من لم يظهر ردته فليس للسلطة عليه سبيل..كثير من المثقفين عادوا تلقائيا من التغريب للاسلام

هذه هى الحلقة 73 من دراسة المستطيل القرآنى والحلقة الثالثة من دراسة حد الردة لمجدى حسين – الصورة للشيخ حاكم المطيرى

أهم مافى موضوع حد الردة والخلاف حول الرأى السائد هو ماذكرنا عن : أولا -عظمة الاسلام وشموخه ( ياجبل ما يهزك ريح ) فإذا ارتد شخص هنا أو هناك وان صح ذلك  فإنه فى حياتنا المعاصرة نادرا ما يصرح أحد أنه ( خرج من الاسلام) ولكن يقول عادة ( إن الاسلام الصحيح هو كذا ) وفى هذا ضرب من الحياء أو الخوف من المواجهة ( لابأس ) فهذا أفضل من التبجح والتحدى . نقول اذا ارتد شخص هنا أو هناك فإن المجتمع المسلم يظل قويا ثابتا كالطود الشامخ . مع الأسف ففى عصر الفيس بوك ظهرت حالات تجاهر بإلالحاد وعدم الالتزام بالاسلام وهذه ظاهرة جديدة ارتبطت بلا شك بحالة الفشل الذريع للحركة الاسلامية ، ولكن هذا لايبررها ، وبالتالى فإن تأسيس مواقع للجهر بالإلحاد على الانترنت هى وقاحة غير مقبولة ، كوقاحة الفتاة البلهاء والمريضة التى جاهرت بنشر صورتها عارية وكأنها بذلك حلت عقدة ” الحرية ” ، و”حرية المرأة” !! هذه المجاهرة بالإلحاد أو الدعارة أو الفجور أو العرى هى جرائم مرفوضة وتتحدى المجتمع المسلم ، والقوانين الوضعية الراهنة تجرمها . وهى حرب إعلامية يتم تشجيعها من جهات خارجية معادية للاسلام ، وحتى إن كانت بدوافع الهوس الشخصى أو المرض النفسى ، فهذه المواقع يجب أن تغلق ويوجه تحذير نهائى لهاونصح وإرشاد للمسئولين عنها أو يتم التحقيق معهم وإنذارهم . أرى إن تنامى هذه الظواهر ليس بسبب الحراك الفكرى ولكن بسبب تفسخ المجتمع. وبالتالى فإن الحكومات المتعاقبة فى ظل حكم مبارك وما تلاها مسئولة عن هذه الحالة من التفسخ فى ظل غياب مشروع قومى حقيقى يجمع الناس والشباب خاصة .إن روسيا الاتحادية عندما بدأت فى  عهد بوتين مشروع إعادة نهضة البلاد لاذت بالكنيسة وقامت بترويج لمشروع عظمة روسيا .نحن فى مصر حيث يقع ترتيبنا فى رقم 120 على العالم فى مجال التنمية والتنمية البشرية ، يروج بعض الشباب أن” الالحاد هو الحل” ( المجاهرة بالالحاد لم تعد موجودة فى اعلام كل دول العالم تقريبا ) . هذه ظاهرة تعالج إجتماعيا بإعادة الحياة لمشروع نهضة الأمة وإغلاق هذه المواقع ، وستزول الظاهرة بشكل تلقائى كمت تذوب الأوساخ وتتلاشى مع تجدد مجرى النهروتدفق مياهه .

ثانيا : حرية الرأى والفكر

يهمنا أن نوضح للعالمين ، نحن الدعاة وحملة الفكر الاسلامى ان الاسلام هو حصن حرية الرأى والفكروهو أكبر داعم لتحرير العقل من عبودية الاستبداد، وهذا الكلام لايتعارض مع رفض مواقع الدعوة للالحاد فتاريخ البشرية لا يعرف هذه الدعوة الا فى فترات شاذة التى ظهرت مثلا كرد فعل على انحراف وغطرسة واستبداد كنيسة روما وفى بدايات الثورة الفرنسية أما الشيوعية فقد كان لينين مؤسس الدولة الشيوعية السوفيتية ينصح بعدم التعرض للدين وعدم استفزاز المؤمنين . نحن كمسلمين لا نرتعش أو نخشى اذا تراجع مسلم عن عقيدته وكأن هذه هى نهاية العالم .عبر 14 قرنا وأكثر فإن الدين الاسلامى صاحب أعلى معدل انتشار بين مختلف الأديان .وهو الدين الذى يحظى بأقل عدد فى ظاهرة الخروج الصريح منه . عادة مايستخدم مؤيدو حد الردة فى الحالات الفردية المثل الشعبى ( دخول الحمام ليس كالخروج منه ) فهم يقولون إن حرية الفكر مكفولة وأن الاسلام يفتح أمامك طريق الاختيار فإما تعتنقه أم لا . ولكن إذا اعتنقت الاسلام فإنك لم تعد تملك حق الخروج منه. وكأن دخولك الاسلام يعنى فقدانك حق حرية الاختيار فى الدين، فأنت لابد أن تظل ملتزما بالاسلام حتى الموت ، ويستند هذا القول إلى أن الاسلام هو العقيدة الدينية الصحيحة ( إن الدين عند الله الاسلام ) وهذا ما نؤمن به كمسلمين وهذا هو قول القرآن بلا جدال .ولكن هذا هو البيت الجميل فى هذه المزرعة الرائعة وهو مفتوح للجميع ولكن اذافكر أحد فى الخروج من البيت وترك المزرعة رغم روعتها فإن رقبته تقطع .

كل المعانى الجميلة والرائعة عن حرية الرأى والفكر والاعتقادالواردة فى القرآن الكريم ينتهى مفعولها بدخول الاسلام ،أى هى معانى ما قبل الاسلام أما بعد دخول الاسلام فلا حرية فكر ولايحزنون ! وهذا المعنى العجيب غير موجود فى القرآن الكريم فحرية الاختيار مطلقة دائما فى أيات القرآن والحساب الأساسى فى الآخرة . كنت أشعر بغصة عندما أقرأ مثل هذا الكلام الذى يبتر عظمة الحرية فى الاسلام، وأقول بينى بين نفسى لماذا نشوه الاسلام ؟ ولماذا عادة ما نستخدم حديثا نبويا حتى وإن صح دون أن ندرك ظروف قوله بينما نحن فى آيات القرآن نتحرى مناسبات النزول قدر الامكان حتى نفهمها جيدا .وفى السيرة النبوية  من الأمثلة عن أقوال الرسول التى عدل عنها كمنع زيارة القبور ، وكالتمثيل بجثث الكفار المحاربين . هل المقصود باحترام السنة أن نأتى بحديث وإن صح لننسف به صرحا من صروح القرآن الكريم . ولم يوصينا أحد بالقرآن الكريم أكثر من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

أنا أفترض حالة انسان أصابه الشك فى الايمان وهو مسلم فعدل عن  الالتزام بالاسلام عمليا وفى حالات كثيرة يعود مثل هذا الشخص إلى الاسلام طواعية بدون ضغط أو إرهاب أو تهديد أو استتابة .وهذا حدث مع كثير من المثقفين الذين تأثروا بالفكر الغربى الليبرالى أو الماركسية ثم عادوا إلى الاسلام طواعية بعد التعمق والبحث والدراسة والتأمل وبهداية الله أولا وأخيرا . كيف نقول إن حرية التفكير والرأى والاختيار تنتهى بدخول الاسلام دون أن نحطم المعانى العظيمة الواردة فى القرآن الكريم عن حق الاختيار  وهل ننسى أن أساس وجود الانسان على الأرض _ وفقا لرؤية الاسلام – هو حق الاختيار ؟ وهل ننسى ان أهم سبب لأمر الله للملائكة أن يسجدوا لآدم أن له حق الاختيار بينما الملائكة كائنات مثالية لا تخطىء أبدا وهكذا خلقها الله سبحانه وتعالى . فحق الاختيار هو الذى رفع الانسان فوق الملائكة وطبعا فوق الحيوان وسائر الكائنات . الجن وحدهم أيضا عندهم حق الاختيار كما ورد فى سورة الجن وغيرها ولكن الجن يعيشون فى عالم منفصل عن عالمنا فيما عدا بعض الاختراقات العرضية غير الشرعية المشار اليها  فى القرآن .

عندما أخرج آدم من الجنة وهبط إلى الأرض كان على بنى آدم الاختيار بين طريقين : الأول – فإما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والثانى : والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . البقرة38 – 39

وكما قال الله عز وجل ( إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا ) الأحزاب 72 أى أن الله سبحانه وتعالى عرض التكليف على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وخفن منها وحملها الانسان ، إنه كان شديد الظلم لنفسه ، جهولا بما يطيق حمله . وبتفصيل أكثر فإن الله تعالى عرض الأمانة على كل خلقه من جماد ونبات وحيوان وانسان ليرى الذى يختار الأمانة ومن يرفضها ، فاختارت هذه المخلوقات أن تكون مقهورة . والأمانة هنا بمعنى أن يكون مختارا فى أن يؤمن أو يكفر وأن يطيع أو يعصى ، فكل ماعدا الانسان رفض حمل الأمانة وفضل أن يكون مسيرا ليكون فى وضع آمن تماما أى اختاروا ألا يختاروا !! لكن الانسان حملها ظنا منه أنه قادر على أدائها بالتمام والكمال لأن له عقل ميزه الله به ، ولكنها كانت مسئولية لم يقدر خطورة عواقبها ، وهذا هو المقصود بظلم نفسه وبجهله بما يمكن أن يطيق حمله . وأعقب ذلك بالأية الكريمة ( ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما ) الأحزاب 73

ثم تتوالى الآيات من بعد لتؤكد عدم جواز وعدم إمكان إكراه الناس على الايمان ( ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) يونس 99

( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا ) الكهف 29 والآية صريحة فالانسان حر فى الاختيار بين الايمان والكفر ولكن ليس على الطريقة الليبرالية فالآية ذاتها تحذر من عواقب الكفر فى الآخرة والتخويف هنا رحمة حتى يبعد الانسان عن الكفر ، ولكن مايهمنا هنا ان الاختيار قائم بحكم تكوين الانسان ومايملكه من عقل ولكن مع توضيح العواقب الوخيمة والتى إن لم تكن فورية فهى مخيفة .ويبقى القرار للانسان . وكونها غير فورية يغرى الانسان بالتمنى الكاذب ( وغرتكم الأمانى ) الحديد – 14

نفس المعنى نجده فى الآية الكريمة الأخرى .. حق الاختيار مع التبصرة بالعواقب ( لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ، الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم  الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) البقرة 256 -257 والطاغوت هنا يشير إلى ذروة الطغيان أى تجاوز الحد ، وهو مصطلح قرآنى يشير إلى كل ما يعبد من دون الله . التحذير واضح ولكن مرة أخرى ( لا إكراه فى الدين )  .

ونذكر بالآية التى تحدثنا عنها من قبل فى سيرة سيدنا ابراهيم ( وإذ قال ابراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير ) البقرة 126 فالله سبحانه وتعالى لم يقبل دعاء ابراهيم بأن يخصص نعمه ورزقه من الثمرات للمؤمنين دون الكافرين فقال إن نعمه تعم الكفار أيضا والحساب فى الآخرة . وهذه الآية لا تتعارض مع آيات أخرى عن قتال الكفار ، فالكفار يقاتلون

 حين يعتدوا ، ولكن الاسلام لا يدعو إلى قتل الكفار بسبب الخلاف فى العقيدة ، ولكن بسبب العدوان والاعتداء .

كيف تستمر حرية الفكر بعد دخول الاسلام ؟

سيقول البعض انه يفهم من كلامى ان حرية الفكر المستمرة بعد دخول الاسلام لاتعنى سوى حق الخروج والردة عن الاسلام. وليس هذا مقصدى ولست من دعاة الليبرالية ولا من المشجعين على الاجتراء على الاسلام بحجة حرية الفكر . ان الاسلام صرح عريض وعميق لايقتصر على فكرة التوحيد كما يتصور البعض ، فالحقيقة ان التوحيد يتغلغل فى كل الموضوعات ، فكل الموضوعات بطبيعتها مرتبطة بخالقها ، والله خالق كل شىء ، ولكن تفريعاعلى ذلك الأصل فإن موضوعات الاسلام لاتنتهى فى الأمور الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية الخ

حرية الفكر فى الاسلام هى التى ساهمت فى خلق المذاهب ، والمذاهب ليست الأربعة المشهورة فحسب فى فقه السنة ، بل عبر التاريخ الاسلامى كان لبعض الصحابة ثم بعض التابعين وتابعى التابعين مدارس فقهية ، وكل شيخ له آراؤه فى فروع الفقه . وكان أصحاب المدارس يغيرون آراءهم ولم يكونوا متعصبين ضد آراء المذاهب الأخرى وانتشرت بينهم المقولة التى تقول ( رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب ) وفى اطار هذه الحرية الفكرية ورثنا ترسانة رهيبة متنوعة ومعمقة فى شتى فروع الفقه واستفادت الحضارة الاسلامية من هذا الثراء والتنوع .وطالما أصبحت الدولة الاسلامية عميقة الجذور ومستقرة لم تكن تخشى من بعض التطرفات أو الشطحات هنا وهناك من الحركات الصوفية أو غيرها من العاملين فى  الدعوة والفكر. وكان التيار الفقهى الأصيل هو الذى يقود المجتمع ويضع أسس التعليم والتدريس فى المدارس والمساجد والمعاهد ثم الجامعات . ولا شك أن هذا التيار الأصيل كان قادرا ( ولايزال حتى الآن إلى حد ما ) على تهميش آراء الأقليات التى لاتحسن التعبير عن الاسلام .وكانت المعارك الكبرى مع الأعداء فرصا تاريخية لتجميع الأمة على الخط الصحيح، كما حدث فى فترتى مواجهة الصليبيين والتتار ، وصهر الأفكار الصحيحة وتطهيرها وتنقيتها من الشوائب . ويمكن الحديث طويلا عن ظهور المذاهب العقلانية وحركة الترجمة الواسعة وازدهار الحياة الفكرية فى بعض فترات العباسيين والأندلس وما أعقبهما فى بعض الدول الاسلامية المتفرقة والمزدهرة . وفى ظل هذا المناخ ازدهر البحث العلمى فى العلوم الشرعية ( كعلوم الحديث ) وفى شتى فروع المعرفة الطبيعية : الطب والفلك والرياضيات والصيدلة والعمارة الخ

ولكن حرية الفكر فى الاسلام وحرية الاختيار أوسع وأعمق من كل ذلك. هل يدرك المسلم أم لايدرك أنه يجدد إيمانه بالله مع كل صلاة ومع كل ذكر طوال اليوم ومع كل آذان ونداء للصلاة . اذا كان دخول الاسلام قد حسم مرة واحدة وإلى الأبد بدخول الانسان الى الاسلام إن كان منحدرا من أسرة مسلمة ، فلماذا يعلن اسلامه ويعلن إيمانه بالله وشهادة أن محمدا رسول الله خمس مرات فى اليوم على ألأقل ولماذا يصوم رمضان ؟ ويؤدى العمرة والحج ؟ ويؤدى الزكاة ؟ إنه فى كل العبادات والشعائر والذكر يجدد اختياره ويؤكد اختياره للايمان والاسلام . واذا لم يكن هذا هو المسيطر على ضميره فإنه يكون يؤدى الفرائض بصورة آلية محدودة القيمة والتأثير . وعندما نطلع على آلاء الله فى السماء وأعماق الكون وماوصل إلينا من العلم فإننا نجدد ” سبحان الله “” لا اله الا الله “. تحدثت مرة مع صديق مسلم عن كتب عبد الرزاق نوفل ومابها من إعجاز علمى بالقرآن فوجئت به يقول لى : لست محتاجا لهذا فإيمانى بالله أكبر من كل ذلك !! وصعقت ولم أرد عليه ولم أقل له إن الله سبحانه وتعالى يحثنا على التفكر فى خلق السموات والأرض . وصديقى هذا الذى أتابع أخباره عن بعد لايزال مسلما رغم تعاليه ولكنه كان فاشلا فى سلوكه كإسلامى يسعى للتغيير . ومن أسباب ذلك انه لايؤمن بضرورة ( تجديد الايمان ). الأصل أنك تؤكد اختيارك وقرارك بالايمان مع كل صلاة وكل شعيرة من الشعائر . فأنت مع كل قراءة للفاتحة تؤكد إيمانك بوحدانية الله وخضوعك التام له واعتمادك الكامل عليه وطمعك فى رحمته وغفرانه وإرشادك إلى الطريق المستقيم . أنت تجدد العهد معه فى كل ركعة ، وإن لم تكن هذه هى النية كنت كالببغاء يردد عبارات تأمل الخير من ورائها دون أن تفهم عمق معناها .

فرع  من هذه الحرية أن تصاب بحمى أو مرض الشك . وكما ذكرت فإن معظم هؤلاء يعودون للايمان من جديد. يحدث هذا بسبب صدمة شديدة فى الحياة أو بسبب غواية شيطانية ومن بين ذلك الوقوع فى مستنقع الملذات الدنيوية وحب المال والنساء وغير ذلك ، إلى حد الاستغراق فى مظاهر أبهة الدنيا وإلى حد أن تقطع علاقتك مع الله ولاتكتفى بمجرد إضعاف هذه العلاقة . ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع *الحياة الدنيا* والله عنده حسن المآب ) والمواجهة والحل ( قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد ) آل عمران 14 – 15 ثم أكمل ( الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفرلنا ذنوبنا وقنا عذاب النار الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين فى الأسحار شهد الله أنه لا إله الا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ) آل عمران 16 – 18 آل عمران

كثير أو قليل من هؤلاء يعودون وحدهم إلى دائرة الايمان بتأثير الأحداث اليومية فى الحياة أو مايسمعونه من العلماء النجباء عرضا فى التلفاز أو غير ذلك . إن للعلماء والدعاة دورا خطيرا فى هذا المجال ، فالدعاة المنفرون يساعدون على إبعاد الناس عن الاسلام ، والعلماء الذين يجيدون عرض الاسلام يجذبون الناس للاسلام سواء من الجدد أو المرتدين أو المبتعدين .

إن أغلب الناس لايصلون للاسلام مباشرة من خلال البحث والتنقيب ودراسة القرآن ، ولكن ينجذبون للاسلام من سماع الدعاة النجباء وأيضا من خلال رؤية أمثلة عملية مشرفة فى الحياة لقادة اسلاميين متقشفين زاهدين مضحين بكل ما يملكونه فى سبيل الله . والبذل فى مجال مساعدة الناس والفقراء والوطن عموما هى كلها سبل من سبيل الله . ورغم إننى اكتشفت مساحات للخلاف مع الشيخ حاكم المطيرى إلا إننى لا أزال متفقا معه تماما فيما أورده فى كتاب تحرير الانسان ، ولذلك أقتبس منه ( لايحق للسلطة أن تلزم أحدا بدين أو برأى أو وجهة نظر بل للانسان الحرية فى أن يؤمن أو لايؤمن كما قال تعالى ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) الكهف 29 ( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) يونس 99

وللانسان الحرية فى اتباع دينه الذى يدين به ( لكم دينكم ولى دين ). ولكن حرية الاعتقاد لاتعنى حق المسلم فى الاعلان عن ردته ورجوعه عن الاسلام . إذ هذا الاعلان طعن صريح فى الدين الاسلامى واعتداء على عقيدة الأمة ، فإذا لم يظهر ردته فليس للسلطة عليه سبيل كما كان حال المنافقين فى المدينة ) ثم أشار المطيرى إلى القصة المعروفة عن الصحابة الذين كان لهم فى الجاهلية أبناء تنصروا أو تهودوا فلم دخل الصحابة الاسلام أرادوا إجبار أبنائهم على الاسلام ولكن القرآن نهى عن ذلك بالآية الكريمة ( لا إكراه فى الدين ).

قصة عمر بن الخطاب مع ابن الأيهم

جبلة بن الايهم كان ملك وزعيم الغساسنة حلفاء الروم من متنصرة العرب يحمون الحدود الجنوبية للامبراطورية ، والغساسنة هاجروا منذ زمن طويل إلى الشام قبل الاسلام وهم من أصول يمنية . وهكذا كما ذكرنا من قبل كانت حروب فتح الشام وكأنها يمنية – يمنية لأن معظم مقاتلى المسلمين كانوا من اليمن ! وقد حاول الطرفان فى بدايات الحروب استغلال هذه القرابة القبلية لاستمالة الطرف الآخرولكنهما فشلا . حاول المسلمون مع جبلة بن الايهم كى يعود إلى أصله العربى ويدخل الاسلام ، ولكنه كان يخشى أن تدور الدوائر على العرب فينتقم الرومان منه ، وحاول بن الايهم استمالة قبائل اليمن اليه باعتبارهم من أصل واحد ولكن قادة المسلمين لم يتحدثوا الا فى الاسلام . ودخل الطرفان فى قتال عنيف حيث كان متنصرة العرب فى الصفوف الأولى للجيش الرومانى . فكما قال القائد الرومانى ( لايفل  الحديد الا الحديد وأنتم العرب قادرون على مواجهة أمثالكم من العرب . ولكن الخطة فشلت لأن المسلمين كانوا يقاتلون بسلاح سرى غير معروف  ( العقيدة والاستعداد للاستشهاد ) . ولما انتهت معركة اليرموك رغم عدم التكافؤ بهزيمة الروم ومتنصرة العرب ، عقد أبو عبيدة لحبيب بن مسلمة الفهرى على خيل الطلب فجعل يقتل من أدرك من المهزومين والفارين من الروم والمتنصرة ( البلاذرى – فتوح المدن ) فانحاز جبلة بن الايهم بقومه من غسان إلى الأنصار وقال لهم : أنتم اخوتنا وبنو أبينا وأعلن اسلامه ، فأجاره القوم لأن غسان هم أولاد الأنصار .أوسها وخزرجها ( ابن كثير – البداية والنهاية ) . ولما أسلم جبلة بن الايهم ، كتب إلى الخليفة عمر بن الخطاب يستأذنه فى القدوم إليه ، فأذن له عمر فركب بن الايهم من الشام فى خمسمائة فارس من آل جفنة وأشراف قبائل غسان وجاء لابسا تاج الملك وعند مداخل المدينة ألتف حوله الأنصار ودخل فى موكب جماهيرى لم يشهد له الحجاز مثيلا . ودخل بن الايهم على عمر بن الخطاب فسر بقدومه وأكرم نزله وأمر الأنصار بإكرامه ورحب به وأدنى مجلسه لأن اسلام بن الايهم اعتبر نصرا للاسلام ببلاد الشام وتمهيدا لإنضمام سائر القبائل العربية بالشام إليه مما يعنى حرمان الروم من حلفائهم القدامى وخلوص الشام للمسلمين وتهديد الروم فى بلادهم ( القبائل العربية فى بلاد الشام – د. محمد عزب دسوقى – مرجع سابق ).

كادت الأمور تسير على أحسن ما يكون لولا ما وقع من بن الايهم فى مكة فى موسم الحج . فينما كان يطوف بالكعبة إذ وطىء رجل من فزارة ( عدنانية ) طرف ثوب الاحرام لابن الايهم بغير قصد فانحل ثوبه وانحنى حتى كاد يقع وبان جسده فرفع جبلة يده وكان رجلا ضخما قوى البنية شديد الساعد ولطم أنف الفزارى بعنف فهشمها وسالت دماؤه غزيرة على صدره ( ابن سعد – الطبقات ) فأتى الفزارى ومعه خلق كثير من فزارة إلى عمر مستعديا على جبلة فبعث إليه الخليفة فأتى . فماذا حدث ؟!!    

اترك رد

%d