الاعتماد على قناة الجزيرة كان مقتل الثورة المصرية..الاستراتيجية الامريكية للتعامل مع الحركات الاسلامية

الاستراتيجية الامريكية للتعامل مع الحركات الاسلامية

هذا المقال نشر فى 22 مايو 2014وهو ضمن كتاب التبعية لأمريكا مرض العصر

الحرب مستعرة بين أمتنا والحلف الصهيونى الأمريكى في كل مكان وبالأخص في كل بلاد الثورات العربية ، والبعض لا يشعر بسبب قدرات الاعلام على التضليل بالإظهار والإخفاء ، إظهار بعض الوقائع وإخفاء بعض الوقائع ، لأن الإخفاء الكلى للحقائق غير ممكن ، وأيضا يصبح كذبا مكشوفا ومن ثم غير مؤثر. كذلك لأن الاسلاميين لايريد معظمهم أن يواجه الحقيقة ، ويعلن الحرب الشاملة على الأعداء ، تحت شعار الدهاء والسياسات المحنكة  ، دون أى دليل من قرآن أو سنة . الدهاء والمناورات تكون في الأساليب والوسائل بعد إعلان من هم أعداء الأمة بشكل صريح ، أما الدهاء لإخفاء أعداء الأمة فهو تضييع للقضية ، وتتويه للجماهير !
أحيانا يرد بعض الاسلاميين قائلين : يعنى إحنا لو هاجمنا أمريكا واسرائيل بالكلام المشكلة سوف تحل ؟! وهذا أيضا هروب من القضية : فهل الهجوم بالكلام والمظاهرات أسقط سلطة 30 يونيو حتى الآن .؟
 ستظل الكلمة هى السلاح الأكبر في كل الصراعات ، وهى التى تحسمها ، المهم أن تكون هى كلمة الحق ، وكلمة الحق تستدعى القوى المادية لتحقيقها على أرض الواقع بعد توفيق الله . فإذا كانت الكلمة هى : تحرير مصر من النفوذ الأجنبى والصهيونى ، وإقامة العدل ، وتحقيق التنمية المستقلة ، والحريات فستنتصر الثورة ، أما إذا اقتصرت المطالبات على عودة مرسى ، رغم أن هذا هدف صحيح ومبدئى ، فلن تلتف الأمة حولنا .
معركتنا لم تكن قبل وبعد الثورات مع مجرد نظم استبدادية ، وإذا اقتصر تصورنا على هذا يكون تصورا قاصرا ، ولا ينتصر أحد قط في معركة بتصور قاصر لطبيعة العدو وتحالفاته ومكوناته . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواجه : سلطة مشركى مكة وسائر العرب ، والقوى العظمى وعلى رأسها الامبراطورية الرومانية المجاورة ، ويواجه في الداخل أهل الكتاب الخونة ( اليهود ) والمنافقين ، كل هذه العناصر والمكونات كانت معلنة ويعلمها كل مسلم ، وهو يخوض الصراع قبل وبعد الهجرة .
السبب الأساسى لتعثر ثورة 25 يناير أنها توقفت عند الحريات ، ولم تزل أركان النظام السابق ولم تقوض شبكة التبعية للحلف الصهيونى الأمريكى ، وبالتالى لم تحقق شيئا من تطلعات الجماهير للعدل على طريق الرفاهية .
وقد ركزنا مرارا في حزب الاستقلال على ضرورة الانعتاق من العبودية للأمريكان باعتبار ذلك بيت القصيد . وجاءت أحداث ليبيا الأخيرة لتؤكد ذلك ، وعلقت عليها فورا منذ أيام بالتالى :
   إن محاولة الانقلاب الفاشلة التى وقعت في ليبيا  كانت حدثا مهما للغاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد . لقد نحرنا قلبنا ونحن نحاول إقناع كل الفصائل الاسلامية في مصر أن نجتمع جميعا على إعلان الجهاد بمعناه الشامل ضد الوجود الأمريكى الصهيونى في مصر وأن  هدف الثورة الحقيقى لايمكن أن يكون أقل من تحرير مصر من قبضتهما المجرمة . وقد كان الرد حتى أول أمس : ليس الآن . حتى ننتهى من سلطة 30 يونيو أولا . .

قال الاعلام الاسلامى الاخوانى : إن بقايا نظام القذافى خاصة في جناحه العسكرى والنظام المصرى ، وبعض الأنظمة العربية في إشارة إلى الإمارات ، ويضاف أحيانا الصهاينة ، يتعاونون لإسقاط الشرعية والثورة في ليبيا على غرار ماحدث في مصر. ( مع إسقاط أمريكا عمدا وليس سهوا )

الموقف الأمريكى المزدوج

أكتب منذ أواسط التسعينيات من القرن الماضى عن الموقف الأمريكى المزدوج من الصحوة الاسلامية من خلال متابعة للمواقف والدراسات الأمريكية ومن خلال 3 زيارات للولايات المتحدة من  1988 إلى 1997 . وليس لدى أى مفاجأة من موقف الأمريكيين الرسمى من الحركات الاسلامية فقد أكدت مرارا وأثبتت الأيام صحة ذلك على النحو التالي:
أولا : أن الولايات المتحدة ( والغرب عموما )  يرى أن ظاهرة الصحوة الاسلامية ظاهرة أصيلة وعميقة ولا يمكن تجنبها تماما ، فهى شبيهة بإعصارات المحيطات ولابد من التعامل معها بعقلانية ، وأن استخدام العنف أو الاستئصال والإبادة ليس خيارا وحيدا ، ولابد من المزاوجة بين الاحتواء والضرب ، الصداقة والمعاداة ، الاستئناس والعقاب .
لايهم الغربيون أن يقبل الناس أكثر على الصلاة والصيام والحج ، المهم ألا يقبلوا أكثر على الجهاد أو الزكاة وهما أخطر ” عيبين ” في الاسلام : الاستقلال والتكافل الاجتماعى ، وإذا وجدت حركات اسلامية لاتعادى أمريكا ولا اسرائيل فمرحبا بها ، حتى إلى درجة استلام السلطة ، حركات لا تهدد المصالح الأمريكية والغربية وتعترف باسرائيل ، وتعيش في كنف الشرعية الدولية وصندوق النقد الدولى والبنك الدولى . ولا بأس من الحجاب واللحية مع تقليل من النقاب ، وهكذا تجرى عملية تفتيت الاسلام لعناصر مقبولة ومحتملة وعناصر مرفوضة .
ثانيا : هذا الموقف المزدوج يتطلب توزيع الأدوار أحيانا ، حيث تقوم أطراف غربية باحتضان واحتواء الحركات الاسلامية ، وتقوم أطراف أخرى بسحقها ، حيث لايجوز لنفس الطرف أن يقوم بالدورين معا في نفس اللحظة !!  ونضرب مثلا بقطرلأهمية دورها.
لايفهم كثيرون موقع قطر من الإعراب ، وكيف تحولت أصغر دولة عربية إلى قوة عظمى اقليمية ، ستقيم إمارة عربية كبرى ، بل تحدث البعض عن محاولات قطرية للسيطرة الاقتصادية على بريطانيا !! ومصر العظيمة ، تنظم الآن سلسلة من البرامج التلفزيونية ضد قطر العظمى ، انظروا كيف أصبحت مصر أصغر من قطر من حيث الوزن ، ولا نتعالى على أى شعب أو دولة صغيرة ، ولكن من المفترض أن الأوزان محفوظة . والغاز لايفسر قوة قطر السياسية كما يروج البعض لأنها لاتملك التصرف فيه بدون توجيهات أمريكا التى تمتلك قاعدة العديد العسكرية الكبرى بالإمارة . قوة قطر الأساسية تعود إلى أنها تقوم بدور أمريكى على طول الخط ، وأمريكى صهيونى في بعض القضايا . وهذا هو ما أعطاها هذا الوزن الكبير ، وباستخدام قناة الجزيرة التى تتسم بمهنية عالية سحقت كل قنوات النظم الكسيحة ، وهذا جزء من الخطة .
قطر مكلفة منذ سنوات طويلة ( والتغييرات الأخيرة في قيادة الإمارة لم تؤثر على هذا الدور كما يتضح حتى الآن ) بلعب دور الحاضنة لكل الحركات الاسلامية المعادية لأمريكا واسرائيل . بغرض جذبها ل ” الواقعية ” و ” الاعتدال ” . فقناة الجزيرة كانت مع ثورة 25 يناير ولا تزال شريطة عدم التعرض لأمريكا واسرائيل إلا لماما وعرضا وعلى طريقة إثبات المصداقية في لقطات سريعة على لسان بعض الضيوف . وتم تأسيس الجزيرة مباشر مصر للدفع في هذا الاتجاه ، جذب الثورة إلى خندق الصداقة مع أمريكا ، بعدم التعرض لها ، وتركيز الهجوم على العسكر باعتبارهم سبب البلاء الوحيد أو الأساسى .
ولقطر تاريخ طويل في هذا المجال : احتضان شرائط بن لادن والقاعدة وطالبان  – الاهتمام بالمقاومة اللبنانية – الاهتمام بحماس والمقاومة الفلسطينية ( رغم أنها كانت القناة الرائدة في التطبيع مع اسرائيل )– استمرار العلاقات الطيبة مع إيران ومع السودان ، ومحاولة حل مشكلات دارفور والمعارضة التشادية ، وتقديم دعم اقتصادى للسودان المحاصر. كما لعبت دورا محوريا في الثورة الليبية حيث كانت محورا أساسيا لتوريد السلاح عبر مطار بنى غازى للاسلاميين المعارضين للقذافى ، ثم كانت بعد ذلك واسطة خير مع الناتو!! ولقطر دور كبير في تمويل ودعم عناصر القاعدة في سوريا لحساب الولايات المتحدة وهو الملف الأساسى المشترك مع السعودية .
ولكن دعونا نركز الآن على مصر . قطر ( والجزيرة طبعا ) تقوم بدور الأم الحنون للاسلاميين والثوار في مصر ، وهى تضعهم تحت المظلة الأمريكية الصهيونية ، بوضع الثورة في إطار الديموقراطية والشرعية وحقوق الانسان فحسب . ويتصور الاسلاميون أن علينا أن نقبل بذلك لأن الجزيرة تصل إلى كل البيوت ويجب ألا نخسرها . عظيم من الممكن أن تدخل للبيوت برسالة ناقصة ، غير تعبوية بشكل كامل ، بنصف الحقيقة ، ونصف الحقيقة كذب . ونحن نؤكد أن الثورة يمكن أن تنجح بدون الجزيرة وبدون أى فضائية ، لأن الأقمار الصناعية تحت سيطرة الدول ، ولم يحدث حتى الآن أن ثوارا حقيقيين امتلكوا قمرا صناعيا !!! وقد نجحت ثورة إيران بدون أى فضائيات ، في عصر الكاسيت الصوتى والمنشورات المطبوعة على الرونيو ( مطبعة بدائية كنا نستخدمها ونحن طلاب في مصر للمنشورات !!)  وكان الإمام الخمينى يرسل توجيهاته بهاتين الوسيلتين حيث يتم النسخ في كل محافظات إيران . وقد نجحت الثورة الروسية والفرنسية قبل اختراع الكاسيت . ومن قبلهما نجحت ثورات عمر مكرم وكانت تستخدم الطبول والمآذن لحشد الجماهير . الأدوات لا تصنع الثورة ، ولكن الجماهير تصنع الثورة عندما تضيق بها السبل وتختنق من النظام الفاسد ، وتنجح الثورة إذا وجدت قيادة حقيقية تعبر عن تطلعات الناس في الاتجاه الصحيح ، تقرأ الواقع بصورة سليمة وتحوله إلى خطاب في متناول الجميع . الفضائيات بالعكس لأننا لا نمتلكها فقد أفسدت علينا ثورة 25 يناير . والتعويل على قناة الجزيرة سيقودنا إلى الجحيم لأنه يجعل القادة لايتحدثون إلا لمهاجمة حفنة من السياسيين دون أن ينسبهم إلى النظام الأمريكى الاسرائيلى الأصلى الذى يحكم مصر . هل يمكن للجزيرة أن تسمح بشن حملة ضد ساويرس أ أو ضد كامب ديفيد أو ضد القواعد الأمريكية في رأس بناس والسخنة وسيناء ؟! 
ولكن لأن دور الجزيرة قد يكون لعبا بالنار إذا ترك هكذا وحيدا ، كما أنه سيؤدى إلى تقوية الاسلاميين في نهاية المطاف ، فلابد من تسليط أنظمة تابعة أخرى للعب دور سحق الاسلاميين ، وهذه الأنظمة كانت الإمارات والسعودية . التمويل والتخطيط والتآمر ومكان الاجتماعات. والمقصود من هذه الضغوط بل والضربات القاصمة أن يهرع الاسلاميون إلى قطر أو كاميرون رئيس وزراء بريطانيا للشكوى : هل يرضيكم ما يجرى في مصر ؟ وهل هذا من الديموقراطية التى تعتنقونها مذهبا ومنهاج حياة ؟!
وقد وصفت توزيع الأدوار هذا من قبل بأنه نفس توزيع الأدوار في أماكن الاحتجاز والتعذيب والاعتقال ، فهناك مجموعة من الضباط والمخبرين للسحل والضرب والشتيمة ، ومجموعة أخرى لاستنكار ذلك وكفكفة الدموع ، والاستضافة في غرفة أخرى وإحتساء مشروب ساخن أو بارد . السعودية والامارات ومن معهما فى مصر يصفعون ويضربون ويقتلون ومعهم للتمويل : الامارات والسعودية والكويت ، وكيرى وأشتون وماكين وكاميرون لكفكفة الدموع : إخص عليهم الوحشين عملوا فيكم كده ، والله حنشوف شغلنا معاهم . بس برضه لازم تمشوا في خارطة الطريق !! وقطرتقول لهم : ردوا عليهم في قناة الجزيرة كما تشاءون ولكن لاتسبوا أمريكا طبعا وأنتم فاهمين .

تقسيم الأدوار داخل النظام الأمريكى نفسه

المسألة لاتتوقف على توزيع أدوار النظم العميلة لأمريكا بل تمتد إلى داخل النظام الأمريكى نفسه ، فيزعمون منذ اليوم الأول ل 30 يونيو أن وزارة الدفاع الأمريكية مع النظام الجديج وأن البيت الأبيض والخارجية مع الاخوان !! وأن الكونجرس بين بين . ولكن بالتدريج يتجه الجميع لتأييد النظام الجديد ( خارطة الطريق ) !! في المقال القادم( لم يكن هناك مقال قادم لأن مجدى حسين دخل سجن العقرب ) نشرح هذه التمثيلية ، والتى يساهم الاسلاميون بالتستر عليها ومن ثم تبييض وجه أمريكا أو على الأقل إخراجها من معترك الصراع الظاهرى وهذا هو المطلوب أمريكيا ، فأمريكا لا تطمع أن يسبح بحمدها في المآذن ، بل تريد أن تحكم الديار المصرية في صمت ومن وراء ستار ، بينما المصريون يتابعون معركة عكاشة مع ذباب وجهه أو خناقة مرتضى وسما أو بحد أقصى خناقة تنظيم اسمه الاخوان مع العسكر ، أما أمريكا فهى مجرد حكم أجنبى محايد أو جمهور يصفق للعبة الحلوة !

اترك رد

اكتشاف المزيد من مجدى أحمد حسين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading