هل غيّر “حزب الله” استراتيجيّته من الرّدع إلى الهُجوم ضدّ الاحتِلال وكانت البداية تسلّل أحد المُقاتلين إلى “العُمُق الجليلي” المُحتل؟ وما هي المُفاجآت الثلاث التي تنتظر “الاحتِلال” إذا تأكّدت هذه النّبوءة؟ ومتى “الوقت المُناسب” للرّد الإسرائيلي؟
جبهة جنوب لبنان، أو بالأحرى شِمال فِلسطين المُحتلّة، تقف على أبواب مرحلة جديدة وغير مُفاجئة، من التّسخين المُتدرّج، فبالأمس حاولت دوريّة إسرائيليّة تغيير الحُدود وانتزاع مِتر من الأرض اللبنانيّة فتصدّى لها أهل الجنوب بقوّة وقذفوا الأوتاد في وجه جُنودها، واليوم أعلن أفيخاي أدرعي المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي “قتل شخصًا” كان يحمل حزامًا ناسفًا، بعد زرعه عبوة ناسفة بالقُرب من مفرق مجيدو أدّى تفجيرها إلى إصابة مُستوطن بجُروحٍ خطيرة، وأثبتت التّحقيقات الأوليّة أن “المُتّهم” تسلّل من الحُدود اللبنانيّة على ما يبدو.
العمليّة وقعت يوم الاثنين، وجرى الإعلان عنها الأربعاء، ولم يتم تقديم أيّ معلومات عن الشّاب المُتّهم بالتّنفيذ، ولا عن السيّارة التي استقلّها والسّائق الذي كانَ يقودها، وكُل ما جرى كشفه “أن الشّاب المُنفّذ كان يحمل حِزامًا ناسفًا جاهزًا للاستِعمال ربّما في عمليّةٍ ثانيةٍ أكبر”.
أصابع الاتّهام اتّجهت فورًا إلى “حزب الله” في تزامنٍ مع دراسات أمنيّة إسرائيليّة تقول إن الحزب عاقدٌ العزم على تفعيل جبهة الجنوب اللبناني، وتنفيذ عمليّات في عُمُق الجليل الفِلسطيني المُحتل دون أيّ إعلانٍ أو تبنّي للمسؤوليّة لأنّه ليس معنيًّا بحربٍ شاملةٍ على أرض لبنان.
خِطابات السيّد حسن نصر الله الأخيرة اتّسمت بالكثير من الغضب، والتهديدات باللجوء إلى لغة القوّة الوحيدة التي يفهمها العدوّ الإسرائيلي، والتهديد باللجوء إلى سلاح المُسيّرات الذي أعطى مفعوله عندما جرى إرسال أربعة منها لتُحلّق فوق حقل كاريش اللبناني الفِلسطيني المُحتل، وتُجبر المبعوث الأمريكي آموس هوكشتاين للهرولة إلى لبنان طالبًا التّهدئة وتسريع التوصّل إلى اتّفاقِ ترسيم الحُدود البحريّة.
ربّما لا يُريد السيّد نصر الله جرّ الدولة اللبنانيّة إلى حربٍ حِرصًا على الجبهة الداخليّة وتقديرًا للوضع اللبنانيّ الداخليّ المُتأزّم، ولكن لا نستبعد أن يكون هذا الموقف قد تغيّر، بعد ازدياد هذا الوضع الدّاخلي تأزّمًا، وتجاوز سِعر اللّيرة اللبنانيّة حاجز المئة ألف مُقابل الدّولار، أيّ أنّ التّدهور الدّاخلي وصل إلى قاعِ القاع.
“حزب الله” التزم الصّمت تُجاه العمليّة الفدائيّة التي أعلن عنها المتحدّث الإسرائيلي، ولم يُعلّق مُطلقًا عليها، وخاصّةً مسؤوليّته عن الوقوف خلفها، وربّما لأنّه يرى فيها تحريضًا يُمهّد لعُدوانٍ إسرائيليٍّ قريب لجنوب لبنان، والمتحدّث باسم قوّات اليونيفيل الدوليّة أكّد أن قوّاته المُراقبة للحُدود لم ترصد أيّ اختراقٍ للخطّ “الأزرق” في الأيّام الأخيرة.
الجِنرال يواف غالانت وزير الحرب الإسرائيلي هدّد بالرّد “في الوقتِ المُناسب” على الجهة التي تقف خلف “زارع” العبوة النّاسفة التي أدّت إلى إصابة مُستوطنٍ إسرائيليٍّ في الجليل المُحتل في إشارةٍ إلى “حزب الله”.
ما لا يعرفه الجِنرال غالانت أنه وجيشه، ومُستوطنيه، هُم الذين سيدفعون ثمنًا باهظًا في حالِ التجرّؤ على مُهاجمة جنوب لبنان، وأن هُناك عدّة مُفاجآت في انتظارهم إذا أقدموا على هذه الحماقة:
الأولى: كتيبة “الرضوان” التي أسّسها وسلّحها ودرّبها “حزب الله” استعدادًا لاقتحام الجليل الفِلسطيني وتحريره كردٍّ أوّليّ على أيّ عُدوان إسرائيلي، وهذه الكتيبة تحمل اسم الشّهيد عماد مغنية، وجاهزة لإنجاز مهمّتها المُكلّفة بها فورًا.
الثانية: كتيبة “أحرار الجليل” وهي تضم نُخبة من المُقاتلين الفِلسطينيين جرى اختيار أفرادها وفق معايير خاصّة ودقيقة، أبرزها العناصر الشابّة الرّاغبة في الشّهادة، وهذه الكتيبة ليست خاضعة لحزب الله، وتأتمر بأمر القيادة الجماعيّة للفصائل الفِلسطينيّة في لبنان ومُخيّماته.
الثالثة: وضع أكثر من 150 ألف صاروخ مُعظمها دقيقة في حالة طوارئ قُصوى هذه الأيّام، إلى جانب أكثر من 30 ألف مُسيّرة انتحاريّة جاهزة للانطِلاق لضربِ أهدافٍ مُحدّدةٍ سلفًا في العُمُق الفِلسطيني المُحتل.
استراتيجيّة الرّدع العسكري التي بناها وتبنّاها “حزب الله” مُنذ تحريره لجنوب لبنان عام 2000، وعزّزها بانتِصار عام 2006 هي التي أوقفت “العُدوانات” الإسرائيليّة على لبنان بشَكلٍ نهائيّ، ويبدو أن التّعديل الجديد على هذه الاستراتيجيّة هو نقلها من الدّفاع إلى الهُجوم مثلما أكّد لنا مصدرٌ لبنانيٌّ عليمٌ جدًّا.
السيّد نصر الله كرّر أكثر من مرّةٍ عباراته الشّهيرة مِثل: نهاية إسرائيل اقتربت، ولا خِيار أمام مُستوطنيها غير الهُروب سباحةً عبر البحر، أو استِعداده لتغطية نفقات تذاكر السّفر لمن يُريدون الهُروب جوًّا، ولعلّ العبارة الأهم التي ثبّتت الأحداث الأخيرة دقّتها “أن إسرائيل أضعف من بيت العنكبوت”.
عندما هدّد السيّد نصر الله بنقل الفوضى إلى العُمُق الإسرائيلي كان يعني ما يقول، ويكفي أن يُعطي الضّوء الأخضر للمُخيّمات الفِلسطينيّة ورِجالها للتوجّه نحو فِلسطين لتحرير أرضهم، ويبدو أنّ اتّخاذ الخطوة بات وشيكًا، ولا نستبعد أن يكون هذا الشّاب “المُزنّر” بالحِزام النّاسف، وتسلّل إلى العُمُق الجليلي المُحتل هو بداية الغيث في هذا المِضمار.. واللُه أعلم.