مصير القوات الأمريكية فى العراق وسوريا

مصطفى السعيد

بعد الانسحاب الأمريكى السريع من أفغانستان، تواجه القوات الأمريكية فى العراق وسوريا تحديات خطيرة، فالولايات المتحدة لا تريد مزيدا من الانسحاب، حتى تحافظ على هيبتها أمام المنافسين، لكن القوات الأمريكية فى العراق وسوريا تتعرض لهجمات متتالية، طالت قاعدة عين الأسد فى غرب العراق، وقاعدة الحرير فى أربيل، كما تعرضت قواتها فى حقل العمر النفطى وحقل الغاز كونيكو فى شرق سوريا لضربات صاروخية، فى مؤشر على تصعيد المواجهة معها، رغم إعلان الإدارة الأمريكية أنها سترد بقوة لحماية قواتها، إلا أن هذا يعنى مزيدا من التصعيد والضربات المتبادلة، وسيضع واشنطن أمام خيارين كلاهما صعب، إما زيادة عدد وعتاد قواتها وإما الانسحاب، وفى حالة زيادة قواتها فإنها ستواجه معارضة سياسية وعسكرية قوية فى العراق، وتضع الحكومة العراقية فى مأزق، لأنها تعهدت بتنفيذ قرار البرلمان العراقى بوضع جدول زمنى لإخراج القوات الأجنبية، وأكدت التزام الولايات المتحدة بخفض تدريجى لقواتها، لكن الجماعات المسلحة العراقية المدعومة من إيران أكدت أنها لن تقبل بأى وجود أمريكى مهما يكن صغيرا، وجاء قصف الولايات المتحدة لموقع لقوات الحشد الشعبى العراقى قرب الحدود السورية ليزيد الأمر تعقيدا، لأنه جاء بعد يوم واحد من عرض عسكرى للحشد الشعبى حضره رئيس الوزراء العراقى الذى أشاد بدور الحشد فى مواجهة داعش وحماية العراق، لتضع الولايات المتحدة نفسها فى مواجهة مع الدولة العراقية، وتظهر كقوة احتلال، مما زاد من الاحتقان وارتفاع وتيرة الصدامات المسلحة، وفى حالة انفلات السيطرة، سيكون الوضع بالغ التعقيد والخطورة على القوات الأمريكية قليلة العدد والتى لا تتجاوز ثلاثة آلاف عسكرى، فى حين يقول العراقيون إن العدد أكبر من ذلك بكثير، وأن عدد القوات الأمريكية فى السفارة الأمريكية فى بغداد وحدها يقدر بالآلاف، وفيها منظومات للدفاع الجوى ومطار ومنشآت عسكرية، وهى السفارة الأكبر فى العالم، لكن لا يمكن مقارنة الأعداد الحالية بنصف مليون جندى فى أثناء الاحتلال، وتفتقر القوات الأمريكية فى العراق إلى خطوط إمداد آمنة، وتتعرض قوافل الإمداد القادمة من قواعدها فى الخليج لهجمات مكثفة عند مرورها بجنوب ووسط العراق، ولا تقل المخاطر التى تتعرض لها القوات الأمريكية فى سوريا عنها فى العراق، فوجودها فى شرق الفرات متاخم لقواعد عسكرية لكل من روسيا والجيش السورى والقوات التركية والجماعات المسلحة السورية غير النظامية، التى يبدو أنها أخذت الضوء الأخضر من دمشق لشن عمليات ضد القوات الأمريكية، واستعادة آبار النفط والغاز التى تحتاجها الدولة السورية لتشغيل مناطقها الصناعية وتوليد الكهرباء فى وقت تتعرض فيه سوريا لحصار اقتصادى أمريكى تحت بند «قانون قيصر» الذى يتهم سوريا بانتهاكات لحقوق الإنسان، ورغم أن القوات الأمريكية فى سوريا محدودة العدد، إلا أنها تعتمد على قوات من الأكراد والمتعاونين تحت اسم «قوات سوريا الديمقراطية» التى دربتها وزودتها بمدرعات وأسلحة متوسطة وثقيلة، إلا أن تلك القوات مشكوك فى كفاءتها القتالية، وتخشى تخلى الولايات المتحدة عنها، مثلما حدث مع أكراد العراق. كما أثار الانسحاب الأمريكى من أفغانستان والتخلى عن الحكومة التى شكلتها هناك، وتركتها تواجه مصيرا غامضا، المخاوف من تكرارها فى سوريا. وكان الرئيس الأمريكى السابق ترامب قد أعلن عن تخفيض عدد القوات الأمريكية فى سوريا والعراق استجابة لنصائح جنرالات البنتاجون الذين يخشون على مصير تلك القوات الصغيرة والمحاطة بالكثير من القوات المعادية، منها القوات الروسية والحرس الثورى الإيرانى والحشد الشعبى العراقى والجيش السورى، لهذا تراهن إدارة بايدن على تحسين العلاقة مع تركيا، وجذبها بعيدا عن روسيا لتكون الحليف الذى يمكن أن يكون أكثر فاعلية فى أى مواجهة عسكرية محتملة فى سوريا والعراق، وإن كانت الإدارة الأمريكية تنتابها الشكوك فى السلوك التركى المراوغ والمتعرج، فإنها مطالبة أيضا بأن تتخلى عن أكراد سوريا لتكسب تركيا، التى ترى أن تشكيل قوات كردية خطر كبير على أمنها القومى. هذه الخريطة المعقدة التى تحيط بالقوات الأمريكية فى العراق وسوريا تجعلها فى وضع حرج وقابل للتفجير فى أى وقت، وأنها ستكون عرضة لمخاطر كبيرة، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تعيد تجربة حشد قوات أمريكية كبيرة فى تلك المنطقة، حتى لا تكرر تجربة احتلال العراق التى خسرت فيها تريليونات الدولارات وآلاف القتلى والجرحى وخرجت دون تحقيق أى هدف، ولهذا فإن سيناريو الانسحاب هو المرجح، وإن كانت تنتظر نتائج مفاوضات الاتفاق النووى مع إيران وأن تقطف أى ثمار بحصار سوريا.

اترك رد

%d