فتح فلسطين .. ونص العهدة العمرية – بقلم : مجدى حسين



جرائم الفرنسيين لا تُقدر ولا تُحصى و قد أشرنا للحملة الفرنسية على مصر من قبل ، كما أنهم أبادوا 2 مليون جزائرى على الأقل و هى ممارسات تكررت فى كل البلدان التى احتلوها ، والعجيب بعد ذلك أن يطلق بعض المثقفين على الاستعمار الفرنسى أنه استعمار ثقافى !!

نكتفى بهذا القدر وكما ترون لا يوجد أى وجه للمقارنة بين الفتوحات الاسلامية وإقامة دولة عظمى اسلامية ، وممارسات كل القوى العظمى شرقية كانت أم غربية .

طبعاً الممارسات الإسلامية لم تظل بهذا النقاء فيما بعد ، أى بعد مرحلة الخلافة الراشدة ولكنها المرحلة التى تهمنا لأنها تمثل الاسلام الحقيقى ، وتقدم الأسس التشريعيه للتعامل مع الآخر ( حسب التعبير الشهير ) هي الأسس التى وضعها الرسول (ﷺ) الذى كان يؤكد مع كل غزوة على عدم التعرض للنساء أو الشيوخ أو الأطفال أو المتعبدين في الصوامع وعدم التعرض للشجر وسائر المزروعات وسائر الكائنات الحيوانية وعدم إجبار الناس على الدخول بالقوة إلى الإسلام ، حتى لقد فُرضت الجزية على أهل نجران باليمن فى عهد رسول الله (ﷺ) وكانوا نصارى رفضوا دخول الإسلام .

ومع ذلك فنحن نرى بعد الخلافة الراشدة أن الغزوات الإسلامية ظلت لا تُقارن إطلاقا بغزوات الغرب أو الشرق ، بل سنجد فى التاريخ الإسلامى شيئاً عجيباً للغاية أن خطايا المسلمين الكبرى كانت على الأغلب بين بعضهم بعضا فى الصراع على السلطة ، وفى استخدام الخلاف المذهبى أو العقائدى فى هذا الصراع . بل لقد أشرنا لتجاوزات العثمانيين مع المسلمين الشيعة ومع السنة فى مصر و غيرها من الولايات ، وهى تجاوزات لم تحدث بهذا القدر مع الأوروبيين النصارى !! ولا مع اليهود !!

_ عهد عمر ابن الخطاب :

كما وقفنا وقفة تحليلية مع عهد أبى بكر نقف وقفة مماثلة مع عهد عمر بن الخطاب وهو مع عهد أبى بكر عهدان متكاملان كأنهما عهد واحد ومرحلة واحدة متميزة حتى داخل الخلافة الراشدة . ونكرر _ بلا ملل _ أننا لا نقدم تأريخاً كاملاً فقد غطى ذلك العديد من الكتب وأمهات الكتب ، ولكننا نركز على الأبعاد السياسية الإستراتيجية وعلاقه ذالك بجوهرية المستطيل القرآنى ( الشرق الاوسط -مركز العالم ) .

ومن أهم عوامل الربط بين عهدى أبى بكر وعمر أن فتوحات فارس والشام جرت فى عهدهما بشكل متصل دون أن تؤثر وفاة الصديق يوماً واحداً فى استمرارها فقد علم المجاهدون بالنباً الأليم وتولى عمر بن الخطاب للخلافة أثناء عملهم القتالى ولم يكن لديهم وقت للحزن على رحيل الصديق طيب الله ثراه ، فكتموا أحزانهم فى قلوبهم وهم يقاتلون واستبشروا فى نفس الوقت بالقيادة الجديدة التى تسير بلا مواربة على نفس النهج .

وقد تناولنا طرفاً من عهد الخطاب ونحن نتحدث عن الفتوح فى عهد الصديق لأن الموضوع واحد و مترابط و متداخل . ولم تختلف السياسة قيد أنملة بين العهدين .. نفس الإندفاع الإيمانى السهل فى أعماق الإمبراطوريتين ، نفس المعاملة المثالية للأهالى عرباً كانوا أم عجماً . استغرق فتح فارس 10 سنوات و هذه فترة قصيرة للغاية ، و فارس ليست إيران فحسب بل هى إمبراطورية تمتد إلى العراق غرباً وإلى أعماق آسيا شرقاً ، وهناك بعض النهايات فى فتح إمبراطورية فارس حدثت فى عهد عثمان بن عفان .

تميز عهد بن الخطاب بالمعارك الحاسمة التى قسمت ظهر حكام الفرس وما نجم عن ذلك من تدفق ثروات رهيبة على الجنود ، ومن غنائم المدائن عاصمة الفرس كان نصيب الجندى المسلم 112 ألف درهم عيناً و هى تساوى 250 ألف دولار ( أى ربع مليون دولار ) وهذا يعطيك فكرة عن حجم الغنائم . وتم أسر 40 ألف من أبناء كبار و أشراف الفرس وتم بيعهم كرقيق .

كان عمر بن الخطاب على وعى وإدراك عميق لحديث رسول الله (ﷺ) ( ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم الدنيا ) ، فعندما تدفقت عليه ثروات كسرى وباقى علية القوم من الفرس أخذ يبكى ، وسأله الصحابة : لماذا تبكى وهذا موطن فرح لا موطن حزن ؟! فقال رضى الله عنه : ( لا والله ما فتح الله على قوم بهذا قط إلا جعل بأسهم بينهم و أُلقيت بينهم العداوة و البغضاء ) وكانت نبوءة خطيرة و فى محلها وسيظهر أثر هذا الرغد فيما بعد فى عهد عثمان بن عفان وما بعده وسيكون له تأثير فى أحداث الفتنة حيث بدأت تظهر مظاهر التكالب على الدنيا و السلطة . ولكن فى عهد عمر بن الخطاب وفى ظل سيطرته الُمحكمة على الأوضاع وفى ظل قدوته التقشفية فلم يحدث ما يعكر الصفو فى هذا المجال .

_ القدس :

حاصر المسلمون القدس وهرب القائد الرومى أرطبون إلى مصر و طلب أهل الكتاب أن يسلموا المدينة بلا قتال ، ولكن بشرط أن يسلموها لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب فوافق المسلمون ، وسافر عمر خصيصاً لهذا الغرض ، فالقدس تستحق أكثر من ذلك .

وقدم عمر ( العهدة العمرية ) وهى آية فى العلاقات السمحة بين الإسلام و المسيحيين ، وتضمنت عدم سكن اليهود مع المسيحيين بناءً على طلب الأخيرين ، وتضمنت تأمين حياة العسكريين الروم و انسحابهم ، كما حدث بالضبط بعد ذلك لدى دخول صلاح الدين للقدس ، وتضمنت شرط دفع الجزية مقابل الحفاظ على العقيدة المسيحية . ودخل عمر ومن معه كنيسة القيامة ورفض عمر أن يصلى فيها كما هو معروف حتى لا يؤخذ هذا مبرراً فيما بعد لتحويلها إلى مسجد ، وهى كنيسة مقدسة عند المسيحيين ويؤمنون أن المسيح مدفون فيها ، ثم زار المسجد الأقصى ، وكان المسيحيون قد حولوه إلى مكان لإلقاء القمامة احتقاراً لليهود ، وشارك عمر فى إزالة القمامة عن المسجد و قبة الصخرة .

نص العهدة العمرية

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيليا ( القدس ) من الأمان : أعطاهم أماناً لأنفسهم و أموالهم ولكنائسهم و صلبانهم ، وسقيمها وبريئها ، وسائر ملته ؛ أنه لا تُسكن كنائسهم ولا تُهدم ، ولا ينقص منها ولا من حيزها ، ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم ، ولا يُكرهون على دينهم ، ولا يُضار أحدُُ منهم ، ولا يُسكن بإيليا معهم أحدُُ من اليهود ( هذا بناءً على طلبهم ) .

و على أهل إيليا أن يعطوا الجزية كما يُعطى أهل المدائن ( عاصمة الفرس ) و عليهم أن يُخرجوا منها الروم واللصوص . فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم . ومن أقام منهم فهو آمن ، و عليه مثل ما على أهل إيليا من الجزية . ومن أحب من أهل إيليا أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلى بيعهم ( اى كنائسهم ) و صُلبهم ( أى صلبانهم ) فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم و صُلبهم حتى يبلغوا مأمنهم . فمن شاء منهم قعد و عليه مثل ما على أهل إيليا من الجزية ، ومن شاء سار مع الروم ، ومن شاء رحل إلى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم . و على ما فى هذا الكتاب عهد الله ، وذمة رسوله ، وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذى عليهم من الجزية ) 15 هجرية _ تاريخ الطبرى

و نحن نتحدى أن يجد أحد فى تاريخ البشرية وثيقة كهذه تحمل ضمانات قصوى من دولة عظمى منتصرة فاتحة ( غازية ) نقول تاريخ البشرية من قبل زمن هذة الوثيقة .. التى تعطى ضمانات حتى للروم المحاربين كى ينسحبوا بسلام ، وكل هذة الضمانات لحق العبادة ودور العبادة لدى مخالف لدين الفاتحين . بل إنه لدى الأوروبيين كان أصحاب كل مذهب يبيد أتباع المذهب الآخر ( الكاثوليك _ البروتستانت ) إلى حد التصفية و إلقائهم من أعلى المبانى واغتصابهم وهذا حتى القرن 17 م وعندما هاجر البروتستانت البريطانيون إلى أمريكا لم يبيدوا السكان الأصليين فحسب بل كانوا يعدمون أصحاب المذاهب الأخرى ، وكانت هناك عقوبة خرم العيون والآذان بالسيخ المحمى لأتباع مذهب ( الكويكرز ) على سبيل المثال .

بل إن الوثيقة المشابهة إلى حد أن تكون نسخة كاربونية هى عهد صلاح الدين الأيوبى لأهالى القدس عندما دخلها فى ظروف مشابهة بعد عدة قرون . بهذه المناسبة ( الوثيقة العمرية ) نقول إن بعض الجماعات الإسلامية و كأنها متخصصة فى الإساءة إلى الإسلام تنقل من كتب اخرى ( غير الطبرى ) وقد أُضيف إليها زيادات تتعلق بتمييز النصارى عن المسلمين بطرق مختلفة فهو أمر لم يكن معروفاً فى عهد عمر أو العهود الأولى عموماً [ أحمد خيرى العمرى _ استرداد عمر _ 2012 ]

كان أبو عبيدة بن الجراح حاكم الشام وكانت نصيحته الدائمة للمسلمين هناك ( انصحوا أمراءكم ولا تلهكم الدنيا ) ومات عن 85 سنة . كان رسول الله (ﷺ) يطلق على الشام أنها ( عُقر دار المؤمنين ) ولذلك يعتقد المسلمون دوماً أن المعركة الكبرى ستُحسم على أرض الشام ، هكذا كان وسيكون بإذن الله حتى قيام الساعة _ بعد هزيمة الروم ، كانت هزيمة الصليبيين فى الشام ( وتحديداً فلسطين ) وكانت هزيمة التتار ( وتحديداً فى فلسطين وهى جزء من الشام ) وفى عصرنا الحاضر تتوالى هزائم اليهود فى غزة ولبنان وستكون _ بإذن الله _ المعركة الفاصلة مع الكيان اليهودى على أرض فلسطين . وصمود الشعب الفلسطينى فى القدس والضفة الغربية و غزة رغم تخلى معظم حكام العرب عنهم هو آية من آيات الله .

ولو سألت أبناء الشعب الفلسطينى فسيرددون لك أحاديث رسول الله (ﷺ) ، فهم يؤمنون بصدق كل نبؤاته وهذا هو المهم كى تتحقق على أيديهم . تأثرت عندما سمعت طفلة فلسطينية مقطوعة الأيدى و الأرجل تحدثت بيقين عن أن فلسطين هى ( أرض المحشر و المنشر ) ويقول معاذ بن جبل عن رسول الله (ﷺ) أن الأرض المقدسة بين العريش و الفرات ، وفى رواية أخرى ( إن الله يبارك فيما بين العريش إلى الفرات و خص فلسطين بالتقديس )

فى بداية الدراسة نشرت هذة الأحاديث لكن يطيب لى أن أكررها مع هذا المناسبة العظمى ، أول دخول للمسلمين إلى فلسطين والقدس والمسجد الأقصى ..

إن أهل الشام وأزواجهم وذرياتهم وعبيدهم وإماءهم إلى منتهى الجزيرة مرابطون فمن نزل مدينة أو قرية من المدائن فهو فى رباط أو ثغر من الثغور فهو فى جهاد )

( إن أهل الشام سوط الله فى أرضه ينتقم بهم ممن يشاء من عباده )

( الملحمة الكبرى بأرض يُقال لها الغوطة و مدينة يُقال لها دمشق خير منازل المسلمين يومئذٍ )

( يا معاذ إن الله عز وجل سيفتح عليكم الشام من بعدى من العريش إلى الفرات رجالهم و نساؤهم وإماؤهم مرابطون إلى يوم القيامة ) فمن اختار منكم ساحلا من سواحل الشام وبيت المقدس فهو فى رباط إلى يوم القيامة .

الحلقة 103 من دراسة المستطيل القرآنى – الجزء الثانى

magdyahmedhussein@gmail.com

اترك رد

اكتشاف المزيد من مجدى أحمد حسين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading