شيخ الأزهر يعترض على الوالي العثمانى المخصي لأنه رقيق

والآستانة تستجيب وترسل شهادة عتقه

اذا لم تعط الوالي هدية قتلك واذا أعطيته أخذها وقتلك!

محمد الثالث قتل 19 من أخوته و10 من جواري أبيه كانت حبالى

الانكشارية فرضت إباحة الخمر

سليمان القانوني أقر حق الشيعة في آداء الحج

عرش من الذهب الخالص من مصر للآستانة -الحلقة -43


ذكرنا أن السلطان سليمان القانوني أعاد ترتيب النظام الإداري في مصر وفرق بين الديوان الكبير والديوان الصغير الدائم ثم حدد المناصب الكبري علي التالي :

•الكخيا (الكتدخدا) أو نائب الباشا.

•الدفتر دار وهو القائم بحفظ الدفاتر وضبط السجلات ولا ينفذ أمر بيع عقار إلا بعد توقيعه إشارة إلي تسجيله في دفاتره.

•الروزنامجي : وظيفة إدارة الخراج وضبط حساباته ( أي ضرائب الأطيان ).

•أمير الحج : وهو يحمل الصدقات والهدايا التي ترسل من السلطان سنويا إلي مكه والمدينة وعليه حماية قافلة الحج ذهابا وإيابا ولم يلبث شاغل هذا المنصب أن أصبح الرجل الثاني في الدولة.

•أمير الخزانة : ( الخاندرار) : يحمل الأموال والحاصلات المقرر إرسالها سنويا إلى إسطنبول عن طريق البر وهو المكلف بحمايتها وتوصيلها سالمة.

•والقباطنة الثلاثة : وهم قومندانات ثغور السويس ودمياط والإسكندرية.

وكان تعيين الكتخدا وقباطين الثغور يصدر رأسا من السلطان ويظلوا تابعين له مباشرة ويستدعون إلي إسطنبول في آخر كل سنة إلا إذا صدر مرسوم جديد باستمرارهم في وظائفهم لعام جديد أما باقي السناجق والبكوات وأصحاب الوظائف الكبري الأخري فيكون تعيينهم بمعرفة الديوان ويصدق علي هذا التعيين الباشا ويثبتهم الباب العالي.

التنظيم الأقتصادي :

ثبت السلطان سليمان القاعدة التي كان معمولا بها من أن السلطان هو المالك لجميع أراضي مصر من الناحية القانونية كما ذكرنا من قبل فإن هذا كان هو وضع الأراضي الزراعية منذ المصريين القدماء ولم يكن اختراعا من محمد على بما في ذلك التعديلات الأساسية التي أدخلها سليمان القانوني من الناحية الفعلية، فقد تم البدء بإعادة مسح الأراضي المصرية من جديد ثم قسمت الأراضي علي شكل إقطاعات وزعت علي أشخاص أطلق عليهم الملتزمون ( وقد تحدثنا من قبل عن هذا النظام بمناسبة تولي محمد علي الحكم )  وقضي السلطان سليمان أنه بعد اقطاع الأراضي للملتزم لا يجوز نزعها منه ما دام يؤدي ماعليه من إلتزام كما أنها تورث من بعده لورثته فأشبهت بذلك أن تكون ملكا حقيقيا، وكان الملتزمون يعهدون بزراعة الأرض للفلاحين فكان كل فلاح يختص بقطعة من الأرض لا تنزع منه يورثها من بعده لورثته ما دام قائما علي دفع المطلوب منه وكان علي الفلاحين والملتزمين خراج يدفعونه إما نقدا أو عينا ومن يتأخر عن دفع المستحق عليه تؤخذ الأرض منه.

 وتحدد خراج مصر علي ما يقول ابن إياس بمليون دينار وثلاثمائة ألف دينار وستمائه ألف  أردب نصفها من القمح ونصفها الآخر من الحبوب الأخري ولم نر في كتب التاريخ أي إشارة لتنظيم وجمع الزكاة وتوزيعها وكأنها ليست من أركان الإسلام  وسيظل هذا الحدث مغفلا علي مدار ثلاث قرون بل لم تصلنا أي أنباء عن جمع الزكاة في الدولة المركزية في تركيا وما حولها.

القضاء :

وأحدث السلطان سليمان ما يمكن أعتباره ثورة في دنيا القضاء إذ ألغي نظام القضاة الأربعة واستبدله بقاضي واحد يبعث به من أسطنبول وأطلق عليه أسم ( قاضي عسكر ).

– أول تمرد مملوكي في الشام :

كان الأمير جان بردى الغزالي ثاني اثنين خانا السلطان الغوري آخر حكام دولة المماليك وهيأ للسلطان سبل احتلال مصر والشام وقد كافأه السلطان سليم بتوليه علي الشام  كما كافأ صاحبه خاير بك بالولاية علي مصر فلما مات السلطان سليم طمع الغزالي في السلطة تصورا منه بضعف السلطان سليم فأعلن نفسه سلطانا علي الشام وراح يراسل خاير بك ليحرضه علي الإنضمام إليه ولكن خاير بك  بعث برسله إلي إسطنبول فأرسل السلطان سليمان جيشا أخمد الحركة وقبض علي الغزالي وقطع  رأسه ( 1521م )

– السلطان سليمان يستولي علي مدينة بلغراد :

وفي نفس السنة فتح السلطان سليمان مدينة بلغراد ( عاصمة يوغسلافيا في القرن العشرين وعاصمة دولة الصرب حاليا ) وقد دخل السلطان سليمان نفسه إلي المدينة وحول أحد كنائسها إلي مسجد ليصلي فيه الجمعة وبسقوط بلغراد التي كانت تعتبر الحصن المنيع الذي يحول دون تقدم العثمانيين إلي ما وراء نهر الدانوب انفتح الطريق أمامهم إلي قلب أوروبا وقد تزينت مصر وأحتفلت احتفالا رائعا بهذا النصر وهكذا نشأ الحب من جانب المسلمين في مصر والمنطقة العربية تجاه العثمانيين.

– ماذا فعل خاير بك بمصر ؟

في عام 1522 مات خاير بك أول والي عثماني لمصر حيث استمر خمس سنوات  وثلاث أشهر ويقول عنه ابن إياس أنه فوق خيانته للغوري فقد كان جبارا عنيدا سفاكا للدماء قتل في مدة ولايته عددا كبيرا بشتي الأشكال وكان يقتل لأوهى الأسباب حتي لقد قتل بعض من سرق الخيار من بستانه وقد أحصي ما كان في خزانته بعد موته فكان عدته 600 ألف دينار ذهب بخلاف ما كان في بيت المال من الأموال وخلف من الخيول والبغال والحمير عددا كبيرا وكميات كبيرة من الغلال والأغنام والأبقار، ويقول ابن إياس وبالرغم مما كان لدي خاير بك من أموال فقد كان شحيحا لا يميل إلي الفقهاء وإلي طلبة العلم ويصادر الأغنياء ولا يعطي          المماليك مرتباتهم بدعوي عدم وجود المال وقد شيعه الناس إلي مقبرته باللعنات ولهجت الألسنة بذمه، حتي لقد كان قالوا عنه إنه كان ينهض من لحده ليلا ليستغفر الله علي ما أتاه من الشرور في حياته .

– سانحة اهتمام بمصر سرعان ما تبددت :

أرسلت الأستانة وزير السلطان وزوج ابنة السلطان سليم مصطفي باشا ليكون حاكما علي مصر فدل ذلك علي اهتمام السلطان سليمان بمصر وتقديره لأهميتها وخطورتها، ففي تصورنا أن الدولة العثمانية كانت لابد أن تعين حاكما غير عادي لولاية مصر طول الوقت ولكن هذا لم يحدث كما أن بعض الكبراء كانوا ولاة فاشلين للظروف التي أشرنا إليها من نقص الصلاحيات وماحدث بعد ذلك من تنامي سلطان المماليك وانحلال الإنكشارية وقد تضمن مرسوم تولية مصطفي باشا الإشارة إلي ضرورة إصلاح العملة التي ارتفعت شكاوي الناس بسببها وكنا قد      أشرنا إلي هذه المشكلة.

– الإستيلاء علي جزيرة رودس :

كانت جزيرة رودس تضم آخر بقايا فرسان الصليبيين وتؤلف شوكة في جانب الأساطيل العثمانية المصرية في العهد المملوكي فاستولي عليها السلطان سليمان عام 1523م ولم تجرؤ الأساطيل الأوربية أن تتدخل وسمح للصليبيين الذين كانوا يحكمون الجزيرة باسم فرسان القديس يوحنا أن ينسحبوا إلي جزيرة مالطة ولعلهم لا يزالون موجودين فيها بشكل رمزي حتي الآن وحيث يفتحون لهم سفارة في مصر وإن لم يكونوا دولة بالمعني المعروف للكلمة، وقد هاجمنا هذا الوضع مرارا في جريدة الشعب . ومن الطريف ان فرسان القديس يوحنا بمصر قدموا وساما لتكريم  بطرس بطرس غالي وزير الدولة للشئون الخارجية وأمين عام الأمم المتحدة .

– أحمد باشا والي مصر يعلن الأستقلال (1524)

ما ذكرناه فإن سانحة الإهتمام بمصر سرعان ما ذهبت سريعا أدراج الرياح فبعد عامين ودون أن نلحظ أي إنجاز لمصطفي باشا تم استبداله بأحمد باشا وكان يتولي منصب الصدر الأعظم، وتم عزله فاستبد به الغضب ومايكد يستقر بمصر حتي يري  الإنتقام لنفسه بإعلان استقلاله عن الدولة وكانت هذه المخاطر متوقعة فكانت هناك رسالة من الصدر الأعظم الجديد تأمر بقتل أحمد باشا وكانت موجهة لبعض الأمراء ووقعت الرسالة في يد أحمد باشا فقتل هو هؤلاء الأمراء وأعلن التمرد والعصيان وطلب من الخليفة المتوكل ( العباسي ) وكان قد عاد إلي مصر أن يبايعه سلطانا علي مصر فأجابه الخليفة إلي طلبه وخطب له في المساجد وأصدر أمره أن تضرب النقود باسمه ولكن القوي الأخري في نظام الولاية التي أشرنا إليها تصدت له      وقتلته ولكن لنلحظ هنا أن هذا هو التمرد الثاني خلال سنوات قليلة، واحد في الشام ( من مملوكي ) والثاني في مصر ( من عثماني ) وهذا يؤكد سوء الإختيار للولاة منذ البداية أو اعتبار مصر منفي للمعزول من موقع الصدر الأعظم والصدر الأعظم هو رئيس وزراء الدولة أي الرجل الثاني وهذا هو مستوي ولائه للدولة رغم أنها كانت لا تزال في أوج مجدها .

– إستيلاء سليمان علي المجر :

في 1526م استولي السلطان سليمان علي المجر بعد موقعة موهاكز حيث قتل لويس ملك المجر و20 ألف من جنوده ودخل السلطان العاصمة بودابست.

 – من الصدر الأعظم إلي الوالي المخصي:

مع ذلك استمرت صحوة اهتمام السلطان سليمان بمصر فأرسل الصدر الأعظم الجديد إبراهيم باشا إلي مصر ليعيد الأمن إلي نصابه ويعيد تنظيم شئون مصر بما يقر العدل في رحابها ويقمع فتن الأعراب التي تكاثرت وقد اضطلع إبراهيم باشا بما جعل الألسنة تلهج بالثناء عليه (دائما الشعوب تلحظ سريعا لفتات الإصلاح ) . ولكن سرعان ما تم استدعاؤه لاسطنبول حيث قام هو ( إبراهيم باشا ) بتعيين سليمان باشا الخادم ( المخصي ) والذي استمر يحكم مصر 9 سنوات ويرجع إليه الفضل فى بدأ استعمال القهوة !.

– 1535 بدء نظام الإمتيازات الأجنبية التي شقيت به مصر :

أبرم فرانسوا الأول ملك فرنسا معاهدة تحالف مع السلطان سليمان القانوني ضد أسرة الهابسبورج التي كانت تحكم النمسا وأسبانيا . وبموجب هذه المعاهدة وضع الأساس الأول لهذا النظام البغيض الذي لم يلبث أن تشقي منه مصر، وهو نظام الإمتيازات الأجنبية حيث خول للفرنسيين المقيمين في الدولة العثمانية بعامة ومصر بخاصة أن يتحاكموا إلي قناصلهم وليس أمام القضاء المحلي وأن يكونوا معفيين من الضرائب التي تقرر علي المواطنيين المحليين. وعندما ضعفت الدولة تحولت هذه الإمتيازات إلي غل في أعناقها، وسبيلا للتدخل في شئونها الخاصة وبدأت الدولة الأوربية تطالب لنفسها واحدة بعد الأخري بنفس الحقوق والإمتيازات بينما لم يستفد السلطان من محالفته مع فرنسا شيئا!

– 1538 هزيمة الحلف المقدس :

تألف حلف مقدس من أسبانيا والبندقية والبابا ضد العثمانيين ولكن قوة العثمانيين وسيادتها في البحر المتوسط بفضل خير الدين بربروسا بطل البحار الأسطوري جعل هذا الحلف ينتهي إلي الإخفاق وخسرت البندقية آخر مراكزها في بلاد المورة (اليونان ) التي أصبحت كلها تحت حكم العثمانيين .

والي خصي جديد علي مصر :

أعقب سليمان باشا الخادم، داوود باشا الخصي علي ولاية مصر ومع ذلك فقد أجمعت كتب التاريخ علي أنه كان رجلا مستقيما كريم الأخلاق محبا للعلماء آخذا بناصرهم كلفاً بالمطالعة وبنوع خاص المؤلفات العربية فجمع منها عددا وافرا واستنسخ كل ما ظفر به من الكتب فاجتمعت له مكتبة قيمة وكان الأهالي في مدة حكمه في أمن ورخاء.

وقد مد داوود باشا الحكم العثماني إلي بلاد النوبة وأوفد إليها حاكما من لدنه وأقام القلاع علي ضفتي النيل ليثبت الحكم العثماني.

ودام حكمه 11 سنه من الراحة والطمأنينة لشعب مصر وهي حالة لن تتكرر كثيرا مات في مصر ودفن فيها في ضريح الإمام الليث . وكان من أعماله تعمير مقام السيدة.

وشهد عصره واقعة بالغة الأهمية ذكرتنا بمواقف الشيخ العز بن عبد السلام مع المماليك فيروي أن الشيخ أحمد بن عبد الحق شيخ الجامع الأزهر اعتراض علي داوود باشا باعتباره رقيقا وأحكامه باطلة ولما رفع الأمر إلي الباب العالي أرسل ورقة عتقه إلي داوود باشا مع الشكر لشيخ الإسلام الذي قام بواجبه في الحرص علي أحكام الدين.

– مصائب الوالي محمد باشا الشهير بدقادن زاده :

وبدون حصر للولاة نتوقف عند المواقف المهمة، تولي عام 1554 م الوالي محمد باشا الشهير بدقادن باشا زاده فأراد زيادة جباية الأموال وبدلا من تحصيل 800 ألف بندقي (وحدة العملة الذهبية ) وهي مقدار مخصصات الباب العالي حصل محمد باشا مليون وربع المليون (1.200000 ) بندقي ليحظي برضا السلطان ولكن السلطان سليمان رفض أن يقبل في الخزينة أكثر من المقرر علي مصر وأمر بإستعمال الـ 400 ألف بندقي الزائد في تحسين الحالة في مصر بإنشاء القناطر والجسور والترع والمنشأت العامة.

وكان طبيعيا أن ترتفع الشكاوي من مثل هذا الوالي وأن ينتشر الغلاء في عهده فضجت منه الجماهير وشكوا إلي الباب العالي فاستجاب وعزله وحوكم وصدر حكم بإعدامه ونفذ فيه الحكم

 – 1555 السلطان سليمان يقر حق الشيعة في أداء الحج :

في هذه السنة استعاد السلطان سليمان بغداد والعراق وغرب فارس وعقد معاهدة مع شاه إيران يعترف فيها الأخير بحق الدولة العثمانية في العراق واعترف السلطان بحق الشيعة من الأعاجم بحج بيت الله الحرام ومزاولتهم مذهبهم دون أن يتعرض لهم أحد ( المقصود الأثني عشرية ).

– 1566 الوالي يأخذ الهدية ويقتل مقدمها :

وتعاقب الولاة بالتفاوت الذي أوردناه في الإحصاء العام فكان منهم علي باشا الخادم وكان من أهل الصلاح منزها عن الرشوة عادلا في أحكامه لم يترك عند وفاته سوي سبعة دنانير .

يعقبه مصطفي باشا شاهين حيث كانت الرشوة شعاره والظلم دثاره ( أمين باشا سامي – مرجع سابق).

أما محمود باشا الذي جاء عام 1566 فكان يحتم علي الأهالي منذ وصل إلي الأسكندرية أن يستقبلوه بالهدايا العظيمة وعندما أعطاه أمير الصعيد سفينة محملة بالعديد من الهدايا بالإضافة إلي 50 ألف دينار قدمها له، فأخذ الباشا الهدية ثم أمر بخنقه كما أمر بخنق القاضي يوسف العبادي لأنه لم يأت لمقابلته ولم يهده شيئا ( هل أرسلت الأستانة رجلا مجنونا )!

وطبيعي أن تنتهي ولايته بالقتل عام 1568 واتهم بقتله فلاحان مظلومان وجدا بالقرب من الحادث وكان محمود باشا يسير مصحوبا بجلاده الشوباصي الذي كان يقتل بمجرد الإشارة من سيده ! ( موسوعة تاريخ مصر أحمد حسين مرجع سابق )

1567 وفاة سليمان القانوني :

أدركته الوفاة وهو يحارب في المجر وعمره 76 سنه حكم منها 48 سنه بلغت فيها الدولة أوجها فاتسعت رقعة فتوحاتها برا .. وبلغت جيوش الدولة  300 ألف جندي وكان اسطولها سيد البحر المتوسط بـ 300 سفينة مما لم يكن موجودا لدي أي دولة أوربية مما ساعد علي ضم تونس والجزائر وهكذا امتدت الدولة من نهر الدانوب في وسط أوربا حتي الخليج العربي ومن أوكرانيا شمالا حتي الشلال في السودان بجنوب مصر ومع ذلك ففي عهده تم وضع بذور ضعف وفناء الدولة وقد أشرنا لمعاهدة الامتيازات الأجنبية، وفي تاريخه نقطة سوداء فقد قتل ابنه الأكبر مصطفي ظلما بتحريض من زوجته الروسية روكسلانا لتزيحه من طريق ابنها سليم. كما قتل ابنه الأخر بيازيد وأولاده الخمسة تحت تأثير دسائس مماثلة من رجال البلاط ويبدو أن كثيرا من المؤرخين لا يدركون أن هذه كانت ممارسة شائعة في الدولة العثمانية ثم تحولت إلي قانون وهي قيام السلطان في لحظة تولي الحكم بتصفية الورثة المحتملين عدا ولي عهد واحد من أبنائه وبالتالي فإن قتل الأخوة وحتي الأبناء كان شائعا، لضمان عدم الصراع علي السلطة ووصل أن هذا القتل أصبح يتم بصورة طبيعية ومعلنة وتتم مراسم الدفن للمقتولين بصورة رسمية. ولأن هذا مخالف لسنة الله وشرعه فإنه لم يحم السلطة العثمانية من الصراعات كما تصوروا وهذا ما يكشفه التاريخ، والحقيقة أن هذا حدث في تاريخ الدولة الرومانية وكذلك في تاريخ المماليك ( ولكن بين الأقران ) كما مرعلينا ولكنه لم يتحول أبدا إلي ( نامة ) أي قانون رسمي وكان يحدث عندما يشعر الحاكم بتهديد مباشر وليس قتلا أخذا بالأحوط !!

ولاية سنان باشا أفضل والي لمصر :

يعتبر سنان باشا من أفضل ولاة مصر وانتقل بعدها إلي موقع الصدر الأعظم (رئيس الوزراء) فقد أعاد ترعة الأسكندرية التي كانت قد ردمت فحرمت الأسكندرية معين الحياة. ويبدوا أن هذه الترعة ترمومتر الحاكم الجيد الذي يهتم بالتنمية ( وهي من أبرز أعمال محمد علي في المجال المائي والزراعي، ترعة المحمودية التي سبق الحديث عنها ) وبني سنان باشا وعمر وأنشأ جوامع وشوارع وحمامات وأختص بولاق باهتمامه وهي ميناء نهري تجاري أساسي في القاهرة فشق فيها شارعا وأنشأ وكالات للتجارة، وشيد جامعا لا يزال قائما في بولاق مشهورا باسمه. ويصنف أمين باشا سامي عهد سنان باشا بقوله إن الرخاء شمل مصر في أيامه حتي وصل سعر أردب القمح عشرة انصاف وأعاد توزيع المستحقات للعلماء والفقراء والمرضي .

التطورات العامة للدولة العثمانية :

في عهد السلطان سليم خان الثاني تم فتح جزيرة قبرص التي كانت البندقية احتلتها لحظة زوال سلطان المماليك مما أكد السيادة العثمانية المطلقة علي البحر المتوسط ( 1571 ) لذلك تم تشكيل تحالف أوروبي لضرب الأسطول العثماني وهذا ما حدث في معركة ليبانتو ( بعد موت خير الدين بارباروسا ) ولكن العثمانيين فاجأوا العالم بإعادة إنشاء الأسطول العثماني خلال سنة واحدة مما عد من قبيل المعجزات الصناعية والعسكرية، مما جعل البندقية تعلن تنازلها النهائي عن جزيرة قبرص وتمكن سنان باشا بعد عودته لاسطنبول من هزيمة أسبانيا وضم تونس للسيادة العثمانية وكانت أسبانيا قد مدت نفوذها لتونس وأصبحت طرابلس وتونس والجزائر تحت السيادة العثمانية .

– مراد الثالث يمنع الخمر :

في عام 1574 تولي مراد الثالث العرش ابن سليم الثاني وكان عمره عشرين سنة وكان فاتحة سلطنته أن أصدر أمرا بعدم شرب الخمر الذي شاع استعماله أيام أبيه ولكن الأنكشارية اضطرته فيما بعد علي إباحته بشرط عدم الإفراط فيه وفي عهده تم ضم المغرب للدولة العثمانية بعد هزيمة البرتغال ولكن هذا الضم لم يستمر طويلا .

عرش من الدهب الخالص من مصر إلي الاستانة :

الوالي حسن باشا الخادم كان ناهبا للمال وكرهته البلاد حتي إنه غادر مصر خفية بعد عزله مخافة انتقام الشعب منه وخلفه إبراهيم باشا الذي جاء يحقق في أعماله ورفع تقريرا للسلطان يؤكد فيه المظالم التي ارتكبها ضد الأهالي والأموال التي اختلسها من الدولة وحوكم وأعدم، واستقال إبراهيم باشا من منصبه وعاد إلي إسطنبول محملا بالكنوز التي استولي عليها من مقتنيات حسن باشا الخادم، وكان من بينها عرش من الذهب الخالص مرصع بالأحجار الكريمة سرعان ما أصبح هو العرش الذي يجلس عليه سلاطين آل عثمان عند تتويجهم !

– امتداد الدولة العثمانية إلي القوقاز :

في 1590 وفي صلح جديد مع الفرس حصل العثمانيون علي جورجيا وأذربيجان وشروان ووصلت حدودهم إلي القوقاز وبحر قزوين شرقا .

– ماذا فعل العثمانيون بالوالي العثماني ؟

رغم أن الإحصاء العام الذي ذكرناه يكفي ولكن بعض التفاصيل تكون مهمة لتجسيد الحالة، ورغم أننا لا نزال في مرحلة مبكرة وحيث الدولة العثمانية بعافيتها، نجد الوالي العثماني علي مصر أويس باشا 1590 قد فكر أن يفرض علي الجنود النظم العسكرية الحديثة فعصوه وهجموا عليه وأهانوه ونهبوا بيته وذبحوا الأمير عثمان قائد وجاق الجاويشية وخربوا بيت قاضي العسكر وقتلوا قاضيين من قضاة مصر ثم عمدوا إلي نهب الحوانيت، فسرت موجةمن الذعر والفزع بين الجماهير، وتحول الأمر إلى فتنة عامة، وحاول الدفتردار تهدئة غضب الجند، فأرسل تعليمات إلى القضاة، أن لا تخالفوا للعساكر أمراً، فلم يزيدهم ذلك إلا عتواً وفجوراً، حتى لقد قبضوا على أبناء الباشا الوالي رهينة وقد اختلف المؤرخون حول نهاية أويس باشا،  هل مات حزنا ؟ أم مقتولا ؟ أم استقال ؟

دراسة: المستطيل القرآني (الشرق الأوسط)- حلقة (43)

أعقبه حافظ أحمد باشا الخادم ويوصف بأنه كان حاكماً خيراً ولكن ما أقصي ما يعني هذا ؟ نحن لا نزال بعيدين عن فكرة لإصلاح جدي أو جذري وهذا أساسا ليس من صلاحيات الوالي بينما السلطة المركزية لا توصي بأي شئ إلا الكلام العمومي وتحصيل الخراج فيقال عنه أنه كان على جانب عظيم من حب العلم وطالبيه وكان رفيقا بالأهالي كثير الحسنات علي الحجاج والفقراء وجدد كثيرا من العمارات وأنشأ في بولاق وكالتين  وعدة مؤسسات خصص ريعها أو ربع دخلها لعمل الخير .

– 1585 عام بداية انحلال الامبراطورية العثمانية :

هذا رأي المؤرخين الأوربيين ويلخص رأيهم وليم لانجر صاحب موسوعة تاريخ العالم ففي عهد مراد الثالث بعد موت صقللي باشا وكان من أفضل الصدور، بدأ السلاطين في الضعف والتخلي عن شئون الحكم للوزراء وانتشار الفساد ونفوذ الحريم والانحلال الذي أصاب الجهاز العسكري وخاصة بين الجند الانكشارية، حيث سمح السلاطين لرعيتهم من الاتراك بالإلتحاق به. وبعد أن صارت الإمبراطورية متاخمة لأطراف الدول الأوربية القوية فإن فتوحاتها غدت مستعصية، كما قلت الاقطاعات العسكرية العثمانية وكان لابد من ترضية الجند دائما بالهدايا والمنح وكانت الجند الانكشارية في الأصل حرسا خاصا ولكنها بدأت تعين السلاطين وتخلعهم كما صار معظم أولئك السلاطين ألعوبة في أيديهم وفي عام 1595 بدأ عهد السلطان محمد الثالث بزيادة الضرائب في الإمبراطورية مع ضآلة الدخل الحكومي في وقت بدأ فيه الهولنديون والإنجليز والفرنسيون تجارة زاهرة في الشرق ومع العالم الجديد .

  – محمد الثالث يقتل 19 أخ و 10 جواري لأبيه :

وفي إطار ما ذكرنا عن هذا التقليد الذي ارتفع إلي مستوي القانون المكتوب ( نامه ) كما ذكر المؤرخ العثماني بجوي وهو مجري دخل الإسلام وحسن إسلامه وعمل في الإدارة العثمانية وكان قريبا من السلاطين، في موضوع إعدام الورثة المحتملين فقد كتبه بجوي بروح محايدة أي بدون تعليق وإن كان لا يخلو من الحزن وهو يصف إعدام جماعي ومراسم عزاء ودفن جماعي للورثة المحتملين .

نقول في هذا الإطار أن السلطان محمد الثالث ابن محظية للسلطان مراد الثالث، عندما تولي الحكم كان عمره 29 سنه وكان أول عمل قام به أن أمر بقتل أخواته الذكور وكانوا تسعة عشرا أميراً! وأمر بإغراق عشر جوار لأبيه كانت حبالي! وذلك كله للجيلولة دون وقوع منازعات حول العرش .

– إنتصار كبير علي النمساويين :

أحرز السلطان محمد الثالث نصرا مؤزرا علي جيشين متحالفين للنمسا وترانسلفانيا حيث كبدهم 100 ألف قتيل وكادت فيينا أن تسقط لولا دخول فصل الشتاء ورغم ما في هذه المعركة من استعادة لهيبة العثمانيين إلا أنها لم تؤد إلي تغيير حاسم في موازين القوي، وتجددت الحروب مع النمسا بعد ذلك .

– ولاية محمد باشا الشريف :

في إطار عرض عينات لبعض الولاة نشير إلي محمد باشا الشريف الذي أعاد ترميم الجامع الأزهر، وجعل فيه توزيعاً يومياً من العدس المطبوخ علي الطلبة الفقراء كما أصلح بناء المشهد الحسيني، وقد حاول أن يمنع العساكر من أخذ الضريبة التي فرضوها علي الأهالي فتمردوا ضده وهموا بقتله فاحتمي بالقلعة، وقتلوا بعض كبار الأمراء وعلقوا رؤوسهم علي باب زويلة ونهبوا بيوتهم وأثخنوا في الناس قتلا ونهبا فتم عزله وتم تعيين من هو أسوأ !

اترك رد

اكتشاف المزيد من مجدى أحمد حسين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading