تعود المدينة المقدسة هذة الايام لتتصدر العناوين الرئيسية لوسائل الاعلام المختلفة، فموجات الحملات والاعتداءات المتواصلة التي تشنها دولة الاحتلال على المدينة ومقدساتها باتت سافرة منفلتة، كما ان المحاولات المتكررة لقوى اليمين المتطرف التي تحاول بوتيرة متصاعدة اقتحام باحات الاقصى من ناحية، وتكثيف الانشطة الاستيطانية داخل البلدة القديمة وخارج اسوارها على حد سواء هي التي تتسيد المشهد المقدسي، يضاف الى كل ذلك الاعتداءات والاستفزازات العنصرية ضد اهل القدس التي تترجم عمليا الى صدامات مفتوحة معهم…!.
ففي احدث معطيات المشهد المقدسي:
-الاحتلال يحكم قبضته على القدس ويسعى لاخراجها من كافة الحسابات الفلسطينية والعربية والدولية.
-المدينة تمر في مرحلة خطيرة في مخطط تهويد التاريخ والتراث…!
-الاحتلال يعمل بلا توقف على تزوير التاريخ ويخطط لقدس تتكلم العبرية…!
– مشروع إسرائيلي يهدد 6000 معلم داخل أسوار البلدة القديمة في القدس …!
– الاحتلال يغير اسماء الازقة والطرقات في البلدة القديمة في القدس..!.
ـ ولعل اهم واخطر تطور في المشهد المقدسي هو هذا المخطط الاحتلالي الاجرامي الرامي الى أسرلة التعليم في المدينة المقدسة مستهدفا بذلك تدجين الاجيال ومح الذاكرة الوطنية الفلسطينية-المقدسية…!
فبلا تهويل..هناك مجزرة حضارية نكبوية مفتوحة يقترفها الاحتلال في المدينة المقدسة التي لا تبعث احوالها اليوم بعد نحو اربعة وسبعين عاما على النكبة وخمسة وخمسين عاما على احتلالها عام ,1967 على التفاؤل ابدا بل انها ربما لا تبقي لدينا شيئا من التفاؤل اذا لم يتحرك العرب العروبيون بمنتهى الجدية والمسؤولية باتجاه انقاذها.
* احكام القبضة اليهودية
فوفق العناوين اعلاه و احدث التقارير الفلسطينية الآتية من قلب المدينة المقدسة فان الاحتلال بات يحاصر الاقصى المبارك من جميع جهاته ويواصل الحفريات تحت اساساته ما يمهد لهدمه من اجل اقامة الهيكل اليهودي المزعوم، في الوقت الذي يقوم المستوطنون اليهود من جهتهم ببناء كنس يهودية قبالة قبة الصخرة المشرفة ومطلة عليها، بل ان الاحتلال يقترف اليوم مذبحة حضارية في المدينة.
فالمدينة المقدسة تتعرض وفقا لكم هائل من المعطيات والوقائع الموثقة الى التهويد الشامل في كافة مجالات ومناحي الحياة المقدسية، في الوقت الذي باتت فيه الاماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية على حد سواء عرضة للانتهاكات والاعتداءات المختلفة بلا توقف، في الوقت الذي اصبح فيه الاقصى والحرم القدسي الشريف على وجه حصري في خطر جدي شديد.
فسياسيا.. تواصل الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة الاعلان كلما “دق الكوز بالجرة” وبصورة واضحة حاسمة لا تقبل الجدل”ان القدس الموحدة عاصمة اسرائيل الى الابد” و”انها غير خاضعة للمفاوضات والمساومات او التقسيم” و”ان اي تسوية سياسية بشأن القدس يجب ان تبقيها تحت السيادة الاسرائيلية الكاملة”. وهم – اي بنو صهيون – يؤدلجون هذه المواقف والقرارات السياسية بأدبيات ايديولوجية دينية توراتية لا حصر لها, كلها تجمع على “ان القدس يهودية, وانها مدينة وعاصمة الآباء والاجداد” وغير ذلك. وعمليا على الارض المقدسية تتحرك وتعمل كل الحكومات والوزارات والاجهزة والدوائر والادوات والجمعيات الوزارية والبلدية والامنية والجمعيات الاستيطانية وخاصة “عطيرة كوهنيم ” و”عطراة ليوشناة” بالتعاون والتكامل فيما بينها من اجل احكام القبضة اليهودية – التهويدية الاحتلالية الكاملة على المدينة المقدسة ببلدتها القديمة داخل اسوارها التاريخية, وبمدينتها الجديدة خارج تلك الاسوار.
فالقدس اصبحت مسوّرة محاصرة بجملة من الاحزمة الاستيطانية الخانقة يصل عددها الى عشرة احزمة تبدأ من داخل اسوار البلدة القديمة لتمتد وتتمدد لتصل الى حدود مشروع “القدس الكبرى” التهويدي, الذي يلتهم وفقا لمصادر فلسطينية عديدة مساحات واسعة من اراضي الضفة المحتلة تصل من 15 – 25% من مجمل مساحة الضفة.
* سباق مع الزمن
اذن حسب احدث واخطر عناوين وتطورات المشهد المقدسي اعلاه فان دولة الاحتلال تسابق الزمن ليس فقط من اجل احكام سيطرتها السياسية والاستراتيجية على المدينة المقدسة لدى العرب – مسلمين ومسيحيين – وانما من اجل تحويلها الى مملكة وحدائق توراتية تكرس بالنسبة لهم المدينة باعتبارها “مدينة يهودية ومدينة الآباء والاجداد”, فأكدت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث على سبيل المثال:” أن سلطات الاحتلال, تعمل بخطوات متسارعة من أجل تدمير قصور الخلافة الأموية جنوبي المسجد الأقصى, عبر مواصلة عمليات حفر وطمس للمعالم التاريخية الإسلامية, إضافة إلى مدّ شبكة من الجسور والسلالم الحديدية في المنطقة الأثرية الملاصقة للمسجد, بهدف تحويلها إلى مرافق ل¯ “الهيكل المزعوم”.
* معارك مفتوحة من حي لحي ومن بيت لبيت
الى ذلك, فقد كانت دولة الاحتلال مهدت لمواقفها وقراراتها المتعلقة بتهويد وتزييف التاريخ والتراث واعلان”القدس عاصمة للشعب اليهودي” بسلسلة لا حصر لها من المخططات والقرارات والقوانين والاجراءات على الارض, كلها تسيدت المشهد المقدسي في السنوات الاخيرة, ولعل ابرزها واهمها العناوين التالية التي تلقي الضوء على حقيقة ما يجري على ارض القدس.
استيطانيا: فان المعارك هناك على ارض القدس تدور رحاها وبصورة يومية-من حي لحي ومن بيت لبيت-داخل البلدة القديمة وخارج اسوارها..من الشيخ جراح- الى شعفاط – حي الصوانة- الطور- رأس العامود- العيزرية, ثم الى ابو ديس-جبل ابو غنيم, سلوان- البستان وعين الحلوة….الخ
واستيطانيا ايضا تمخضت العمليات الاستيطانية التي قادتها الحكومات والجمعيات والتنظيمات الإسرائيلية على مدى سنوات الاحتلال الماضية عن اقامة سلسلة من الاحزمة – الاسيجة – الاستيطانية التي تحاصر وتطوق وتخنق المدينة المقدسة القديمة منها والجديدة.. داخل أسوارها وخارجها, ولعل أبرزها ذلك الحزام المكون من الاحياء الاستيطانية في البلدة القديمة, الذي يحكم قبضة الاحتلال بصورة مرعبة على قدسنا العتيقة.
وفي هذا الصدد حذرت تقارير فلسطينية مقدسية وغيرها من تصعيد نوعي في الاستيطان اليهودي في القدس المحتلة, يستهدف تهويد البلدة القديمة بالكامل وتشديد قبضة الاحتلال على المدينة المقدسة, خاصة ما يعرف بـ ” الحوض المقدس ” والسفوح الشرقية المطلة على البلدة القديمة بدءاً من حي الشيخ جراح, مروراً بأحياء الصوانة, جبل الزيتون, رأس العمود, وانتهاء بالخاصرة الغربية لبلدة أبو ديس شرق المدينة المقدسة, حيث تعتزم سلطات الاحتلال بناء مستوطنه هناك تعرف باسم “كدمات نسيونس” .
الى كل ذلك فقد جاء في تحقيق أجرته صحيفة “هآرتس العبرية “من أن ما يسمى بـ”الوصي على أملاك الغائبين” يقوم بمصادرة الأملاك, وتقوم ما تسمى بـ”دائرة أراضي إسرائيل” بنقل الأملاك إلى الجمعيات الاستيطانية “إلعاد” و”عطيريت كوهانيم” بدون مناقصات وبأسعار بخسة”, وفي الحقيقة ان هذا وان كان لا يضيف شيئا جوهريا حول المشهد المقدسي, الا انه يضيف معلومات كمية وسرية حول ما يجري من عملية سطو واستيلاء وتهويد صهيوني جارف لكل شيء في المدينة المقدسة سواء في داخل اسوارها او خارجها.
وتفيد معطيات المشهد المقدسي بان دولة الاحتلال ترمي بثقلها وتوظف طاقاتها وأجهزتها وأدواتها وكل أوراق نفوذها وقوتها من الادارات والقرارات والقوانين والجيوش في شن حملات استيطانية تهويدية مكثفة مركزة متصلة على أرض المدينة المقدسة.
وكشفت دراسة علمية فلسطينية على سبيل المثال: “أن البيانات المتوفرة تشير إلى أن إسرائيل صادرت عملياً 86 بالمئة من مساحة شرق القدس”, وأكدت الدراسة التي أعدها الدكتور جهاد أبو طويلة بعنوان “مدينة القدس: دراسة في الصراع الإقليمي ومقترحات التسوية” أنه رغم ما تمثله القدس من أساس للصراع الإقليمي والتاريخي والديني وإقرار القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة والشرعيات الدولية بالحق العربي الفلسطيني, إلا أن الإجراءات الاحتلالية بالسيطرة على المدينة ومصادرة الأرض والاستيطان والتمليك وجدار الضم والتوسع باتت تشكل أمراً واقعياً, قبل به الكثير من الأوراق التي تقدم حلولا وسطاً إلى طاولة المفاوضات”.
* هجوم شامل لتفريغ القدس من اهلها
ويتبين لنا اليوم اكثر من اي وقت مضى في تاريخ المدينة المقدسة، في ضوء الاحداث المتلاحقة التي تشهدها المدينة واهلها ومقدساتها ان دولة واجهزة الاحتلال المختلفة ماضية على قدم وساق وبلا توقف ولا كلل او ملل, في مخططات وحملات واجراءات التفريغ والتطهير العرقي والحصار والمصادرات والتهويد ضد المدينة واهلها وفي مخططات هدم الاقصى بغية اعادة بناء الهيكل المزعوم.
ويتبين ايضا اكثر من اي وقت مضى ان تلك المخططات والحملات والنوايا الصهيونية الرامية الى تهويد المدينة وابتلاعها انما هي قديمة – جديدة – متجددة متصلة وان دولة الاحتلال تعمل على كشفها وترجمتها على الارض المقدسية تباعا، وان كل اجواء ما يسمى بعملية المفاوضات والسلام والتعايش منذ بداياتها ومرورا بمحطة كامب ديفيد – 2 – ووصولا الى خريطة الطريق وما بعدها وصولا الى فك الارتباط ثم صفقة القرن لم تلجمها ولم تكبحها ولم توقفها بل ان تفاعلاتها وتداعياتها واخطارها الاستراتيجية على القدس وهويتها ومستقبلها باتت واضحة صارخة بصورة لم يعد باستطاعة ماكينة الدعاية والاكاذيب المخادعة المتعلقة بالمفاوضات واحتمالات السلام ان تخفيها.
* تهويد القدس وترويجها سياحيا “كعاصمة يهودية”
وفي غمرة التطورات الدراماتيكية على المستوى العربي والانشغال العالمي بها وفي ظل غياب فلسطيني عربي مؤسف عما يجري هناك، اخذت دولة الاحتلال تصعد حربها الشاملة الرامية الى تطويب القدس لهم كعاصمة ابدية وذلك على مستويين الاول:
السياسي-الاعلامي الديبلوماسي, الذي يعتبر القدس “مدينة موحدة عاصمة اسرائيل الى الابد”.
والثاني: على الارض المقدسية اذ تشن تلك الدولة حملات تهويدية مسعورة على الارض والسكان والتراث لم يسبق لها مثيل كما اخذت على ما يبدو تعسكرها في اطار توجه جديد.
وتتكامل كل الحملات السياسية الاعلامية الدبلوماسية والتهويدية بالنسبة لهم لفرض امر واقع على ارض القدس لا رجعة عنه تحت اي ظرف سياسي او تسووي في المستقبل.
وليس ذلك بمبالغة فالحملات التهويدية للقدس جارية على قدم وساق وعلى مختلف الجبهات، إن على الارض او في الاعلام او في المشاريع والمخططات او على المستوى الدولي بل ان عملية التهويد تصل حتى الى الصين وروسيا..!. وخلاصة القصة بالنسبة لهم اذن هي”السيادة.. على القدس” وتطويبها يهودية الى الابد”. وتترجم دولة الاحتلال بوزاراتها وجيشها ومستعمريها ومنظماتها السرية والعلنية واداراتها المختلفة الادبيات والنوايا والخطط الجهنمية على ارض القدس بسلسلة لا حصر من الحملات والهجمات التي تستهدف تهويد المدينة بالكامل وتطويبها تحت السيادة الاسرائيلية الى الابد…!
لكل ذلك لا نبالغ ان قلنا ان دولة الاحتلال الصهيوني تعمل على اختطاف المدينة المقدسة مرة واحدة والى الابد…ف¯ “التهويد الكبير في المدينة قد بدأ” والاحتلال يصعد حرب ابتلاع القدس ويعمل ليل نهار على فرض الأمر الواقع الاحتلالي فوق ارض القدس عبر ما يمكن ان نطلق عليه اضخم حملة تزوير للتاريخ والتراث تستهدف اختلاق قدس ومملكة يهودية على انقاض المشهد المقدسي.
ودولة الاحتلال تتحرك على مدار الساعة على امتداد المساحة المقدسية بهدف احكام قبضتها الاستراتيجية على المدينة واخراجها من كل الحسابات الفلسطينية والعربية والدولية..!.
وهي ايضا في سباق مع الزمن ومع المفاوضات-العبثية- مستثمرة حالة التشظي والتفكك والضعف والسبات العربية من اجل استكمال مخططاتها ومشاريعها قبل ان تأتي الصحوة العربية الاسلامية …!
وتمضي دولة الاحتلال في هجومها على المدينة المقدسة في اطار ما يطلق عليه الفلسطينيون هناك سياسات التطهير العرقي, اذ أكدت منظمة “بيتسيلم” الإسرائيلية لحقوق الإنسان مثلا:”أن دولة الاحتلال تمارس سياسة التطهير العرقي ضد المقدسيين منذ سنوات, ومنها سحب هويات حق المواطنة ومنع البناء والسكن لإجبارهم على الإقامة خارج حدود المدينة”, كما اتهم تقرير حقوقي “إسرائيل” بـ “ممارسة التهجير والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين في مدينة القدس المحتلة”.
فالواضح ان لا شيء حتى الآن يردع الاحتلال عن “التطهير العرقي” وعن اجتياحاته التدميرية والمجازرية والاستيطانية التهويدية على حد سواء..!.
والاخطر ان كل ذلك يتم في ظل سبات عربي واسلامي غريب عجيب لا يصدق…!
كثف الكاتب المقدسي ماهر العلمي مرة المشهد المقدسي قائلا:”تشن دولة الاحتلال هجوماً تهويدياً كاسحاً أحادي الجانب وتقوم بتقطيع أوصال جسد القدس تارة بنصل الجدار وتارة أخرى بنصل الاستيطان.. فينزف الدم من الجسد المقدسي ولا يجد مسعفين..!
ونقول, بل انها بلدوزرات الهدم والتجريف والمحو التي تقوم -بلا توقف- بتهديم المشهد المقدسي العربي -بمضامينه الاسلامية والمسيحية- لصالح مشهد صهيوني يزيف التاريخ والتراث, في ظل فرجة عربية عجيبة…!
بالتأكيد لن تتوقف دولة الاحتلال عن مخططاتها واختطافها لفلسطين والمدينة المقدسة في مقدمتها اذا لم يستيقظ العرب العروبيون… واذا لم يرتقوا الى مستوى المسؤولية التاريخية الحقيقية… .!