من سايكس بيكو الى كامب دافيد – بقلم: محمد شريف كامل


من سايكس بيكو وحتى كامب دافيد مرت امتنا العربيه بعدة مراحل عنوانها السعي للتحرر وبناء الوطن اقليميا وقوميا، وقد كانت سايكس بيكو هي أول خطوات تقسيم الأمة المريضة، الأمة العربية هي المريضة وليست الدولة العثمانية، الى عدة دول، زُرع في كل منها عوامل الفرقه بهدف خلق بؤر توتر لتكون بمثابة ألغام يُمكن تفجيرها في أي لحظة لتكون بمثابة أداة تدمير ذاتي من داخل تلك الكيانات المسماه “الدول”. فلا توجد دولة من تلك الدويلات العربيه إلا وأطاح بها صراع لغوي أوعقائدي أوطائفي، حتى أن منها من أبتكر صراعات قومية محلية.

ولو أن الشعوب العربيه أدركت ذلك الواقع مبكراً ولو أنها عرفت كيف تتعامل معه بوعي لما وصلنا لما نحن عليه الأن، فلقد فشلت أغلب النظم الوليده عن جهل أو إهمال أو تعمد في تصحيح ذلك الوضع وإحداث اللُحمه الأقليميه، بل إن بعضها إستخدم صراعات الحدود المفتعله لتمكينه من الحكم بتأجيج الصراعات المحليه، وأستقوت بعض تلك النظم المفتعلة بالقوى الغربيه، مستحدثة منظومة سايكس بيكو، لإعانتها على البقاء في الحكم على حساب تغذية النعرات الطائفيه ومحاربه كل الثورات وكل مشروعات النهضه.

وإن كان ذلك هو نتاج عصر سايكس بيكو الذي بلغ نهاية صلاحيته بهزيمة الإستعمار المباشر من خلال معارك التحرر في الخمسينات والستينات والتي إمتدت لتشمل أفريقيا وجنوب شرق أسيا، إلا أنها لم تصمد طويلا في وجه القوى الامبريالية البديلة والتي تمثلت في الولايات المتحده ومن تبعها من بقايا الإمبراطوريات الأوروبيه.

ولا ننسى أو نتجاهل أن القوى الوطنيه العربيه الشعبيه منها والرسميه حاولت أن تستفيد من الحرب البارده وتمكنت من تحقيق بعض النجاحات المحدودة، إلا أنه مع سيطرة الثورة المضاده على الحكم في مصر في مطلع السبعينات وسعيها لتوطيد حكمها عن طريق تسليم كل الأوراق للولايات المتحده، إنغمست المنطقة في طريق التفريط الذي تم إدارته بمكر شديد من قبل دول الرجعية العربيه وأجهزة مخابراتها التي خططت لكامب دافيد والتي بموجبها بدء إنحصار الدور العربي، وتحولنا من عصر سايكس بيكو الى عصر السيطرة الامريكيه الكامله.

وقد أُفتتحت تلك المرحلة بتمكين ديكتاتوريات غير وطنيه تستتر وراء ديمقراطيات مسرحية معتمدة على أحزاب كرتونيه جسدت التدهور الفكري العربي، الذي جعل من تلك الأحزاب أصنام تُعبد ولو على حساب الوطن فأضافت طبقة إنقسام جديده ليصبح الإنقسام طوليا وعرضيا، طائفيا وعرقيا وأيدلوجيا.

وبدلا من ندرك حقيقة تلك المصيدة ونسعى لتفكيك ألغامها، تحولنا لأدوات تأجيج للصراعات الاقليميه الداخليه والحدودية وتسابقنا في مجال التخوين والإقتتال الداخلي والإقليمي، فاليسار والليبراليين ضلوا الطريق بالسقوط في فخ الثورة المضادة والإستقواء بها على التيار الديني، وأدمن التيار الديني العيش في جلباب الماضي الذي دفع هو ثمنه بمعادته غير المنطقية للتيارات القومية واليسارية، فأكتملت بذلك صورة الإنقسام ليصبح السنة والشيعة والموارنة والبربر والأكراد والعلويين….وغيرهم جميعا أعداء وكل منهم يستقوى بالعدو الحقيقي. وأصبحت تركيا وإيران هما العدو وسقطت جامعه الحكومات العربيه سقوطا مدويا فلم يعد لعا أي إعتبار أو قيامه.

وتلى ذلك مرحلة الإستسلام الكامل والتي بدأت بالتأمر على إسقاط العراق بأخطاء نظامه وتأمر جيرانه، ثم تحويل الرييع العربي الى خريف دائم، والذي تلاه حصار الدول العربيه بعضها البعض، وأصبح ثمن البقاء في الحكم هو تغذية الخزينة الأمريكيه بأموال البترول لتكديس سلاح لا يمكن أن يستخدم إلا فيما تقره المصلحة الأمريكيه وحسب.

وكان إسقاط الوعي العربي من أخطر نتائج كامب دافيد، والتي ساهمت وأدارت عملية إلغاء قرار الأمم المتحده لتعريف الصهيونيه كحركة عنصريه، وصدر الأمر بتجريم المقاطعة العربيه لذلك الكيان، فكانتا طعنتان في صدر الأمه وأهم الخطوات التي مثلت رده حقيقيه قادتها الرجعية العربيه عن طريق النظام المصري حين ذاك، فأنتقلت السيطرة ومركز الثقل من الولايات المتحدة لتصبح السيطرة الفكرية والإقتصادية والسياسية للكيان الصهيوني.

وبعد أن كانت أفريفيا هي العمق العربي، والتي مثلت مركز ثقل حقيقي مغلق تماما أمام الكيان الصهيوني، تحولت أفريقيا، عن طريق ذلك النظام المصري، إلى مرتع للموساد تنُفذ فيها المشروعات والمؤامرات في غياب كامل للدول العربيه، حتى أنه  قد تم تخريب الموارد الطبيعيه والأساسيه للشعب العربي، ليس فقط تحت نظر وسمع تلك الأنظمة، بل ومباركتها.

ومع تلك التنازلات المريره، تحول الصراع العربي-العربي الى سباق تنازلات، فمن ذلك الذي يفوز أولا بالتطبيع العلني مع الكيان الصهيوني؟ ثم إنتقلنا لمرحلة التزييف المعلن بلا حياء أو تردد، فأفسدنا الوعي العربي وأستبدلنا وعينا بيقين مزيف، فأصبح ثمن البقاء في الحكم ليس إرضاء صناع سايكس بيكو ولا إرضاء الولايات المتحده، بل أصبح إرضاء الكيان الصهيوني هو الطريق لكرسي الحكم وتاج الملك.

ولم يدرك أغلبنا بعد، أننا لا نتصارع إلا على أنقاض أمة مسلوبة الموارد ومسلوبة الإراده، فلقد قُسمت السودان فعليا ويتم اليوم تقسيم ما تبقى منها، وقسمت العراق واليمن وليبيا وسوريا وإن لم يكن تقسيمهم رسميا إلا أنهم قُسموا عمليا، وأصبحت قضية الصحراء الغربيه أداة في يد الصهيونيه للتمكين من الوقيعة العربيه، وأُسقطت مصر من كل الحسابات فلم يعد يراها أحد .


وبالرغم من تلك الصورة القاتمه فطريق الخلاص والتقدم واضح، يبدأ بإدراك كل ما تقدم وأن تدرك كل القوى السياسية الوطنيه التي لم تتخاذل أو تفرط أنه علينا أن تتشابك أيدينا مؤجلة الخلاف الأيدولوجي الى ما بعد إنقاذ الوطن، إن كل الثورات والحركات الوطنيه التي مرت بنا كان هدفها واحد وعمل زعمائها على تحقيقها وعلى إنقاذ الوطن وعلو شأنه، كانت تلك صحوات الربيع العربي كما كانت ثورات التحرر في الاربعينات والخمسينات.


علينا أن ندرك ان كل هذه الحركات الوطنيه التي مرت ببلادنا والتي بلا شك قد إختلفت رؤاها السياسه، كان هدفها المصلحة حتى وإن أخطئت، ولذا علينا أن نبني على إيجابياتها ونتعلم من أخطائها، علينا أن نتوقف عن محاربة بعضنا البعض، فهذا ما صنعه ويغذيه الفساد والأستعمار وكل أعداء الأمة من الداخل والخارج.


فقط حين ذلك نستطيع أن نبني مشروع وطني لإسقاط السيطرة الاستعماريه والفساد ونطمح في التغيير والنهضة الحقيقية.

اترك رد

اكتشاف المزيد من مجدى أحمد حسين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading