التغير فى الموقف الامريكى حقيقى ولكن لايمكن التعويل عليه

 مجدى حسين فى 31 مايو 2021

سأبدأ هذه المرة مباشرة بالموقف الامريكى الراهن تجاه القضية الفلسطينية وقضايا المنطقة العربية الاسلامية ( الشرق الأوسط ) لأننى فى المرات السابقة وجدتنى منساقا للحديث طويلا عن الأوضاع الداخلية فى أمريكا وهى لاشك فى منتهى الأهمية فأمريكا تعيش بحق أزمة تاريخية ولابد للعدو والصديق أن يدرك ذلك جيدا لأن أوضاع أمريكا المتدهورة تنعكس بالضرورة على الوضع العالمى ككل ، ولدى الكثير لأقوله فى هذا المجال حيث أعتبر ان الولايات المتحدة من محاور اهتماماتى واختصاصاتى باعتبارها العدو الأول للأمة ، رغم اننى أحببتها كمجتمع زرته 3 مرات ، فأمريكا تحب أن تزورها لا أن تعيش فيها ! أحببت فيها أنها مجتمع يوجد فيه كل شىء تريده : كل أنواع المأكولات والمشروبات من كل أنحاء العالم ، وكل أنواع السلع الاستهلاكية التى تريدها والتى لاتريدها وفيها كل أنواع الترفيه المشروع والمحرم وفيها كل أنواع الثقافة والعلم ، وهذا الجانب الآخير هو الذى جذبنى وأمضيت فيه معظم وقتى. ولكن مايحدث فى بلادنا الآن هو الأهم ، فهناك تحول حقيقى فى أوضاع الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية ولابد من الاسراع بتوضيح الموقف الصحيح من سياسة إدارة بايدن ، قبل الاسترسال فى الحديث عن الأزمة الداخلية الطاحنة لأمريكا.

لاشك أنه يوجد خلاف بين سياسة بايدن فى مجال الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية وسياسة سلفه ترامب ، ليس فقط بسبب الخلافات التقليدية بين الحزبين الديموقراطى والجمهورى رغم محدوديتها ولكن أساسا بسبب أن ترامب ذهب بعيدا حتى فى سياق الحزب الجمهورى . ترامب مثل الموقف الأكثر يمينية والأكثر عنصرية وكان من أهم دلائل ذلك اعتماده على التيار المسيحى الصهيونى كى ينتصر فى معركته داخل الحزب الجمهورى أولا ثم فى معركة الرئاسة . وكان اختياره

للنائب بنس أحد أهم رموز هذا التيار من أهم علامات ذلك . وقد كان يرضى هذا التيار بأكثر مما كان يرضى اسرائيل فى قراراته الخاصة بنقل السفارة الامريكية للقدس حتى صفقة القرن . يمثل المسيحيون الصهاينة ( الانجيليون ) 25% من الشعب الامريكى أى حوالى 83 مليون مواطن. وهناك تقديرات تؤكد أن هذه الكتلة هى التى حسمت انتصار ترامب فى انتخابات الرئاسة ( 77% من اليهود انتخبوا بايدن فى الانتخابات الأخيرة ) . وأكرر باختصار مالا ينتبه اليه كثيرون أن هذه الكتلة وهى وثيقة الصلة بالطبقة الحاكمة تؤمن بأن عودة المسيح لن تكون الابتجميع اليهود فى فلسطين حيث سيقيم العصر الألفى السعيد لمدة ألف عام وهكذا ستكون هذه هى نهاية العالم . أى أن هذه الألف سنة هى بديل للجنة !! وكل من حكم أمريكا كان يؤمن بهذه العقيدة سواء أكان جمهوريا أو ديموقراطيا . ولكن قطاعا كبيرا من الطبقة الحاكمة وإن كان يؤمن نظريا بهذه العقيدة الانجيلية إلا إنه يختلف حول مدى انعكاس ذلك على السياسات وبأى معدلات زمنية . وعموما فإن الحزب الجمهورى أكثر تشددا ليس فى هذا المجال فحسب فهو أكثر اندفاعا للحروب وأكثر تساهلا مع رجال الأعمال فى الضرائب وهو أكثر تشددا ضد التأمينات الاجتماعية والصحية وأكثر تشددا فى مجال الاعتراض على الاجهاض والشذوذ الجنسى .

والاتفاق الجوهرى بين الحزبين فى موضوع أهمية اسرائيل عقائديا لأمريكا + المصالح الاستراتيجية المشتركة مع اسرائيل فى إخضاع الشرق ألأوسط وهو مركز العالم  ، يظهر هذا الاتفاق فى أن كل المعارضة الكاسحة لترامب من الديموقراطيين لم تتناول أبدا مسألة نقل السفارة للقدس ، فهذا قرار اتخذه الكونجرس مرارا بأغلبية كاسحة ولكن الادارات المتعاقبة كانت تؤجل تنفيذه . بايدن باختصار سيعيد السياسة الامريكية تجاه فلسطين  إلى ماكانت عليه قبل ترامب ، وقد توقعت ذلك قبل أن يحدث : عودة التعامل مع السلطة الفلسطينية وإعادة تمويل الانروا لشئون اللاجئين الفلسطينيين ، والعودة للشقشقة حول حل الدولتين والذى اضطر ترامب فى النهاية للحديث الكاذب عنه وهو كاذب لأنه يتعارض بوضوح مع صفقة القرن . فى المقابل أيدت ادارة بايدن كل خطوات التطبيع العربية الأخيرة ودعت إلى تطويرها ، وهى ستواصل التحالف العسكرى الاستراتيجى مع اسرائيل حيث أن أكثر من 3 مليارات دولار سنويا لاسرائيل ليس إلا الحد الأدنى الذى يتم تجاوزه بكثير.وبالتالى ليس لدى إدارة بايدن ما تفعله أكثر مما كان يفعله الرؤساء السابقون من كلا الحزبين قبل ترامب . حل مشكلة فلسطين مجرد كلام + بعض التبرعات التافهة للسلطة الفلسطينية لضمان استمرار اعتدالها .

ثم جاءت معركة القدس المظفرة التى أحدثت خلا ل 11 يوما انقلابا فى الموازين فى القضية الفلسطينية وفى المنطقة ككل . ليس بما حققت بالفعل من تقويض لنظرية الأمن الاسرائيلى ولكن أساسا بما كشفت عنه من عناصر جديدة حاسمة جعلت ميزان القوى يميل بوضوح لصالح العرب والمسلمين . بايدن كان ينتوى العمل بهدوء ورتابة وملل على المحور الفلسطينى لأنه يعلم أنه لايملك أن يقدم شيئا للفلسطينيين ، وكان يركز على الملف النووى الايرانى وأحسب أن الوصول إلى اتفاق فيه هو الاحتمال الأرجح . المؤسسة الأمريكية الحاكمة تميل أساسا لاستبعاد الدخول فى حرب اقليمية ضد ايران لأن التكلفة باهظة والانتصار غير وارد فيها ، وأن ضياع اسرائيل قد يكون الاحتمال المؤكد الوحيد فيها . واهتمام بايدن بالوصول لحل للمعضلة اليمنية أحد انعكاسات هذا التوجه . كذلك الانسحاب النهائى من أفغانستان . برجاء ملاحظة أن أمريكا تحكمها المؤسسة ويطلق هذا المصطلح على الطبقة الحاكمة الخفية ( المؤسسة الأمنية والعسكرية والصناعية والمالية بصورة متداخلة ) وليس الحاكم هو الحزب الجمهورى أو الديمو قراطى . بل المؤسسة تستخدم هذين الحزبين بالتبادل لتحقيق مصالح أمريكا كما تراها هذه الطبقة الحاكمة . ولكى نربط ذلك بما  قلناه من قبل فان التحالف الابيض الانجلوسكسونى البروتستانتى اليهودى هو المكون الأساسى لهذه المؤسسة ولكنه يتعرض الآن للتآكل لصالح العناصر الأخرى . . تذكروا أن البنتاجون فرمل ترامب عدة مرات عندما كان يريد ضرب سوريا أوايران .

حرب القدس أوضحت للأمريكان حجم المشكلة التى أصبحت تمثلها اسرائيل لأمريكا ، فبعد أن كانت هى يد أمريكا الباطشة فى المنطقة أصبحت هى محتاجة إلى الدعم الأمريكى !! حتى لمواجهة غزة المحاصرة . تراجع الوزن النسبى لإسرائيل وهى الحليف الأول لأمريكا فى المنطقة معناه تراجع الوزن النسبى لأمريكا فى المنطقة . لذلك قام بايدن بدوررجل المطافىء فى هذه المعركة التى علم منذ الوهلة الأولى أن اسرائيل لاتملك حظوظا للانتصار فيها ( راجع تقرير المدونة عن ما دار فى المكالمات الهاتفية بين بايدن ونتنياهو خلال الحرب) . ليس هذا فحسب فقد رأى الامريكيون ( قائد القوات المركزية المشتركة ) أن حرب غزة يمكن أن تتحول لحرب اقليمية . وهكذا فإن قوة فلسطين والعرب هى التى ساهمت فى تعديل الموقف الامريكى فسعت لإطفاء الحريق ولاتزال . إن الضعيف لايحصل على شىء والقوى يحصل على كل شىء ، ولكن المعادلة تنقلب عندما يقوى الضعفاء . وهذا لايتعارض مع الموقف الامريكى بإبرام صفقة لمد اسرائيل بأسلحة دقيقة بأكثر من 700 مليون دولار بينما القتال لايزال مستعرا ، وهى أسلحة لم تستخدم غالبا فى هذه الموقعة ولكنها كانت تعنى الالتزام الامريكى بأمن اسرائيل وأن هذا الموقف لن يتغير . وهذا صحيح بالتأكيد وستظل أمريكا طرفا جوهريا فى الصراع معنا ولكن مع حدوث بعض التراجعات التكتيكية وهذه التراجعات التكتيكية تزيد كلما خسرت أمريكا . ولاشك أن أمريكا تخسر منذ عقود مع ايران التى كانت قلعة أمريكية فى عهد الشاه وخسرت فى العراق وأفغانستان وسوريا واليمن وخسرت حليفتها اسرائيل فى لبنان وغزة من قبل ثم جاءت معركة القدس حيث دكت ( بضم الدال ) تل أبيب رمز قوة الكيان الصهيونى بشراسة لم تعهدها من قبل . لذلك رأت واشنطن إطفاء حريق غزة والقدس مع الاصرار على التمسك بوقف إطلاق النار أكثر من أى مرة سابقة ، حتى لقد جاء بلينكين بنفسه لتثبيت وقف إطلاق النار وطمأنة اسرائيل وإغداق الوعود للعرب عن السلام العادل الذى لايأتـى أبدا . أدركوا أن الجلوس على طاولة المفاوضات أدعى لترسيخ الهدوء دون تقديم أى شىء حقيقى ، وقد يصلون إلى حد تقديم شىء حقيقى يوما ما عندما يرون إصرار وبأس العرب والمسلمين . نحن نؤمن أننا سنستعيد فلسطين بالتدريج كما فقدناها بالتدريج. وهذا ماحدث بالفعل بتحرير غزة ويمكن استعادة أجزاء من الضفة الغربية فى مجرى الصراع الضارى وليس بالتفاوض البارد العقيم .

حضور وزير خارجية أمريكا للتجول بين الأطراف فور انتهاء القتال ليس مسألة معتادة ، فأمريكا أكثر من يدرك معنى انفجار حرب اقليمية فى المنطقة  كما أنها بذلت جهودا غير عادية مع مصر لابرام هذا الوقف للقتال وأيضا لتثبيت وقف إطلاق النار حيث تقوم المخابرات المصرية بجولات مكوكية بين حماس وتل أبيب . والجديد هذه المرة أن القدس دخلت فى المعادلة على لسان الموقف الرسمى المصرى وعلى لسان وزير الخارجية الأمريكى .واسرائيل لايمكن أن تتجاهل الضغط الأمريكى والعربى فى ظل سخط داخلى فى اسرائيل ليس من الفلسطينين فحسب بل حتى من الاسرائيليين الذين يدركون حجم الكارثة التى ورطهم فيها نتنياهو. . يوم الجمعة الماضى جرت صلاة الجمعة فى الأقصى بصورة طبيعية ولم يمنع أحد من الدخول ، صلى قرابة 40 ألف فلسطينى . وانضمت المحكمة المختصة بحى سلوان الى تأجيل مسألة البت فى طرد الفلسطينيين ، انضمت للمحكمة الخاصة بحى الشيخ جراح . أى أجلت نظر القضية حتى يحكم فى قضية الشيخ جراح . وأعلن نتنياهو بمنتهى الصراحة أنه هو الذى طلب من المحكمة هذا التأجيل . وحتى لايبدو نتنياهو منهزما تماما فإنه لايزال يسمح لأعداد قليلة من المستوطنين باقتحام حرم المسجد الأقصى فى أوقات لا تتعارض مع أوقات صلاة المسلمين كما كان يحدث خلال السنوات الأخيرة ، وهو أمر يمكن التغاضى عنه قليلا من الزمن لأنه لايصل إلى حد مسيرة الأعلام التى كانت مقررة فى 28 رمضان بالاضافة لوقف عمليات التهجير من القدس.ولكن لماذا تخشى أمريكا عواقب حرب اقليمية ربما تشارك فيها ايران مع ملاحظة أن رموز محور المقاومة أصبحوا يربطون بين الاعتداء على القدس والحرب الاقليمية جاء ذلك فى خطاب أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله وفى أحاديث قادة حماس والجهاد وغيرهم وقد أكد السنوار زعيم حماس فى غزة ما ذكرته فى مقال سابق على سبيل التحليل وهوأن رشقات الصواريخ التى أطلقت من لبنان وسوريا على اسرائيل كانت بالتنسيق مع حماس وكذلك الطائرة المسيرة التى اخترقت أجواء اسرائيل قادمة من سوريا أو العراق .لماذا تخشى أمريكا عواقب الحرب الاقليمية فحتى عندما أسقطت ايران طائرة مسيرة أمريكية فوق الخليج واعترفت أمريكا بذلك الاأنها ضبطت نفسها ( كان ذلك فى عهد ترامب ) فالمقصود بالحرب الاقليمية حرب تدخل فيها ايران مع محور المقاومة ضد أمريكا واسرائيل فى المنطقة . ايران لاتملك ولاتستهدف محاربة الولايات المتحدة كدولة عظمى على أراضيها ولكن يمكنها أن تستهدف كافة مواقعها فى الشرق الأوسط + كافة المواقع النفطية فى البلاد التى تنطلق منها هجمات أمريكية على إيران + استباحة اسرائيل كهدف أساسى لإيران ومن أجل إرهاب أمريكا وهى لاتخشى ترسانة اسرائيل النووية أو التقليدية لأنها لاتقارن بترسانة أمريكا فهى لن تضيف شيئا إليها ! وقد أصبحت تهديدات ايران لاسرائيل واقعية  تماما بعد ما رأينا ماذا فعلت غزة المحاصرة باسرائيل . كذلك فإن حزب الله يملك ترسانة صواريخ دقيقة يمكن أن تصيب أى مكان فى اسرائيل ويتحدث الاسرائيليون عن 140 ألف صاروخ كذلك من المرشح أن تنطلق الصواريخ بقوة من سوريا والعراق واليمن وهناك تقارير اسرائيلية تتحدث عن ذلك فعلا . بالاضافة لمشاركة غزة فى هذا الفرح !+ تملك إيران ورقة ضغط جوهرية بإمكان إغلاق مضيق هرمزالذى يمر عبره ثلث امدادات النفط العالمى + المقصود بمواقع أمريكا فى الشرق الأوسط أساسا القواعد العسكرية وفى ضربها إهانة كبرى لهيبة الدولة العظمى  والمقاومة العراقية أثبتت يسر استهداف القواعد فى العراق ولكنه لاتضرب حتى الآن سوى طلقات تحذيرية ( كاتيوشا غالبا ). وقد أعلنت القيادة العسكرية الامريكية انه تخشى من استخدام الطائرات المسيرة ضدها لأنها تخترق دفاعاتها بطيرانها المنخفض. + لايوجد ما يمنع من القيام ببعض العمليات خلف خطوط العدو ( ترسل ايران الآن قطعتين بحريتين حربيتين إلى غرب الكرة الأرضية وتتوقع أمريكا أن ترسيا فى فنزويلا .).

ولكن فى المقابل يمكن لأمريكا واسرائيل إحداث أكبر قدر ممكن من الدمار فى ايران ولكنه لن يكون كافيا لاسقاط النظام بدون حرب برية غير مطروحة أصلا بعد الفشل الكبير فى العراق وأفغانستان ، ولن تؤدى عمليات تدمير ايران إلى أى إمكانية لإسكات صواريخها المخندقة تحت الأرض وفى الجبال كما أن الاعتداء السافر على إيران سيدفعها فى طريق إنتاج قنبلة نووية فى أسرع وقت ممكن . وكل هذا مع افتراض أن روسيا والصين سيقفان على الحياد . ولاشك أنهما لن يحاربا صراحة من أجل إيران ولكن لديهما الكثير ليقدماه لها فى مواجهة العدو اللدود أمريكا. ولكل هذه الأسباب تنافح أوروبا من أجل إعادة إلتزام أمريكا بالاتفاق النووى كاستبعاد نهائى للمواجهة العسكرية الشاملة .الهجوم على ايران سيحولها إلى غزة أخرى على المستوى العربى والاسلامى والعالمى . وهى لن تكون كالعراق فى عهد صدام الذى تحدى العالم بدون استعداد وحسابات دقيقة .

أسس التحالف الاسرائيلى الامريكى

لايستند التحالف الأمريكى الاسرائيلى فحسب إلى موقف البروتستانت  المتعلق بعودة المسيح مع تجمع يهود العالم فى فلسطين  وهو أمر بالغ الأهمية  يشبه الأساس العقائدى للحملة الصليبية فى العصور الوسطى ولكن هناك أسس استراتيجية سياسية تتعلق بالسيطرة على العالم :

أولا : فالسيطرة على العالم لاتتأتى بدون السيطرة على مركزه ( الشرق الأوسط ) ففيه مفارق الطرق البرية والبحرية والجوية وملتقى القارات ومعابر الاتصال والتواصل بين الشرق والغرب من أجل التجارة والحرب والسيطرة على الموارد الاقتصادية .

ثانيا : تواجد أغلب احتياطيات العالم من النفط ( الغاز والبترول ) فى الشرق الأوسط وآخرها اكتشاف أكبر مخزون للغاز فى شرق المتوسط . والمسألة لاتتعلق باحتياجات أمريكا للاستيراد وهى لم تعد موجودة ، ولكن المسألة تتعلق بالسيطرة على هذه المادة الاستراتيجية للتحكم فى سياسات الأمم الحليفة والعدوة ( اليابان وأوروبا والصين والهند ) ومنع الروس من اختراق هذه المنطقة .

ثالثا : اسرائيل هى التجسيد العملى للهيمنة الامريكية على الشرق الأوسط والعالم ، وهم الآن يستخدمون فى أدبياتهم مصطلح ( الحضارة اليهودية المسيحية ) وعاصمتها القدس . القدس هى رمز للصراع العالمى كما ورد فى سورة الاسراء وهى فى منتصف القرآن بالضبط  وكأنها قلبه . هم يستهدفون أن تكون القدس العاصمة الروحية لهذه الحضارة المزعومة. ونحن نستهدف أن نجعلها العاصمة الروحية للمسلمين دون أن نمنع أحدا من ممارسة شعائره الدينية فيها وهذا ماحدث عبر التاريخ وليس مجرد ادعاءات .

رابعا : لابد من وأد الانبعاث الحضارى العربى الاسلامى من جديد لأنه هو الذى يمثل المنافس الأساسى والبديل للحضارة الغربية الاوروبية الامريكية .وهذا لايتأتى بدون السيطرة على قلب العالم وهو فى ذات الوقت قلب العرب والمسلمين ( الشرق الأوسط) الذى أسميه المستطيل القرآنى أو الخريطة القرآنية أو مركز العالم المتوسط . وهذا يعنى تقويض وضرب كل النظم الساعية للاستقلال سواء رفعت رايات اسلامية صريحة أو رفعت رايات قومية عربية .

ولكن لاشك أن بذور الفناء متواجدة فى هذا التحالف غير الأخلاقى وغير المبدئى فاليهود يتحالفون مع قطاع مسيحى ( بروتستانت أمريكا والمنضوين تحت راية الكنيسة المعمدانية الجنوبية وليس كل بروتستانت أمريكا ) رغم أن اليهود لايعترفون  بنزول المسيح فى المرة الأولى السابقة ويعتبرونه ابن زنا ( استغفر الله العظيم ) ومكانه فى مزابل الجحيم . وهم ينتظرون مجيىء المسيح للمرة الأولى ويتحالفون مع مسيحيين يؤمنون بأن المسيح جاء فعلا ولكنهم ينتظرونه للمرة الثانية . وهذا تلاعب بالعقائد حين يتحالف من يؤمن بالمسيح مع من يكفر بالمسيح الذى جاء فعلا منذ ألفى عام .ولكن ليست هذه هى المشكلة الوحيدة ففى مجال المصالح السياسية والاستراتيجة فإن اليهود يسعون للسيطرة منفردين على العالم ، وبروتستانت أمريكا المعمدانيين يتساوقون معهم باعتبارهم يهودا من حيث الجوهر ويعلون من شأن التوراة على الانجيل ولكن معظم مسيحى العالم لايوافقون على ذلك . وسيحدث من كل بد صدام يوما ما بين الرؤية الأمريكية المسيحية الصرف والقومية الصرف ( اذا اعتبرنا أن أمريكا قومية تجاوزا ) والتى تقول كما جاء فى ترسانة أمريكا الفكرية أن أمريكا خلقها الله لتحكم العالم ولابد من تحويل العالم بأسره إلى جزيرة أمريكية !!   سيحدث صدام بين هذه الرؤية المسيحية الأمريكية والرؤية اليهودية لإقامة حكومة عالمية سرية ثم تصبح علنية وتحكم العالم . وهذا ماقاله هنرى كيسنجر اليهودى المخضرم العامل فى أجهزة الأمن القومى الأمريكى ، هذا ماقاله مؤخرا وبصراحة أن العالم ستحكمه قريبا حكومة ماسونية .

ولا أدعو للانشغال بالخلافات اليهودية – الامريكية المسيحية وهذا لايهمنا الا من زاوية معرفة نقاط ضعف العدو ( تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ) الحشر14

  ولكن مايهمنا الآن إدراك هذه النقاط الأربع الكبرى التى تجمع هذا التحالف : الموقع الاستراتيجى للشرق الاوسط – البترول – القدس ورعاية المشروع اليهودى فى فلسطين – محارب الاسلام كمشروع حضارى حتى فى عقر داره باعتباره هو البديل لمشروع الحضارة اليهودية المسيحية .

والحقيقة أن الكاتب الأمريكى صمويل هنتنجتون صاحب نظرية صراع الحضارات خاصة بين حضارة الغرب من ناحية وتحالف الاسلام والكونفوشيوسة ( الصين ) من ناحية أخرى  لم يكن مثقفا على باب الله ( كما نقول فى بلادنا عن المثقف الحر أو المستقل ) بل هو وثيق الصلة بأجهزة الدولة الامريكية

وظل يعمل مستشارا للحكومات الامريكية حتى وفاته .. كان مخططا أمنيا فى إدارة الرئيس جيمى كارتر وعمل مستشارا لهربرت همفرى نائب الرئيس ليندون جونسون

وهكذا فإن إدارة بايدن ستظل تعانى من أنواء الأوضاع الداخلية والخارجية خاصة فى الشرق الأوسط ولن تكون متسقة ، وستظل ملتزمة بكل المبادىء العامة السابقة مع محاولة تجنب الدخول فى صراع مسلح كبير وهذه الأخيرة نقطة ايجابية لصالحنا . فنحن نفضل عدوا يريد خنقنا بالمناورات والدبلوماسية والضغوط الاقتصادية بالمقارنة مع عدو يريد إبادتنا عن بكرة أبينا !! لا لأننا نفضل الموت الرحيم ولكن لأنه فى ظل هذا العدو لدينا فرصة أكبر للاستعداد والمناورة . مع ملاحظة أن تراجع العدو عن الخيار المسلح كخيار أساسى ودائم هو بفضل صحوة وقوة الأمة العربية والاسلامية وليس بسبب خياراته النظرية !! التغير المحدود فى السياسة الامريكية مؤشر على تقدمنا نحن لا على رشد الأعداء . ومع ذلك فإننا نرحب بتسييس الصراع بدلا من عسكرته .قدر الامكان وإلا فإن القوة ستظل دائما خيارا مطروحا إلى يوم الدين .وهذه أهمية الاستعداد ( وأعدوا لهم مااستطاعتم من قوة )الأنفال 60.

اترك رد

اكتشاف المزيد من مجدى أحمد حسين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading