بين يومي 30 – 31 تموز/ يوليو و 21-31 آب/ أغسطس 2023 احتضن لبنان حدثين هامين على المستوى الشعبي العربي، أولهما الدورة 32 للمؤتمر القومي العربي (دورة جنين) في بيروت ، وثانيهما الدورة 30 لمخيم الشباب القومي العربي ( دورة الشهيد المصري محمد صلاح إبراهيم)، وبين الحدثين شهدت الأمة أيضاَ احداث بالغة الأهمية أبرزها على ارض فلسطين حيث شهدت عمليات المقاومة ضد قوات الاحتلال في فلسطين تصاعداً ملحوظاً وصل الى أربع عمليات في اليوم الأخير من شهر آب/أغسطس .
كذلك شهد الوطن العربي والعالم في الأسبوع الأخير من شهر آب/أغسطس انتفاضة شعبية في ليبيا ضد لقاء تطبيعي ضم وزيرة خارجية حكومة طرابلس مع وزير خارجية الكيان الصهيوني أدى الى اقالتها وفتح تحقيقات واسعة حول هذا الاختراق لقوانين ليبيا وتاريخ شعبها الوطني والقومي العريق.
كما شهد هذا الشهر تنامياً في قدرات محور المقاومة أظهرته مناورات عسكرية هامة لقوات المقاومة في جنوب لبنان وقطاع غزة زاد من ارتباك العدو، المُرْبك أصلاً، بسبب الانقسام الحاد داخل مجتمعه بين المكونات المتناقضة لهذا المجتمع الهجين من أساسه… كما شهدنا تطورات هامة على صعيد العلاقات العربية – العربية ، والعربية – الإقليمية، دفعت الادارة الأميركية الى الضغط بكل ما تملكه من وسائل وأدوات من اجل عرقلة هذه الانفراجات ومحاولة إعادة الأمور في سورية العروبة الى المربع الأول للحرب الكونية عليها مع التركيز على الحصار الاقتصادي والمعيشي وتجويع الشعب السوري لدفعه الى الاستسلام لاهداف الحرب عليه …
يضاف الى هذه التطورات أيضاً تطور استراتيجي بالغ الأهمية وهو انضمام أربعة دول عربية وإسلامية الى منظومة البريكس، هي مصر والسعودية والامارات وايران، بما يجعل من العرب والمسلمين قوة فاعلة في منظومة دولية تسعى لإعادة التوازن والتعددية القطبية في النظام العالمي نفسه.
بل إن هذه التطورات جاءت لتؤكد أن العروبة كهوية وانتماء ينطوي على مشروع نهضوي ما تزال حيّة في امتنا، وأن علاقة الأمة بدائرتها الإسلامية ما زالت حاضرة ، رغم كل ما تعرّضت له الحركة القومية العربية من حروب وفتن، وتعرّض حاملو رايتها المخلصون لها، وغير المنتفعين من شعاراتها لحصار سياسي واعلامي ومادي، بل وقمع أمني ومحاولات شيطنة لمنع انبعاث العروبة من جديد وإعادة بناء أفضل العلاقات بين العرب ودول الجوار الحضاري كي لا تتشكل قوة عربية – إسلامية تمثل رقماً مهماً في الحسابات الدولية.
لقد ترددت على مسامعنا طيلة العقود الماضية ، وتحديداً منذ نكسة الخامس من حزيران عام 1967، أصوات عديدة تتحدث عن نهاية العروبة وموت الحركة القومية العربية، ليتضح الآن بطلان هذه الادعاءات وان العروبة كهوية وكأنتماء لا تموت، وان الحركة القومية العربية المستفيدة من كل تجارب الماضي، والمتفهمة لخصائص الأقطار العربية المتجددة، ما تزال هي المشروع الأكثر نجاحاً في التصدي لكل التحديات التي تواجهها أمتنا التي باتت تكتشف كل يوم عجز الحلول القطرية أو الفئوية أو الأيديولوجية الاقصائية عن توفير حلول لمشكلات الأمة، لا سيّما على المستوى السياسي أو الدفاعي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو التربوي أو البيئي…
ولعل الدواء الأبرز لمعالجة كل الثغرات والامراض التي طالت الحركة
ولعل الدواء الأبرز لمعالجة كل الثغرات والامراض التي طالت الحركة القومية العربية ، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، هو عقلية الاقصاء التي وقعت فيها أنظمة وأحزاب وحركات سعت الى الغاء الآخر فوقعت في أفخاخ نصبها لها أعداؤها …
ومن هنا فالدواء هو في اطلاق روح التكامل بين أقطار الامة ، وداخل كل قطر، وروح التلاقي بين تيارات الأمة الملتزمة بالمشروع النهضوي العربي، حيث لا يستطيع تيار واحد أو قطر واحد ان يتحمل مسؤولية مجابهة التحديات ..
وما استمرار تجربتين متواضعتين كالمؤتمر القومي العربي، وكمخيم الشباب القومي العربي، رغم كل الصعوبات والحصار وتغليب العصبيات الضيقة على الروح القومية الجامعة، سوى تعبير على نجاح فكرة “الكتلة التاريخية” التي دعا اليها المشروع النهضوي العربي منذ انطلاقته وحملتها نخبة من مفكري الامة ومثقفيها ومناضليها وقادتها الحزبيين والنقابيين، وواجهت بسببها ضغوط ومناورات والاعيب واشاعات تسعى الى منع اللقاء على مستوى الشعوب من جهة ، وعلى مستوى الأقطار من جهة أخرى.