من أحيا أرضا ميتة فهى له – مبدأ اسلامى .. تجربتى مع نظام مبارك دفاعا عن مزارعى الصحراء و مساكن ضباط البحرية فى رأس الحكمة – بقلم مجدى حسين

الصورة لرأس الحكمة

من أحيا أرضا ميتة فهى له . هذا الحديث الشريف وحده يحل معظم مشكلات مصر الاقتصادية . مثلا من أهم مشكلاتنا مشكلة الاسكان خاصة للشباب الساعى للزواج وتكوين أسرة ، والذى يرفع سعر المبانى والشقق أساسا هو سعر الأرض . والعجيب أن الدولة المسئولة عن حل مشكلات المواطنين هى التى تدخل فى سوق بيع الأراضى والعقارات ، ووصل الأمر إلى حد أن وزارة الاسكان تقيم مزادات علنية لبيع العقارات معولة على أموال العاملين فى الخارج . ولكن ماذا عن المصريين فى الداخل وهم الأساس لقد زادت بالنسبة لهم أسعار المبانى بصورة لاتصدق . وظهرت نظرية فى الحكم تقول إن الأراضى مورد أساسى للمال للدولة عن طريق بيع أراضى الدولة . وهكذا تفاقمت أسعار العقارات والأزمة العقارية .

وقد كان أساس نشأة الاسكان العشوائى هو قيام الفقراء ببناء وحدات سكنية صغيرة للإيواء دون أن يدفعوا ثمن الأرض ، أما البناء فكان بأيديهم . وفى الريف تاريخيا حل الناس مشكلة الاسكان من خلال البناء على الأراضى الزراعية وتعلية البنيان بالتدريج ، بمعنى كلما تزوج أحد الأبناء يتم بناء شقة له فى دور أعلى .

إحياء الأرض الميتة له أشكالا متنوعة وهى تعنى تملك الأرض بإحيائها وليس بشرائها . فقد قام الناس بالتوسع فى الانتاج الزراعى فى عهد مبارك وكانت تصلنى مشكلات وشكاوى عديدة ومروعة من شباب ومزارعين توسعوا وزرعوا أراض بالصحراء وأنتجوا محاصيل من القمح إلى الفواكه ، فكان يأتى المتكبرون ويستولون على هذه الأراضى بعد تدميرها من المزروعات أولا لتأكيد أنها غير شرعية ، وكان أصحاب المصالح يستعينون بأجهزة الدولة الفاسدة لتدمير المزروعات والمساكن والاستيلاء على الأرض .

فى إحدى المرات عندما كنت عضوا بمجلس الشعب وصلتنى شكاوى عن مأساة من هذا النوع فى أيسر ترعة النصر جنوب الاسكندرية . بلا أمل كبير ولكن لإرضاء ضميرى وللقيام بواجبى اتصلت بمصطفى الفقى وكان مسئول الرئيس للمعلومات ، وشرحت له الوضع بالهاتف ، ووجدت منه تجاوبا جيدا حتى لقد قال : إن أسوأ شىء يمكن أن يحدث هو أن يتم قطع شجرة واحدة . وطلب منى كتابة تقرير مختصر قدر الإمكان لعرضه على الرئيس مبارك ، وقد فعلت وأرسلته له على وجه السرعة . ولا أظن أن شيئا قدحدث وأصحاب الشكوى لم يعيدوا الاتصال بى . ولكن مثل هذه الأحداث كانت متكررة ومتواترة فى مختلف أماكن الجمهورية على أطراف الوادى والدلتا . وبالإضافة للفساد ونفوذ كبار المفسدين فلم يكن هناك قانون ولا أظن أنه يوجد حتى الآن قانون يحمى من يحيى الأرض . وإن كانت القوانين الوضعية المصرية ، وسنجد فى مواضع عدة أنها ليست بعيدة عن الشرع، تعطى أحقية لواضع اليد فى الملكية ولكن بعد 15 سنة . ولكن هذا يختلف عن منطوق المبدأ الاسلامى الذى يقر الملكية فورا شرط الإحياء خلال 3 سنوات .

وهناك نوع آخر من الاحياء هو إقامة مشروع انتاجى أو خدمى بشرط عدم تجريف الأرض الزراعية . تخيل أى حالة من الازدهار ستعيشها البلد لو انطلق الناس يبنون مساكنهم ، ويزرعون الأرض الصحراوية حيثما توفرت المياه الجوفية أو الأمطار ، ويقيمون شتى أنواع المشروعات . ولا شك أن أصحاب المشروعات سيختارون العمل فى مجالات يحتاجها الناس حتى تنجح .

ولكن تبقى نقطة جوهرية

إن انطلاق الملايين فى هذه الاتجاهات المتعددة للبناء وتأسيس المشروعات الانتاجية والخدمية والمشروعات الزراعية الجديدة متحررين من عبء الثمن الباهظ للأرض ربما سيؤدى إلى حالة واسعة من العشوائية والفوضى والاضطراب . هنا يأتى دور الدولة كمنظم . دور الدولة القيادى يتمثل هنا فى تخطيط المدن الجديدة والأحياء الجديدة ، وتحديد موقع السكن ، ومواقع الزراعة فى حدود توفر المياه ، وتنظيم وتخطيط وتحديد مواقع المشروعات الصناعية وغير الصناعية . المواطن يأخذ قطعة الأرض وفقا للخريطة مجانا ، فالدولة لا تتربح من المواطن .

ولكن الدولة التى عشش فيها الفساد لا تريد أن تحل مشكلات المواطنين ، بل يريد الحيتان تحقيق ثروات طائلة من خلال التعامل مع شركات المقاولات التقليدية .

من المشكلات التى وصلتنى فى جريدة الشعب عند تولى رئاسة التحرير ، وكتبت عنها وأثارت حفيظة الرئيس مبارك عندما وقفت مع مجموعة من ضباط البحرية المتقاعدين الذين عمروا منطقة فى الساحل الشمالى وأقاموا مساكن صغيرة كمصايف بنوها بأيديهم . وإن كانوا قد دفعوا ثمن الأرض للعرب من واضعى اليد . وكان الضباط قد اختاروا مكانا رائعا فعلا لم يقبل مبارك أن يفلت منه فانتزع منهم الأرض وبنى استراحة رأس الحكمة ، فهو لايكفيه برج العرب أو شرم الشيخ أو أكثر من 34 قصرا واستراحة . وقد حكم القضاء الادارى لصالحهم أى لصالح ضباط البحرية ، ولكن أظن أنهم خسروا القضية فى المرحلة التالية . الحيتان عادة ضد مبدأ إعمار الأرض ، الحيتان لا بد أن يرفضوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أحيا أرضا ميتة فهى له . إذا كانوا قد سمعوا به أصلا . هذا الحديث يمثل ذروة الحرية الاقتصادية ، وهو أكثر ما تباهى به النظرية الرأسمالية دون أن تلتزم به فى المرحلة الراهنة فى الغرب . هذا الحديث يضع مبدأ المباراة المفتوحة للكسب ، يكسب فيها الأكثر عملا واجتهادا ، لا الأكثر قربا من مراكز النفوذ والسلطة . أنه سباق ليس للاستحواذ على الأرض والمضاربة بها أو تصقيعها ولكن من أجل استثمارها فورا . إنه مبدأ تكافؤ الفرص : ضع الجميع فى خط واحد كسباق العدو ثم أتركهم يتنافسون ” يبتغون من فضل الله ” المزمل – 20 .

يتبع

الحلقة 56 من دراسة المشروع العربى الاسلامى

magdyhussein.id

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: