في لحظة السقوط الامريكي .. هل تجر واشنطن العالم لحربها المدمرة كملاذ أخير لتفادي السقوط؟

الدكتورة حسناء نصرالحسين

بعكس اتجاه عقارب الساعة تتسارع الاحداث العالمية والاقليمية لترسم مشهدية جديدة انتظرتها دول وشعوبها المظلومة المنكوبة بفعل الاجرام الأمريكي لعقود مضت لتفشل نظرية الليبرالية العالمية التي نادت بأولوية أمان الانسان كذريعة والتفاف على ذاكرة الشعوب التي اضناها زمن الاحتلال والوصاية والانتداب لتجعل من هذا العنوان مدخلا جذابا  لعودة احتلالها لهذه الدول وشعوبها من بوابة حماية حقوق الانسان وتفضيله عن أمن الدول القومية مع العلم ان امن الانسان لا يأتي الا من خلال أمن الأوطان وحماية امنها وسلامة أراضيها واحترام سيادتها.

بالنظر للأحداث الاقليمية والدولية ومن خلال النظرية الواقعية التي تقول بأن الدولة القومية هي الاساس في العلاقات الدولية وان الدولة القومية هي الركيزة الاساسية في النظام الدولي والتي ارتأت بأن العالم لن يحل فيه السلام وتنتهي فيه الصراعات الا بعالم متعدد الاقطاب يعاد من خلاله التوازن للقوى الدولية وللعلاقات الدولية.

ad

واذا قلنا بأن العالم يتجه الى التعددية القطبية والذهاب الى انتاج التوازن الدولي فهذا ليس من باب التمنيات بل هو حقيقة واقعية أرستها عدة محطات انهزامية مني بها القائد للنظام الدولي الحالي اي امريكا والتي بدأت بهزيمة الجيش الامريكي في العراق ومن ثم في افغانستان وحاليا يرسم مشهد الهزيمة المدوية في سورية وهذا ما يحدث حاليا عبر اعادة تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة التي كانت رأس حربة في العدوان الامريكي على سورية وكان لها الباع الاطول في دعم الارهاب واحتلالها مساحات من الجغرافية السورية .

ولعل الحدث الأبرز في سلم الانكسارات الامريكية والذي ترجم على أرض الواقع المتمثل بترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان الاسرائيلي والذي استطاع ان يسجل نصرا كبيرا على هذا العدو من خلال القوة الموجودة لدى حزب الله ليخضع لابيد وحكومته واستخباراته لإرادة المقاومة الاسلامية وهذا يعد انتصارا كاسحا للمقاومة وللبنان دون خسارة مجاهد او جندي او حتى رصاصة ليتم هذا الانجاز بوساطة امريكية عجزت عن ان تلعب دورا آخر للتأثير في هذا الملف سوى دور الوسيط ومباركته.

هذا المشهد الامريكي والتسليم للإرادة اللبنانية المدعومة بسلاح المقاومة يؤكد ان الامبراطورية الامريكية في تراجع لناحية هيمنتها على العالم وشعوبه واقتصاداته وثرواته ولم تعد قادرة ان تأمر وترهب وتهدد أصغر الدول على هذه المعمورة .

حاولت واشنطن التمسك بما بقي لديها من هيبة وذهبت للتخلص من اعباء المفاوضات النووية الامريكية – الايرانية واوقفت الملف ارضاءا للحلفاء واولهم الكيان الصهيوني الا انها انصدمت بجدار القوة الايرانية وانتقالها لرفع معدلات التخصيب للمستوى الثالث وانخراط الصناعة العسكرية الايرانية في الحرب الروسية الغربية في اوكرانيا عبر مسيرات شاهد التي اثبتت قدراتها وفعاليتها في ميدان اوكرانيا ، متحدية بهذا التدخل كل ما يمكن ان تفكر به واشنطن من عقوبات على افراد وجماعات ايرانية ولم تعطي اي اهتمام بانعكاس هذا التدخل على ملف المفاوضات النووية الايرانية وما تصريح رئيس منظمة الطاقة الذرية  الايرانية عن بدء التخصيب في السلسلة الثالثة  لأجهزة الطرد المركزي الجديدة في منشاة نطنز  النووية الا تحديا كبيرا لأمريكا      ورسالة مفادها بأن القنبلة  أصبحت في القبو ولم يبق أمامنا الا الإعلان عنها .

تعيش الامبراطورية الامريكية أسوء أيامها لناحية المتغيرات الدولية والاقليمية وانتقال حلفاء واشنطن الى الحضن الروسي وهنا اشير الى خرق عدد من دول اوروبا للعقوبات الامريكية على روسيا وذهاب هذه الدول لشراء النفط الروسي كما  السعودية التي تمردت على القائد الامريكي ورفضت املاءاته بزيادة ضخ انتاج النفط لدى شركة اوبك بلس وما تلى هذا التمرد السعودي من زيارة لرئيس الامارات العربية المتحدة لموسكو وهذا يؤكد انتقال الثقل الدولي من الغرب الى الشرق لتتحول واشنطن من قوة عظمى عالميا الى دولة تحارب بالوكالة عبر خلق بؤر توتر دولية للحفاظ على ما تبقى من هيبتها العالمية وها هي اليوم تحاول زج اليابان في حربها مع روسيا الاتحادية عبر اجراء تدريبات عسكرية في الشرق الاقصى لروسيا وهذا الزج الياباني يؤكد عجز الادارة الامريكية في مواجهة الدب الروسي والتنين الصيني فهي اصبحت بحاجة ماسة للزج بدول اخرى في هذه الحرب الروسية الاطلسية بهدف تحقيق متغير طفيف في مسيرة هذه الحرب عبر ارباك الروس وتشتيت انتباههم من خلال  خلق بؤر توتر جديدة على الحدود الروسية اليابانية ونستطيع ان نقول مهما فعلت واشنطن ولتستعين بما تشاء من دول فلن تستطيع اعادة عقارب الساعة لضبط التوقيت العالمي وجعله مرة اخرى بتوقيت  واشنطن.

باحثة في العلاقات الدولية – دمشق

اترك رد

اكتشاف المزيد من مجدى أحمد حسين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading