الرئيس مرسى يفتخر : جلبت 10 مليارات قروض ومنح ومثلهم استثمارا أجنبيا والشاطر مشغول بسوبر ماركت للأغذية المستوردة – بقلم مجدى حسين

طوال فترة مناقشاتى وحوارتى مع القيادات الاسلامية من مختلف الفصائل منذ عام 1982 لم أجد أحدا يتحدث عن الاقتصاد الاسلامى ، ولا توجد وثيقة بهذا الاسم صادرة عن أى تنظيم اسلامى عدا ما صدر عن حزب العمل ثم الاستقلال ، بل إن تصريحات القيادات الاسلامية ومواقفهم العملية تعكس عدم الفهم الحقيقى للاقتصاد وهى ليست سوى محاكاة لتجارب الرأسمالية الغربية والسعى للتعاون معها .

ولتلخيص ذلك أذكر بخطبة الرئيس السابق مرسى رحمة الله عليه فى استاد القاهرة يوم 6 أكتوبر 2012 أى بعد 3 شهور من تولى الرئاسة وكان يقدم كشفا بإنجازاته خلال هذه الفترة القصيرة . وقال – وقد استمعت للخطبة بالكامل وكنت مدعوا وحاضرا فى الاستاد وخرجت وأنا فى ذروة التشاؤم كما صرحت لرفيقى الأستاذ عبد الحيد بركات – إنه وفر للبلاد 10 مليارات دولار مابين قروض ومنح و10 مليارات دولار أخرى كاستثمارات أجنبية . وقال هل يمكن تحقيق إنجاز أكبر من ذلك خلال هذه الفترة القصيرة ؟ وحاول إقناعنا بأهمية قرض صندوق النقد الدولى 2.3 مليار دولار وقال إن فائدته 2 % وأن 2 % ليست ربا !

ويتزاوج مع ذلك تصريحات لخيرت الشاطر نائب المرشد العام والمهتم بالشأن الاقتصادى فقال مثلا فى مؤتمر صحفى : إن اليابانيين عرضوا عليه استثمارات بعشرة مليارات دولار ولكنهم يريدون توفير الأمن فى البلاد حتى يبدأوا العمل . وكان يشير فى ذلك إلى أهمية توقف عمليات الشغب والتظاهرات الكثيرة المناوئة للاخوان .

هذه هى المواقف الرسمية من أعلى مستوى فى الاخوان المسلمين وهى لم تلق أى معارضة أو خلاف من أى فريق اسلامى آخر ، عدا العبد لله وصحبه . بل لم تلق معارضة أو خلاف من أى فريق من التيار المدنى يساريا كان أم يمينيا . ومن تناقضات المشهد المصرى أن المجلس العسكرى بقيادة المشير طنطاوى هو الذى رفض صراحة اقتراح الحكومة بالاقتراض من صندوق النقد الدولى وقد كتبت مؤيدا لذلك فى صحيفة الدستور فى ذلك الوقت . أقول من تناقضات المشهد لأن المؤسسة العسكرية لم تتمسك بهذا الموقف بعد ذلك وحتى الآن . أى حتى عام 2023 .

ولن أتحدث الآن فى مسألة الربا فى قرض الصندوق وسأعود إليها ، لأننى أتحدث عن شىء أكثر شمولا وهو أن تفكير القيادات الاسلامية مجرد تفكير رأسمالى تقليدى ، ولم يصدر عنهم أى تصريح أو موقف عملى يعكس رؤية اسلامية فى مجال الاقتصاد . وهكذا أصبح الفهم الاسلامى للاقتصاد هو الرأسمالية ، بل غلب عليهم الفكر الرأسمالى الاستهلاكى ، حتى لقد انشغل خيرت الشاطر نائب المرشد العام بالاستثمار شخصيا فى مشروع مول لترويج السلع الاستهلاكية وكثير منها مستورد . والمفروض أن وقته أثمن من ذلك ، وإن أراد أن ينشىء مشروعا فلينشىء مشروعا رياديا انتاجيا ولكن تعليق الخطط والآمال كان كما قال الرئيس مرسى على القروض والمنح والاستثمار الأجنبى ، والتى اتضح بعد ذلك أنها كانت مجرد وعود أو تفاهمات مبدئية فى أغلبها ولم تتحقق . وهذه هى بالضبط السياسة الاقتصادية لنظام حسنى مبارك . فكل هذه منابع ضارة ولا تفيد فى إقامة اقتصاد مستقل .

لا أريد أن أتخصص فى انتقاد الاخوان المسلمين ليس لأن معظم قياداتهم فى السجن ولا بد من مراعاة ذلك أخلاقيا وأدبيا ومن باب اللياقة . فأخطاء الاخوان قديمة ومستمرة قبل وبعد وأثناء الوجود فى السجون وهى أمور لا تحتمل التأجيل . وهذه مسألة منفصلة عن عدم موافقتى على أى انتهاك يتعرضون له فى السجون أو خارجها خارج نطاق القانون والمواطنة . لا أريد التخصص فى انتقاد الاخوان لأنهم لم يعودوا يشغلونى إلى هذا الحد ، وأرى أن الزمن يتخطى أو تخطى بالفعل هذه المدرسة التى تهزم بانتظام من المغرب حتى ماليزيا وتنسحب تدريجيا من المشهد فى بلاد كثيرة حتى بدون سجون . وأيضا لأن المبالغة فى تفسير كل مشكلات الأمة كما ظهر فى الاعلام طوال السنوات الأخيرة ان الاخوان هم سبب مشكلات الأمة جميعا حتى نسبت إليهم أزمة الدولار الأولى ونسب إليهم سد بلاعات الأسكندرية التى لم تستطع أن تصرف مياه الأمطار ، لأن فى ذلك خروج تام عن الموضوعية ونوع من الدعاية السوداء وتؤدى فى النهاية لإعطاء الاخوان أهمية أكبر من حجمهم الحقيقى ، وبالتالى دعاية لهم .

انتقادى لمواقف ومنهج الاخوان المسلمين ليس جديدا وهو منشور حتى أثناء التحالف معهم ومنشور قبل ثورة 25 يناير وبعدها وقبل أن أدخل السجن وبعد الخروج من السجن وأثناء الوجود معهم 7 سنوات فى السجن ! . وهذه أحد محاور أبحاثى ليس إلا . وما يشغلنى أساسا هو استجلاء المعانى والمفاهيم الاسلامية الصحيحة لتقديمها للأجيال الصاعدة وهذا لا يتأتى بدون النقد العميق لمواقف سائر الحركات الاسلامية المهزومة والتى هى مسئولة أساسا عن هزيمتها وليس الاخوان فحسب ، ومن ذلك هذا الموضوع الذى نتحدث فيه ، فقد نسى قادة الحركة الاسلامية أن هناك ما يسمى الاقتصاد الاسلامى .

التقيت مثلا مع بعض شباب الاخوان العائدين من زيارات استكشافية وتعليمية لليابان وسنغافورة وغيرهما فى بعثات لتقصى الحقائق ودراسة كيف ولماذا تقدمت هذه البلدان . استمعت إلى انطباعاتهم وقد كانت شديدة السطحية لأنهم ذهبوا لأيام قليلة إلى بلاد لا يعرفون عنها شيئا . واستمعوا لبعض المعلومات التى قدمها لهم بعض الموظفين فى هذه الدول .

وقد أدركت أن التعصب الاخوانى سيجعلهم لا يستفيدون شيئا من مثل هذه الزيارات . الزيارات الخارجية مفيدة جدا للتثقيف ولكنها تتكامل مع القراءة والبحث والتحليل ، أما الزيارة وحدها فستكون سطحية . لقد تعامل الاخوان مع الأستاذ عادل حسين 15 سنة من 1986 حتى وفاته فى 2001 وكان من المفترض أنهم يقرأون مقالاته الاقتصادية ، وله كتاب عمدة ” الاقتصاد المصرى من الاستقلال إلى التبعية ” وضع فيه نظرية التنمية المستقلة برؤية اسلامية . ولكنهم لم يستفيدوا منه أى شىء فى هذا المجال الاقتصادى . ليس لأنه ينتمى لحزب آخر ومدرسة أخرى فحسب بل أساسا لأنهم غير منشغلين بحكاية الاقتصاد المستقل . ولو قام الاخوان كقادة أو شباب بالاجتماع مع أساتذة اقتصاد مصريين يؤمنون بالتنمية المستقلة كالدكتور ابراهيم العيسوى مثلا فليس عادل حسين وحده هو صاحب هذه الرؤية ، لفهموا الكثير عن تجارب اليابان وسنغافوره وكل النمور الآسيوية . ولوذهبوا للسفارة الماليزية وحصلوا على كتب محاضر محمد لتعلموا أكثر . ولوفتحوا الانترنت لوجدوا أبحاثا بالغة الأهمية والوضوح . ولكنه عدم الادراك للطريق الصحيح للمعرفة.

ولنعد لموضوعنا الأصلى عن الاقتصاد الاسلامى .

يتبع

الحلقة 53 من دراسة المشروع العربى الاسلامى

magdyhussein.id

اترك رد

%d