من كتاب تجربتى مع الحركة الوطنية والاسلامية لمجدى حسين – الفصل الثالث : بداية العلاقة مع الاخوان المسلمين

فى عام 1983 كنت لا أزال صحفيا فى جريدة الشعب الناطقة بلسان حزب العمل الاشتراكى وكنت أنخرط ببطء فى حزب العمل خاصة بعد أن أعلن رفضه لكامب ديفيد وكان من قبل يتحفظ على كامب ديفيد والمعاهدة مع اسرائيل فى عدة نقاط فحسب وعلى رأسها إغفال القضية الفلسطينية وضرورة قيام دولة فلسطينية . وفى إطار عملى الصحفى بدأت أخرج عن نطاق الشئون العربية إلى بعض القضايا الداخلية وعرض على أحد الزملاء إجراء حوار مطول مع بعض الجماعات الاسلامية للنشر فى الجريدة وأخذت موافقة رئيس التحرير ونظمنا الحوار بالفعل .

كنت فى ذلك الوقت منفتحا على الاسلام بل مندفعا ونهما فى القراءة الاسلامية لتعويض مافاتنى من إنقطاع استمر قرابة 10 أعوام كما بدأت الانتظام فى العبادة ، وقد رحبت بشدة بهذا الحوار ليس لأغراض صحفية ولكن لرغبتى وتشوقى للانفتاح على التيار الاسلامى رغم إدراكى عن بعد للخلافات معه باعتبارهم منغلقين عن مشكلات العصر وأحوال الدنيا والسياسة . بعد فترة غير طويلة اكتشفت ان هؤلاء الشباب من الاخوان المسلمين وليسوا من أى جماعات أخرى وهم لم يرغبوا فى نشر الحوار كإخوان مسلمين بصورة صريحة ، وهذا الأمر لايهمنى . كنت فى تلك المرحلة أكن احتراما كبيرا وتقديرا عاليا لكل الاسلاميين باعتبارهم هم السابقون بالنسبة لى ولهم الفضل فى ذلك .. ولكن فى نفس الوقت لم أكن مستسلما لتقبل كل ما يقولون . كان أهم الحاضرين وفقا لذاكرتى د. عصام العريان ود. ابراهيم الزعفرانى . وقد استغرق الحوار جلستين أو ثلاثة. ويهمنى التوقف عند نقطتين فى إطار إكتشافاتى كيف يفكر هؤلاء الجماعة .

الأولى : عندما أثرت القضية الوطنية وكيف أن الوطنية تجمع جميع الفرقاء، فوجئت بعصام العريان يتحدث عن إيمانهم بالوطنية الربانية أى الوطنية المرتبطة بالإيمان بالله ، وحاولت أن أوضح أن الوطنية وإن تداخلت مع الإيمان ولكنها مفهوم مستقل يمكن أن يشير إلى كل المصريين مهما كان دينهم ومهما كانت عقيدتهم بما فى ذلك التيار اليسارى . ظل عصام العريان يؤكد مرارا إن الوطنية عندهم هى الوطنية الربانية فحسب . وقد انزعجت جدا من هذه الفكرة لأننى كنت أصبو للتعلم من هؤلاء الشباب وهم أصغر منى قليلا ولكنهم شباب بالنسبة لكبار وقدامى الاخوان المسلمين ، و بدأت أشعر بالعسر فى إمكانية التفاهم والتقارب مع مثل هذا الأسلوب فى التفكير . ولا أعلم من أين حصل عصام العريان على هذا المصطلح ؟ فبعد 40 سنة من هذا اللقاء لم أسمع هذا المصطلح من أى اسلامى ولم أقرأه فى أى كتاب اسلامى على كثرة ما قرأت وأقرأ ، ولم أسمعه بعد ذلك من عصام العريان نفسه على كثرة لقاءاتنا حتى أننى تصورت خطأ أننا أصبحنا صديقين على أساس المحبة فى الله . وسأضطر للعودة كثيرا فى هذه الدراسة لأحاديثى مع العريان رحمة الله عليه على أساس التوثيق باعتباره شخصية غير عادية فى الاخوان المسلمين من وجهة نظرى بغض النظر عن المواقع التى تقلب فيها وأيضا بسبب صلتى الدائمة به. وأؤكد مرة أخرى ما قلته له من 40 سنة إن مفهوم الوطنية يتداخل بالتأكيد مع الايمان بالله والشخص المؤمن بالله يدخل هذا الايمان بالوطن فى حياته وتصوراته . ولكن الوطنية مفهوم مستقل يشمل المسلم والمسيحى ، المتدين وغير المتدين أو قليل الايمان أو عدم الملتزم عمليا بضوابط دينه وشعائره ، ويمكن أن يدافع عن الوطن بإخلاص فى ساحة الوغى أو يشارك فى البناء الاقتصادى وعملية التنمية بمنتهى الاخلاص . باختصار الوطنية تشمل كل المواطنين فى بلد ما إلا من أبى ! بأن يتعاون مع الأعداء أو يقرر الهجرة والحصول على جنسية أخرى ويطلب إسقاط جنسية بلده عنه . وقد نستحث المواطنين أحيانا فى بعض المواقف ببذل المزيد من الجهد من أجل الوطن ولكن بدون التشكيك فى وطنيتهم . ولقد عشت بنفسى مرحلة الصراع مع اسرائيل ولمست كيف أن كل المصريين كانوا وطنيين وعلى قلب رجل واحد فى حروب 1956 و1967 و1973 إلا من أبى وقد كانوا قلة قليلة من الجواسيس أو بعض بقايا نظام ماقبل 23 يوليو .

النقطة الثانية التى استرعت انتباهى فى هذا الحوار وبقيت فى ذاكرتى رغم مرور حوالى 40 عاما عليه ، وهو مايؤكد مدى اهتمامى بهذا الحوار وأننى كنت أعتبره حدثا مهما فى حياتى . النقطة الثانية جاءت على لسان الصديق العزيز د. ابراهيم الزعفرانى عندما دار الحديث حول بحث أمور الدُّنْيَا والسياسة بإنفتاح وعدم الاستغراق الدائم فى أى حوار بالنصوص الدينية ليس بغرض استبعادها ولكن لأن وقائع الدنيا فى مجال السياسة والاقتصاد والاجتماع لانهائية بينما نصوص الدين محدودة ، المهم ألا نصل فى النهاية لموقف يخالف أى نص دينى صريح فى القرآن والسنة ، كان رد الكتور الزعفرانى : كل شىء من الدين وفى الدين ولايوجد شىء خارج الدين ثم خلع نظارته ببعض العصبية وقال : إن خلع النظارة هكذا من الدين ، ووضعها مرة أخرى على الوجه من الدين . وضحك عصام العريان مقدرا حالة الذهول التى اصابتنا نحن صحفيى جريدة الشعب ، وواصل الزعفرانى توضيح ما يقصده : إن كل مانفعله فى الدنيا لايخرج عن الدين لأننا أمام عدة احتمالات حصرية : إما ان يكون الفعل حلالا أو حراما أو مكروها أو مستحبا أو مباحا . وهكذا فإن خلعى للنظارة وإعادة وضعها مرة أخرى على عينى من الأمور المباحة !

فى هذه اللحظة أيضا لاحظت أن الحوار وصل إلى طريق مسدود ، فرغم أننى أعرف هذه الاحتمالات الخمسة للفعل من وجهة نظر الدين ‘ إلا أن هذا لايصلح أن يكون ردا على مناقشة ما يسمى الأمور المباحة وهى بالمناسبة هى المساحة الأكبر التى شغلت الفقهاء واختلفوا حولها . وهى المساحة الأكبر فى حياتنا وفى قراراتنا الشخصية والعامة . وهو أسلوب فى الحوار يريد التأكيد على التمسك بالدين بينما المحاور لايطالب بالتخلى عن الدين .

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: