توقفنا عند إنحياز مارجريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا لمردوخ محتكر الاعلام البريطانى حيث وفرت له ما يريد من قوات الأمن ، لحماية المبنى الجديد ومابه من مطبعة حديثة وكان كأنه حصن ، فى مواجهة اضرابات العمال . ولكن ماذا عن الصحفيين حملة الأقلام .. حملة شعلة حرية الصحافة المزعومة فى الغرب . رغم خطورة ما يحدث فإن الصحفيين الانجليز فى معقل الديموقراطية والعاملين فى صحف مردوخ الأربعة يرفضون الحديث فى هذا الموضوع حتى لا يتعرضوا للفصل والتشريد .
وهكذا سيطر مردوخ على الصحافة البريطانية . ثم انتقل إلى الولايات المتحدة !! اتجه إلى المركز ، وفق خطة تصاعدية ، مركز العالم .. مركز العالم الانجلوسكسونى البروتستانتى اليهودى الذى يسعى دوما للسيطرة على العالم . وانتظمت مواقفه السياسية مع الحزب الجمهورى باعتباره الأكثر يمينية . فى هذا العالم الانجلوسكسونى يسيطر على 59 % من الصحف بدأ بنيويورك تايمز وانتهى بوول ستريت جورنال ويمتلك فوكس نيوز التلفزيونية الكبرى . ولكنه لم يترك بريطانيا ففى عام 1989 اشترى سكاى بى وأسس فوكس البريطانية وشركات فيديو وإذاعات وأصبح هو الأول فى الاعلام البصرى فى بريطانيا . وسيطر على تلفزيون الكابل واشترى الإذاعة الايطالية واشترى محطات تلفزيونية فرنسية وزحف حتى الهند فاشترى محطة تاتا ودخل السوق الاعلامى الصينى فى ظل الانفتاح الأخير للصين ، ومد شبكاته إلى العالم الاسلامى فى أندونيسيا وماليزيا ثم الفلبين .
وباستدارة كاملة ورغم استمرار وجوده فى أمريكا فإنه لم يترك استراليا فظل ينمى استثماراته فيها خاصة فى مجال الاعلام . ولكنه امتلك ثانى أكبر شركة طيران استرالية : أنسات وأسس أو اشترى شبكة تلفزيون فى استراليا . وفتح فرع لفوكس نيوز فيها . وأصبحت فوكس نيوز أكثر انتشارا ومشاهدة من سى إن إن .
بالنسبة لأفكاره السياسية فهو كما ذكرنا جمهورى أمريكى ، ومحافظ بريطانى وأمريكى . وكان مؤيدا بشدة لغزو العراق . ولكن مدرسته الاعلامية تركز أيضا على التسلية لا الثقافة وشعاره المقدس ” مزيد من الفتيات مزيد من الفلوس ” !! فى إشارة إلى استخدام الفتيات فى الاعلام والاعلان . وهو يتحدث صراحة عن أنه يتعامل مع الناس كمشاهدين لا كمواطنين ، وهذا ملخص كاشف لمشروعه الخبيث . فالجمهور مجرد مستهلكين يريد أن يجذبهم إليه فى طاحونة الترفيه واللهو والمجون ، وليدفعوا أموالا مقابل ذلك من خلال الاشتراكات والاعلانات .ولكنه لا يعتمد على الجمهور من أجل التمويل ، لذلك يقوم باستثمارات أخرى كشراء شركات الطيران وغيرها . الجمهور هو مجرد مستهلكين للسلعة الاعلامية ، والاعلام يستخدم الجمهور للحصول على الأرباح ولكن أساسا من أجل أن يقودهم من أنوفهم بعيدا عن قضاياهم الحقيقية . ولا توجد رسالة إعلامية جادة ولانقول رسالة سامية ومبادىء عليا ، فحتى الجدية غير مطلوبة . وهذا يفسر إعطاء مساحات متزايدة فى الاعلام الغربى للهو والمجون والشذوذ ومحطات الإباحية المشفرة التى يمكن فك شفرتها بسهولة من قبل أى صبى أو صبية .. لذلك ليس من قبيل الصدفة أن تكون أكبر شركة لانتاج المواد الاباحية يمتلكها يهودى كما ذكرت فى مقال سابق .
إذا درست الخريطة الاعلامية فى القنوات الامريكية والغربية ستجد الترفيه والهيافة تشغل المساحة الأكبر والمساحة الأصغر تكون للترويج لمشروع الهيمنة السياسية للغرب . والسبب فى إعطاء كل هذه المساحة للتهتك أو الهيافة أو تدمير القيم أن اليهود ليس لديهم مشروع للناس ، مشروعهم للناس هو أن يجذبونهم خلفهم كالنعاج ، وهم شعب الله المختار . يغيبون الناس أى يغيبون عقولهم كى تخلوا لهم الساحة فيتمكنوا من حكم العالم وقد قطعوا نصف الطريق لذلك من خلال السيطرة على أمريكا وأوروبا . ولكننا لا نبشر بنجاحهم ، كما يردد البعض ، بل نقول : سيهزم الجمع ويولون الدبر ، ولكن بالمقاومة والجهاد والوعى ، وليس بالانبطاح والاستخزاء الذى يمارسه معظم حكام العرب والمسلمين .
من ضمن الطرائف السخيفة أن الملياردير السعودى الشهير وليد بن طلال دخل مع مردوخ فى شراكة ذيلية ، وابحثوا عن وسائل الاعلام التى يملكها وليد بن طلال فقد أصبحت تحت هيمنة مردوخ ، أنا شخصيا أعلم منها مجموعة قنوات روتانا التى تعاملت معها مرة كضيف فى أحد البرامج السياسية وأدركت عمق ارتباطها بالتوجهات الامريكية حتى ان المذيعة المصرية جنت منى . وأعادت نشر مقاطع صغيرة مبتورة من البرنامج على اليوتيوب لتشويه ماقلته . وأهمية ذلك انه تكشف هذه النزعة الاحتكارية اليهودية للسيطرة على الاعلام ليس فى امريكا وحدها بل فى العالم بأسره . وهذا الاحتكار – كأى احتكار – لايحمل أى نزعة خيرة .إنهم يستهدفون كتم الأصوات وعلى مستوى العالم . هم لن ينجحوا فى تحقيق هذا المستحيل ، ولكنهم يحققون نجاحات مؤثرة . مثلا مثل هذه المعلومات التى أخبرك بها الآن كم مرة يمكنك أن تسمع عنها أو تطلع عليها . هناك نجاح فى التعتيم على كثير من الأشياء وعلى رأسها التعتيم على هذه الخطة الشيطانية والاحتكارية . وعندما يأتى الحديث عن مردوخ يتم تحويل المسألة إلى قصة نجاح شخصية فذة ، كما يفعلون مع قصة روتشيلد . فى الواقع لايمكن لأى شخصية فذة أن تتابع عمل 800 مؤسسة إعلامية ، خاصة ونحن نتحدث عن مادة إعلامية لا شركات لانتاج الصابون أو الأحذية . فالاعلام فى الهند غير الاعلام فى امريكا أو الصين أو اوروبا أو بلاد العرب . هناك مؤسسة غير مرئية تعين خبراء ومتخصصين اعلاميين فى كل هذه المؤسسات وتذودها بالتوجيهات اللازمة والإعداد الواجب . فالمسألة ليست مسألة ترفيه ورقص وغناء ، ففى كل هذه القنوات والصحف هناك نشرات أخبار وتحليلات وآراء وتوجهات لا يمكن أن تترك للعمل بالأهواء والصدف .. فى مشروع أخطبوطى قيمته 76 مليار يورو !
وأخيرا تجدر الاشارة فى النهاية إلى أننى لا أتابع دوما تطورات الخواجه مردوخ الذى كان الداعم الأكبر وسبب نجاح تونى بلير رئيس وزراء بريطانيا . وعلى هذه المدونة يوجد فيديو أو أكثر عن حياة مردوخ . أقول لاأتابع تطورات مملكة مردوخ على مدار الوقت فالتفاصيل لاتعنينى . وبالتالى لا أعرف إلى أين وصل الآن ولاشك أن ملكية المؤسسات يتم التغيير فيها فى عمليات فك وتركيب مقصودة أو إجبارية . وقد تقدم الآن فى العمر ويسعى لتوريث مملكته لابنه أو ابنته بعد أن تزوج إمرأة شابة جديدة لاستعادة شبابه . ولكن اليهود والأمريكان لن يتركوا هذه المملكة الاعلامية تتفكك . بل وجود مثل هذه المملكة يؤكد مسألة وجود قوى خفية تدير العالم . فهل يوجد أهم من الاعلام بعد المصارف . ما يهمنى التأكيد عليه هو الآلية أو الميكانيزم التى يعمل بها الاعلام الامريكى والغربى وهى المركزية الشديدة والسيطرة اليهودية مع إضفاء أجواء شكلية توحى بالتعددية وبالذات عدم إبراز هذه الهيمنة اليهودية لأنها تعمق الكراهية لليهود وتكشف اللعبة , وتؤكد غياب الديموقراطية الحقيقية التى يزعمون . فأى ديموقراطية فى ظل هيمنة أقلية عرقية صغيرة الحجم إلى حد يصل إلى أقل من 2% من سكان أمريكا وأقل من 1% من سكان العالم . 15 مليون من 8 مليارات . وحتى إذا أضفنا الانجلوسكسون البيض البروتستانت لليهود. فهم لايشكلون أكثر من 30 % من السكان فى الولايات المتحدة علما بأنهم ليسوا كلهم جميعا ينتمون إلى الكنيسة المعمدانية الجنوبية وهى الكنيسة الرسمية للنظام والتى تؤمن بالمسيحية الصهيونية . ولكن لابد من التأكيد على أن المكون اليهودى هو المتحكم فى الاعلام وعالم المصارف والمال والأعمال والبورصة ومفاصل الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية .
الحلقة التاسعة من دراسة المشروع العربى الاسلامى
وهى دراسة مقارنة بين النموذجين الاسلامى والغربى
magdyhussein.id
magdyahmedhussein@outlook.com