ضد الحظر والحصار، ومع الحق في الدعوة لمقاطعة الاحتلال الصهيوني، الطاهر المعز

استثمرت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي مليارات الدولارات في أوكرانيا، التي أصبحت قاعدة أمامية لحلف شمال الأطلسي ، على حدود روسيا، وبعد الحرب، سوف تستحوذ الشركات الأمريكية وربما الأوروبية على عُقُود إعادة البناء، بينما تُعرقل هذه الدّول إعادة إعمار سوريا طالما لم تستفد منه شركاتها وطالما لم تحصل على عقود استغلال المحروقات، ولذلك يستمر الحصار والحَظْر حتى بعد الزلزال الذي تسبب في أضرار جسيمة في تركيا وخاصة في سوريا، وبعد الزلزال مباشرة، رفضت وزارة الخارجية الأمريكية إمكانية رفع العقوبات، لأن “التواصل مع الحكومة السورية يأتي بنتائج عكسية”، بحسب زَعْم الناطق باسمها، وبينما كانت الإعانات تتجه إلى تركيا (عضو حلف شمال الأطلسي) كان الشعب السوري الخاضع للحظر لمدة 12 عامًا يُعاني من الدّمار والخراب ومن الجوع والبرد، لأن حكومة الولايات المتحدة قرّرت أن  “تحرير الشعب السوري من نظام الحكم” يقتضي مُحاصرة البلاد وترك الشعب يموت بردًا وجوعًا في العراء، بدون مأوى، في أوج فصل الشتاء، فضلا عن الحرب العدوانية.

بعد سبعة أيام من وقوع الزلزال واليأس من وجود أحياء تحت الأنقاض، منحت الحكومة الأمريكية “إعفاء” مدته ستة أشهر يمكن للحكومة السورية بموجبه تلقي إمدادات الإغاثة قبل إعادة تطبيق الحظر…

إن نظام العقوبات الذي تفرضه الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون هو إجراء همجي، وحشي يعاني منه شعب كوبا وفنزويلا وإيران وسوريا والعراق وأفغانستان وكوريا الشمالية واليمن وليبيا الخ. إن “التدخل الإنساني” في يوغوسلافيا السابقة أو في آسيا أو في أفريقيا ذريعة لاحتلال البلدان وتفكيكها، أما “العقوبات” فتتحملها الشعوب التي تُعاني من نقص الغذاء والدّواء والطاقة، وهي قد تُضْعِفُ الأنظمة لكنها لا تُسْقِطُهَا، ومع ذلك يتلذّذُ حُكّام دول حلف شمال الأطلسي بمعاناة الشعب السوري، على أمل أن تساهم في سقوط النظام. أما حكومة تركيا، بقيادة الإخوان المسلمين، فهي تصادر المساعدات النادرة المخصصة لسوريا وتعيد توجيه جزء منها إلى مناطق سيطرة الجماعات الإرهابية.

 لقد فُرِضَ الحصار الغربي على الشعب السوري باسم “الإنسانية”، إلى جانب الحرب العدوانية بالوكالة، إذ تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها برعاية الجماعات الإرهابية وإطالة أمد الحرب، على أمل أن يثور السوريون اليائسون ضد الحكومة المتحالفة مع روسيا وإيران والتي تطالب بالسيادة الكاملة على أراضيها المُحْتَلّة بالجولان.

ساهمت الولايات المتحدة في إنشاء منطقة شاسعة (حوالي ثُلث مساحة البلاد) خارج سيطرة الدولة السورية في شمال شرق البلاد، لصالح الميليشيات العشائرية الكردية وفي مناطق أخرى لصالح مجموعات إرهابية أخرى، تهيمن عليها فروع تنظيم القاعدة وجماعة الدولة الإسلامية والجماعات المدعومة من تركيا، وتنهب الولايات المتحدة ثروات سوريا، منها المحروقات والإنتاج الفلاحي، وتعمل الولايات المتحدة وقوى خارجية أخرى على إطالة أمد الحرب وإغلاق الحدود، بهدف قلب النظام السوري بأي وسيلة ممكنة، ما يُشكّل اعتداءً على سيادة دولة أخرى عضو في الأمم المتحدة، وهذا ما حدث في يوغوسلافيا وأفغانستان والصومال والعراق وليبيا وكذلك في سوريا …

إن عدوان الولايات المتحدة وحلفائها عمل إجرامي، وما الحصار سوى سلاح دمار شامل يُؤدّي إلى إبادة جماعية، وما نهب الموارد السورية سوى سرقة مَوْصُوفَة، ولذلك من الضروري إلغاء العقوبات لأنها عقاب​​ جماعي وقتل للسكان.

عندما يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني، تُجَرِّمُ الولايات المتحدة وحلفاؤها حق المقاطعة، فقد تم سن قوانين تهدف إلى معاقبة الأشخاص والشركات التي تقاطع المحتل الصهيوني في عشرات الولايات الأمريكية، كما في دول مثل ألمانيا وفرنسا، مما يهدد بتقويض المبادئ الديمقراطية، وفي الولايات المتحدة كما في أوروبا، يهاجم المشرعون وجماعات الضغط حقوق المدافعين عن القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، في محاولة لإلغاء حقهم في حرية التعبير والمقاطعة السياسية، وهي الحقوق التي تضمنها الدساتير.

في تشرين الأول/أكتوبر 2022، تم سن قوانين وأوامر تنفيذية تهدف إلى معاقبة المشاركين في مقاطعة الكيان الصهيوني في 34 ولاية أمريكية يسكنها أكثر من 250 مليون مواطن، ويُطالب أرباب العمل في القطاعين العام والخاص موظّفي شركاتهم ومؤسساتهم بـ “التزام بعدم مقاطعة إسرائيل”، ويحدث ذلك في دولة ديمقراطية (من حيث المبدأ)، ومن المفروض أن لا يسمح النظام الديمقراطكي لأي حكومة بالتدخل في الخيارات السياسية لفرد أو مجموعة.

إن الرسالة المُوَجَّهَة إلى المواطنين الأمريكيين والأوروبيين – من وراء تجريم مقاطعة الكيان الصهيوني – واضحة، مفادها: إن كل من يُحاول محاسبة الكيان الصهيوني على جرائمه (الشبيهة بجرائم المُستوطنين الأوروبيين بأمريكا الشمالية والجنوبية ضد السّكّان الأصليين)، فسوف يدفع ثمناً باهظاً، ولهذه الرّسالة تداعيات بعيدة المدى، لأن قوانين تَجْرِيم ومكافحة المقاطعة لا تحد فقط من أنشطة المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني، بل هي اعتداء على حقوق المواطنين الذين يناضلون من أجل العدالة، وتُجَرّد هذه القوانين الزّجرية المواطنين من حقهم في الانخراط في أي عمل سياسي، من قبيل المقاطعة لدوافع سياسية أو الدعوة إلى العدالة والتغيير السياسي، في الداخل والخارج على حد سواء.

إن هؤلاء المُشَرِّعِين والمسؤولين الحكوميين الذين يفرضون حظرًا على شعوب كوبا وإيران وسوريا وشعوب أخرى، هم أنفسهم الذين يَدْعُون إلى مقاطعة الأحداث الرياضية عندما تقام في موسكو أو بيكين، لكنهم يحظرون على المواطنين استخدام الوسائل السلمية، مثل مقاطعة الدّولة الصّهيونية المارقة، ويسنّون قوانين لمعاقبة المواطنين والمؤسسات الداعمة للشعب الفلسطيني!

اترك رد

اكتشاف المزيد من مجدى أحمد حسين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading