دعوت دول الطوق مرارا إلى إعلان الحرب على اسرائيل بعد توحشها فى إبادة أهلنا فى غزة بل والسعى لإزالة غزة من الوجود كمكان صالح للعيش . ودول الطوق هى : مصر والأردن وسوريا ولبنان . وتاريخيا كانت قوات العراق تزحف لدعم سوريا وقوات من الجزائر والسودان تزحف إلى جبهة مصر فى ساعة الحروب . ودول الطوق لأنها هى المحيطة مباشرة بأرض فلسطين ، وبالعقل والمنطق هى الدول المنوط بها أولا مناصرة الأشقاء العرب فى فلسطين وفقا لدساتير هذه الدول التى تنص على ارتباط بلادها بالأمة العربية . وبمنطق المصلحة الوطنية المجردة والواضحة .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: ” يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله، قاتلوا من وليكم من الكفار دون من بَعُد منهم.يقول لهم: ابدأوا بقتال الأقرب فالأقرب إليكم دارًا، دون الأبعد فالأبعد. الطبرى
فعندما تتجبر اسرائيل على أهلنا بفلسطين فهذا ليس حدثا عارضا فهذا يحدث منذ عام 1948 وأخيرا منذ معاهدات السلام مع مصر ثم الأردن حتى الآن.
واسلاميا ،وهذا يمكن أن يدرج فى إطار القومية العربية وفقا للمدرسة القومية ، فإن المسجد الأقصى له قدسيته كأولى القبلتين وثالث الحرمين وهو تحت الاعتداء المتصاعد أخيرا إلى حد أن تقسيمه مكانيا ثم هدمه أصبح مسألة وقت ، ولكن تم تقسيمه زمنيا بدخول شبه يومى إليه من المستوطنين لأداء صلوات دينية وتلمودية . وهذا يحدث عادة بين صلاتى الفجر والظهر . أما هدم الأقصى تماما لبناء الهيكل المزعوم فهو عقيدة راسخة على الأقل عند اليمين المسيطر على الحكم فى اسرائيل . واسرائيل تزدرى بالنظام الأردنى إلى حد جعلت من إشرافها الدينى على المسجد الأقصى مزحة ثقيلة .
ولنركز على مصر فهى الأكبر والأثقل وزنا ليس بين دول الطوق فحسب بل بين كل البلاد العربية ، وموقعها زادها أهمية وثقلا فهى البلد العربى الوحيد الذى يربط بين مشرق العرب ومغربهم وهى واقعة فعليا على حدود فلسطين ، وهى البلد الأول المستهدف من المشروع الصهيونى التوسعى باعتبارها قائدة العرب ، وبالتالى فإن أى توحش ولا أقول مجرد زيادة فى وزن اسرائيل استراتيجيا وعسكريا يكون أساسا على حساب مصر قبل أى بلد عربى آخر .
وهناك مصيبة خاصة ارتكبها السادات تجاه غزة ينساها البعض أو يتناساها أو ربما لا يعرفها لصغر سنه فإن كامب ديفيد وما تبعها من معاهدة سلام كانت باستعادة سيناء إداريا لمصر ، دون إعادة غزة للادارة المصرية . وكانت غزة عهدة عند الادارة المصرية من نتائج حرب 1948 . وكان من نتائج عدوان 1967 احتلال غزة مع سيناء ، وكان لا بد أن تطالب مصر بعودتها للادارة المصرية كعهدة فلسطينية حتى تحرير كامل فلسطين يوما ما . ولكن السادات ترك غزة فريسة لاسرائيل وتناسى المسئولية الأخلاقية والتاريخية والسياسية لمصر عن غزة . كما هو حال الأردن فى اتفاقية وادى عربة حيث أقيمت علاقة طبيعية مع الكيان الصهيونى والضفة الغربية فى حوزته وكانت فى حوزة الأردن وإن كانت تريد تسليمها لمنظمة التحرير الفلسطينية كما أدعت ، فهل هى سلمتها للمنظمة بهذا الاتفاق أم لاسرائيل حيث أصبح الآن يوجد بها 800 ألف مستوطن يهودى ؟
ونعود لمصر .. ليست المذابح المتصاعدة أمام أعيينا جميعا لنساء وأطفال وبيوت ومبانى غزة وبنيتها التحتية ، والتى حدثت وتحدث خلال قرابة شهر هى المناسبة الأولى التى تستدعى إتخاذ موقف من اسرائيل ونقلها من خانة ” الصديق ” المزعوم إلى خانة العدو الطبيعى كما كانت دوما منذ نشأتها ، كانت هناك مناسبات متعددة كبيرة وخطيرة كغزو لبنان عام 1982 الذى أفضى إلى استشهاد 20 ألف لبنانى وفلسطينى وسورى ثم مجازر الاحتلال الاسرائيلى للبنان حتى عام 2000 ثم مجازر اسرائيل ضد انتفاضتى الشعب الفلسطينى ثم مجازر اسرائيل ضد لبنان فى حرب تموز 2006 ولكنها كانت فى حدود 1200 شهيد و1100 جريح لأنها كانت حرب متوازنة وانتصر فيها عمليا حزب الله . ولكن لبنان تعرض لدمار كبير . وأزيل قسما كبيرا من الضاحية الجنوبية لبيروت من الوجود ولقد زرته ورأيته بنفسى عقب نهاية العدوان . ما يحدث من مجازر متواصلة على غزة بشرا وحجرا مع التركيز على النساء والأطفال فى أعوام : 2018 – 2012 – 2014 – 2021 – 2022 – 2023
فى هذه الحرب الأخيرة وصل عدد الشهداء إلى قرابة 12 ألف وتجاوز الجرحى 23 ألف ومع المفقودين تحت الأنقاض فالمجموع الكلى من الشهداء والجرحى يقتربون من 40 ألف .
دعونا مما سبق ولكن نذكر به لنؤكد أننا لسنا أمام ظاهرة عارضة تحتاج لبعض المفاوضات والتفاهمات كى تحل . مالذى أعنيه بإعلان مصر الحرب على اسرائيل ؟ ولا أقصد موضوع تهجير الفلسطينين لسيناء الذى انشغل به الاعلام المصرى ، ليس لأنه غير خطير ولكن لأنه غير ممكن فى ظل رفض الفلسطينيين أنفسهم ورفض مصر . ولكن ليكن هذا الاعتبار من حيثيات إعلان الحرب لأن ترك غزة هكذا تذبح من الطبيعى يوما لأناس بدون ماء ولا كهرباء ولا غذاء ولا دواء أن يضغطوا على معبر رفح للدخول للحماية وليس للبقاء . وهذا لم يحدث حتى الآن رغم ضراوة جرائم اسرائيل .
منذ بداية جرائم اسرائيل الأخيرة فى غزة وهى بدأت منذ أكثر من شهر كان أمام مصر الكثير لتفعله حتى تصل إلى إعلان الحرب ولكنها لا تفعل .
لابد أن أقرر فى البداية ان اتهامات اسرائيل لمصر بدعم حماس عسكريا ولوجستيا ليست بلا أساس ولقد لمحت لذلك أكثر من مرة . ليس لأن لدى معلومات ولكن بالتحليل والمنطق ، فليس بإمكان حماس وباقى قوى المقاومة أن تراكم كل ما لديها من أسلحة متطورة أو حتى عمليات تصنيع بدون خطوط إمداد فحتى التصنيع يحتاج لمواد أولية وسلع وسيطة . وقد قلت فى مقال سابق إن موقف مصر تجاه غزة أقل من موقف سوريا تجاه حزب الله وهذا هو السبب فى الفارق فى القوة بين حماس وحزب الله .
و هذا التهريب أقل من احتياجات الواقع الانسانى فنحن أمام احتياجات أكثر من 2 مليون مواطن غزاوى كان يدخل لهم فى الأيام العادية 500 شاحنة يوميا .
الطامة الكبرى ان كامب ديفيد تحولت إلى وثيقة مقدسة تعلو فى قدسيتها الدستور المصرى الحالى الذى ينص على أن : “ مصر جزء من الأمة العربية تسعى لتكاملها ووحدتها وجزء من العالم الاسلامى ” المادة الأولى
وتعلو قدسيتها على القرآن الكريم الذى ينص على موالاة المؤمنين دون الكافرين المعتدين .
كان يجب التلويح بإلغاء كامب ديفيد .. ثم كسرها عمليا وهذا حدث بزيادة عدد القوات فى سيناء وهذه المرة بدون موافقة اسرائيلية . ولكن كان يجب الاصرار عمليا على تدفق المساعدات عبر المعبر بدون تفتيش معين من اسرائيل . وعندما تضرب اسرائيل المعبر عدة مرات وتقول إنها ستضرب أى شاحنة مصرية تدخل بدون موافقتها ، كان يجب عدم الامتثال ، والاكتفاء فى حالة حدوث أى اعتداء بمجرد إصدار بيان تنديد وإثارة فضيحة عالمية ، وإذا استمرت اسرائيل يتم طرد السفير واستدعاء السفير المصرى ، ثم قطع العلاقات نهائيا ، ثم وقف استيراد الغاز من اسرائيل لأن الغاز الاسرائيلى عاد للتدفق إلى مصر بعد توقفه فى بداية الحرب . ووقف مختلف أشكال العلاقات الاقتصادية والتطبيعية . يقولون إن مصر تقوم بدور الوساطة . لاحول ولا قوة إلا بالله .. لنترك هذا الشرف العظيم لدولة قطر العظمى فهى مؤهلة لمثل هذا النوع من الأدوار . ليس من قيمة مصر أن تكون وسيطا بين مجاهدى فلسطين والعدو الاسرائيلى ، وأن تفتخر بذلك وتظن كما يقول المحللون ” الاستراتيجيون ” وبعض المذيعين أن مصر كانت دائما محورية فى مثل هذا النوع من التفاوض . وأرى أن هذا ينقص من دور مصر القيادى ولا يزيد منه لأن الذى يحدد نتيجة التفاوض هو إرادة المتحاربين على الأرض . ولكن كل شىء سيكون تحت أعين مصر والتنفيذ سيكون عبر مصر وبموافقتها .
والطريف أن المجلة العسكرية الاسرائيلية هى التى تهددنا بإلغاء كامب ديفيد وتهدد بشن حرب على مصر .
وعندما تعلن مصر إلغاء كامب ديفيد أو المعاهدة مع اسرائيل تعلن بالتزامن أنها ستلتزم بالهدنة طالما أن اسرائيل لا تعتدى على أراض مصرية . ولكن إذا ظلت اسرائيل تضرب معبر رفح يمكن لمصر أن تضرب أهدافا حدودية أو عسكرية للرد والانتقام كما تفعل سائر الدول دون أن تكون حربا شاملة . فالمسالأة ليست مقارنة بين وضع صفر ووضع حرب شاملة .
مع كتابة هذه السطور مساء الخميس 16 نوفمبر 2023 هناك أنباء منذ أمس عن دخول شاحنات وقود وعدد أكبر من المساعدات ولكنها تمثل 4 % من احتياجات القطاع وأيضا بموافقة اسرائيل . لابد من إنهاء هذه الموافقة المهينة . هذا معبر مصرى فلسطينى .
أخيرا لمن يهمه الأمر . إذا كنتم تراهنون على وقف إطلاق النار قريبا ، فلا يبدو أن ذلك ممكنا أو ميسرا .. فالحرب قد تطول فهل سنظل واقفين فى هذا الموقف المهين : أن نحصل على موافقة اسرائيل لإدخال جبنة وزبدة لغزة لأن بيننا معاهدة سلام . ولوعدتم للمعاهدة ستجدون نصا على ضرورة تعميم السلام مع الأطراف العربية الأخرى .
وإذا حدث افتراضيا وقف إطلاق نار ثابت . من سيقبل استمرار العلاقات بين مصر واسرائيل ؟
magdyhussein.id