الاسلام يرفض إلقاء القمح والبن فى المحيط فى أمريكا للحفاظ على مستوى الأسعار – بقلم مجدى حسين

ماذا يعنى أن المال مال الله فى الملكية الخاصة ؟

إن الأمر لا يقتصر على المثال الذى ضربناه بسحب تخصيص الأرض من صاحبها بعد أن أقطعها له الحاكم لأنه لم يقم بتعميرها على مدى 3 سنوات . هذا مثال من زاوية بالغة الأهمية : وهى إعمار الأرض ، ولكن القاعدة أوسع من ذلك وأشمل ، إنها تشمل كل تصرفات وقرارات صاحب الملك والمال تجاه ماله . فعندما يدفع الزكاة لا يتصرف بماله المتبقى كما شاء وأن شاء . وهذا ما دفع قوم عاد للاحتجاج على هود : أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل فى أموالنا ما نشاء – هود 87 . فلا بد من مراعاة الله فى كل التصرفات المالية عموما ، كما نرعى الله فى كل التصرفات غير المالية . وليس المقصود بذلك أن النظام الاسلامى سيتحول إلى جهاز رقابى رهيب يعد على الناس سكناتهم وهمساتهم وحياتهم الشخصية كما حاولت أن تفعل النظم الشيوعية وحتى وصلنا إلى رواية ” 1984 “ الشهيرة . لن يكون النظام السياسى هكذا بل العكس تماما لأن الاسلام يقوم على رباط غير مرئى . ولن يكبل الناس بمنظومة من القوانين الملزمة تدفعهم نحو الاستقامة والعمل الصالح فى كل صغيرة وكبيرة . فالمسألة تعتمد بالأساس على الضمير والوازع الدينى والخوف من الله عز وجل ومن عقاب الآخرة . مثلا فإن إنخفاض معدلات السرقة والقتل فى المجتمعات الاسلامية لا يرجع للقوانين الرادعة بقدر ما يرجع إلى الخوف من الله . الاسلام يقوم على رباط غير مرئى . الايمان بالله والتقوى ومن ثم ضمير المؤمن الذى يحاسبه كل ليلة . وقد تحدثنا من قبل على هذه الآلية عند حديثنا عن حد الزنا حيث جعل الله سبحانه وتعالى إثبات الزنا أشبه بالمستحيل إلا أن يعترف الزانى . نظام الاسلام يقوم على يقظة الضمير والخوف من الله وعمل حساب الآخرة أكثر من التكفير عن الذنوب فى الدنيا .

والآن لنركز على الاقتصاد ، فحتى فى الزكاة لن يقوم بحصرها نظام بوليسى ولكن يعتمد نظام جمع الزكاة على تصريحات الذى يؤدى الزكاة وعلى الدفاتر التى يقدمها . فالنظام يعتمد على أساس أنها عبادة وليست جباية أو رقابة أو تفتيش ، والنظام بذلك يعمل على تنشيط عمل ضمير المؤمن ويجعله فى مواجهة مباشرة مع الله سبحانه وتعالى .

يقوم الفكر الرأسمالى والتجربة الرأسمالية على حرية المالك فى أن يفعل فى ماله ما يشاء إلا أن يدفع الضرائب المفروضة عليه . إشعار الناس بالحرية شىء رائع وجميل ولكن ماذا لو تحولت الحرية إلى شراء أسلحة نارية أوتوماتيكية من الأسواق بشكل شرعى وقانونى ، ثم قيام المشتر بفتح النار على الناس عشوائيا كما يحدث بشكل شبه يومى فى أمريكا . لاتزال صناعة الأسلحة والذخائر تفرض بقوتها المالية كجماعة ضغط استمرار قوانين حرية انتاج وبيع جميع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة . وتحدثنا عن إلقاء الرأسماليين للقمح والحبوب والبن فى المحيط حتى لا تنخفض أسعار هذه المواد .

أخيرا تم تحويل الفكر إلى استخدام القمح كسلعة استراتيجية لرشوة البلدان التابعة مقابل شروط سياسية جائرة وهذا أيضا غير مقبول أخلاقيا ، وقد سميت المعونة الأمريكية .

فى النظام الاسلامى لايمكن السماح بوقوع مثل هذه الجرائم فالأصل أن يتحمل المنتج عواقب إنخفاض السعر ثم يقلل إنتاجه فى العام التالى . وإذا عانى من كارثة يمكن أن تعوضه الحكومة بتعويضات مالية حتى يقف على قدميه . وهذه من مصارف الزكاة التى تنفق حتى على الموسرين إذا أصابتهم مصيبة . مصرف الغارمين . الحلول العادلة كثيرة إلا إعدام نعم الله سبحانه وتعالى . لقد تعلمنا من مدرسة الاسلام الحفاظ على نعمة الله حتى وإن كانت كسرة خبز قديمة .

قد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على احترام الطعام وتوقير النعمة وعدم إهدارها فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يعيب طعاماً قط بل إن اشتهاه أكله وإلا تركه، وعن أنس رضي الله عنه قال: مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بتمرة في الطريق فقال: “لو لا إني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها” متفق عليه.

فقد بين -صلى الله عليه وسلم- أنه لو لا المانع لأكل هذه التمرة ولم يتركها تذهب وتفسد. وهذا مما يدل على اهتمامه -صلى الله عليه وسلم- بشأن النعمة وحفظها من الإهدار.

وعن أم المؤمنين ميمونة -رضي الله عنها- أنها وجدت تمرة فأكلتها وقالت: “إن الله لا يحب الفساد”، وقد روى ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي النبي -صلى الله عليه وسلم- البيت فرأى كسرة ملقاة فأخذها فمسحها ثم أكلها وقال: “يا عائشة أحسني جوار نعم الله فإنها ما نفرت من قوم فعادت إليهم”، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “إذا سقطت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان” رواه مسلم. وأمر -صلى الله عليه وسلم- بلعق الأصابع والصحفة وقال: “إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة” رواه مسلم.

لقد تطور فكر الحرية فى الغرب إلى كل الحدود المدمرة ، ورغم أنهم فى فلسفتهم التى أصبحت بديلا للدين بعد أن كفر معظمهم فى أوروبا بالمسيحية ، رغم أنهم فى فلسفتهم يقولون القاعدة المنطقية : عدم إلإضرار بحرية الآخرين .. وعش ودع غيرك يعيش

live and let 0ther live

إلا أن الحرية المطلقة للفرد ظلت تطغى دون مراعاة حرية الآخرين . بالأمس قرأت خبرا عن أمريكى استخدم الأسلحة النارية لتصفية أسرة مجاورة له لمجرد أنها طلبت منه تقليل الضوضاء التى يحدثها . وهذا ليس خبرا عجيبا ، بل له تنويعات عديدة فهذا مثلا لاتعجبه الوجبة فى المطعم فيقوم بإطلاق النار على العاملين . هناك حالة متصاعدة ومتعاظمة لقيمة الفرد وحريته المطلقة حتى أنه فى شهر مايو 2023 تم تنظيم مسيرة بالأسلحة تطالب بالحرية فى شوارع واشنطن . ووصل الأمر إلى حد الحديث ، وكأنه أمر منطقى ، عن حرية أن يفعل الانسان بجسده ما يشاء لتبرير الشذوذ الجنسى بين الرجال والنساء ، وتأسيس أسر مثلية وهكذا يسمونها مثلية حتى أصبحت نقطة أساسية فى حقوق الانسان .

فى الاسلام أنت لست حرا فى أن تفعل بجسدك ما تريد : من الشذوذ وحتى الانتحار . ومرة أخرى فإن الاسلام ليس نظاما بوليسيا ولا يقوم على المراقبة ، وأنت حر فى اعتناق الاسلام بعد أن تفهم صورته الكلية وتلتزم به ، وبالتالى أنت تلتزم وتلزم نفسك بقواعد ومبادىء الدين الذى اعتنقته بكل إرادتك ، ولن يوجد نظام للمراقبة على تصرفاتك فى جسدك إلا ما تفعله فى العلن ، فى الطريق العام .

الايمان بالله يضبط المجتمع فى كل جوانبه بصورة آلية وكل ما نقوله عن الاقتصاد

لأن هذا هو موضوعنا ، ينطبق على مختلف جوانب الحياة . الايمان بالله هو الذى يقلل الجريمة إلى الحد الأدنى وليس كثرة عدد رجال الشرطة .

هذا المفهوم المادى والمتوحش للملكية ، إلقاء الحبوب والبن فى المحيط ، يعود إلى عمق تاريخ الغرب خلال الحقبتين اليونانية والرومانية حيث كان العبيد مجرد أدوات يحق لملاكهم أن يقتلوهم كما يحطم المالك أثاث البيت ولا يحاسبه أحد . وهذه لم تكن معاملة الرقيق فى حضارتنا الاسلامية . لقد كانت لهم حقوق عديدة حتى وصل الأمر وحكموا بلاد المسلمين !

نعود إلى مثالنا الأول الذى يوضح أن حقوق الملكية الفردية ليست مطلقة . ويظهر ذلك فى إمكان نزع ملكية قطعة أرض منحها الحاكم لمواطن ليعمرها ، ولكنه لم يفعل على مدار 3 سنوات .

حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أحيا أرضا مواتا أو ميتة فهى له .

ليست مسألة إقطاع الحاكم فحسب ، فأرض الله واسعة ومن يريد أن يحيى الأرض فهى له ، مالم تكن فى ملكية مواطن آخر . نحن أمام قاعدة تطلق المبادرات الفردية فى الاقتصاد مما ينعش عملية التنمية ، وتحقق تزايد معدلات النمو تلقائيا حسب مصطلحات العصر . وإحياء الأرض قد يكون زراعة أو بناء أو تجارة أو صناعة أى بإقامة أى مشروع انتاجى أو خدمى . والحقيقة فإن تعمير أمريكا قد تم بهذا القانون ولكن بدون مراعاة حقوق السكان الأصليين . فاعتبروا أن كل أراضيهم مباحة ومستباحة بالقوة . إذا جنبنا هذه الجريمة الوحشية فإن عملية تعمير الأراضى تمت من الناحية الاقتصادية من خلال إطلاق المبادرة الفردية بين الأوروبيين .

هذا الحديث الشريف : من أحيا أرضا ميتة فهى له . يحل معظم مشكلات مصر الاقصادية ؟ ولكن كيف ؟

يتبع

المشروع العربى الاسلامى – 55

magdyhussein.id

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: