مصانع الغزل والنسيج والسكر تغطي محافظات مصر
المنسوجات المصرية تفوق الأوروبية وتغزو أوروبا
انشاء أول خط تلغراف بين مصر والاسكندرية
دراسة: المستطيل القرآني (الشرق الأوسط)- حلقة 35
– الصورة – مدفع محمد على يحمى نصب الشهيد
كما ذكرنا فان اهتمام محمد علي بالتصنيع ومحاولة اللحاق بالثورة الصناعية التي بدأت لتوها في أوروبا في بدايات القرن 19 م هو الآن الأهم اللافت للنظر , واذا لم تنكسر هذه الموجة الصناعية لكنا نعيش الأن في عصر واحد من الناحية التكنولوجية والاقتصادية والصناعية مع أوروبا والغرب , كما هو حال اليابان .وهو الأمر الذي غاب عن ذهن حكام مصر قبل وبعد محمد علي بل وغاب عن اهتمامات الدولة العثمانية رغم احتكاكها المباشر بالواقع الأوروبي . ولاتزال الآن وبعد قرنين من الزمان المهمة الأساسية المفقودة في اهتمامات حكام مصر والعرب وهو الأمر الذي يحكم علينا بأن نظل في ذيل الأمم , بل ” ملطشة ” الأمم , الحائط الواطي , والأمة المستباحة المديونة والمتسولة .وحتي البلدان النفطية فقد أضاعت أموالها لعمل ازدهار سطحي مصطنع دون القيام بتنمية حقيقية . وأنا أريد تسليط الضوء علي هذه المهمة الملحة المفقودة من خلال وقفتي الطويلة نسبياً مع انجازات محمد علي منذ 200سنة في المجال الصناعي .
وكما اهتم محمد علي ببناء السفن والاسطول الحربي فإنه أول من يعرف أن سفنا بدون أسلحة متطورة لاقيمة لها من الناحية العسكرية , وقد تضافر هذا الاهتمام مع ادراكه لضرورة بناء جيش قوي لحماية استقلال البلاد بل ولتوسيع نفوذها . كان محمد علي مفكر بشكل فطري بسيط وكما يقال أحيانا فإن الفلسفات الكبري تنبع من الأمور البديهية , وان الاصرار علي تنفيذ الأفكار البسيطة هو الذي يصنع المشروعات الكبيرة . لاتوجد أية ألغاز في طريق التقدم العلمي والتكنولوجي . المسألة مجرد جدية وإصرار ومتابعة وتراكم خبرة وإرادة.
هذه الأفكار لاتغيب عن ذهن حكام العرب المعاصرين ولكنهم يتسمون بالرخاوة وعدم الجدية والاستنامة للتبعية وتلقي السلاح مجاناً من الأعداء , وكأن ذلك بلا ثمن من استقلالنا وكرامتنا وحرياتنا وقدرتناعلي تحقيق أهدافنا . رأي محمد علي ان إنشاء جيش يحمي البلاد , وقد رأي غزوتين متتابعين من فرنسا وانجلترا 1798- 1807 , أمر غير ممكن بدون توفير السلاح والذخيرة من داخل البلاد , اذ الاعتماد علي جلب السلاح من الخارج يعرض قوة الدفاع الوطني للخطر ويجعل الجيش والبلاد تحت رحمة الدول الأجنبية . وبدأ بتأسيس ترسانة القلعة لصنع الأسلحة وصب المدافع باسناد هذه المهمة لأدهم بك قائد المدفعية . وكان في هذه الترسانة الممتدة لمسافة كبيرة حول القلعة 900 عامل , ويصنع فيها كل شهر 650 بندقية , تتكلف كل بندقية اثني عشر قرشا مصريا. عندما كنت في الجيش المصري 1972-1975 كان التسليح الشخصي يعتمد علي البندقية الآلية من طراز كلاشينكوف الروسي وهي بندقية آلية ممتازة ,وعلمنا أنه أصبح لدينا مصنع ينتجها في مصر في ذلك الزمان وهذا جيد .ولا اعرف الوضع الآن وإن عرفت لن أكتب فقد تكون أسراراً عسكرية.
في ترسانة القلعة كان يتم صنع زناد البندقية والسيوف والرماح وكل احتياجات تسليح المشاه والخيالة بالإضافة لمصانع لتصنيع صناديق البارود ومواسير البندقية , ومصنع آخر لصنع ألواح النحاس التي تستخدم لوقاية السفن الحربية , وكان أهم مصانع الترسانة معمل صب المدافع .وكان يصنع كل شهر 4 مدافع من عيار 84 رطل , ومدافع الهاون , ومدافع قطرها 24 بوصة . ويعمل في هذا المصنع 1500عامل .
وقد زار المارشال مارمون المشار إليه سابقاً – ترسانة القلعة عام 1834 وكتب في كتابه :(زرت دار الصناعة بالقلعة وعنيت بها فحصاً وتقصيا فألفيت البنادق التي تصنع فيها بالغة من الجودة مبلغ ما يصنع في معاملنا وهي تصنع علي الطراز الفرنسي. وتتخذ فيها الاحتياطات والوسائل التي نستعملها نحن لضمان جودة الأسلحة . وتتبع النظام نفسه الذي نتبعه نحن في تصريف العمل وتوزيعه والرقابة عليه , وكل مايصنع يعمل قطعة قطعة ومعمل القلعة يضارع أحسن معامل الأسلحة في فرنسا من حيث الإحكام والجودة والتدبير) – رحلة المارشال مارمون جزء3 .
وستؤكد مجريات أحداث الحروب التي خاضها الجيش المصري مصداقية هذه التقديرات , كما سنأتي ان شاء الله . ونعود لنؤكد أن أدهم بك ( أصبح باشا فيما بعد) الذي أسس هذه الترسانة لم يكن خبيراً أجنبياً ولم يذهب إلي أوروبا في البعثات التعليمية وكان أصله من الأستانة ولكنه استوطن مصر وتمصر تماماً وشارك محمد علي في تأسيس الجيش النظامي المصري , وكان ضابطاً بالمدفعية , وكان يدرس الهندسة لقيادات الحكومة المختصة بشئون هندسية وكان راهباً في محراب صناعة الأسلحة , فعندما عزل من منصبه لفترة قصيرة كان المعلمون في الورش كما يقول علي باشا مبارك يحضرون إليه في منزله ويستفهمون منه عن العمل في البنادق والمدافع ونحو ذلك وهو يفيدهم بجد واجتهاد رغبة منه في خدمة الديار المصرية – الخطط التوفيقية . ثم أعاده محمد علي إلي العمل ورقاه إلي أمير لواء , ثم تولي وزارة المعارف ( وزير التعليم ) من 1839-1850 . وعاد لتوليها في عهد اسماعيل 1863. ويثني عليه علي باشا مبارك في عمق تدينه واخلاصه واهتمامه بمشكلات المستضعفين ورعايته الدقيقة لأحوال المدارس .ويقول المارشال مارمون (إن إختيار محمد علي لمثل هذا الرجل لمعاونته لدليل علي صدق نظره وفراسته وحسن توفيقه في اختيار رجاله ) .
انشأ محمد علي مصنعا آخر للبنادق في الحوض المرصود (أعتقد أنه بالسيدة زينب) عام1831 وتولي إدارته رجل إيطالي أسلم وأصبح اسمه علي أفندي وهو من تلاميذ أدهم بك . ووصل عدد العمال في المصنع إلي 1200 وكانوا يصنعون في الشهر 900 بندقية والبندقية تكلف 40 قرشاً .
وكانت المدافع المنتجة تتعرض للتجارب كل أسبوع ويتم استبعاد غير الصالح (حوالي الخمس) .
وتم انشاء مصنع ثالث في ضواحي القاهرة للأسلحة , وكانت المصانع الثلاثة تصنع في السنة 36 ألف بندقية عدا الطبنجات والسيوف .
وأقيم معمل للبارود في جزيرة الروضة ( 90 عامل ويصنع كل يوم 35 قنطاراً).
وتم انشاء 5 معامل أخري للبارود في البدرشين والأشمونين والفيوم واهناس والطونة ومجموع انتاج المعامل بالسنة 15.784 قنطاراً . وأذكر مواقع المصانع متعمداً حتي يدرك القارئ أن التطور الصناعي كان يمتد علي كامل رقعة الوطن وحيث يتعلم المواطنون في مختلف المحافظات هذه الأعمال .
وتم تصنيع ملابس جيدة للجند ( جوخ في الشتاء . قطن سميك في الصيف ).
مصانع الغزل والنسيج :-
كان أول مصنع للغزل والنسيج في الخرنفش لغزل خيوط الحرير لصناعة القطيفة والساتان الخفيف وغزل ونسج القطن لانتاج البافتة والموسلين والبصمة والشاش والباتست . ويتم تبييض المنسوجات في المبيضة بشبرا .وهي منطقة لاتزال بنفس الاسم في شبرا اسمها (المبيضة) . ويوجد ملحقاً بالمصنع ورش في مختلف التخصصات لصيانة الآلات . ثم مصنع غزل ونسيج في بولاق . وكانت المصانع في ذلك الزمان تعتمد علي دواليب يحركها الثيران .
وفي بولاق كانت توجد 8 أفران لصهر الحديد وسبكه لصنع مراسي المراكب وكل مايلزم لبناء السفن . وكان مسبك الحديد يصب كل يوم خمسين قنطار من الحديد . كما يوجد مصنعان آخران لغزل القطن .
وكان الجمهور يقبل علي المنتجات المصرية من الأقمشة ويفضلها علي الأنواع الواردة من ألمانيا وانجلترا حتي قل الوارد منها كما وجدت مبيضات أخري في القليوبية وشبين والمحلة الكبري والمنصورة . وفي عام 1833 تم انشاء مصنع نسيج في بولاق يعمل بآلة بخارية وانشأ في حي السيدة زينب مصنع لأمشاط الغزل , وبه قسم للنسيج . ومصنع للجوخ في بولاق . وآخر في دمنهور وبعض المصانع الأخري بالقاهرة .
وكان في مصر قبل محمد علي نسيج الأقمشة الحريرية ولكن محمد علي توسع في غرس أشجار التوت ليكثر من إنتاج الحرير وأحضر عمالاً متخصصين في هذا المجال من الاستانة . وجرت الصناعة في مصنع الخرنفش وفي عام 1833 انتج من الحرير زنة 4 آلاف أقة . وحذق العمال المصريون صناعته وان لم يرتق الانتاج إلي مستوي المنسوجات الإيطالية . وتم انشاء مصنع للحبال خدمة للترسانة البحرية كما ذكرنا . وصنعت في القاهرة منسوجات الصوف كملابس البحارة والبطانيات (4000 نول ) . ومصنع طرابيش في فوة حيث تم استدعاء صناع من تونس المشهورة بصناعة الطرابيش حيث علموا العمال المصريين الصنعة.
ولاحظ ان فكرة استدعاء الفنيين تجري من بلدان شتى اسلامية أو غير اسلامية حسب الإحتياج. وكان المصنع ينتج 720 طربوشاً كل يوم لتغطية احتياجات الجيش والمدنيين .
في بدايات القرن العشرين اندثرت صناعة الطرابيش في مصر بينما كانت من ضمن الزي الرسمي للموظفين والطلاب والناس عموماً ولذلك كانت الطرابيش تستورد من الخارج !! لذا فان مشروع القرش الذي دعا إليه أحمد حسين وهو طالب بالحقوق قام بتأسيس مصنع لانتاج الطرابيش وبدأ انتاجه عام 1931 تقريباً , والمصنع لايزال موجوداً بالعباسية ولكن حُور إنتاجه إلي إنتاج بطاطين للجيش.
وكما ذكرت فإن النهضة الصناعية تمتد لتشمل معظم المحافظات . فمصانع الغزل والنسيج أنشئت في قليوب وشبين الكوم والمحلة الكبري وزفتي وميت غمر والمنصورة ودمياط ودمنهور وفوة ورشيد , وصنعت في رشيد آلة بخارية لتدير طواحين تبييض الأرز بمساعدة ميكانيكي إنجليزي . أما في الصعيد فأنشئت مصانع الغزل والنسيج في بني سويف وأسيوط والمنيا وفرشوط وطهطا وجرجا وقنا .
وكان جزء من القطن المغزول يتم تصديره إلي موانئ البحر الأدرياتي وثغور التوسكان بإيطاليا حيث توزع في إيطاليا وألمانيا وبعض المنسوجات كانت تصدر إلي سوريا والأناضول وجزر بحر الأرخبيل ( اليونان ) . لاحظ ان المحلة الكبري تستورد في أوائل القرن الواحد والعشرين الغزول من الخارج من ( ايران وغيرها من الدول ) وطبعا فان المنسوجات والأقمشة الآسيوية تغزو الأسواق المصرية الآن. أما في عهد محمد علي فان الإنتاج المصري من المنسوجات أضر بالواردات الأجنبية . والبفتة الهندية بعد أن كانت تغمر الأسواق المصرية انقطع الوارد منها لما حلت محلها البفتة المصرية, وهذا ماحصل لأقمشة البنغال (في القرن الواحد والعشرين سبقتنا البنغال أي بنجلاديش في صناعات النسيج وتصديرها ).
وكانت مصانع الكتان موجودة قبل محمد علي ولكن كمية الانتاج زادت في عصره إلي 3 مليون قطعة سنوياً يصدر قسم منها إلي تريستا بإيطاليا وليفورن .
وانشأت الحكومة مصنعاً لانتاج ألواح النحاس التي كانت تبطن بها السفن وأداره ميكانيكي انجليزي وقام بتدريب المصريين .
أما مصانع السكر فكانت في الصعيد في ملوي بالمنيا وتولي إدارته انجليزي وتبعه صاحب مصنع من كورسيكا ( أمريكا اللاتينية ) أي لم يترك محمد علي أي بلد في العالم لم يستقدم منه خبيراً أو فنياً , وتم انشاء مصنعين آخرين أحدهما في ملوي والثاني في ساقية موسي . وتم انشاء سلسلة مصانع للنيلة ( صبغة زرقاء ومنها نقول : ” جتك نيلة ” لأن لونها كان أزرق غامق ) وذلك في شبرا شهاب والعزازنة وميت غمر والمنصورة ومنوف وابيار والأشمونين وبركة السبع والمحلة الكبري والجيزة وأبو تيج وملوي ومنفلوط وطهطا وأسيوط والفشن وتستخدم المصانع سدس محصول القطر المصري والباقي يباع في القاهرة أو يصدر للخارج. وانشئت مصانع أخري مختلفة , منها مصنع للصابون ومدبغة للجلود برشيد ومصنعان للزجاج والصيني وآخر للشمع ومصنع للورق ومعاصر للزيت .وهذه كانت موجودة من قبل .وانشأ محمد علي داراً للرصد الفلكي ( رصد خانة ) في بولاق .
التلغراف :-
تم انشاء خطوط تلغرافية علي طريقة ( شاب ) القديمة علي عدة مراحل وكانت الرسالة التلغرافية يستغرق وصولها من الأسكندرية لمصر 35 دقيقة , وهذا جيد جداً في ذلك الزمان . أما التلغراف الحديث فأدخله الخديوي سعيد ابن محمد علي ولما تم العدول عن خط سكة حديد من القاهرة إلي السويس استخدمت القضبان في مد سكة حديد قصيرة بمحاجر طرة لنقل الأحجار إلي شاطئ النيل كي تستعمل في بناء القناطر الخيرية .
لماذا لم تتواصل النهضة الصناعية ؟
السؤال البديهي الذي يطرح نفسه لماذا لم تتواصل النهضة الصناعية بعد محمدعلي؟
كما ذكرت في البداية في سلبيات عهد محمد علي الظاهرة غياب أو ضعف المؤسسة. بناء دولة المؤسسات هو الذي يضمن استمرارها واستمرار انجازاتها فكل هذه الانجازات الجبارة في عهد محمد علي في الصناعة وغير الصناعة لم تستمر لأنها كانت مرتبطة بشخصه , ليس لأنه احتكر الزراعة والصناعة فهو لم يحتكرهما بغرض الطمع الشخصي في الحصول علي الأرباح ولكن من أجل تمويل المشروع الاجمالي .أي إنه قام بما نسميه الآن القطاع العام وليست هذه هي المشكلة فقد كان يمكن تصحيحها بإعادة الإعتبار تدريجياً للملكية الشخصية وهذا ماحدث فعلاً في عهد أولاده وأحفاده . ولكن المشكلة انه لم ينشئ وزارة صناعة ومجلس أعلي للتصنيع ولم تدار البلاد كمؤسسات : جهة للتخطيط وجهة للتنفيذ وجهة للتشريع ومجلس شوري حقيقي يدير البلاد تنفيذياً أو تشريعياً أو رقابياً . كان محمد علي يقوم بكل شئ بنفسه وهذه وإن كانت قدرات فذة إلا إنها لاتصلح إلا علي المدي القصير , وبالكثير جداً في عهده هو وخلال حياته أما أولاده وأحفاده الذين بذل جهداً كبيراً في تربيتهم واعدادهم فقد كان أنجحهم ابراهيم باشا ومات مبكراً حتي قبل محمد علي , يليه الحفيد ابن ابراهيم الخديوي اسماعيل وسنتحدث عنه , فحتي لو عاش ابراهيم بضع سنين وتجنب اسماعيل ماوقع فيه من أخطاء الإستدانة فقد كان مآل نهضة محمد علي إلي زوال قريب بسبب غياب المؤسسات ,وهذا من أهم أسباب تواصل النهضة اليابانية وأيضاً الصينية وسنتحدث عن ذلك قريباً. أما كارثة التوريث فهذه كارثة الأمة منذ الحكم الأموي حتي الآن , لأنه مهما كان إعداد الوريث جاداً فهذا لايكفي لضمان نجاحه , كما أن هناك صفات شخصية لايصلح معها الإعداد والتدريب والتعليم . ولابد أن توجد آليات واسعة في المجتمع لتوسيع دائرة اختيار أو انتخاب الحاكم بعيداً عن حكاية الأسرة الحاكمة . وهذا هو النظام الشوري الاسلامي الحقيقي .
( راجع كتابي النظام السياسي في الاسلام + كتابان لحاكم المطيري : الحرية أو الطوفان – مرجع سابق وتحرير الانسان .وانصح كل مسلم بل كل من يريد أن يفهم الاسلام علي حقيقته ان يقرأ هذين الكتابين ) النظام التعليمي في عهد محمد علي هو الذي استمر أكثر من غيره , بل لعله ظل مستمراً حتي الانهيار الكبير في التعليم في عهد مبارك . لماذا؟ لأنه في مجال التعليم انشأ ديوان المدارس الذي تطور الي وزارة المعارف والتي تحقق فيها أعلي قدر من المؤسسية حيث ترك ( العيش لخبازينه ) , ولم يكن محمد علي يخشي من وزارة المعارف أن تنازعه السلطان !! فترك المؤسسية تأخذ مداها , ولذلك فرغم الانتكاسات الكبري التي حدثت في مشروع النهضة في عهدي عباس الأول وسعيد إلا أن إعادة إحياء المجال التعليمي كان ميسوراً أكثر من غيره في عهد اسماعيل وما بعده من فترات جيدة متقطعة في حكم أسرة محمد علي الذي استمر حتي 1952 .ورغم تأسيس ديوان لإدارة الفبريقات ( اي المصانع ) إلا أنها كانت لمجرد الادارة اليومية ,ولم تقم بوضع أي خطط لتطوير الصناعة وتنمية البحث العلمي في مجال الصناعة , وتشجيع كبار الملاك الزراعيين للولوج في مجال الاستثمار الصناعي , وهذه من أهم سمات النهضة اليابانية , فامبراطور اليابان استخدم مؤسسات الدولة لإقناع أو لدفع كبار الملاك الزراعيين ( الاقطاعيين ) للتحول إلي النشاط الصناعي ,وبذلك انتقلت اليابان من المرحلة الزراعية الاقطاعية إلي المرحلة الصناعية بدون ثورات كتلك التي حصلت في فرنسا ( الثورة الفرنسية في اواخر القرن 18 ) للقضاء علي النظام الإقطاعي وتأسيس نظام صناعي رأسمالي . بينما نحن لانزال كنخبة مشدودين للتجربة الأوروبية ونجعل أوروبا- كما تريد هي – مركزاً للعالم ونصور أن ماحدث فيها لابد أن يتكرر في بلاد افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية التي تخلفت عن ركب الحضارة في القرنين 19,20 . وهكذا ضاقت علينا الدنيا بما رحبت !