إلى أين تقود المواجهة الأمريكية للصين وروسيا؟

مصطفى السعيد

ازدادت حدة التصريحات النارية بين كل من الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة وبريطانيا من جهة أخرى، ولأول مرة يعلن الرئيس الصينى أن زمن التنمر على الصين قد إنتهى بغير رجعة، وأن أى قوة لا تستطيع الاعتداء على الصين، وتعهد ببناء جيش عالمى للدفاع عن مصالح بلاده، فى إشارة واضحة إلى تحركات الولايات المتحدة العسكرية والسياسية والدعائية ضد الصين، والسعى إلى تطويقها بتحالف أمريكى مع أوروبا ودول آسيوية، وتبنى الصين حاملة طائرات ثالثة، وتعزز أسطولها البحرى الذى تفوق عدده عن القوات البحرية الأمريكية، ونشرت منظومة صواريخ بعيدة المدى، وطورت برنامجها الفضائي، وفى توقيت متزامن أعلن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أن زمن الأحادية قد انتهى، لكنه لم يتوقف، وقال إذا أغرقنا مدمرة بريطانية تجاوزت الخط الأحمر لحدودنا الإقليمية فى البحر الأسود فلن تنشب حرب عالمية، وهى إشارة إلى استعداد روسيا للاشتباك مع بوارج بريطانيا وحلف الناتو التى تجرى مناورات قرب المياه الروسية فى البحر الأسود، والتى وصفها بوتين بالأعمال الاستفزازية التى لا يمكن السكوت عليها.

لقد كانت الصين وروسيا تتطلعان إلى أن يسعى الرئيس الأمريكى الجديد جو بايدن إلى التهدئة، ويتوقف عن سياسة ترامب المعتمدة على استعراض القوة واستخدام الضغوط والعقوبات الاقتصادية، لكن تلك الآمال تبددت سريعا، ليدخل العالم فى جولة من الصدامات التى تبدو حتمية، فالعالم قد تغير بالفعل، ولم تعد الولايات المتحدة تلك الدولة التى خرجت من الحرب العالية الثانية وناتجها القومى 40% من إجمالى الناتج العالمي، وبالكاد تحقق الآن أقل من 15% من الناتج العالمي، والصين اقتربت وربما تجاوزت تلك النسبة.

وكانت الولايات المتحدة تأمل فى تحييد روسيا، وإبعادها عن الصين وإغرائها بالتطبيع مع المعسكر الأوروبي، وحل الخلافات عبر الحوار، وإلا ستواصل الضغوط الاقتصادية والسياسية عليها، وجاء فشل لقاء بوتين وبايدن فى جنيف منتصف الشهر الماضى ليزيد من حدة الأزمات بين روسيا والولايات المتحدة، ليبدأ بعده الحشد العسكرى للولايات المتحدة وحلف الناتو فى شرق أوروبا والبحر الأسود، وقفزت روسيا إلى لبنان لتعرض إعادة بناء مرفأ بيروت المدمر، وتشييد محطات كهرباء ومصافى نفط، وإقامة مشروعات خدمية وإنتاجية، لتفسد مساعى الولايات المتحدة لاحتواء لبنان، كما أعلنت روسيا رفض تجديد تقديم المساعدات للمناطق الواقعة تحت سيطرة المسلحين المصنفين كإرهابيين فى إدلب، وتشترط توصيلها عن طريق الدولة السورية، فى الوقت ذاته تواصل الولايات المتحدة محاولات إقامة سلسلة تحالفات لتطويق كل من الصين وروسيا، لتضم كلا من كندا وأوروبا وكوريا الجنوبية واستراليا واليابان، مع السعى لإثارة النزاع بين الصين ومحيطها، خاصة مع الهند، لتكون المواجهة أقل تكلفة وأكثر تأثيرا، لكن الإعتماد على الآخرين له تنازلاته وكلفته أيضا، ولا يمكن لدولة أن تشارك لمجرد المجاملة أو الإنصياع، وستطالب كل دولة بمقابل، ومعظم تلك الدول لا تريد خوض صراع حقيقي، حتى لا تدفع أثمانا أكبر مما يمكن أن تجنيه من التحالف مع الولايات المتحدة، كما أن أوروبا مقبلة على مرحلة من التوترات السياسية والانقسامات وعدم والاستقرار، فحزب الرئيس الفرنسى ماكرون لم يفز فى أى إقليم خلال الانتخابات المناطقية، وحزب المحافظين البريطانى خسر الانتخابات الفرعية فى مقاطعتى شيشام وأمرشام، ويواجه نزعات انفصالية فى اسكتلندا وأيرلندا الشمالية، وتداعيات الخروج الملكف من الاتحاد الأوروبي، وكذلك تراجع الحزب المسيحى الديمقراطى الذى تقوده المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وتواجه الولايات المتحدة تحديا آخر فى ملف العودة إلى الاتفاق النووى مع إيران، لأنها إذا نفذته سيكون له تداعيت صعبة، لأن إيران ستستعيد كل أموالها المجمدة، وتصدير النفط، بما يجعلها أكثر قدرة على دعم حلفائها فى سوريا ولبنان واليمن والفصائل الفلسطينية المسلحة، والخيار الآخر هو أن مزيدا من العلاقات الوثيقة مع الصين وروسيا وتحولها إلى قوة نووية، بينما تأمل الولايات المتحدة أن تثمر الضغوط على سوريا ولبنان فى إضعاف حلفاء إيران، وضمان أمن إسرائيل، ونجاح تكتل غاز شرق المتوسط ليخفف من اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، ولهذا كانت القفزة الروسية إلى لبنان، ليفسد بوتين كل مشروع أمريكى فى تلك المنطقة الحيوية لروسيا. وهكذا تجد الولايات المتحدة أنها أمام عالم جديد وإنكار تغيراته سيكلف العالم ثمنا باهظا.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: