت .

تاسعا : الالتزام المبدئى والمطلق بالقضية الفلسطينية ومناهضة العدو الصهيونى .

هذا ليس برنامجا متكاملا ولكن نحسب أنه محاور رئيسية لا خلاف عليها .ولكن يمكن الخلاف فى التفاصيل كما يجرى فى البلاد التى سبقتنا فى معارج التقدم .

ندرك أن الطريق ليس مفروشا بالورود لتحقيق هذه الأهداف ولكن متى كانت الورود هى الطريق للمجد، بل كانت الأشواك هى الطريق !!

سيقول أهل الحكم والمؤسسة العسكرية عن ماذا تتحدث ؟ ألا توجد الآن مشروعات قومية كبرى ؟ لماذا لايلتف الجميع حولها لنسرع بالتقدم والبناء ونكف عن اللغو والحكى الكثير؟

نعم اقترح وأطالب بالوحدة الوطنية والكف عن المناكفات أو ما أسميه هدنة مفتوحة لأجل غير مسمى بين التيارات الثلاثة المتعارضة ، ليست كهدنة الحروب التى تنذر بحرب أخرى بعد فترة ، ولكن هدنة تستهدف ألا نعود بعدها للإقتتال الأهلى ( الفكرى والسياسى فلا توجد حرب أهلية مسلحة الآن والحمدلله ) هدنة نراجع فيها أنفسنا ونكتشف مساحات التقارب فيما بيننا .

أعلم أننا نحتاج لوجوه جديدة وشباب صاعد فى مختلف التيارات ولكن هذا لا ينطبق على المؤسسة العسكرية ولا نظام الحكم بحكم طبيعتهما ، أما المنظمات الشعبية فأرى أن هذا الحوار الذى اقترح تشكيل مجلس تشاورى يتولى إدارته ، من الصعب أن ينجح بنفس الوجوه القديمة التى فشلت فيما سبق ، لابد من ظهور وجوه جديدة أصيلة داخل هذه التيارات وهى موجودة ولكن يتم التعتيم عليها .

مرة أخرى ستقول المؤسسة العسكرية وأهل الحكم لماذا لاتعترفون بالانجازات الكبرى التى تحدث وتنضموا إلى الركب ؟

أقول من الاجحاف نكران ما جري خلال السنوات السبع الماضية من انجازات في مجال البنية التحتية وانجازات أخرى متفرقة في مجالات شتى (كالتصدي لفيروس سي وإقامة مساكن شعبية)، ولكنني لا أستطيع تقديم تحليل دقيق وموضوعي لهذه الانجازات بسبب عزلتي على مدى   7 سنوات، ان قراءة الصحف القومية والاستماع للاذاعة المصرية لا تكفي لتكون مصادر متكاملة ومع هذا أؤكد أن هناك انجازات مهمة لا يمكن نكرانها خاصة في مجال البنية التحتية ولا شك أن البلاد ستستفيد منها اقتصادياً في المرحلة القادمة. ولكن المشروع القومي ليس كباري وطرق أو حتى مصانع، المفهوم السياسي الصحيح للمشروع القومي أن يكون مشروعاً فكرياً يقدم رؤية متكاملة للنهضة والتقدم والبناء والنماء ومُثل وأهداف قومية يسعى الوطن لتحقيقها. التنمية الاقتصادية أصبحت علماً يدرس في الجامعات، وهناك رؤي وأنماط ومدارس مختلفة للتنمية وهذا ما يمكن للحوار أن يدور حوله وليس حول فائدة هذا الكوبري أو ذاك، أو ازدواج قناة السويس…الخ كل مشروع هو جيد في حد ذاته طالما يقدم خدمة أوسع وأكبر للمرافق. ولكن المتخصصين يختلفون أساساً حول مسألة الأولويات أو ما يسميه علماء الاقتصاد (نفقة الفرصة البديلة) وما هي القاطرة التي ستقود التنمية؟ هل هي السياحة؟ أم الصناعة؟ أم العقارات؟ وهذا مجرد مثال واحد.

انه لأمر فصل وليس بالهزل. أمر في منتهى الجدية.. وهذا ما تجري الحوارات حوله حتى داخل النظم الشمولية (كالصين)، وليس المقصود به تصيد الأخطاء أو ممارسة نوع من المعارضة الرذيلة التي تريد افشال الحزب الحاكم لتحل محله، وهذا النوع من المعارضة موجود بالفعل في شتى الدول الديمقراطية. وليس هذا ما نريد استعارته منها..

نجاح هذه الفكرة يتوقف على سعة صدر أهل الحكم، وأن يدركوا ان مشاركة باقي النخبة معهم في التفكير إضافة لهم لا خصما من رصيدهم. وأيضا لأنهم هم الطرف الأقوى مادياً في المدى المنظور. ولسان حالهم يقول: طالما استتب الأمر لنا ونجحنا فما حاجتنا للآخرين. وهذا ما أحذر منه بشكل مخلص.. على كل حاكم أن لا يغتر بالهدوء الظاهري على السطح، ولابد أن يسعى دوماً لارضاء الناس مادياً ومعنوياً. هناك متاعب مادية حقيقية لدى أغلبية الناس وهناك احساس بعدم القدرة على التعبير عن الرأي بصورة آمنة. ان مشاركة الناس بشكل حقيقي في اتخاذ القرارات والتفكير معا ستقلل من هذه المعاناة بل ستجعل الناس أكثر ايجابية في مواقع العمل والانتاج..     

