في الذكرى الثالثة للاتفاقات الإبراهيمية، تثير آفاق التطبيع انقسامًا أكبر في منطقة شمال أفريقيا

فيما تحتفل الولايات المتحدة بالذكرى الثالثة لتوقيع الاتفاقات الإبراهيمية، التي تهدف إلى التطبيع مع إسرائيل وإقامة علاقات اقتصادية وسياسية مشتركة بينها وبين العالم العربي، ثمة ثلاث دول مجاورة في شمال أفريقيا تُعدّ حكوماتها من بين أكثر الحكومات مناهضةً للتطبيع. فبين مصر، التي كانت الأولى في إبرام اتفاق سلام مع إسرائيل، والمغرب، الذي أقام علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في كانون الأول/ديسمبر من العام 2020، تقع الجزائر وتونس وليبيا التي تعارض جميعها بشدّة التطبيع، ما يفاقم الانقسام في هذه المنطقة المتشرذمة.

تُعدّ منطقة شمال أفريقيا إحدى أقل المناطق تكاملًا على الصعيد الاقتصادي في العالم، ناهيك عن أنها منقسمة سياسيًا على خلفية النزاع على الصحراء الغربية، الذي تطال تداعياته المنطقة بأكملها. مؤخرًا، أعادت الجزائر فتح مجالها الجوي أمام الطائرات المغربية للسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المغرب عقِب الزلزال الذي ضرب المغرب في 8 أيلول/سبتمبر الجاري وبلغت قوته 6.8 درجات، وكان مركزه بالقرب من مدينة مراكش. يُشار إلى أن المجال الجوي الجزائري كان مغلقًا أمام المغاربة منذ شهر أيلول/سبتمبر 2021. مع ذلك، لا يجب اعتبار هذه البادرة مؤشرًا على حدوث مصالحة في المنطقة، بل واقع الحال هو أن قرار التوقيع على الاتفاقات الإبراهيمية أو التطبيع بأي شكل مع إسرائيل قد يؤدي إلى عزل المغرب أكثر عن الدول المجاورة.

كان المغرب رابع دولة عربية وقّعت اتفاقًا مع إسرائيل، بعد البحرين والإمارات العربية المتحدة والسودان. فقد وقّع المغاربة والأميركيون والإسرائيليون إعلانًا مشتركًا في كانون الأول/ديسمبر 2020 اعترفت الولايات المتحدة بموجبه بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. وأكّدت هذه الخطوة على نية المغرب وإسرائيل السماح بتسيير رحلات جوية مباشرة ومنح حقوق استخدام المجال الجوي، وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة، وتعزيز التعاون في المجال الاقتصادي، وفي مجالات أخرى تشمل التجارة والمالية والاستثمار والتكنولوجيا والطيران المدني والزراعة والسياحة والطاقة، وقد تم تحقيق معظم هذه البنود.

لكن دول شمال أفريقيا الأخرى أبدت وجهة نظر معارِضة. ففي حين أن جزءًا كبيرًا من المنطقة بعيدٌ جغرافيًا عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، استضافت تونس منظمة التحرير الفلسطينية بين العامَين 1982 و1991. وخلال تلك الفترة، استهدفت القوات الجوية الإسرائيلية مقر المنظمة وتسبّبت بمقتل 47 شخصًا وإصابة 65 آخرين، من ضمنهم مدنيون تونسيون. لذلك، يُعتبر الشعب التونسي أكثر وعيًا بالقضية الفلسطينية وأشدّ ارتباطًا بها من دول عربية بعيدة أخرى.

لطالما جاهر الرئيس التونسي قيس سعيّد بمعارضته القوية للتطبيع مع إسرائيل. ففي أيار/مايو 2021، وصف من يُقيمون العلاقات مع إسرائيل بـ”الخونة”، وشدّد على ذلك في آب/أغسطس 2023 عندما قال إن التطبيع يشكّل “خيانة عظمى“. وفي الوقت نفسه، بدأت تونس بدراسة مشروع قانون لتجريم التطبيع مع إسرائيل.

حذت حكومة سعيّد أيضًا حذو الحكومات التي سبقتها، ومنعت الرياضيين الإسرائيليين من المشاركة في الفعاليات الرياضية التي تستضيفها تونس. وفي العام 2020، هاجمت وزارة الخارجية التونسية نجمة كرة المضرب أُنس جابر وشريكتها في اللعب الثنائي شيراز بشري لتباريهما ضد رياضيتَين إسرائيليتَين في كأس بيلي جين كينغ لكرة المضرب. في الواقع، يتأثّر موقف تونس بالجزائر، التي كانت أبرز مؤيِّد لسعيّد عقب انقلابه في تموز/يوليو 2021، ناهيك عن أنها من الدول القليلة المستعدة لتقديم الدعم المالي لحكومته السلطوية.

كذلك، أعادت الجزائر مرارًا التأكيد على رفضها التطبيع مع إسرائيل. وعقب الاتفاق الثلاثي بين الولايات المتحدة والمغرب وإسرائيل الذي قايض التطبيع مقابل الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، اكتسبت الحكومة الجزائرية جرأةً متزايدة في خطابها المناهض للمغرب وإسرائيل. لقد استخدم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الاتفاقات الإبراهيمية كعذر لتوطيد علاقة بلاده مع إيران، ومواجهة ما يعتبره محور المغرب-إسرائيل.

أما ليبيا، فقد برز بوضوح رفضها الرسمي للتطبيع مع إسرائيل في أواخر آب/أغسطس، حين أوقف رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش عن العمل بعد أن سرّب وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين خبر لقائه بها قبل أسبوع، ما أرغمها على مغادرة البلاد. أقرّت ليبيا في العام 1957 قانونًا ينصّ على عدم مشروعية تطبيع العلاقات مع إسرائيل. ومع ذلك، أفادت تقارير صادرة في العام 2021 أن صدام حفتر، نجل أمير الحرب الليبي خليفة حفتر، زار إسرائيل في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 لطلب المساعدة لمعسكر والده مقابل التطبيع بين إسرائيل وليبيا.

من المستبعد أن تحلّ منطقة شمال أفريقيا نزاعاتها قريبًا، لكن ذلك لا يُعزى بالضرورة إلى الخلافات الناجمة عن التطبيع مع إسرائيل. أولًا، قد تكون الحكومة المغربية معزولة في موقفها هذا، لكن شعبها أقل عزلة. فعلى الرغم من دعم الحكومة القوي للتطبيع، لا يزال الرأي العام في جميع أنحاء المنطقة معارضًا له إلى حدٍّ كبير. فوفقًا لاستطلاع أجراه المؤشر العربي للعام 2022، أيّد 20 في المئة فقط من المغاربة الاعتراف الدبلوماسي لبلادهم بإسرائيل (وهي النسبة الأعلى في العالم العربي، تليها 18 في المئة في السودان و13 في المئة في مصر والكويت). أما في دول شمال أفريقيا الأخرى، فقد كانت النسب متدنّية للغاية، بحيث أيّد 4 في المئة فقط من التونسيين، و2 في المئة من الليبيين، وأقل من 1 في المئة من الجزائريين الاعتراف بإسرائيل.

ثانيًا، تزامن توطيد العلاقات التونسية الجزائرية مع حدوث خلاف بين تونس والمغرب. وبرز ذلك بوضوح في آب/أغسطس 2022 بعد أن رحّب سعيّد ترحيبًا علنيًا وحارًّا بإبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو التي تقاتل القوات المغربية في الصحراء الغربية، في تونس خلال مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في أفريقيا. وعلى الإثر، استدعى المغرب سفيره لدى تونس، وردّت تونس بالمثل فاستدعت سفيرها لدى الرباط.

في غضون ذلك، من المستبعد أن يؤثّر رفض الجزائر وتونس وليبيا التوقيع على الاتفاقات الإبراهيمية بشكل سلبي على العلاقات مع الولايات المتحدة. فحتى قبل إبرام هذه الاتفاقات، كان المغرب إلى حدٍّ بعيد الدولة الأكثر تأييدًا للولايات المتحدة في شمال أفريقيا. واعتبرت واشنطن، بدورها، أن الشراكة مع المغرب أعمق وأهم من علاقاتها مع تونس أو الجزائر أو ليبيا. يُعدّ المغرب الدولة الوحيدة في القارة الأفريقية التي أبرمت اتفاق تجارة حرة مع الولايات المتحدة، ناهيك عن أنه حليف أساسي لها من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو). صحيحٌ أن انخراط الحكومة الأميركية مع تونس ودعمها لها قد ازدادا لفترة وجيزة عقِب انتفاضة 2010-2011، إلا أن هذا الدعم تضاءل بشكل كبير بعد الخطوات التي اتّخذها سعيّد وأدّت إلى تقويض الحقوق والحريّات في البلاد. علاوةً على ذلك، ركّزت الحكومة الأميركية على مساعي ضمّ السعودية إلى الاتفاقات الإبراهيمية أكثر من تركيزها على دول شمال أفريقيا.

في حال واصلت الجزائر وتونس وليبيا اعتراضها الشديد على الاتفاقات الإبراهيمية، من المستبعد أن يُحدث ذلك تغييرًا ملحوظًا في علاقاتها مع واشنطن. مع ذلك، لا بدّ من الانتظار لرؤية ما إذا كانت عزلة الحكومة المغربية المتزايدة عن جيرانها – على خلفية الصحراء الغربية أو العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية المتنامية مع إسرائيل – ستفاقم حدة الخلافات في منطقة منقسمة أساسًا.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.

سارة يركيس

والمدونة أيضا تنشر على سبيل المعرفة بمواقف غربية

اترك رد

اكتشاف المزيد من مجدى أحمد حسين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading