التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعى المصرى يدين عدوانية أمريكا ضد روسيا ويساند قضية فلسطين ويدعو إلى نظام عالمى جديد

– مارس 2022 ..وفيما يلى ملخص الجانب الدولى والاقليمى من التقرير

يتابع الحزب الشيوعي المصري باهتمام بالغ وقائع الحرب الروسية الأوكرانية، لما تسببه من مخاطر كبيرة على السلم العالمي، ومن مآسٍ إنسانية، ومن أزمات اقتصادية لن تكون مصر والمنطقة العربية والبلدان النامية بمنأى عن تبعاتها. 

وقد نشبت هذه الحرب نتيجة لمحاولات قوى الإمبريالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو وقف التحولات الجارية على الساحة الدولية منذ سنوات وبقوة، من هيمنة القطب الأمريكي الواحد إلى عالم متعدد الأقطاب، وفي هذا الإطار تسعى أمريكا وحلف “الناتو” والتحالف الغربي إلى تقزيم دور روسيا في الساحة الدولية وتهديد أمنها الاستراتيجي، عن طريق تمدد حلف الناتو نحو بلدان الجوار الروسي، بعد أن ضم دول أوروبا الشرقية، ودول البلطيق الثلاث، ومحاولة ضم جورجيا، وأخيرا التلويح بضم أوكرانيا. كما قام الحلف بنشر الدرع الصاروخي على حدود بعض البلدان المتاخمة للحدود الروسية، وبخاصة، البولندية، وقامت مخابرات دول الحلف بتحريك الاضطرابات في كازاخستان وتحريك التوترات بين أرمينيا وأذربيجان. لقد دعم حلف الناتو ما سمي بالثورات الملونة، والتي أطاحت بالحكومة الأوكرانية المنتخبة عام 2014، وتم على إثر ذلك استيلاء الحكومة الموالية لأمريكا على قمة السلطة في أوكرانيا، وأخذوا في تكوين منظمات فاشية وعنصرية استهدفت الأقليات العرقية، وبخاصة الأقلية الناطقة بالروسية، والأخطر هو التلويح بالانضمام إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، وباستعادة أوكرانيا لقدراتها النووية التي ورثتها عن الحقبة السوفييتية قبل أن تتنازل عنها بحسب بنود اتفاقية الاستقلال. وهو ما جعل الإدارة الروسية تعتبر ذلك كله نوعا من التحدي العدواني والتهديد السافر لأمنها القومي. 

واستخدمت أمريكا السلطة الأوكرانية كطعم وحرضتها على المماطلة وعدم احترام اتفاقية مينسك وذلك لجر روسيا وتوريطها في الحرب بهدف استنزاف قواها، وقد استجابت القيادة الأوكرانية للإغراءات الأمريكية الأوروبية بالدعم والمساندة، دون أن تحسب العواقب التدميرية للحرب على شعبها.

ويرصد الحزب الشيوعي المصري، ومن منطلق الأمن القومي المصري والعربي، التداعيات الخطيرة للحرب ومآسيها الإنسانية، وآثارها السلبية على الاقتصاد العالمي، والتي ليس آخرها زيادة أسعار الوقود والقمح وزيادة معدلات التضخم وتهديد حركة التجارة الدولية، إضافة إلى المحاولات الأمريكية الدائمة لتفجير الحروب والتوترات في مناطق مختلفة من العالم، ومنها منطقتنا العربية مثلما حدث في العراق وسوريا وليبيا وغيرها، ومثلما يحدث من دعم مستمر للعدو الصهيوني واحتلاله للأراضي الفلسطينية والعربية وجرائمه ضد الشعب الفلسطيني.

ويدعو حزبنا كل الشعوب والبلدان المحبة للسلام للتكاتف والضغط على التحالف الإمبريالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لإجهاض ووقف محاولات هذا الحلف الدائمة لإشعال التوترات في مناطق العالم وتفجير الحروب ودعم منظمات الإرهاب بهدف وقف حركة التاريخ واستعادة هيمنتها المنفردة على العالم. كما يدعو إلى الإسراع بالتوصل إلى حلول دبلوماسية سلمية لوقف الحرب الروسية الأوكرانية واحترام متطلبات الأمن القومي الروسي، واحترام حق كل البلدان في حماية حريتها وسيادتها وأمنها، ولكن ليس على حساب تهديد أمن دول الجوار أو أية دول أخرى.

ويرى حزبنا أنه قد آن الأوان لتحرك دولي وشعبي عالمي لإقامة نظام عالمي جديد يتصدر أولوياته حق كافة الدول والشعوب في السلام والتنمية والتعاون المتكافئ وعدم التدخل من قبل أية دولة في شئون الدول الأخرى، ويسعى لتحقيق عولمة إنسانية وديمقراطية تحقق مصالح الدول النامية والفقيرة بديلة للعولمة الرأسمالية المتوحشة.

ويعيش العالم في الوقت الراهن ظرفا دوليا بالغ الخطورة والتعقيد نتيجة لعملية التحول الموضوعية الجارية نحو عالم متعدد الأقطاب على جميع المستويات الاقتصادية والعسكرية والسياسية، ويتضح ذلك من التراجع الملحوظ لنفوذ ودور الولايات المتحدة الأمريكية في العديد من مناطق العالم (انسحابها من أفغانستان والعراق وفشلها في بسط نفوذها على إيران وفنزويلا وكوريا الشمالية) وبروز دور الصين التي أصبحت تلعب دوراً محورياً على مستوى العالم نتيجة لما حققته من تقدم مذهل على المستوى الاقتصادي وتطور كبير في قدراتها العسكرية بالإضافة إلى تعزيز علاقاتها وتزايد دورها السياسي مع معظم بلدان ومناطق العالم، كما تصاعد دور روسيا بشكل ملحوظ لاستعادة نفوذها كدولة عظمى وخاصة في المجال العسكري والجيوسياسي على مستوى العالم وفي معظم المناطق الملتهبة، فضلا عن بروز دور عدد من الدول والتكتلات الإقليمية الأخرى.

ومن جانب آخر تتعمق الأزمة العامة للرأسمالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تستطع التعافي تماما من تداعيات أزمة 2008، ويتضح ذلك في تدني معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم والبطالة والتصاعد الخطير في نفوذ أحزاب وقوى اليمين المتطرف في معظم البلدان الرأسمالية المتقدمة، واتجاه الاقتصاد الأمريكي إلى التخلي تدريجياً عن الصدارة الاقتصادية أمام النمو الصيني الجبار والمتسارع، بل ولجوء الولايات المتحدة إلى أساليب الحماية وفرض العقوبات لمواجهة ضعف قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية، وخاصة في المجال التكنولوجي المتطور والذكاء الاصطناعي. ومن الجدير بالذكر أن الحلف الغربي ليس متماسكا بشكل كبير، وهناك خلافات وتناقضات أمريكية أوروبية، تجلت في أزمة الغواصات الفرنسية لاستراليا، وكذلك في الموقف من الأزمة الروسية الأوكرانية وفرض العقوبات على الصين وإيران.

وقد حدثت في العامين الأخيرين تطورات خطيرة في العالم تنذر بعواقب كارثية، ولعل أبرزها أزمة كورونا وتداعياتها، (حيث بلغ مستوى الإصابات على مستوى العالم في نهاية يناير 2022 نحو 370 مليون إصابة وعدد الوفيات 5,6 مليون نسمة)، وتفاقم أزمة المناخ العالمي نتيجة التلوث البيئي وتهديده لمستقبل البشرية. وتتحمل الدول الرأسمالية الكبرى المسئولية الأساسية عن تفاقم هذه الأزمات التي لا تهدد دول العالم فقط، بل وبلدانها ذاتها بسبب طبيعتها الإمبريالية ومصالحها الأنانية التي لا تستهدف سوى تحقيق المزيد من الأرباح على حساب حياة البشر.

ونتيجة لهذه التطورات تزايدت النزعة العدوانية للامبريالية العالمية وحلف الناتو بسبب رفض الولايات المتحدة الاعتراف بالمتغيرات الجديدة وإصرارها على ممارسة أساليب الهيمنة والبلطجة والحصار وفرض العقوبات على العديد من دول ومناطق العالم، مستخدمة نفس الذرائع التي فقدت أية مصداقية لها، خاصة بعد أن شاهد العالم النتائج الكارثية للعدوان الأمريكي على العراق وأفغانستان، كما زاد الإنفاق العسكري للولايات المتحدة بشكل خطير يهدد السلم والأمن الدوليين، وعودة سباق التسلح بشكل لم يشهده العالم منذ نهاية الحرب الباردة. 

وقد تجسدت هذه النزعة العدوانية للولايات المتحدة الأمريكية في تقارير الأمن القومي الأمريكي الأخيرة، والتي تؤكد أن الخطرين الرئيسيين على الولايات المتحدة يأتيان من الصين وروسيا الاتحادية؛ حيث تعتبر الولايات المتحدة أن الصين هي العدو والمنافس الاستراتيجي الأول لها. ولا شك أن القدرات الصناعية المتنامية الهائلة التي تتمتع بها الصين والمشروعات الاقتصادية العابرة للحدود مثل “مشروع الحزام والطريق” والتوسع في عقد العلاقات والشراكات الاقتصادية والسياسية مع مختلف البلدان والتفوق في مجال التكنولوجيا المتقدمة (الجيل الخامس) والذكاء الاصطناعي يقابلها تراجع في القدرات الاقتصادية والنفوذ الدولي للولايات المتحدة حيث أصبحت الولايات المتحدة أكبر دولة مدينة في العالم، وأصبح الدولار مهددا بالنزول من عرشه تدريجيا.

ومن هنا تبرز الحاجة الأمريكية لإيقاف تنامي القدرات الاقتصادية والعسكرية للصين. وهي في سبيل ذلك لن تتورع عن استخدام أساليب الترويع والتهديد لمنع العديد من دول العالم من التعاون مع الصين، وخاصة في المجالات العسكرية والتكنولوجية المتقدمة، كما حدث مع الإمارات مثلاً، وفي استخدام وسائل أكثر خطورة على الاستقرار والسلم العالميين. ولذلك تسعى الولايات المتحدة الأمريكية بكل الوسائل لاحتواء الصين وتشويه سمعتها؛ تارة بنشر الأكاذيب حولها بذريعة حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان في إقليم شينجيانغ، وتارة أخرى باللجوء إلى التصعيد العسكري والقيام بمناورات في منطقة بحر الصين الجنوبي وتحريض تايوان على استفزاز الصين، وإقامة حلف عسكري مع بريطانيا واستراليا لحصار الصين.

وفي مواجهة الغطرسة والممارسات العدوانية الأمريكية ينتج لدينا تناقض على مستوى العالم يجمع كلا من روسيا والصين وحلفائهما في ناحية والولايات المتحدة وحلفائها خاصة في حلف الناتو من ناحية أخرى، وهو التناقض الذي ينعكس في معظم بؤر الصراع والتوتر في العالم وعند تسوية النزاعات في مجلس الأمن [إيران – أفغانستان – فنزويلا – كوريا – سوريا – ليبيا – اليمن والموقف من الجماعات الإرهابية]. ومما يجعل المشهد أكثر سيولة وتعقيدا عدم وضوح وتذبذب وانتقال مواقف العديد من الدول الإقليمية في ظل هذا الصراع العالمي تبعاً لمصالحها والضغوط الواقعة عليها، ولعل تركيا هي خير مثال على ذلك.

ولا شك أن نجاح قوى اليسار ومرشحي الأحزاب الاشتراكية في انتخابات العديد من دول أمريكا الجنوبية -وآخرها في شيلي- في مواجهة مرشحي قوى اليمين المتطرف والليبرالي المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية هو مؤشر مهم على إدراك شعوب هذه الدول أن اليسار الاشتراكي هو القادر على إنقاذها من براثن التبعية والفقر والجوع والمرض، والسير في خطط تنمية حقيقية، خاصة وأنها اكتوت من الممارسات والسياسات النيوليبرالية للرأسمالية المتوحشة. ومن اللافت أن صعود موجة المد اليساري في أمريكا اللاتينية يتواكب مع الصعود الخطير لنفوذ قوى اليمين المتطرف في العديد من الدول الأوروبية، مما يعكس مدى عمق أزمة الرأسمالية العالمية وفشلها في حل أزمات هذه البلدان.

ويرى الحزب الشيوعي المصري أنه من المهم التوقف عند بعض النقاط في الوضع الدولي

  1. إن التناقض الرئيسي على المستوى العالمي هو بين الإمبريالية العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبين شعوب ودول العالم وقواها التقدمية والديمقراطية الساعية إلى حماية وحدة واستقلال دولها الوطنية وتحقيق التنمية الشاملة المستدامة والتخلص من الهيمنة والتبعية والتخلف والاستبداد ومواجهة الإرهاب بشكل حاسم.

وعلى البلدان النامية والفقيرة أن تتحرك وتتخذ مواقفها انطلاقا من مصالحها الوطنية في ضوء الفهم العميق لهذا التناقض. ولا شك أن المتغيرات الدولية ووجود عالم متعدد الأقطاب يتيح للدول النامية والفقيرة إمكانيات أوسع لتحقيق التنمية واختيار طريق تطورها الاقتصادي وشكل الحكم الديمقراطي الملائم لها ورفض الضغوط من الدول الإمبريالية والتدخل في شئونها الداخلية.

  1. إن الصراع العالمي بين الأقطاب المختلفة يدور أساساً على خلفية العولمة الرأسمالية، تسعى فيه كل دولة كبرى إلى تحقيق مصالحها الإستراتيجية، ورغم أنه لا تبرز على السطح في هذا الصراع شعارات أيديولوجية بين الاشتراكية والرأسمالية، إلا أن الاتهامات الأمريكية المضمرة والمعلنة للصين تستهدف الحزب الشيوعي الصيني الذي يقود الصين، ورفعه شعار الاشتراكية والديمقراطية الشعبية. وعلى القوى الاشتراكية والدول النامية والفقيرة وقوى التقدم في العالم أن تسعى إلى الاستفادة من التجربة الصينية في التنمية والتخلص من الفقر، ليس باستنساخها وإنما وفقا لظروفها وإمكاناتها الذاتية. وتعميق التعاون مع الصين في ضوء المبادرات التي تطرحها من أجل مستقبل مشترك للبشرية يقوم على التعاون والفوز المشترك ورفض الهيمنة والتدخل في شئون الدول الأخرى، لتحقيق المصالح المشتركة للصين وهذه البلدان.

ولا يجب أن يغيب عن بالنا أن الصراع الروسي-الغربي هو صراع بين نظم رأسمالية تسعى فيه كل منها لتحقيق مصالحها، ولكن الفارق الجوهري أن الخطر الأكبر وخاصة على منطقة الشرق الأوسط يأتي من الدول الإمبريالية أساساً، وأن مواقف وممارسات روسيا هي مواقف واضحة ضد الجماعات الإرهابية، كما أنها ترفض المخططات الغربية والأمريكية لتدمير وحدة العديد من هذه الدول وجيوشها الوطنية كما فعلت في سوريا والعراق وليبيا.

  1. إن التناقضات الأساسية المستعصية على الحل للنظام الرأسمالي ما زالت تتفاقم؛ فبينما يمتلك 1٪ من أغنى أغنياء العالم وأصحاب الشركات الاحتكارية الكبرى أكثر من 50٪ من ثروات العالم، يعيش مئات الملايين في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية في أوضاع غير إنسانية، ويعانون من المجاعات والحروب والأوبئة والإرهاب وظروف التغير المناخي القاسية. وتظل الاشتراكية هي الوحيدة القادرة على إنقاذ البشرية ومواجهة الأزمات الوجودية وإحلال السلام وتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية لشعوب العالم وضمان حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولن يتحقق هذا الأمل إلا من خلال نضال دءوب ومثابر وطويل الأمد للدول الاشتراكية والأحزاب الشيوعية واليسارية وقوى التقدم والسلام وأنصار البيئة في العالم.

الوضع العربي والإقليمي

من المؤكد أن أزمة سد النهضة تعتبر هي الأزمة الأكبر والأخطر على مصر من الناحية الإستراتيجية، فاستمرار تدفق مياه النيل يعد قضية وجود بالنسبة للدولة والإنسان في مصر. ومن الجدير بالذكر أن التهديد بقطع مياه النيل عن مصر هو قديم منذ الحروب الصليبية في القرن الثالث عشر، وتكرر هذا التهديد من قبل الولايات المتحدة في عهد الإمبراطور هيلاسلاسي بعد الشروع في بناء السد العالي. والآن تبدو إثيوبيا أكثر إصرارا على استكمال ملء السد دون اتفاق، مدفوعة ومدعومة في ذلك بقوى خارجية وإقليمية، وهو ما سيؤدي إلى جعل مصر تعاني من حالة فقر مائي خطير ورهن السيادة واستقلال القرار السياسي المصري إلى قوى خارجية يهمها امتلاك عنصر ضغط خطير يهدد حياة المصريين.

ولقد بذلت مصر جهودا سياسية ودبلوماسية مضنية في سبيل حل الأزمة على نحو سياسي سلمي، وتم إجراء سلسلة من المفاوضات الماراثونية لتصل كل هذه الجهود إلى طريق مسدود بسبب تعنت وصلف حكام إثيوبيا. بيد أن تطورا جديدا طرأ على المشهد الإثيوبي بعد أن هاجمت القوات الإثيوبية والإريترية إقليم تيجراي وقامت بقتل وتشريد الملايين بفظائع وخروقات وصلت إلى مستوى جرائم الحرب، مما أدى إلى فضح الحكومة الإثيوبية وأبي أحمد بشكل غير مسبوق أمام المنظمات الدولية ودول العالم، وهو ما سيؤثر عليها سلبيا في استكمال بناء السد بالمعدلات السابقة. ولقد تميز الموقف المصري إزاء كل هذه التطورات بقدر كبير من التعقل والتريث والإصرار على ضرورة الوصول إلى اتفاق ملزم بين مصر والسودان وإثيوبيا حول سد النهضة،

وفي ضوء الاستقطاب والتوتر الدولي وبتأثير كثير من مواقف أطرافه، تجري معظم أحداث منطقة الشرق الأوسط والقرن الإفريقي. ومن ناحية أخرى يبدو الوضع العربي أكثر تمزقاً من أي فترة مضت، حيث تتعرض القضية الفلسطينية لمخاطر التصفية في مواجهة المخطط الأمريكي الصهيوني، وتآمر عدد من الأنظمة العربية التي هرولت للتطبيع العلني الكامل مع إسرائيل، وسعيها لتكوين تحالف تتزعمه الولايات المتحدة ويجمع إسرائيل مع بعض بلدان الخليج وغيرها، مما يتيح لإسرائيل تنفيذ مخططاتها لابتلاع وتهويد باقي الأراضي الفلسطينية، وخاصة في الضفة الغربية، وتتويج إسرائيل كدولة إقليمية عظمى في المنطقة. وتواجه مصر خطراً وجوديا يتعلق باستمرار تدفق نهر النيل شريان الحياة للشعب المصري بسبب أزمة سد النهضة والتآمر الإثيوبي المدعوم من الإمبريالية وبعض دول المنطقة. كما يستمر مسلسل الأزمات التي تهدد الدول العربية كالعراق وسوريا واليمن وليبيا ولبنان والتي تواجه مخاطر التقسيم بسبب اشتداد الصراعات الطائفية والمذهبية والتدخل السافر من الدول الإقليمية في إطار المخطط الإمبريالي الصهيوني.

ولا شك أن خطر الإرهاب قد تراجع نسبياً في المنطقة في الآونة الأخيرة بسبب نجاح مصر في قطع شوط كبير في القضاء على الإرهاب في سيناء وعلى حدودها، ونتيجة لتطورات الأوضاع في سوريا والعراق وليبيا، ولكن هذا الخطر يظل قائماً . ولذا ينبغي أن تكون المواجهة شاملة وعلى النطاق العربي ولا تقتصر فقط على المواجهة العسكرية والأمنية رغم أهميتها.

ويعمل حزبنا بالاشتراك مع كل القوى الديمقراطية والتقدمية العربية على حشد جهود القوى الوطنية والأحزاب الشيوعية والعمالية والمنظمات والروابط الجماهيرية على الصعيد العربي لدعم نضال الشعب الفلسطيني من أجل نيل حقوقه المشروعة وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس. ويرى الحزب الشيوعي المصري أن الشعب الفلسطيني مطالب -أكثر من أي وقت مضى- بإنهاء الانقسام في صفوفه، وتطوير المقاومة الشعبية الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي بكل الوسائل، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية بمشاركة جميع الفصائل واستعادة الصراع العربي الصهيوني لطابعه الوطني التحرري، .

ورغم أن النظام السوري تمكن من تغيير ميزان القوى نسبيا، بعد استعادة السيطرة على معظم المناطق السورية الرئيسية، إلا أنه ما زالت هناك مناطق سورية خاضعة لسيطرة القوات التركية والأمريكية، وما زال الطريق صعباً للوصول إلى حل سياسي يضمن تحرير سوريا وإقامة دولة ديمقراطية مدنية وعدالة اجتماعية ناجزة تنهي معاناة الشعب السوري الشقيق.

وتستمر انتفاضة الشعب السوداني الشقيق لإسقاط حكم سلطة انقلاب 25 أكتوبر الديكتاتورية، ويستمر خروج الشعب بالملايين لاستكمال ثورته المجيدة التي اندلعت في 19 ديسمبر 2018. ويدعم الحزب نضال القوى التقدمية والديمقراطية السودانية، وفي القلب منها الحزب الشيوعي السوداني الشقيق ولجان المقاومة وتجمع المهنيين من أجل حكم مدني ديمقراطي وتحقيق اتفاق سلام شامل وعادل في كل أقاليم السودان وتحقيق كل أهداف وطموحات الثورة في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

والحزب الشيوعي المصري إذ يدين بشدة كل أشكال القمع والقتل التي تتعرض لها الجماهير الشعبية السودانية في مظاهراتها السلمية، فإنه يطالب كل القوى التقدمية والديمقراطية في مصر والعالم بمساندة انتفاضة الشعب السوداني، كما يؤكد على ثقته في قدرة وإصرار الشعب السوداني على إنجاز كل أهداف ثورته.

ولا شك أن عدم استقرار الأوضاع في السودان وتعقدها يؤدي إلى إضعاف الموقف المصري والسوداني في مواجهة إثيوبيا في قضية سد النهضة، كما أنه يخلق بؤرة توتر على الحدود الجنوبية للبلاد، فضلا عن تأثيره السلبي على المصالح الاقتصادية المشتركة بين مصر والسودان. وانطلاقا من حرصنا على الأمن القومي المصري فإننا نؤكد على ضرورة مساندة انتفاضة الشعب السوداني باعتبارها السبيل إلى استقرار حقيقي في السودان وإلى سلام شامل بين جميع مناطقه يضمن وحدة الدولة السودانية وحماية مؤسساتها الحيوية وقواتها المسلحة.

ويناضل الحزب الشيوعي المصري مع كل القوى التقدمية والديمقراطية العربية من أجل تحقيق أشكال من الديمقراطية في البلدان العربية تعبر عن مشاركة شعبية حقيقية، تختارها شعوبها وتتوافق مع ظروفها وليست مفروضة عليها من الخارج. ومن أجل تحقيق تنمية شاملة وتكامل اقتصادي عربي يقوم أساسا على أنشطة إنتاجية غير ريعية، وإنجاز عدالة اجتماعية تضمن الحقوق الأساسية للمواطنين.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: