نترك عهد عمر بن الخطاب وننتقل إلى طرح المبادىء العامة للاقتصاد الاسلامى . وهل يوجد ما يمكن أن نسميه اقتصادا اسلاميا بالمقارنة مع المدرستين الشهيرتين فى الاقتصاد : الرأسمالية والاشتراكية ؟
نحن هنا أمام زاوية جديدة للرؤية فى إعجاز القرآن ككتاب منزل من السماء . من الطريف أن الدراسات الحديثة فى الاقتصاد الاسلامى تستعرض مبادىء الاقتصاد الرأسمالى ومبادىء الاقتصاد الاشتراكى لتبرهن أن الاقتصاد الاسلامى متميز وله خصائص متفردة وأنه وسط بين المدرستين ، ورغم صحة ذلك إلا أن هؤلاء الكتاب لا يلحظون أن الاسلام سبق المدرستين بقرون عديدة لا تقل عن 11 قرنا ! فبعض الكتاب الاسلاميين يحاولون إثبات أن الاسلام يدرك محاسن الاشتراكية ويدرك محاسن الرأسمالية ، كما يقولون فى مجال الشورى حيث يحاول البعض أن يبرهن على أنها هى الديموقراطية . وكأن نظريات الغرب هى الأساس والمعيار الذى نقارن على أساسه . بينما من تفوق الرؤية الاسلامية أنها سبقت كل هذه العصور وأنها تجنبت ما وقعت فيه النظريات الحديثة من تطرفات ، وأنها تقدم طوق النجاة للاقتصاد العالمى إذا أراد أن ينقذ نفسه . بل إن الأصوات بدأت تتعالى فى الغرب بذلك ، بينما لا نزال نحن المسلمين لا نلتزم بالمرجعية الاسلامية فى أمور السياسة والاقتصاد !!
إنفجار أزمة الاقتصاد العالمى عام 2008 أدت ببعض من الاقتصاديين الغربيين إلى الحديث عن أهمية الاستفادة بمفاهيم الاقتصاد الاسلامى . من أمثلة ذلك رودنى ويلسون أستاذ الاقتصاد وخبير المصارف البريطانى الذى قال : إن البنوك الغربية فى حاجة اليوم إلى إرشاد أخلاقى ، ذلك لأن الجشع وإنعدام الأخلاق هما اللذان تسببا فى الأزمة العالمية الحالية وان الصناعة المصرفية الاسلامية بنظامها الأخلاقى المتميز تتمخض عن إبراز وجه الاسلام الايجابى .
ويقول روجر سمى وهو رجل أعمال بريطانى ولاعب كرة سابق : فقد الغرب معالم الطريق الصحيح حيث أن ما تبقى لنا الآن جملة من الوريقات والقوائم الثرية من أصحاب الأموال ، وبدلا من النظر إلى كل ما تشمئز منه أنفسنا والحكم عليه بالرفض وإثقاله بقيود قانونية جاهلة ، علينا بالأحرى أن نبحث جيدا فى القرآن الكريم فى منطقة الشرق الأوسط وأن ننهل من مبادىء هذه الشريعة لنستغلها الاستغلال الصحيح فى بناء نظم اقتصادية حقيقية قادرة على تحمل الأزمات مهما كانت تبعاتها .
تقرير غربى يطالب الدول الغربية بالتحول إلى النظام المصرفى الاسلامى .
ويقول د. عبد الباسط وفا مدير معهد العلوم المالية والضريبية بجامعة حلوان :
إن نظام المشاركة فى الربح والخسارة أو بالتعبير الشرعى ” الغنم بالغرم ” وإن كان مجرد مبدأ اقتصادى بسيط إلا أنه على قدر كبير من المنطقية والإقناع والوجاهة فى مقابل ” نظام الفائدة ” الذى كرس الجشع والأنانية والبحث عن الربح السريع بأى ثمن كان ولو على حساب انهيار النظام العالمى برمته .!
وحتى لا يقال إن هذه آراء رجال أعمال نقول إن اقتصاديين مرموقين من الحائزين على جائزة نوبل فى الاقتصاد من أمثال كروغمان وستيجليتز وسان وآلى وغيرهم قالوا بأن النظام الرأسمالى على حافة الانهيار مالم تحدث فيه مراجعات جوهرية وأنه آن الأوان إلى الالتفات إلى مبادىء الصيرفة الاسلامية . وهذا أيضا ما صرحت به وزيرة المالية الفرنسية فى منتدى عقد فى باريس : إن رجال المال الغربيين يمكنهم أن يتعلموا من علماء العالم الاسلامى وأن يضعوا مبادىء جديدة للنظام المالى العالمى مؤسس على الشفافية والشعور بالمسئولية والاعتدال ومن أجل هذه العوامل فإن التمويل الاسلامى يجذبنا لكى نستخدمه . عقد المنتدى عام 2008.
وحتى من قبل أزمة 2008 العالمية كان عدد متزايد من كبار المفكرين الاقتصاديين فى أمريكا وأوروبا يتحدثون عن ضرورة خفض الفائدة إلى أدنى حد ممكن لإنعاش الاقتصاد ، بل تحدثوا عن فائدة = صفرا أى إلغاء الفائدة أى إلغاء الربا صراحة . بل وتم تنفيذ ذلك فى بعض البلدان ووصلوا إلى فائدة سالبة !
قلت وكتبت مرارا من قبل ان خطبة الوداع للرسول عليه الصلاة والسلام كانت مذهلة ، فقد كان يقول كلمته الأخيرة وكانت موجهة للناس جميعا ” يا أيها الناس ” مذهلة لأنها ضمت المبادىء الأساسية التى لا تزال تشغل العالم حتى الآن فى القرن الواحد والعشرين . مذهلة لأنها تصلح لتكون ميثاق لمنظمة الأمم المتحدة الحرة لا الأمم المتحدة الحالية الواقعة تحت سيطرة المستكبرين . من هذه المبادىء تحذير البشرية من الربا : “ إن كل ربا موضوع ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون. قضى الله أنه لا ربا “.
بطبيعة الحال لن يستجيب الطواغيت لآراء المفكرين الاقتصاديين لأنهم يحكمون العالم من خلال رأس المال المالى ، من خلال السيطرة على حركة النقد بكل أشكاله . هذه هى أداتهم الرئيسية فى السيطرة الاقتصادية وهم لا يهمهم أن تقع أزمات حادة بين الفينة والأخرى ، فالجماهير هى التى تدفع الثمن وهم أى الكبار لا يخسرون شيئا ! وهذا ما حدث فى أزمة 2008 إذ عوضت الدولة الأمريكية كبار الرأسماليين والشركات وكبار مديرى البنوك ولم تعوض صغار المستثمرين والمودعين .
هذه هى الرؤية من أعلى نقطة ، رؤية من فوق أعلى الجبل ولذلك ترى الصورة واضحة عند مفكرى الغرب الذين يتسمون بالنزاهة لأن الغرب هو سقف العالم ! أما فى بلادنا فلا نزال فى سفح الجبل وننظر إلى الأرض ولا نرى الصورة كاملة نحن وحكامنا مشغولين بالاقتراض من هؤلاء النصابين ، ونتصور أن هذا هو الحل .
والآن ماذا عن النخبة الاسلامية القيادية هل توقفت عن القراءة؟ هل توقفت عن قراءة كتب المفكرين والعلماء المسلمين عن الاقتصاد الاسلامى ؟
هذا ما سنتحدث فيه إن شاء الله
يتبع
الحلقة 52 من دراسة المشروع العربى الاسلامى – يجب دوما ملاحظة أن هذه الدراسة كتبت فى الأعوام بين 2018 – 2020
magdyhussein.id