المجلس التشاوري الذي أقترحه سيتولى البحث عن مشروع المستقبل انطلاقاً من ما تحقق بالفعل في السنوات  الأخيرة. لفت انتباهي شيئ مهم أن المشروعات  المستهدفة يتم انجازها بصورة منضبطة خلال الفترة المحددة وهذه من مآثر الانضباط الذي تتمتع به المؤسسة العسكرية وبالتالي قطاعها الاقتصادي. ولكن المقصود اشاعة الروح لا احتكار العمل الاقتصادي، وهذا ما يعلنه النظام بالفعل وانه لا يستهدف احتكار العسكريين للنشاط الاقتصادي، ونحن كمدنيين في المقابل من المفترض ألا تكون لدينا حساسية من هذه المشاركة، ولكن في اطار تقسيم العمل المجتمعي الطبيعي، فاللحرب رجالها، ولبناء المصانع رجالها وعمل الجيش في الاقتصاد له ضوابط يمكن الاتفاق عليها، كما يشارك الجيش في شتى أنحاء العالم في أعمال الانقاذ خلال الزلازل والبراكين والحرائق والأوبئة. المهم أن نطمئن على جهوزية الجيش العسكرية في بلد يقع على حدود اسرائيل ومصر هي أهم جبهة في ماضي ومستقبل الصراع مع العدو الصهيوني..

لنقل للسيسي تفضل وواصل الحكم لفترة محددة بدون ازعاج، لا نصارعك حول الحكم ولا نسعى لافشالك ونتمنى لك النجاح وهذا ما أقصده بالهدنة المفتوحة ( أو فلتسموه الاعتراف بالأمر الواقع كما يقول البعض ). ونحن نتعامل معكم كممثل للمؤسسة العسكرية. ولكن في المقابل نرى أن تستمع للمتخصصين وأهل السياسة على الأقل في الغرف المغلقة أي في هذا المجلس الاستشاري حتى لا يكون الباب مفتوحاً للمزايدات أو تصيد الأخطاء. وما هو نافع للبلد تأخذ به، وهذا الحوار قد يدخل تعديلات وتحويرات على بعض هذه المشروعات، وما هي المشكلة أن تأخذ بهذا إذا كان مفيداً للبلد..

ان البلد تحتاج لفترة من الاستشفاء من كثرة الخضات المتواصلة على مدار 10  سنوات منذ 25 يناير2011 كذلك لم تكن البلاد مستقرة خلال السنوات العشر الأخيرة من حكم مبارك. وعندما اطرح هذا التوجه التصالحي بالمعنى الشامل فليس لدي أي ضمانة أن يوافق  أهل الحكم، ولكني أقترح ما أراه صالحاً للبلاد وعلى الله التكلان. عندما تمد يدك للآخرين في الحكم للتعاون من أجل الوطن ثم يرفضون هذه اليد الممدودة فهم الخاسرون ولن أخسر شيئاً، وسنقول لهم (كفى بالله  بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السموات والأرض) العنكبوت – 52 ثم كفى بالشعب شهيداً بيني وبينكم.

عندما أدعو لما أراه صوابا فانني لا أقيم وجهة نظري على أساس توقعاتي لمواقف الآخرين في الحكم أو خارج الحكم ولطالما فشلت مبادرات بالعشرات في السنوات الأخيرة لأن أصحابها يحاولون ارضاء الجميع. الصحيح أن تطرح ما تراه صوابا وتجاهد لاقناع الناس به..

وما أطرحه من أن جوهر مشكلات مصر هو التبعية للولايات المتحدة الأمريكية، فإذا رفضت السلطات موقفي، فهذا لا يضيرني لأن هذا هو اعتقادي، ولكن السلطات ستحترمني، لأني لم ألجأ لجو بايدن أستقوى به على النظام المصري. ولم أذهب للكونجرس أو المخابرات المركزية الأمريكية كما فعل الاخوان المسلمون علناً وافتخروا به ولم  أذهب إلى كاميرون رئيس وزراء بريطانيا السابق عندما كان في السلطة أطلب منه النجدة ولم ألوذ بمجلس العموم البريطاني.

حتى إذا أدى موقفي هذا ألا أخرج من السجن أو إذا خرجت أن أعود للسجن فسأذهب بقلب راض سائلاً المولى عز وجل أن يلحقني بالصالحين. وان كنت لا أتوقع أن يحدث ذلك. علماً بأنني لن أصارع من أجل هذا المشروع وإلا لكان في ذلك عودة عن قراري اعتزال العمل السياسي. ولكنني ألقي بوصيتي الأخيرة للنخبة وللشعب المصري. ومع ذلك ستظل مساهماتي متواصلة في الحقل الفكري وسأسعى للبرهنة نظرياً وفقهيا.. على الأساس العميق لامكانية توحيد التيارات الأساسية الثلاثة، وما هي نقاط الالتقاء الحقيقية بين الاسلام والمصرية والعروبة والليبرالية والاشتراكية وهذا ينقلنا إلى النقطة الأخيرة.. ماذا أقول للتيار الاسلامي والتيار المدني حول مشروعي للوحدة الوطنية؟

يتبع فى حلقة تالية +  . إننى أطرح هذا التصور ولا أقترح أى دور لنفسى وليس لى أى مآرب سياسية فيه بالمعنى الشخصى. وقد بدأت فعلا منذ 2014 اقتصار عملى على النشاط الفكرى والأبحاث وكتابة دراسات فى تاريخ مصر والشرق الاوسط والاستراتيجية والجغرافية السياسية ، ولن أكون باحثا فى برج عاجى ولكن سأبحث فيما يفيد المجتمع ويتناول مشكلاته . كذلك سأجتهد لتقديم دراسات فقهية فيما أراه ضروريا للمساهمة فى تصحيح مسارالفكر الاسلامى للصحوة الاسلامية والذى كان من أهم أسباب الهزيمة . 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: