عمر بن الخطاب : المرتد يستتاب أبدا. الاسلام كالطود الشامخ لايتأثر بردة فلان أوعلان

  • الصورة للدكتور محمد عمارة -الحلقة 72 من المستطيل القرآنى والحلقة الثانية من دراسة حد الردة

دروس مستفادة من مناظرة الشيخ ديدات والقس سيجوارت

نواصل الحديث عن حد الردة فى الاسلام . وهذه الدراسة فى الأصل ليست فقهية بالمعنى التقليدى . وإن كان التحليل التاريخى والاستراتيجى هو أيضا من أعمال الفقه . وبهذا المعنى فإن كل هذه الدراسة عمل فقهى . ولكننا نعيد النظر فى مفهوم الفقه ، ففى عصر الجمود الفكرى الاسلامى ، تم حصر الفقه فى التبويب الذى استقرت عليه كتب الفقه . وهذا غير صحيح لأن هناك قضايا جدت على واقع الناس والمسلمين  وتحتاج لرأى الاسلام فيها .والفقه كما ورد فى القرآن الكريم ( وهو ما يستقيم مع المعنى اللغوى ) هو إعمال العقل ، أعلى مستوى فى إعمال العقل . فكل موضوع يتحرى الحقيقة والصواب استنادا لأدلة شرعية ( القرآن والسنة ) فهو من أعمال الفقه الاسلامى .وهذه الدراسة تركز فى الجوانب السياسية والعسكرية والجغرافية والتاريخية والاستراتيجية وأعود لأذكر بأننى لم أجد لفظا عربيا لهذا المصطلح ” استراتيجية ” ولكن لابأس . الاستراتيجية مصطلح لاتينى يشير إلى الخطط الحربية ، واستراتيجيوس هو القائد العسكرى ولكن مضمون المصطلح تطور إلى كل مايشمل خطط الدفاع عن الأمة ، وتقوية ساعدها فى الصراع الاقليمى والدولى . ثم أصبح يشمل الجوانب الاقتصادية والعلمية وكل ما من شأنه تدعيم حصانة الأمة . والادراك السياسى الجغرافى جزء لا يتجزأ من ذلك وقد أصبح علما فى الغرب ( جيوبوليتكس ) ولكننا لانزال نحبوا متخلفين فى هذا المجال . فالأمة يجب أن تدرك تأثير الجوار الجغرافى عليها وأن تدرس عواقب أن تكون دولة داخلية بلا شواطىء بحرية أو دولة محاطة بالصحراء أو أن تكون ساحلية أو جبلية . وماهى طبيعة الجيران ؟ إن من لايدرس هذه الأمور ويعمل فى السياسة يكون أقرب للسطحية والسذاجة منه إلى رجل السياسة .وقد قال الزعيم الفرنسى الأشهر شارل ديجول ( إن من لايعرف فى الخرائط والجغرافية لن يفهم شيئا فى السياسة ). وقد تناول القرآن الكريم أمورا متصلة بالجغرافية السياسية والجغرافية عموما ، وهذه الدراسة قائمة على أساس رصد الخريطة الجغرافية القرآنية التى تسمى الآن الشرق الأوسط ، وهذا إعجاز قرآنى . ويمكن أن نخصص فصلا حول الجغرافية السياسية فى القرآن الكريم لأننا تناولنا التصور القرآنى مباشرة دون توضيح نظرى كاف ربما . ، وخضنا مباشرة فى تاريخ الشرق الأوسط . كذلك فان محمدا صلى الله عليه وسلم كان على قدر عال من الفهم الجغرافى السياسى مما يطول شرحه ( راجع دراستى سنن التغيير فى السنة النبوية – الانترنت ) وقد شرحت فيها خطة رسول الله فى التطويق الجغرافى لقريش فى مكة فى دائرة كاملة .

دراسة حد الردة تبدو وكأنها ليست فى صلب الدراسة الاستراتيجية التاريخية ، ولكنها تدخل من زاوية محددة أشرنا اليها فى الحلقة السابقة ، فالدراسة تدعو لإحياء فكرة إقامة الدولة الاسلامية العظمى ، وأن مركزها لابد أن يكون فى الشرق الأوسط كقانون . ولكننا لانوافق على أطروحات الحركات الاسلامية الكبيرة والسائدة الآن والتى تدفعنا إلى هزيمة ساحقة مستحقة ، ليس فى مصر وحدها بل من المحيط ” الهادر” إلى الخليج “الثائر” عدا الجماعات المجاهدة ضد اسرائيل فى فلسطين ولبنان . ففى تجارب هذه الحركات تتراوح المأساة بين فقدان أى تصورأو مشروع  اسلامى أو حتى وطنى واعتماد البراجماتية ( أى رزق يوم بيومه ) أو تقديم تصورات خاطئة ومسيئة للاسلام . ولابد من اصلاح جذرى لهذه الحركات أو نشأة حركات اسلامية جديدة بدم جديد . والحقيقة فقد حاولنا فى تجربتنا ( حزب العمل ) وقدمنا قبل الثورة دراسة شاملة بعنوان ( الرؤية الاسلامية لحزب العمل – وهى موجودة الآن على هذه المدونة ) فيها مشروع وطنى اسلامى وقومى أيضا يركز على الواقع المصرى . ولم يتنازل أو يتعطف أى تنظيم اسلامى أو حتى قائد أو زعيم اسلامى أن يقرأهذا المشروع ويوضح لنا هل هو مشروع صحيح أم خاطىء أم سطحى أم تافه ؟ ويوضح لنا مافيه من عيوب ومثالب وأخطاء ، وأن يوضح إن كان فيه أى ايجابيات أو يقدم لنا مشروعا بديلا . ولكننا أمام حركات اسلامية متعجرفة لا تؤمن إلا بنفسها ، حتى وإن لم تقدم شيئا سوى الهزيمة والبؤس والضياع والاساءة للاسلام ، والا فليقل لنا أى تنظيم اسلامى كبير فى مصر ماهو مشروعه الاسلامى فى كتاب أو كتيب . أرجو ألا يتصور أحد أن مشروع النهضة الذى قدمه الاخوان كان يمثل شيئا أصلا . لقد كان وثيقة بائسة من الناحية الاقتصادية والتنموية ولا يحتوى أى رؤية حقيقية . والدليل أن لا أحد فى الاخوان يتحدث عنه اليوم ولا يعاد طبعه بل ان خيرت الشاطر أعلن فى برنامج تلفزيونى انه لايوجد مشروع للنهضة خاص بالاخوان وانه يدعو الشعب لصياغة هذا المشروع ، وهو أمر لايجوز لأى سياسى أن يقوله .

أما هذه الدراسة فستتناول أحيانا بعض المسائل الفقهية ( بالمعنى التقليدى للفقه ) كمجرد أمثلة وعينات على سوء ادراك التنظيمات الاسلامية لقضايا الأمة والاسلام ، ومستواها الثقافى الذى قادنا إلى المنحدر وأضر البلاد والعباد قبل أن يضر الاسلام . أزعم أن كثيرا من القيادات الاسلامية توقفت عن قراءة الكتب وتنشغل بمتابعة الاحداث والقنوات الفضائية أما الاقسام المتخصصة فى الفقه والدراسات وهم غالبا من علماء وخريجى الازهر فيتسمون بالتقليدية الشديدة ، ولذلك نسأل أين هو الانتاج الفكرى والفقهى لهذه الجماعات التى طبقت شهرتها الآفاق.إن دولة الاسلام العظمى والمرتجاة لن تقوم لا فى الشرق الأوسط ولا خارج الشرق الاوسط بهذا البؤس الفكرى .

نواصل الحديث عن حد الردة :

أؤكد أن هذا الموضوع ليس أخطر الموضوعات فى بلادنا الآن ، ولكنه اعترض طريقنا بمناسبة التسلسل التاريخى حيث وصلنا إلى حروب الردة فى عهد أبى بكر ولكن مع ذلك فهو موضوع بالغ الخطر ويمكن أن يستفحل فى أى وقت لأن الأساس الفقهى متوفر بمايشبه الاجماع وهو ليس إجماعا . وقد رأينا استخدام داعش والنصرة مصطلح حد الردة لإبادة من يريدون وإعدام من يريدون فى دولتهم المزعومة التى لم تعمر طويلا والحمد لله . فى الحلقة الماضية تحدثنا عن القرآن والسنة والآن ننتقل إلى الصحابة وعهد الراشدين رضوان الله عليهم حيث نستكمل منهم التشريع .

فى عهد أبى بكر غطينا الموضوع تماما ، فبعد خلاف عمر بن الخطاب وغيره مع أبى بكر فى مسألة قتال الممتنعين عن الزكاة فحسب ، اتفق الجميع بعد الحوار وبالإجماع على رأى الصديق . وبالتالى نحن أمام إجماع على وصف حركة التمرد ضد الدولة الاسلامية بالردة ووصف المتمردين بالمرتدين سواء من تنبأ أو رغب فى السلطة أو امتنع عن الزكاة وقد أخذت برأى د. محمد عمارة على أن جريمة الردة تنطبق بالأساس على مثل هذه الحالات: التمرد لقلب النظام الاسلامى . وعلمت أن علماء أجلاء آخرين يتبنون نفس الرأى ولكن لا أكتب عنهم حتى أحصل على نصوص كلامهم .

عهد عمر بن الخطاب

رأينا أن عمر بن الخطاب توافق تماما مع موقف الصديق ، والمعروف عن عمر أنه الأكثر صلابة وحدة فى المواقف المبدئية عموما ، ولكنه كان من أنصار الاستعانة بالمرتدين التائبين فى الفتوحات الاسلامية . وقد وافق أبو بكر على بعض الحالات الفردية فى مرحلة تالية . ولكن عمر فى عهده جعلها سياسة عامة ، وليس فى هذا أى تراخ ولايوجد مطعن على ذلك طالما أنهم تائبون ، وكان يتم وضعهم تحت الاختبار ، وقد نجحوا فى الفتوحات فعلا وقاتلوا قتالا شديدا . ولم يعد المجتمع المسلم يعرف فئة اسمها المرتدون فقدانتهت الردة إلى غير رجعة كحركة غير أصيلة لاتملك أى عقيدة أو فكر.ولكن ظهرت فيما بعد آراء ومواقف لعمر فى الحالات الفردية الجديدة للردة بعيدا عن حركة الردة التى انتهت وانقطعت كحركة عامة فى زمن محدد. يقول ابن حزم أشهر الفقهاء فى دراسة ( الاجماع ) ان هناك خلاف حول التعامل مع المرتد الفرد فقالت طائفة ( يستتاب أبدا بدون قتل ) ثم ساق باسناد صحيح حديث عمر بن الخطاب ومنهم من قال بالاستتابة أبدا وإيداع السجن فقط كما صح عن عمر وطبعا هناك من قال بالقتل .وحديث عمر هو عن أنس ين مالك قال ( بعثنى أبو موسى بفتح تستر إلى عمر رضى الله عنه فسألنى عمر : وكان ستة نفر من بنى بكر قد ارتدوا عن الاسلام ولحقوا بالمشركين فقال : مافعل النفر من بكر بن وائل ؟ قلت يا أمير المؤمنين قوم ارتدوا عن الاسلام ولحقوا بالمشركين ما سبيلهم الا القتل ، فقال عمر : لأن أكون أخذتهم سلما أحب إلى مما طلعت عليه الشمس من صفراء أو بيضاء . قال قلت : يا أمير المؤمنين وماكنت صانعا بهم لو أخذتهم ؟ قال : كنت عارضا عليهم الباب الذى خرجوا منه أن يدخلوا منه ، فان فعلوا ذلك قبلت منهم والا استودعتهم السجن . وياخذ بهذا الرأى السفيان الثورى ( يستتاب أبدا ) هذا الذى نأخذ به . وهذا أيضا رأى ابراهيم النخعى إمام التابعين : ( يستتاب المرتد كلما ارتد) أى لايقتل أبدا . وبالعودة إلى عمر ففى عهده فتحت تستر صلحا ثم كفر أهلها فغزاهم  المهاجرون وسبوهم . فأمر عمر من سبى منهم بأن يردوا إلى جزيتهم وفرق بينهم وبين سادتهم .والأمر هنا ربما يعود تقديره إلى أن هؤلاء حديثو عهد بالاسلام أو بالادعاء بالاسلام حتى يتهربوا من الجزية ولا يدفعوها ، فرأى عمر أن هؤلاء ليسوا مسلمين حقا ، فأعادهم إلى وضعهم الطبيعى . واعتقد ان مثل هذه التصرفات هى التى ساهمت فى نشر الاسلام فى أواسط أسيا .

وقد صحح شيخ الاسلام ابن تيمية حديث أنس بن مالك ( يستتاب أبدا ). وأخذ عمر بن عبد العزيز بهذا الرأى فى حادث مشابه لحادث تستر وكان فى منطقة جزيرة الشام حيث أسلم قوم ولم يمكثوا الا قليلا حتى ارتدوا فكتب فيهم ميمون بن مهران إلى عمر بن عبد العزيز فكتب إليه عمر أن رد عليهم الجزية ودعهم . كذلك ساهمت مواقف عمر بن عبد العزيز فى دخول أهل سمرقند جميعا فى الاسلام لأنه استجاب لشكواهم من أن الفاتحين المسلمين لم يخيروهم بين الجزية والاسلام والقتال ولكن قاتلوهم فورا . فعقدت محاكة والمحكمة أثبتت صحة ذلك فانسحب المسلمون من سمرقند بعد احتلالها ، فبكى الناس من هذه المصداقية ودخلوا فى دين الله أفواجا وعلى رأسهم كهنة دينهم . ولم يأخذ بعض العلماء بحديث رسول الله على إطلاقه ( من بدل دينه فاقتلوه )بل ان لبن عباس قول : ( المرأة اذا ارتدت تحبس ولاتقتل ) وهذا تخصيص من الحديث . بل أكثر من ذلك فقد أطلعت على كتب الفقه ووجدت أن هناك إجماعا على عدم قتل المرأة المرتدة. ويقول بعض العلماء ان سبب عدم اطلاق الأخذ بالحديث أنه قيل به فى ظروف خاصة فى ظل ضعف المسلمين وفى مرحلة حرجة عندما اتبع اليهود أسلوبا خاصا للتلاعب بالاسلام أشار إليه القرآن الكريم ( وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذى أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ) أل عمران – 72 فأراد رسول الله أن يرد عليهم .

المعنى العام الذى يهمنا الاشارة إليه

فى قضية الردة الفردية فان المعنى العام الذى يشغلنا هو ضرورة أن نشعر بقوة الاسلام وعظمته وحصانته وانه لايمكن أن يؤتى بسهولة من هذا الجانب أو ذاك . المسلمون يضعفون نعم ، ولكن الاسلام يظل شامخا أبدا ، يجب ألا نخاف عليه وأن ندافع عنه مرفوعى الرأس . ولعل الشباب من هذا الجيل لم يحضروا زمن مناظرة الشيخ ديدات ( من جنوب اقريقيا ) والقس سيجوارت . وكيف تمكن ديدات من سحق منطقه، وقد كان الأمر ملحوظا من جميع الأطراف . أنا أتحدى المعادين للاسلام أن يدخلوا فى مناظرة على الفضائيات بصورة مركزية بحيث يتابعها مليارات البشرمعا كما يتابعون مباريات الكرة . أتحدى أن يدخلوا فى مناظرة مع العلماء الأجلاء حول أى مطاعن فى القرآن أو الاسلام . وهم لن يوافقوا أبدا بعد تجربة ديدات – سجوارت ، فلو حدثت فستكون مناظرة جديدة بين موسى ( رغم انقطاع النبوة) وسحرة فرعون الذين خروا ساجدين لله . أقول ان المناظرة السلمية على قنوات فضائية ستزلزل الأرض وستدخل الملايين فورا فى الاسلام . لاتخافوا على الاسلام من ردة فلان أو علان الا اذا أساء وكان عدوانيا كما فعل صاحب آيات شيطانية سلمان رشدى ( مسلم هندى مرتد ) وعندئذ كمسلم مرتد يستحق الاعدام لأن الغرب استخدمه كأداة لتشويه الاسلام بالكذب والبهتان وقلة الحياء . ونحن لانخاف أيضا على الاسلام+ من أمثاله ولكن لابد من تأديبه حتى لايتشجع آخرون ، ولابد من الحفاظ على هيبة الاسلام مصونة من كل سوء . وهذا اطار قيمى وأخلاقى لابد من الحفاظ عليه . هذا هو مدخل عرض تصوراتى ولكن كان لابد من أخذ الأسس من القرآن والسنة ثم مواقف عمر الذى صاحب رسول الله وهو من هو !

( يتبع )   

اترك رد

اكتشاف المزيد من مجدى أحمد حسين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading