رجل دوّخ إسرائيل وفضح جيشها.. لليوم الرابع الاحتلال يفشل في العثور على منفذ عملية “شعفاط”.. ضربة أمنية قاسية وتخبط في القرارات أربك الجيش ومشهد هروب الجنود أسقط القناع.. من هو “عدي التميمي” منفذ العملية؟.. وأين يختبئ؟

غزة- خاص بـ”رأي اليوم”- نادر الصفدي:

لليوم الرابع على التوالي، تحاول الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بكل أفرعها العثور على مُنفذ عملية حاجز “شعفاط” البطولية في مدينة القدس المحتلة، والتي أسفرت عن مقتل مُجندة وإصابة آخرين بجراح بينهم حالة خطرة، بعد إطلاق النار عليهم من نقطة الصفر.

منفذ العملية والذي لا يزال مكان وطريقة اختبائه، لُغزًا حير جيش إسرائيل، فيما كانت نوعية وكيفية تنفيذ العملية التي وثقت بالصوت والصورة ضربة أمنية قاسية على وجه قادة الجيش وفضحت هشاشة منظومته الأمنية وجبن جنوده المدججين بأحدث الأسلحة، وفشلهم في التعامل مع مقاوم واحد هاجمهم.

ورغم أن جيش الاحتلال أغلق مدينة القدس بأكملها، وفرض حصارًا خانقًا على أكثر من 150 ألف فلسطيني، وأغلق حاجز “شعفاط” وتعمد تضييق حركة تنقل المواطنين، ونشر المئات من جنوده في عملية البحث عن المنفذ، حيث يزعم بأنه فرّ إلى داخل مخيم “شعفاط” كما فرض طوقًا أمنيًا على الضفة الغربية في إطار حملته الأمنية إلا انه حتى هذه اللحظة لم يعثر على طرف خيط واحد يمكنه من العثور على المنفذ.

وأثارت مشاهد سُربت، لعملية إطلاق نار نفذها فلسطيني صوب حاجز “شعفاط” شمال شرقي القدس عاصفة من الانتقادات الداخلية في كيان الاحتلال، بعد عجز عشرات الجنود عن مواجهة مقاوم فلسطيني واحد يحمل مسدسًا.

وأظهرت المشاهد ترجل مقاوم فلسطيني من مركبة توقفت عند الحاجز ثم توجه بخطىً ثابتة نحو مجموعة من الجنود، وأشهر مسدسه وأطلق النار يمينًا ويسارًا نحو رؤوسهم، من “مسافة صفر”.

وأمام هذه المشاهد، أعلن جيش الاحتلال أن تحقيقاً أولياً أجراه، دلّ على إخفاق القوة العسكرية عند الحاجز أثناء عملية إطلاق النار وأن الجنود لم يعملوا وفق ما هو متوقع منهم.

وكشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية نقلا عن تحقيق أولي أجراه جيش الاحتلال، أن المنفذ تمكن من إطلاق ثماني رصاصات على الجنود الذين كانوا يقفون أمامه على بعد أمتار قليلة. بعد أن نزل من السيارة وسط الحاجز – دون أن يتمكن أحد من إطلاق النار عليه، ثم بدأ بالانسحاب مشياً على الأقدام سالماً باتجاه مخيم شعفاط القريب.

ويُظهر التحقيق، أن الهجوم كان أثناء تغيير المناوبة على الحاجز، هو وقت يعتبر نقطة ضعف تشغيلية في أي وقت وفي أي قطاع، وبالتالي يتطلب مزيدًا من اليقظة والغطاء، وأوضحت الصحيفة العبرية، أن عملية “شعفاط” جاءت بعد سلسلة من عمليات إطلاق نار في الآونة الأخيرة”.

وعددت الصحيفة 15 عملية من أهم العمليات الفلسطينية التي وقعت في الأيام القليلة الماضية، ومنها يوم 4 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، عملية دهس استهدفت جنديا (إسرائيليا) في مفترق “عوفرا”، وبتاريخ الثاني من ذات الشهر عملية إطلاق نار نحو باص وسيارة (إسرائيلية) قرب مستوطنة “ألون موريه”.

عملية فضحت إسرائيل

المختص بالشأن الإسرائيلي عليان الهندي، أكد أن عملية إطلاق النار صوب حاجز “شعفاط”، فضحت كذب الرواية الإسرائيلية، التي تدعي أن الجيش الإسرائيلي جيش لا يقهر، وأن جنوده قادرون على مواجهة المقاومة وجها لوجه .

وقال الهندي، إن تكرار مثل هذه العملية، ومشهد هروب الجنود، سيكون له انعكاسات عميقة على المؤسسة العسكرية “الإسرائيلية”، وقد يؤدي إلى انهيار معنويات المجتمع الإسرائيلي برمته، مضيفًا أن بعض القيادات في دولة الاحتلال طالبوا بإقالة الضباط المسؤولين على حاجز شعفاط نتيجة أنهم لم يوفروا الامن المطلوب لجنودهم المتواجدين على الحاجز، متوقعاً ان يكون لهذه العملية توابع كبيرة لدى قادة جيش الاحتلال والقيادة السياسية.

ويرى الهندي، أن تكرار إطلاق النار على الحواجز العسكرية سواء في الضفة أو القدس المحتلتين، سيدفع الاحتلال إلى تقليل عددها، وأن يبحث عن أدوات جديدة لمراقبة الفلسطينيين كأبراج مراقبة، وبوابات حديدية، للسيطرة على القرى والبلدات الفلسطينية عن بعد.

ولم يستبعد، أن ينفذ شاب فلسطيني عملية إطلاق نار من مسافة صفر وينجح بالهروب، لافتا أن هذا أمر طبيعي أمام جنود دائما يحملون الفشل وغير مدربين على المواجهة المباشرة وهم يقاتلون من خلف التكنولوجيا والمركبات المصفحة والطائرات.

وأشاد المختص، بالعمل المقاوم الفردي لما يشكله من صعوبة بالغة أمام مخابرات الاحتلال في الوصول إليه وكشفه، متوقعا أن تشهد الحالة الفلسطينية بكل لحظة توسعاً في عمليات إطلاق النار اتجاه قوات الاحتلال في الضفة الغربية والقدس المحتلتين.

في حين يرى الكاتب والمحلل السياسي علاء الريماوي، أن الاحتلال ينظر إلى العمليات النوعية أنها خطيرة للغاية وتأتي في سياقات تعاظم الرد على سياساته، لاسيما وأن شكل هذا الفعل يؤدي لحالة تطور نوعي لدى الفلسطيني في مواجهة الاحتلال ويشكل حالة من مراكمة التجربة من خلال المشاهدة وهو ما يخشاه الاحتلال ويتحدث عنه بشكل كبير.

ويؤكد الريماوي أن الاحتلال يعتقد أن ما يجري في الضفة والقدس يأتي في سياقات متصاعدة وأشكال متنوعة كما جرى في هبة القدس وعمليات الطعن، فيما الموجة الآن يعتبرها نموذجا جديدا عبر آليات اشتباك وفعل منظم.

ويبين أن هذا موضوع يعتبره الاحتلال نوعية جديدة يصعب ملاحقتها والتعامل معها ويقدّر أنه سيأخذ فترة زمنية حتى يستطيع فهم وفك ألغاز هذا الشكل من العمل على الأرض.

ويشير الريماوي إلى أن الاحتلال سمح لما يعرف بظاهرة السلاح في الضفة لاعتقاده أنه سيكون نموذج لحرب أهلية في الضفة وتأجيج الصراعات العائلية، ولكنه لم يتعلم الدرس وتحول أغلب هذا السلاح للرد على جرائمه، لافتًا إلى أن هناك عشرات الآلاف من قطع الأسلحة في الضفة والكثير منها ينحاز إلى المواجهة مع الاحتلال، مما سيشكل صعوبة في سيطرته على الضفة.

–   أين يختبى المنفذ

وتشير تقديرات المؤسسة العسكرية في إسرائيل إلى أن المنفذ يخطط للوصول إلى الضفة الغربية.

ووفقا للقناة 12 العبرية فإنه ومنذ العملية، اعتقلت الشرطة الإسرائيلية 11 مشتبهاً ، 7 منهم من أقارب منفذ العملية، وافادوا خلال التحقيق أن لا علاقة لهم بالحادث، وأنكروا معرفتهم بأي شيء عن نوايا قريبهم، ومع ذلك تم تمديد اعتقال أربعة منهم لمدة أسبوع آخر.

وتنسب التقارير الإسرائيلية إلى الشاب عدي التميمي (22 عاما) من مخيم شعفاط للاجئين الفلسطينيين، تنفيذ عملية إطلاق النار، وأوردت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن “ليس لدى التميمي خلفية أمنية إذ لم يكن معروفا من قبل لدى أجهزة الأمن الإسرائيلية”.

ووفقا لصحيفة “هآرتس”، فإن تحقيق الشرطة بيّن أن القوة العسكرية عند الحاجز هربت من التميمي في بداية العملية، وبعد ثوانٍ بدأ اثنان من عناصر شرطة الاحتلال بإطلاق النار على التميمي الذي ركض هاربا باتجاه مخيم شعفاط القريب، في حين تردد عناصر الاحتلال وتأخروا بالشروع في عملية المطاردة.

وكأي ملف سياسي وأمني آخر في إسرائيل، استغل قادة الأحزاب العمليات الفردية الفلسطينية للتحريض على متخذي القرار من خلال الترويج الانتخابي لأحزابهم، وكان أبرز المهاجمين اليميني المتطرف ايتمار بن غفير، الذي قال إن “تكرار الهجمات ونوعياتها المختلفة يؤكد عدم وجود منقذ للإسرائيليين، وإن الحكومة لا تستخلص العبر وتواصل سياسة الضعف تجاه العدو الذي يفرك يديه بسرور وهو ينظر نحو حكومة ضعيفة معادية للمستوطنات ووجودها”.

وأطلق بن غفير دعوة إلى اتخاذ قرار باغتيال قادة جميع التنظيمات الفلسطينية.

زميله الأكثر يمينياً وتطرفاً منه، زعيم حزب “الصهيونية الدينية” بتسلئيل سموطريتش قال “نحن في خضم انتفاضة، وقد رأينا في شعفاط النتائج الرهيبة، فيما يدعي لبيد وغانتس أن الهجمات تتراخى وتضعف، لكن الوقت حان للتصرف بكل الطرق والقوة ضدها”.

في مقابل هذه الأصوات هناك من حذر من تداعيات عملية عسكرية، لأن “من يقود الموجة الحالية من الهجمات هم الشباب ونشطاء شبكات التواصل، بالتالي فإن عملية عسكرية واسعة النطاق قد تضيف مزيداً من الشبان إلى قائمة منفذي الهجمات، وتحول سلسلة الأحداث إلى انتفاضة شعبية عارمة”.

ونشرت صحيفة “يسرائيل هيوم” تقريراً جاء فيه “هجوم شعفاط كشف عن سلسلة معضلات تواجه المستويين السياسي والأمني، الذين حاولا منع خروج الوضع عن السيطرة، لكن نجاح الهجوم قد يغير الصورة، وبسبب نجاحه فإنه يتوقع حدوث محاولات تقليد، على رغم أننا كنا أمام عملية متوقعة، حذرت خلال الأسبوعين الأخيرين أجهزة الأمن من تنفيذها”.

ويبقى القلق الأكبر بعد بث الفيديو لعملية مقتل المجندة الإسرائيلية، حيث العدد الكبير من الجنود وقوات الأمن لم يمنع فلسطينياً من قتل وإصابة جنود عند الحاجز من مسافة قصيرة، من دون أن تصدر عن الجنود أية محاولة لمنعه، ولم يرد أي منهم بإطلاق النار، مما يظهر ضعفاً كبيراً لدى الجيش”، وفق مسؤول أمني اعتبر مشاهد الفيديو ونجاح منفذ العملية في مقابل ما سماه “جبن” الجنود تشجيعاً لمزيد من العمليات.

اترك رد

%d